1 min read
محاسبة القاصرين عن الجرائم الخطيرة المرتكبة في سوريا

محاسبة القاصرين عن الجرائم الخطيرة المرتكبة في سوريا

الجزء الأول: الأطفال الجناة في أوروبا

محاسبة القاصرين عن الجرائم الخطيرة المرتكبة في سوريا

الجزء الثاني: الأطفال الجناة المحتجزون من قبل قوات سوريا الديمقراطية والسلطات العراقية

هذا هو التقرير الموجز الثاني في سلسلة مكونة من جزأين تهدف إلى الإجابة على السؤال المتعلق بكيفية تعامل السلطات الوطنية والإقليمية والدولية مع الأفراد الذين ارتكبوا جرائم في سوريا عندما كانوا قاصرين. حيث إن التقرير الموجز الأول ركز على الجناة من الأطفال في أوروبا. أما هذا الموجز فيركز على الجناة من الأطفال الموجودين حاليًا في مناطق شمال شرق سوريا والخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفي العراق، ويسلط الضوء على الاعتبارات الرئيسية للتغلب على الديناميكيات المعقدة التي تكتنف وضع هؤلاء الأطفال.

خلفية

منذ هزيمة تنظيم داعش في عام 2019، اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية والسلطات العراقية آلاف الأطفال المنتمين إلى تنظيم داعش. ففي سوريا، هناك حوالي 60ألف فرد من عائلات يُشتبه في انتمائهم لتنظيم داعش محتجزون إلى أجل غير مسمىً في مخيمي الهول وروج في ظل ظروف قاسية، حيث مات العديد من الأطفال لأسباب كان من الممكن تفاديها. وتقدّر التقارير أن أكثر من 300 صبي قد تم فصلهم عن أمهاتهم ونُقلوا إلى مرافق احتجاز أخرى، بمعزل عن العالم الخارجي. وتم احتجاز أكثر من 800 طفل خارج هذه المخيمات من قبل قوات سوريا الديمقراطية حتى عام 2021.

وبحلول نهاية عام 2021، كان أكثر من ألف طفل رهن الاحتجاز من قبل السلطات العراقية بتهم تتعلق بالإرهاب على خلفية انتمائهم المزعوم لجماعات مسلحة، وتحديدًا تنظيم داعش. وكان معظم هؤلاء الأطفال من الصبيان الذين تتراوح أعمارهم بين 15و17عامًا، ولكن كان هناك أيضًا أطفال صغار لم يتجاوزوا التاسعة من العمر تم احتجازهم على أساس أدلة مشكوك في صحتها، وفي بعض الحالات، تم انتزاع الاعترافات تحت وطأة التعذيب. وفي حين أن إنشاء لجنة قضائية خاصة للفصل في قضايا الأحداث المتعلقة بتنظيم داعش كان بداية بارزة، إلا أن اللجنة تم حلها بعد ذلك بوقت قصير. وبالتالي، استمر احتجاز الأطفال إلى أجل غير مسمىً في "مدارس إعادة تأهيل الشباب" التي ترقى إلى مستوى مراكز احتجاز البالغين.

تفرقة

تعدّ الصلة بين الأطفال والجرائم التي ترتكبها الجماعات المسلحة ضعيفة. حيث تم تجنيد بعض الأطفال للقتال، بينما كان البعض الآخر طهاة وسائقين أو كانوا مجرد أقارب لمن تورطوا في الانخراط في الجماعات المسلحة. ومع ذلك، فقد تعاملت السلطات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية مع هؤلاء الأطفال مثل البالغين، على الرغم من تفاوت درجة مشاركتهم في الأعمال العدائية والمعايير القانونية الدولية – ومنها مبادئ باريس والمبادئ التوجيهية بشأن الأطفال المرتبطين بقوات مسلحة أو جماعات مسلحة ("مبادئ باريس") - التي تنص على أنه لا ينبغي تجريم الأطفال لمجرد الانتماء إلى جماعة إرهابية. وبدلًا من ذلك، ينبغي للسلطات أن تنظر في الظروف المحيطة بمشاركة الطفل في النزاع وخطورة الجرائم المزعومة لتحديد الأطفال الذين ينبغي محاسبتهم وإلى أي حد.

أولًا، عند التعامل مع الأطفال المحتجزين، يجب على السلطات الالتزام بمراجعة الملامح التعريفية للأطفال وإجراء تقييمات للمخاطر لكل حالة على حدة، ثم احتجاز الأطفال كملاذ أخير فقط. حيث ينبغي أن يكون لدى السلطات سبب مقنع للاعتقاد بأن طفلًا تورّط في جريمة خطيرة من أجل إبقائه محتجزًا، وعليها تُطبّق المعايير الدولية لقضاء الأحداث. وبناءً على تقييم المخاطر، ينبغي إطلاق سراح الأطفال الذين يُعتبرون غير متورطين في جرائم خطيرة. وكجزء من عملية التقييم، ينبغي على السلطات العمل مع مختصي الدعم النفسي والاجتماعي ذوي الوعي الثقافي للنظر في الحالة العاطفية والسلوكية للطفل لتحديد ما إذا كان ينبغي على الطفل المشاركة في برنامج إزالة التطرف وإعادة الإدماج.

ثانيًا، يجب على السلطات استخدام ممارسات الاستجواب التعاونية للحصول على شهادات ذات مصداقية واحترام حقوق الأطفال المنصوص عليها في المعايير القانونية الدولية. حيث يشير التوثيق الذي جمعته منظمات مختلفة من الأطفال المحتجزين إلى أنهم يتعرضون للتعذيب بصورة منتظمة لانتزاع اعترافاتهم. ولا ينبغي تحت أي ظرف من الظروف تعذيب الأطفال، ويجب احترام المادة 19من اتفاقية حقوق الطفل ("CRC") بشأن حظر العنف النفسي أو الجسدي ضد الأطفال، وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.

ثالثًا، يجب على السلطات السماح للأطفال الذين تبلغ أعمارهم 14 عامًا أو أقل بالبقاء تحت وصاية والديهم أو مقدم الرعاية الأساسي في حالة عدم وجود سبب مقنع للاعتقاد بأن الطفل يشكل تهديدًا وشيكًا لمجتمعهم أثناء بقائه مع الوصي. حيث إنه في كل من العراق وشمال شرق سوريا، تم فصل الأطفال عن والديهم ووضعهم في مراكز الاحتجاز، غالبًا دون اتصال بأوصيائهم، حيث يتعرضون لخطر التطرف من قبل المحتجزين الآخرين. ولكن اتفاقية حقوق الطفل تنص على أنه لا ينبغي فصل الأطفال عن والديهم أو مقدمي الرعاية الأساسيين إلا إذا كان الفصل هو الإجراء الأقل تدخلًا لتأمين المصلحة الفضلى للطفل.

الإجراءات القانونية الواجبة

يتم احتجاز الأطفال دون تهمة رسمية في كلا المنطقتين. وبغض النظر عن وضع لائحة الاتهام الخاصة بهم، فإنهم محتجزون في بيئات غير إنسانية تتسم بالاكتظاظ وعدم كفاية الغذاء والماء وسوء الصرف الصحي. كما يُحرمون من الاتصال بأوصيائهم وليس لديهم "وسيلة عملية للطعن في قانونية احتجازهم" بسبب القيود المفروضة على المساعدة القانونية. وينبغي على السلطات اتخاذ الخطوات التالية لحماية حقوق الإجراءات القانونية الواجبة للأطفال المحتجزين.

أولًا، ينبغي احتجاز الأطفال في مرافقمنفصلة عن البالغين للحد من العنف الجسدي والاستغلال الجنسي والصدمات النفسية والاجتماعية والتعرض للتلقين العقائدي من قبل الأيديولوجيات المتطرفة. حيث يُعد إيواء الأطفال في زنزانات داخل نفس الجناح في مرافق البالغين غير كاف. بدلًا من ذلك، ينبغي وضع الأطفال في أجنحة منفصلة لضمان تقليل احتكاكهم مع البالغين.

ثانيًا، ينبغي تدريب الموظفين على ممارسات الاحتجاز المصممة خصيصًا لاحتياجات الأطفال والتي تتضمن معايير قضاء الأحداث. والتي تشمل تزويد الأطفال بوقت يومي يقضونه في الهواء الطلق، والاتصال المتكرر والمنتظم بأفراد عائلاتهم، والرعاية النفسية والطبية، وفرص الأنشطة التعليمية والمهنية والترفيهية، وغيرها من الأحكام لحماية رفاههم العام. وينبغي منح المراقبين الدوليين حق الوصول إلى هذه المرافق لتقييم الطريقة التي يتم معاملتهم بها وظروف احتجازهم.

ثالثًا، يجب محاكمة الأطفال كأحداث جناة وفقًا للمعايير الدولية لقضاء الأحداث. وعلى هذا النحو، ينبغي منح الأطفال حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة، ومنها تعجيل إجراءات ما قبل المحاكمة، والحصول على محام، وأحكام قضائية عادلة. وعندما يحاكم البالغون على جرائم ارتكبوها وهم أطفال، ينبغي أن تكون العقوبة متناسبة مع عمر الجاني وقت ارتكاب الجريمة، وظروف وقوع الجريمة وخطورتها.

الخلاصة

يواجه القاصرون الذين حوكموا وإما أُدينوا أو أطلق سراحهم في العراق وسوريا تحديات لوجستية ومجتمعية خاصة ضمن الخدمات الاجتماعية والأنظمة القضائية التي تعاني من نقص الموارد في كل منطقة على حدة. حيث إن العديد من الأطفال المولودين لأعضاء تنظيم داعش، وخاصة أولئك الذين أمضوا معظم أو كل حياتهم في مخيمات الاحتجاز، هم فعليًا عديمو الجنسية. ففي سوريا، لا تُمنح الجنسية إلا من خلال الأب، وبينما يمكن منح الجنسية العراقية عن طريق الأم، يفتقر العديد من سكان المخيم إلى الوثائق اللازمة لإثبات الجنسية.

علاوة على ذلك، فإن إعادة إدماج الأطفال المنتمين إلى تنظيم داعش في العراق وسوريا يعني الدخول إلى مجتمعات لا تزال تواجه العنف والصدمة الجماعية جرّاء سيطرة تنظيم داعش، حيث إن السكان المحليين قد يكونون معاديين أو غير متقبلين لهم. وبينما تختلف المواقف تجاه المصالحة مع أعضاء داعش السابقين وعائلاتهم من مجتمع لآخر، يجب وضع برامج إعادة التأهيل التي تزود السلطات المحلية بالموارد اللازمة لضمان عدم إعادة تعرض الأطفال للصدمات النفسية أو للمزيد من العنف عند عودتهم إلى المجتمع. وينبغي على المانحين الدوليين وأعضاء التحالف الدولي تخصيص الموارد لقوات سوريا الديمقراطية والمنظمات على أرض الواقع لتيسير برامج من هذا القبيل.

وأخيرًا، ينبغي أن تضمن عمليات إعادة التأهيل والمساءلة المحلية غير العقابية أن الخدمات المقدمة للأطفال الذين شاركوا في النزاع المسلح تقدم نهجًا شاملًا للمجتمع المحلي، وألا تبدو وكأنها تعطي الأفضلية بشكل غير عادل للمقاتلين السابقين أو المنتسبين للجماعات المسلحة على حساب الأطفال الذين يفتقرون إلى مثل هذا الانتماء. وينبغي على الجهات الفاعلة التي تعمل على تقييم وإدماج الأطفال المحتجزين النظر في التأثير الشامل لخدماتها على المجتمعات المحلية للحد من النزاع بين المجتمعات المحلية وإعادة إصابة الأطفال بصدمات نفسية، وضمان اتباع نهج عادل.

______________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.