2 min read
داخل محاكمة أنور رسلان #55: الناجون هم أبطال هذه المحاكمة

داخل محاكمة أنور رسلان #55: الناجون هم أبطال هذه المحاكمة

محاكمة أنور رسلان

المحكمة الإقليمية العليا – كوبلنتس، ألمانيا

التقرير 55 لمراقبة المحاكمة

تاريخ الجلسة: 8 كانون الأول/ديسمبر، 2021

تحذير: تتضمن بعض الشهادات أوصافاً للتعذيب.

الملخّص/أبرز النقاط: [1]

اليوم المائة وسبعة – 8 كانون الأول/ديسمبر، 2021

كان هذا هو اليوم الأول للبيانات الختامية من قبل المدّعين ومحاميهم. حيث استمعت المحكمة إلى أربعة ناجين انضموا إلى المحاكمة كمدّعين، وقدّم كل منهم بيانه الخاص. وشددوا جميعًا على الأهمية الشخصية للمحاكمة في حياتهم. كما قال المدّعون إنهم يرون أنفسهم ممثلين لجميع الضحايا الذين لم ينجوا من الفرع 251 وكل من لا يزال معتقلًا في سجون الحكومة السورية.

كما قدّم محامو أربعة مدّعين بياناتهم الختامية التي أشاروا فيها بإيجاز إلى تجارب الاعتقال الفردية لموكليهم. كما أشار المحامون إلى بعض الانتقادات التي وُجِّهت إلى المحاكمة، مثل: عدم اعتبار تهمة الحرمان من الحرية جريمة ضد الإنسانية، وعدم تقديم ترجمة فورية للجمهور، وعدم تسجيل البيانات الختامية والنطق بالحُكم على الأقل. وخلص أحد محامي المدّعين إلى أن الناجين الذين أدلوا بشهاداتهم هم أبطال المحاكمة. وطالب جميعُ المحامين بسجن أنور مدى الحياة والحُكم بجسامة الجُرم على نحو خاص، وجاء ذلك موافقًا تمامًا لما طالب به المدّعون العامون في الأسبوع السابق.

اليوم المائة وسبعة – 8 كانون الأول/ديسمبر، 2021

بدأت الجلسة الساعة 9:35 صباحًا بحضور ثمانية أشخاص وأحد عشر صحفيًا. قام مصوران بالتقاط مقاطع فيديو وصور قبل بدء الجلسة. ومثل الادّعاء العام المدّعيان العامان كلينجه وبولتس.

فتحت رئيسة الجلسة القاضي كيربر المجال للمدّعين لإلقاء بياناتهم الختامية. وأوضحت أنه يمكن للجميع أن يقرروا بحرية ما إذا كانوا يريدون التحدث من مقاعدهم أم من المنصة في مقدمة قاعة المحكمة.

البيان الختامي لـ P12

بعد إلقاء التحية على القضاة، قال P12 إنه لم يعرف منذ مغادرته سوريا ما إذا كان عليه أن يكون سعيدًا لأنه نجا أم أن عليه أن يغضب لأن عشرات الآلاف من البائسين كانوا لا يزالون في عداد المفقودين. وقال إنه وسوريين آخرين كان لديهم حلم واحد بسيط، على الرغم من أن الكثير من الناس، بمن فيهم المواطنون الألمان، لا يشاركونهم هذا الحلم لأنه أمرٌ واقعٌ بالنسبة لهم: أن يكون لديهم وطن يحميهم ويحترم إنسانية الناس، ودولة توفر الحقوق المتساوية لجميع المواطنين. وعلى الرغم من أن هذا الحلم أساسي للغاية وفقًا لمعايير القرن الحادي والعشرين، غير أن P12 قال إنه وسوريين آخرين يعرفون أن الثمن الذي سيدفعونه مقابل طلبهم سيكون باهظًا. ومع ذلك، لم يتوقعوا، حتى في أسوأ كوابيسهم، أن النظام سيكون على استعداد لتجاوز كل الحدود التي يمكن أن يتخيلها أي شخصٍ عاقل لارتكاب جرائم فظيعة.

أشار P12 إلى أنه بمجرد هروب الرئيس التونسي واستقالة الرئيس المصري، كان السوريون متأكدين من أن حلمهم لم يكن مجرد حلم أفراد أو مجموعات صغيرة، بل حلمًا تقاسمه ملايين الأشخاص في المنطقة. حيث كانوا يعتقدون أن هذا الحلم يمكن أن يتحقق في سوريا، بقوة الشعب، رغم أنهم يعرفون تاريخ النظام منذ الثمانينيات. قال P12 إنهم نزلوا إلى الشوارع وطالبوا باستعادة بلدهم. ولم يكن لديهم سوى أصواتهم وإرادتهم للقيام بذلك. ردت القوات الأمنية والجيش بالذخيرة الحية. وطارت رصاصتان من فوق P12. وكادت أحدهما أن تصيب رأسه. أخبر P12 المحكمة أنه كان محظوظًا، وإلا لما كان قادرًا على الوقوف حيث كان في هذه اللحظة. إلا أن الحظ لم يكن حليف مئات الآلاف من الآخرين.

تابع P12 موضحًا أنه نظرًا لأن أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع لم تردعهم الذخيرة الحية، قرر النظام مواجهتهم بالمدرعات والدبابات، لتطويق وتجويع البلدات والمجتمعات. وتُوثِّق مقاطع فيديو لا يمكن تخيلها قصف المناطق السكنية بجميع أنواع الأسلحة. قال P12 إنه يتذكر أحد مقاطع الفيديو هذه: حيث كان المصور يصور هجوم دبابةٍ على حي في تلكلخ. وكان الجنود يراقبونه ووجهوا مدفع الدبابة نحوه. ووقف هناك، دون أن يَبرَح مكانه، حيث لم يكن يعرف ماذا يفعل. وكان من الممكن سماعه وهو يصرخ بأن الدبابة على وشك إطلاق النار عليه. وهذا هو بالضبط ما حدث. قُتِل الشاب، ونجا هاتفه فقط. كانت هذه هي الطريقة التي تمكن من خلالها الآخرون من رؤية المقطع بعد بضعة أيام.

أوضح P12 أنه لن يصف بالتفصيل الجرائم التي ارتكبها النظام وأنصاره؛ من قصف المدنيين إلى تدمير سوريا بأكملها. حيث سبق أن تحدث المدّعون العامون عن هذا الأمر أكثر من مرة بطريقة وجدها P12 مثيرة للإعجاب للغاية لأنها كشفت عن مقدار التفاصيل المعروفة فعلًا عن المأساة السورية. قال P12 إن الصور ومقاطع الفيديو يمكن أن تقول في كثير من الأحيان أكثر من مجرد كلمات. إلا أنه أراد التحدث عن شيء لا تستطيع الصور التعبير عنه عادة، ألا وهو تجربة الاعتقال والاختفاء القسري.

قال P12 إن التعرُّض للذخيرة الحية كشخص أعزل كان مخيفا بما يكفي، ولكن التعرُّض للقصف بجميع أنواع الأسلحة، ومنها الطائرات كان أشدَّ ترويعًا. غير أنه لا يمكن لشيٍء أن يصف أهوال الاعتقال في سوريا. أشار P12 إلى أنه في الأشهر الأولى من الثورة، هاجمت مئات من قوات الأمن بلدة [حُجبت المعلومات]، حيث كان يعيش. وكانت البلدة ضمن منطقة اختصاص فرع الخطيب. وصف P12 كيف زار منزل عائلته الذي يبعد 200 متر عن شقته. بقيت زوجة P12 وطفلاه في المنزل. سمع P12 ووالداه ضوضاء غريبة في الخارج وفتحوا الباب ليروا ما كان يجري. كان هناك ضباط مخابرات يصرخون عليهم. أدرك P12 ووالداه أن الضباط اقتحموا الحي. وحاول P12 الاتصال بزوجته، لكن جميع الهواتف كانت قد تعطّلت. وأراد الخروج للاطمئنان على زوجته وطفليه، لكن والدته فعلت الصواب ومنعته من القيام بذلك. خلص P12 إلى أنه لو كان قد خرج إلى الشارع، لما عاد – مثل كثيرين آخرين اعتُقلوا في ذلك اليوم. أخبر P12 المحكمة كذلك أنه لم يستطع معرفة المدة التي استغرقها الأمر، لكنه شعر أنه استغرق سنوات. وقد طغى عليه الخوف من أن يكون مطلوبًا، وأنهم قد يدخلون منزله ويؤذون زوجته وطفليه لأنهم لم يتمكنوا من العثور عليه. أو أنهم كانوا سيأتون إلى منزل والديه ويأخذون P12 بعيدًا لكي يختفي "خلف الشمس حيث لن يعرف حتى الذباب الأزرق مكان وجودي."

خاطب P12 "القضاة الموقرين" مباشرة، قائلًا إنه يحترم قرارهم بعدم إدراج جريمة الاختفاء القسري في التُّهم الموجهة إلى المدعى عليه. وقال P12 إنه قد لا يكون لديه الأدلة المطلوبة لإثبات أن الاختفاء القسري يُطبّق بشكل منهجيٍ من قبل النظام وبوعيٍ تام للعواقب من قبل الجيش وجهاز المخابرات بهدف إرهاب المجتمع السوري. ورغم ذلك، أراد P12 إخبار المحكمة عن هذه الجريمة من واقع تجربته الخاصة، لأن ما يتم تقديمه في هذه القاعة سيمثل أيضًا توثيقًا تاريخيًا لمصلحة جميع السوريين وجميع المدافعين عن حقوق الإنسان. قال P12 إنه عندما تتعارض مصالح موظفي الأمن السوريين مع مصالح مواطنٍ سوريٍ، فإن أول ما يسمعه المرء من هؤلاء الأتباع هو "سآخذك وراء الشمس حيث لن يعرف حتى الذباب الأزرق مكانك". فيُجبر الضحية بذلك على الاستسلام لأنه يعرف بالضبط ما يعنيه هذا، وهو مُدركٌ أن هذا التهديد "أهون من رشفة ماء لأنه ممارسة راسخة من قبل النظام".

قال P12 إن الغرض من هذا التهديد هو تخويف الخصم. وإن هذه وصفة مُجرَّبةٌ كثيرًا من قبل النظام ومسؤوليه. وفقًا لـP12، لا يجب أن يُعدّ الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية فحسب، بل يجب عدّه أيضًا إرهابًا، فهو يهدف إلى إرهاب المجتمع وإجباره على الاستسلام للسلطة. أوضح P12 أن "الاختفاء خلف الشمس" يعني أن تبقى في الظلام وتختفي من الحياة دون أن تموت فعليًا. حيث "يصبح المرء مثل قطة شرودنجر، التي لا يعرف العالم الخارجي ما إذا كانت ميتًة أم حيّة". وفقًا لـP12، كان هذان الخياران موجودين دائمًا للسجين نفسه، وكذلك للسجّانين أو مسؤولي السجن. حيث لم يكن الضابط أو مدير السجن نفسه يعرف ما إذا كان سيقتل شخصًا في الدقيقة التالية. قد يكون أحدهما غاضبًا من شيء فعله ابنه فيقوم ببساطة بقتل سجينٍ تصادف وجوده أمامه في تلك اللحظة. قال P12 إن الأمر "كان فعلًا سيكون بهذه السهولة بالنسبة لهم". إلا أن ما هو أسوأ، وفقًا لـP12، هو أن السجين نفسه لا يعرف ما سيكون مصيره. ولا يعرف أحدٌ المستقبل بالطبع، إلا أن الفرق بين الحالتين أساسي، وفقًا لـP12: لا يموت السجين بشكل طبيعي، ولكنه يُقتل، على الأرجح بأبشع الطرق. ولا يملك السجين وسيلة لمقاومة مصيره. إن الاختفاء خلف الشمس يعني فقدان المرء الإحساس بالوقت.

طلب P12 من كل الحاضرين في قاعة المحكمة قضاء خمس دقائق من وقتهم في تخيُّل أنهم محبوسون في مكان مظلم حيث لا يضيء شعاعٌ واحدٌ من الضوء، مكان "حتى الذباب لا يعرفه"، مكان لا يعرف المرء فيه الوقت. وبعد أيام قليلة، سيتعذر على المرء التمييز بين النهار والليل، وكأن لا وجود لهما على الإطلاق. يصبح النور والظلام بلا معنى، وينسى المرء صور الأشجار ورائحة الزهور. سأل P12 "لكن ما هي الحياة بدون هذه التفاصيل الصغيرة؟"

أشار إلى أن أينشتاين تجاهل ذات مرة كل الأدلة العلمية وقال، "أريد أن أعرف أن القمر موجود سواء رأيته أم لا!" وكان مهووسًا بالفكرة تقريبًا. قال P12 إن الناس، أثناء الاعتقال، يُصابون بالجنون لأنهم لا يعودون متأكدين من أي شيء. حيث بكى ذات مرة لمجرد أنه سمع الأذان، رغم أنه ليس متدينًا. لقد بكى P12 لأنه سمع صوتًا غير صوت السجّان فقط. وبكى لأنه للحظة تذكر أن الحياة أكثر من الظلام الذي كان يعيش فيه. بكى في تلك اللحظة، رغم أنه لم يبكِ أثناء روتين التعذيب اليومي.

سأل P12 الناس في قاعة المحكمة عمّا إذا كانوا يعرفون سبب فراره من سوريا. قال P12 إنه لم يهرب خوفًا من الموت، ولكن خوفًا من الاختفاء مرة أخرى. حيث تمكَّن في نهاية المطاف ضباط المخابرات، الذين اتُّهم أحدهم في هذه المحاكمة، من تخويف P12 وإجباره على الفرار. تابع P12 موضحًا أن الاختفاء القسري هو أحد العناصر الرئيسية لسياسة النظام المنهجية لإسكات المنتقدين والتخلص منهم. وهذه الطريقة معروفة ويستخدمها جميع عملاء هذا النظام. وفقًا لـP12، كان المدعى عليه من كبار أتباع هذا النظام. قال P12 كذلك إنه هرب لأنه لا يريد أن تعيش عائلته للمرة الثالثة كابوس الأسئلة اللانهائية التي تُثقل كاهل حياتهم: هل قتلوه؟ أما زال على قيد الحياة؟ هل شنقوه في مكان ما؟ هل كسروا ظهره؟ هل يعذبونه الآن ونحن نأكل؟ هل حدث هذا وهل حدث ذلك؟ قال P12 إنه على الرغم من مرارة شعور وفاة أحد أفراد العائلة، يمكن لعائلات السجناء على الأقل أن تتقبّل، وإن كان ذلك بشكل مؤلم، خبرًا يؤكد وفاة أحد أحبائهم. إلا أن الأمل البعيد وغير المحدد كان، وفقًا لـP12، أكثر إيلامًا وإرهاقًا.

تابع P12 مشيرًا إلى أنه كان في طريقه إلى العمل عندما اعتُقل من قبل فرع الخطيب. وبعد إطلاق سراحه، ظل ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف يبكي في كل مرة يغادر فيها P12 المنزل لأنه كان يعتقد أنه إذا غادر والده، فلن يعود. قال P12 إنه لم يجرؤ أبدًا على إعطاء ابنه وعدًا بالعودة في المساء لأنه قد لا يكون قادرًا على الوفاء بهذا الوعد، وفي الواقع، كان هذا بالضبط ما حدث: عندما غادر P12، لم يعد إلا بعد أربع سنوات.

قال P12 إن ما قد يكون مؤلمًا أكثر من القتل والتعذيب هو حماس موظفي الحكومة وضباطها في إلحاق أكبر قدر من المعاناة بالناس. كان P12 مقتنعًا بأن هؤلاء الموظفين لا ينفذون الأوامر فحسب، بل ينتقمون من الجميع لمحاولة انتزاع سلطتهم المطلقة، السلطة الممنوحة لهم "كجزء من آلة سيطرة النظام"، وهي سلطة خارج نطاق أي قانون أو قاعدة أخلاقية، ويمكنهم استخدامها كيفما وكلما كانت تخدمهم.

استذكر P12 عندما كان في العاشرة من عمره. حيث بدأ في ذلك الوقت يتفهّم خوف الناس من جهاز المخابرات السوري والتحذيرات التي كان يتلقاها من المحيطين به بعدم قول أي شيء قد يثير استياء جهاز المخابرات. قال P12 إن الأهالي السوريين كانوا يحذرون أطفالهم من أن أي كلمة قد تؤدي إلى اختفاء العائلة بأكملها. كما بدأ P12، في سن العاشرة، يشعر بالاشمئزاز من كل من عمل في جهاز المخابرات ومع أفراد عائلاتهم الذين كانوا يفخرون بكونهم في موقع قوة يسمح لهم بإرهاب الناس من حولهم.

أخبر P12 المحكمة أن عمه اعتُقل في الثمانينيات وتعرّض للتعذيب لمدة ست سنوات لأنه كان ينتمي إلى الحزب الشيوعي. واختفى ثلاثة أفراد من عائلة أحد أصدقاء P12 (والد صديقه وعمه وشقيقه) وأصبح مكان وجودهم مجهولًا منذ ذلك الحين. قال P12 إن هذا حدث لمجرد الاشتباه في معارضتهم للنظام.

قال P12 إنه لا يوجد أي سوري، بالغًا كان أم طفلًا، لا يعرف الجرائم التي كان يرتكبها جهاز المخابرات. وفقًا لـP12، فإن أي شخص تطوع للعمل في جهاز المخابرات قد اختار بوعي أن يكون أداة لارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وإلى هذا الحد، لا يمكن لأي ضابط مخابرات، بغض النظر عن منصبه، أن يدّعي أنه كان ينفذ الأوامر فحسب أو أنه تم إجباره أو أن دوره كان هامشيًا. قال P12 إن كل فرد في جهاز المخابرات هو جزء نشط من هذا الجهاز ومسؤول عن أفعاله. ومن نافلة القول، كما قال P12، إنه كلما كان المنصب أعلى، كلما زادت الجرائم الشنيعة التي يتحمل المرء مسؤوليتها. والأهم من ذلك، أنه كلما كان المنصب أعلى، يدرك المرء بوضوح حقيقة أنه سيرتكب جرائم عند انضمامه إلى قوات الأمن.

قال P12 إنه ربما كان قادرًا على مسامحة المدعى عليه على الجرائم التي ارتكبها ضد P12. إلا أنه، في بيان [أنور] في بداية المحاكمة، لم يُبد [أنور] أي ندمٍ أو إحساسٍ بالمسؤولية عن الجرائم التي ارتكبها أو ساهم فيها. قال P12 إن المدعى عليه ادعى، عوضًا عن ذلك، أنه لم يكن هناك تعذيب منهجي في فرع الخطيب حتى يومنا هذا. قال P12 إنه كان بإمكانه مسامحة المدعى عليه لأنه لا يهدف إلى انتقامٍ شخصي، بل إلى عدالةٍ بالمعنى الشامل. ويتمنى P12 ألا يكون هناك في المستقبل مكان آمن لمرتكبي هذه الجرائم في سوريا أو في أي مكان آخر في العالم.

فيما يتعلق "بالحد الأدنى من العدالة"، طالب P12 بمحاسبة مرتكبي مثل هذه الجرائم في سوريا. ووفقًا لـ P12، فقد كان المدعى عليه في هذه المحاكمة واحدًا منهم. أوضح P12 أنه بغضّ النظر عن المدة التي سيُسجن فيها المدعى عليه بعد هذه المحاكمة، فإنه سيظل لديه ساعة يد وسيبقى قادرًا على رؤية الشمس، ومعرفة متى تشرق ومتى تغرب. كما سيتلقى المدعى عليه العلاج الطبي إن لزم الأمر، وسيُسمح لعائلته، التي ستعرف مكان وجوده وحاله، بزيارته وسيتمكن المدعى عليه من معرفة أحوال عائلته كذلك.

قال P12 إنه تمكن من النجاة، إلا أن آخرين لم يحالفهم الحظ مثل P12: [حُجب الاسم] و[حُجب الاسم] و[حُجب الاسم] وزوجها وستة أطفال و[حُجب الاسم] و[حُجب الاسم] و[حُجب الاسم] و[حُجب الاسم] و[حُجب الاسم] و[حُجب الاسم] و[حُجب الاسم] وعشرات الآلاف من الأشخاص الذين يستحقون أن تُذكر أسمائهم بشكل فردي في قاعة المحكمة هذه والذين تستحق قصصهم وقصص آلام أحبائهم أن تُروى.

طلب محامي المدعي كروكر استراحة قصيرة قبل أن تقدّم المدعية التالية بياناتها الختامية

***

[استراحة لمدة 7 دقائق]

***

البيان الختامي لـ P32

بدأت P32 بيانها قائلةً "اسمي [حُجب الاسم]. أتنفس ببطء وأُراقب ما يحدث داخل رأسي، عندما تُعطي كل الرؤوس من حولي انطباعًا بأنهم ينتظرون كلماتي. يمنعني كل شيءٍ بداخلي من قول الكلمة الأولى. إن ظرف المثول أمام المحكمة ونظام العدالة هو الذي يسبب لي صعوبات. إنها بالأحرى البداية. لطالما كانت البدايات صعبة بالنسبة لي. عادة ما تكون البدايات مرهقة.

أوضحت P32 أنها لا تعرف كيف أو من أين تبدأ. وأن جُل ما تفكر به كل يوم، منذ اللحظة الأولى التي تستيقظ فيها في الصباح، هو كيفية التهرُّب من البدايات: بداية اليوم وبدء طقوسها للاستيقاظ وبدء العمل وتربيتها والتزاماتها ومقابلة وجوهٍ جديدةٍ كل يوم دون أي معنى.

سألت P32 القضاة عمّا إذا كان بإمكانهم تخُّيل أن عليهم بدء حياتهم من جديد، بينما هم في منتصف حياتهم. قال P12 إن على المرء أن يبدأ من البداية. على المرء أن يبدأ من النقطة صفر، في الواقع حتى تحت الصفر، بسبب الاضطرار إلى العيش في بلد أجنبي حيث يختلف كل شيء عن البلد الذي كان يعيش فيه. وفي الوقت نفسه، يشعر المرء أن التجارب السابقة والقناعات والأفكار، إضافة إلى المجتمع الذي يعيش تحت حكم النظام، لعب دورًا حاسمًا في تشكيل شخصيته.

قالت P32 إنها اعتادت على حياة الخوف والرعب وانعدام الأمن. حيث جعل النظام المرء يعتقد أنه لا يحق لأحدٍ على الإطلاق المطالبة بحقوقه.

وصفت P32 أن عليها "عمليًا ونفسيًا" أن تبدأ حياتها من جديد. وطلبت من القضاة تخيُّل الجهد والقوة والإرادة القوية والسلام الداخلي الذي يحتاجه المرء ليبدأ من جديد. غير أنه في الوقت نفسه، لا يمكن ببساطة إعادة بدء الحياة من جديد.

أوضحت P32 أنها لا تريد أن تكون في وضع الضحية ولا تريد أن ترى نفسها على هذا النحو. قالت إن الجميع مسؤولون عن أفعالهم، بغض النظر عن الظروف الصعبة التي يجدون أنفسهم فيها خلال حياتهم. بيد أن ذلك لا يغير حقيقة أن النظام السياسي والاجتماعي والديكتاتوري له دور كبير في تشكيل شخصية المرء أو – بشكل أدق – تدميرها. ولكي نكون أكثر دقة، قالت P32 إن الفرصة لم تُتح لأي شخص ينتمي إلى الأشخاص الذين يعيشون في ظل النظام لتطوير شخصيته الخاصة.

قالت P32 إنها تؤمن بالعدالة. وتؤمن بأهمية هذه المحاكمة وأهمية الحُكم الذي سيصدر. ولن يؤثر هذا الأخير على مستقبل سوريا فحسب، بل على المجتمع بأكمله. وستكون المحاكمة بالفعل الخطوة الأولى من نوعها منذ بداية الثورة. خلصت P32 إلى أنها تأمل أن يأخذ القضاة بعين الاعتبار أن الحُكم في هذه القضية له القدرة على تغيير حياة الملايين، بناءً على نتائجه فقط لأهميته للدولة السورية وشعبها.

طلب محامي المدعية كروكر استراحة قصيرة للحصول على زجاجة مياه جديدة للمدعية التالية.

***

[استراحة لمدة 10 دقائق]

***

[قدمت P42 بيانها الختامي باللغة الألمانية مع محاميها، سيباستيان شارمر، واقفًا بجانبها.]

البيان الختامي لـP42

بعد تحية القضاة، أوضحت P42 أنه بفضل ثقتها في المحامين الذين مثلوها أثناء المحاكمة، قررت أن تدلي ببيانها الختامي في هذا اليوم. وأضافت أن المحاكمة لم تكن إجراءً روتينيًا بالنسبة لها، وأن هذا اليوم بالذات لم يكن كأي يومٍ عاديٍ آخر. سيكون هذا اليوم "يومنا" – يوم الضحايا الذين أصبحوا، من خلال هذه المحاكمة في هذه المحكمة بالذات، لأول مرة على الإطلاق في وضع يسمح لهم باستعادة أصواتهم واتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين حرموهم من حريتهم وضد الجرائم التي ارتُكبت ضدهم.

أضافت P42 أنها اختارت أيضًا التحدث أمام المحكمة في هذا اليوم، على الرغم من خطورة هذه المهمة، لأنها أحست بشعورٍ بالالتزام تجاه جميع أولئك الذين مروا بتجارب مؤلمة مماثلة دون أن تتاح لهم نفس الفرصة ليرووا قصصهم أمام محكمة أو أي مؤسسة قانونية مماثلة. قالت P42 إنها قررت أولًا وقبل كل شيء التحدث في هذا اليوم من منطلق الإحساس بالواجب تجاه أولئك الذين ما زالوا معتقلين 'في معتقلات نظام الأسد' وفي السجون الأخرى في سوريا، أولئك الذين لا يعرفون ’أننا نقف هنا اليوم والذين ربما لن يعرفوا أبدًا‘.

وفقًا لـP42، كانت مشاركتها في هذه المحاكمة، من ناحية، تجربة مؤلمة بالنسبة لها. حيث أُجبِرت على تذكر العديد من الذكريات التي حاولت في السابق نسيانها إلى الأبد. وأخبرت المحكمة أن لهذه العملية تأثيرًا هائلًا على صحتها الجسدية والنفسية. ولم تكن P42 تعرف ما يمكن توقعه في بداية المحاكمة. إلا أنه في هذا اليوم بالذات في المحكمة، قالت P42 إن هذه التجربة الصعبة أعادت ثقتها بالعدالة. وخلصت إلى أن العدالة ليست وهمًا، ولكنها ضرورة، ويمكن أن تصبح حقيقة واقعًا في نهاية المطاف.

تابعت P42 موضحةً أن قصة سجنها ستنتهي مع هذه المحاكمة. كانت P42 قبل المحاكمة تخبر الناس كيف اعتُقلت وكيف حُرمت من حريتها وكيف انتُهكت حقوقها. ولكن منذ اليوم فصاعدًا، سيكون بوسعها الاستمرار في سرد قصتها وأن تقول إنها ساعدت في تقديم أحد الأفراد المسؤولين عن هذه الانتهاكات إلى العدالة. قالت P42 إن هذا ساعدها أيضًا على "استعادة جزء من كرامتها المُنتهكة". حيث فقدت P42 الأمل لفترة طويلة جدًا كغيرها من السوريين. وأعادت مشاركتها وانخراطها في العديد من مستويات هذه المحاكمة إيمان P42 بأهمية وفوائد النضال من أجل عالم أكثر عدلًا. قالت P42 إن "إمكانية تحقيق العدالة والتغيير" قد كُشفت لها من خلال هذه المحاكمة. كما أعادت المحاكمة تأجيج أملها في أن ما حدث لها ولغيرها في سوريا، وما كان يحدث هناك كل يوم، لم يكن نهاية القصة.

أوضحت P42 أنها تقول كل هذا وهي تعي بشكل كامل حقيقة أن ما كانت تحاول التعبير عنه بالكلمات والعواطف لن يكون أكثر من تجربتها الفردية. وبالنسبة للعديد من السوريين الذين فقدوا إيمانهم بالعدالة، قد يبدو هذا وكأنه وهم. قالت P42 إن هذه التجربة قد تكون قطرة صغيرة في محيط، ولكنها عنت لها كثيرًا على المستوى الشخصي. وقالت إن هذا هو سبب أملها في أن يؤمن جميع السوريين مرة أخرى بقيمة ودوافع الجهود التي يبذلونها.

كما خاطبت P42 القضاة، مشيرةً إلى أن المدعى عليه زعم أنه ساعد السجناء. إلا أن "كوننا" في قاعة المحكمة هذه في ألمانيا، بعيدًا عن سوريا، كان دليلًا كافيًا على عدم قيام المدعى عليه، ولا أي من زملائه بتزويد P42 والسجناء الآخرين بأي شكل من أشكال المساعدة أو الرفقة أو التعاطف.

إذا سأل المدعى عليه P42 في هذا اليوم بالذات عن آمالها فيما يجب تحقيقه من خلال هذه المحاكمة، قالت P42 إنها ستجيبه: "لا أريدك أن تختبر الرعب الذي كابدته ولا أريدك أن تضطر للانتظار لوقت طويل دون أن تعرف ما سيحدث لك بعد ذلك، وهو أكثر ما أثقل كاهلي خلال أيام سجني. لكن الأهم من ذلك كله، لا أرغب في أن تتعرّض للتعذيب، أو أن تموت منه، أو أن يتم اعتقالك وسجنك بطريقة ظالمة، كما فعلت أنت ومجرمون آخرون بي وبملايين السوريين الآخرين مرات عديدة. بيد أنني أتمنى أن تمنحك هذه المحكمة وقتًا، الكثير من الوقت، ما يكفي للتفكير بنا، وبالضحايا والشهود الذين مثلوا هنا. للتفكير في الوجوه والأصوات والأحلام لكل من قابلتهم خلال السنوات التي عملت فيها في السجن. أتمنى أن يكون لديك الكثير من الوقت للتفكير في هذا مطولًا، لأنني مقتنعة بأنك لن تكون قادرًا على الاختباء من هذه الأفكار."

تابعت P42 قائلةً ناضلنا "نحن السوريون" وما زلنا نناضل من أجل تحرير بلدنا من نظام غير إنساني، ونناضل من أجل العدالة، ومن أجل استعادة كرامتنا الشخصية. قالت P42 إن السوريين يستحقون كل ذلك. وقالت P42 إن العدل والكرامة والحرية حقوقٌ أساسيةٌ لجميع الأفراد. وفقًا لـP42، يجب ألا يكون ما يحدث في قاعة المحكمة هذه في هذا اليوم بالذات حدثًا لمرة واحدة، ولا ينبغي أن يُعدّ فعلًا من أفعال الكرم يمنّ به شخص ما. كان [إجراء مثل هذه المحاكمات] بالأحرى الواجب الإنساني والقانوني والمدني لكل إنسان وكل سلطة قضائية وكل دولة. قالت P42 إن الحُكم الذي ستتوصل إليه المحكمة لن يعني العدالة الكاملة للسوريين، ولا ينبغي عدّه بديلًا عن حل شامل ودائم لقضية المعتقلين في السجون السورية أو للنزاع السوري بأكمله. إلا أن نتائج المحكمة يجب أن تكون دعوة عاجلة للحكومة الألمانية ولجميع الحكومات في جميع أنحاء العالم لاتخاذ "إجراءات حقيقية لإنقاذ أولئك الذين ما زالوا معتقلين في سجون النظام، وفي السجن الأكبر الذي يسمى ’سوريا الأسد‘".

طلب محامي المدعية كروكر استراحةً تقنيةً قصيرةً أخرى حتى يتمكن كل شخص داخل قاعة المحكمة من سماع المتحدثين بصوت عالٍ وواضح.

***

[استراحة لمدة 10 دقائق]

***

البيان الختامي لـ P11

بدأ P11 بيانه الختامي باقتباسٍ من نيلسون مانديلا الذي قال "ما يقدّر في الحياة ليس حقيقة أننا عشناها فحسب، بل ما أحدثناه من فرق في حياة الآخرين والذي يحدد مغزى الحياة التي نعيشها".

تابع P11 مشيرًا إلى أن "595 يومًا قد مرت منذ جلسة الاستماع الأولى في هذه المحاكمة التي عُقدت في 23 نيسان/أبريل، 2020. 595 يومًا من الشهادات والمرافعات حول أحداثٍ حدثت وما زالت تحدث للأسف في سجون ومعتقلات النظام السوري. 595 يومًا من التفاصيل المروعة التي رواها الناجون من ويلات القهر والطغيان في عهد بشار الأسد وأتباعه". أضاف P11 أنه روى بنفسه بعض التفاصيل المروعة خلال شهادته في المحكمة. وكان الناجون الآخرون الذين شهدوا في المحاكمة هم أولئك الذين تمكنوا من الفرار من سوريا ويعيشون الآن في أوروبا، بعيدًا عن التهديدات المباشرة "لجهاز القمع السوري".

قال P11 إنه كان يتساءل في هذا اليوم بالذات، وفي كل يوم، عن عدد التفاصيل التي لم تُسمع بعد ولن تُسمع أبدًا لأن أولئك الذين عانوا منها ماتوا، إما تحت التعذيب المباشر أو بسبب سوء المعاملة وسوء الحالة الصحية في السجون. سأل P11 نفسه أيضًا عن عدد التفاصيل التي لم يتم الحصول عليها لأن أولئك الذين عانوا منها لا يمكنهم مشاركتها، لأنهم ما زالوا يعيشون في المناطق "التي يسيطر عليها سجّانوهم، الذين يتصرفون كما لو كان لديهم الحق في تقرير الحياة والموت".

قال P11 مخاطبًا جميع الحاضرين داخل قاعة المحكمة، إن الجميع حضروا ليشهدوا محاكمة العقيد السابق في إدارة المخابرات العامة السورية أنور رسلان. وأضاف P11 أنه يشعر بخوف شديد لمجرد سماعه عبارة "عقيد في جهاز المخابرات". وفقًا لـP11، فقد نشأ السوريون في حالة خوف منذ طفولتهم المبكرة بسبب الجرائم التي ارتكبها ضباط المخابرات في سوريا. وكان الأمر على هذا النحو لعقود. قال P11 إن الخوف نما داخل كل سوري نتيجة الفظائع التي سمعوا عنها، والتي كان معظمها فقط في محادثات خاصة مع أقرب أصدقاءهم وأفراد عائلاتهم، وكانوا يتحدثون بصوت منخفض؛ "لأن للجدران آذانًا" كما يقول المثل السوري. قال P11 إنه إذا وصلت جملة واحدة فقط إلى ضابط لا يوافق عليها، "فقد تقود المتحدث والمستمع على حد سواء إلى المجهول". قال P11 إن التعذيب في سوريا ليس ممارسة جديدة للأسف. إنه طريقةٌ للحكم اعتمدت عليها الأنظمة المتعاقبة منذ الخمسينيات وحتى يومنا هذا. اختتم P11 قائلًا إن الأنظمة القمعية ومنها النظام السوري في ظل حكم الرئيس السابق حافظ الأسد وابنه بشار الأسد اعتادت على أن الرد على أي معارضة أو مطالب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية هو التعذيب والعنف وليس الحوار أو النقاش.

تابع P11 واصفًا أن المشاركة المدنية في سوريا تعتبر انتحارًا بسبب المخاطر التي تلوح في الأفق والتي تنتظر أولئك الذين يحاولون إحداث تغيير، بغض النظر عن نوع التغيير. قال P11 إن التغيير سيكون خطيرًا بالنسبة للديكتاتور. والمطالبة بالتغيير جريمة لا تُغتفر، والرد الوحيد عليها هو العنف وسفك الدماء. قال P11 إن هذا الرد في سوريا يأتي على يد ضباط وعناصر مخابرات على دراية جيدة بأدوات وأنواع التعذيب والعنف. إنهم يفعلون ذلك بدم بارد، دون تردد في القتل، من أجل الحفاظ على الديكتاتور ومناصبهم داخل نظامه. وفقًا لـP11، فإن التُّهم الموجهة إلى المُتَّهم، أنور رسلان، ليست سوى قمة هذا "الجبل الجليدي المظلم". حيث أن قتل 58 شخصًا وتعذيب أكثر من 4,000 آخرين، إلى جانب اتهامات بالعنف الجنسي، وغيرها من التفاصيل الأخرى التي تقشعرّ لها الأبدان والمعروفة لمن تابع الجلسات، كانت العمل اليومي للمدعى عليه لأشهر وحتى لسنوات. إلا أن الضرر لم يقتصر على الضحايا المباشرين، على حد قول P11، بل ألحق ضررًا بعائلاتهم وأصدقائهم كذلك. خلص P11 إلى أن علينا الحديث عن 4,000 أسرة عانت نتيجة جرائم أنور رسلان. كما يجب الحديث عن جيلٍ، إن لم تكن أجيالًا، تعاني من القمع والحرمان نتيجة ما فعله أنور رسلان في خدمة آلة القمع في سوريا. ثم سأل P11 سؤالًا بلاغيًا "ما الجريمة الأشد خطورة من قيام شخصٍ بتعذيبك أو قتلك أو إبعادك قسرًا عن عائلتك أو حرمانك من أي اتصال معهم أو القيام بكل هذا بشكل جماعي ومنهجي كعقوبة مباشرة لأنك طالبت بما هو حقٌ لك؟"

تابع P11 موضحًا أنه وقف أمام هذه المحكمة في هذا اليوم بالذات يطالب بالعدالة ولا يسعى للانتقام أو الثأر. قال إن سوريا التي يحلم بها والتي يواصل النضال من أجلها يجب أن تقوم على العدل وسيادة القانون، وليس على العنف والعنف المضاد والانتقام و"شريعة الغاب". كما قال P11 إنه لا يعرف ما هي العقوبة العادلة للجرائم الخطيرة التي يُزعم أن المدعى عليه قد ارتكبها. ومع ذلك، كان P11 يعلم على وجه اليقين أن الحُكم سيكون أول حُكم قضائي ضد ضابط مخابرات سوري كعقوبة على ممارساته أثناء عمله.

قال P11 إن محاكمة أنور رسلان لن تُنهي معاناة السوريين. وأشار إلى أن بعض ممارسات التعذيب المستمرة وثِّقت في التقرير السنوي العاشر عن الاختفاء القسري في سوريا، الصادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 30 آب/أغسطس، 2021. وبحسب التقرير، لا يزال هناك 131,469 شخصًا قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في سوريا على يد النظام السوري. قال P11 إن هناك 131,469 عائلةً تنتظر حُكم هذه المحكمة بالذات. وجاء الحُكم نتيجة محاكمة عادلة سمحت بتمثيل المدعى عليه والتواصل مع العالم خارج السجن. قال P11 إن هذه المحاكمة العادلة تحترم أيضًا كرامة المدعى عليه وتعُدّه بريئًا حتى تثبت إدانته. خلص P11 إلى أن هذا كان على النقيض تمامًا مع كل ما فعله المدعى عليه بوعي أثناء عمله ضابطًا في المخابرات السورية منذ عام 1995.

كما قال P11 للمحكمة إن السوريين يتطلعون إلى اليوم الذي ستكون فيه بلادهم، مثل الدول المتقدمة الأخرى، دولة تحترم حقوق مواطنيها دون انتهاكها. قال P11 إن السوريين كانوا يتطلعون أيضًا إلى اليوم الذي لا يُعاملون فيه بطرق لا تحترم حقوقهم الإنسانية. كان السوريون يتطلعون إلى مستقبل لا يُقبل فيه التعذيب والاعترافات القسرية سياسيًا أو اجتماعيًا. وأضاف P11 أن السوريين سئموا حالة التعنُّت في سوريا، حيث سُفكت دماؤهم على مدى عقود دون محاسبة أحد، ومن المحادثات السياسية في العديد من الدول حول إعادة العلاقات مع "نظام إجرامي يتعمد إذلال الناس بغضّ النظر عن معاناة السوريين الذين يسعون إلى مستقبل أفضل." وجّه P11 خطابه إلى القضاة قائلًا إن حُكمهم سيكون الخطوة الأولى على هذا الطريق الطويل. وأنه سيكون حكمًا "بصوت واضح لا لبس فيه" يحاسب "المجرم" ولو بعد حينٍ من ارتكاب الجرائم. أضاف P11 أن حُكم المحكمة سيكون أيضًا حُكمًا يحترم كرامة الإنسان وحريته كحقين مصانين. شيء من شأنه أن يكون، على الرغم من أنه أُعطي بوضوح في ألمانيا والعديد من البلدان حول العالم، حلمًا لـP11 والعديد من السوريين. خلص P11 إلى أن حُكم المحكمة سيكون "إدانة مدوية للتعذيب كجريمة في المقام الأول".

قال P11 إن التعذيب جريمة ضد الإنسانية أينما ارتُكب، في سوريا أو أي جزء آخر من هذا العالم. وأن السوريين ينتظرون بفارغ الصبر إدانة قضائية للتعذيب منذ عقود عديدة. واعترف P11 أنه على الرغم من حُكم المحكمة القادم، فإن طريق سوريا سيبقى طويلًا ولن ينتهي إلا عند مُحاسبة نظام الحكم بأكمله، وخاصة رئيس النظام السوري بشار الأسد وكبار ضباط جيشه ومخابراته والجناة من جميع أطراف النزاع، أمام المحكمة.

توجه P11 بالشكر للجميع داخل قاعة المحكمة باسمه وباسم العديد من السوريين، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون داخل سوريا تحت حكم النظام وفي مخيمات النزوح داخل سوريا، أو طالبي اللجوء في دول الجوار. قال P11 إنه سيتحدث باسم جميع أولئك الذين كانت لديهم الرغبة والشجاعة للوقوف أمام هذه المحكمة والإدلاء بشهادتهم ولكن لم تُتح لهم الفرصة لأنهم "إما غرقوا في البحر أو تجمدوا في الغابات على الحدود أثناء رحلتهم للوصول إلى بلد آمن''. وأضاف P11 أنه لوصف هذه الرحلة، يجب على المرء فقط أن ينظر إلى معاملة اللاجئين كمجرمين على حدود البلدان التي كان من المفترض أن تساعدهم. خلص P11 إلى أن هذا كله لن يكون مجرد قصة سورية، بل قصة يتشارك فيها كثير من الناس في جميع أنحاء العالم. ووصف P11 القمع بأنه "عدو الإنسانية، لأنه يقتل أجمل ما يجعلنا بشرًا، ألا وهو الطموح". وقال إن الظلم عدو المجتمعات لأنه يُفرِّق حتى بين الإخوة. واقتبس من الشاعر العربي المتنبي قوله في القرن العاشر "ولم تزل قلة الإنصاف قاطعةً، بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم". واختتم P11 بيانه بالقول إنه ينحني احترامًا لعدالة هذه المحكمة ويثق في حُكم القضاة.

سألت القاضي كيربر عمّا إذا كان هناك مدّعون آخرون يرغبون في الإدلاء ببياناتهم الختامية. فنفى محامي المدعي كروكر ذلك وأوضح أنه سوف يلقي بيانه الختامي، التي سيستغرق حوالي ساعة، وسيليه زميلاه شارمر وبانز ببيانيهما الختاميين.

البيان الختامي لمحامي المدعين د. كروكر

أشار كروكر في البداية إلى أن المحكمة استمعت للتو إلى البيانات المؤثرة من الناجين الذين لم يوضحوا معاناتهم فحسب، بل آمالهم المختلفة النابعة من الحُكم الصادر على المدعى عليه. وفقًا لكروكر، ستتعدد هذه الآمال باختلاف المدّعين أنفسهم. حيث تعرض جميعهم للاعتقال وعواقبه بشكل مختلف. وأوضح أنه عمل وزميلاه شارمر وبانز معًا بشكل وثيق في تمثيل موكليهم. وسيقوم كل من بانز وشارمر برواية تفاصيل قصص موكليهما بشكل فردي في بيانهما الختاميين، بينما سيتناول كروكر الجوانب ذات الصلة بهم جميعًا.

قال كروكر إن جميع المدّعين اعتُقلوا في نفس السجن: الفرع 251 التابع لإدارة المخابرات العامة السورية في دمشق، حي الخطيب. وعانوا جميعًا خلال الستة عشر شهرًا ونصف، التي تشكل الإطار الزمني للائحة الاتهام في هذه المحاكمة، من الأهوال التي كانت روتينًا يوميًا في هذا السجن. في المذكرة القانونية الصادرة في يوم المحاكمة الثاني والثمانين [اليوم رقم 84]، اعتبر القضاة أن الضغط النفسي الناجم عن الصراخ المستمر من التعذيب وعدم اليقين الذي شعر به المعتقلون حول مصيرهم قد بلغ حد التعذيب كجريمة ضد الإنسانية كما هو منصوص عليه في القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي. وأضاف كروكر أن المدّعين تعرضوا كذلك لسوء المعاملة الجسدية والنفسية الشديدة. كما شهدوا موت من كانوا برفقتهم من المعتقلين على نحو عنيف.

أوضح كروكر أن الجزء الأول من بيانه الختامي يتناول حقيقة أن جميع المدّعين انخرطوا في المطالبة بالحرية، وهي مطالب ردت عليها الحكومة السورية بعنفٍ لا يتناسب أبدًا مع المطالب الفعلية. ويتناول الجزء الثاني من بيانه دور المدّعين بصفتهم جزءًا من مجموعة أشخاص مكلومين. ويتناول الجزء الثالث والأخير من بيانه الختامي حقيقة أن هذه المحاكمة توضح حجم الجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت في سوريا.

أشار كروكر إلى مشاركة المدّعين الذين يمثلهم هو وزميلاه في أعمال تاريخية قد يسميها البعض مجرد "أحداثٍ". في حين أن هؤلاء المدّعين يطلقون على هذه الأعمال "ثورةً". وقد شاركوا جميعهم في هذه الأعمال بشكل سلمي. بيد أنه كان من الصعب على الغرباء تخيل الشجاعة الهائلة المطلوبة للمشاركة في هذه الأعمال السلمية. قال كروكر إنه بعد عقود من القمع، عرف السوريون بالضبط ما سيتعين عليهم مواجهته عند معارضة النظام. حيث أوضح P12 في بيانه الختامي، أنه عرف بالفعل في سن العاشرة عن التاريخ الطويل من التعذيب المنهجي في سوريا. أشار كروكر إلى أن الخبيرة تورمان أخبرت المحكمة أيضًا عن نظام التعذيب الذي كان موجودًا منذ الثمانينيات وأنه ازداد من حيث النوعية والكم اعتبارًا من عام 2011، ومنه العنف الجنسي ضد الرجال والنساء. وأن الناس كانوا يموتون من التعذيب قبل الثورة وبعدها، وكان هذا ما أكّده كل من مازن درويش وأنور البُنّي للمحكمة. كما قال البُنّي إن التهديدات التي تعرض لها السكان المدنيون السوريون تزايدت عقب مجزرة حماة.

وفقًا لكروكر، كان الفرع 251 تحديدًا ركيزة أساسية لآلة القمع التي تديرها الحكومة السورية. وعمل المدعى عليه لدى آلة القمع هذه منذ عام 1995 وعمل منذ عام 2008 في قسم تحقيق مُتخصص. وأضاف كروكر أن P10 أبلغ المحكمة أيضًا أن الفرع 251 كان يتمتع دائمًا بسمعة سيئة في سوريا وتحدث أنور البُنّي ومازن درويش عن الدور المركزي للفرع 251 داخل إدارة المخابرات العامة. كما أخبر البُنّي المحكمة عن سوء المعاملة في عام 1987. وأضاف كروكر أن P35 وصف في المحكمة كيف اعتُقل في عام 2007 وعُذّب بشدة في الفرع 251. وبحسب ما قاله مازن درويش للمحكمة، فإن جهاز المخابرات السوري كان على استعداد جيد للتعامل مع الحراك من أجل الحرية منذ شباط/فبراير 2011. وبالتالي فإن الخوف من الاعتقال سيطر على أعمال المشاركين في الاحتجاجات السلمية. وقال كروكر إن هذا كان الشعور السائد خلال الأسابيع والأشهر الأولى من المظاهرات في سوريا. على الرغم من أن الناس رأوا الثورات في تونس ومصر، إلا أنهم لم يتخيلوا أبدًا حدوث أي أمرٍ مماثل لها في سوريا. ورأى كثيرون أن مثل هذه الحركات لا يمكن أن تتم في سوريا. قال كروكر إن الأمر استغرق حتى آذار/مارس 2011 إلى أن انكشفت الإمكانات الكاملة للمجتمع المدني في سوريا. وأشار كروكر إلى عدد المدّعين الذين وصفوا هذه الأحداث للمحكمة ومدى شعورهم بالارتباك الشديد لاستحالة حتى الحديث مع الأصدقاء المقربين عن انتقاد الحكومة سابقًا. إلا أنه نزل الآلاف من الناس إلى الشوارع فجأةً. وأشار كروكر إلى شهادة مازن درويش التي وصف فيها مازن هذه الحركة بأنها "صرخة من أجل الحرية". لكن النظام رد عليها بوحشية غير مسبوقة. وكان الهدف هو سحق جميع المعارضين، حتى في وقت مبكر من شباط/فبراير 2011. قال كروكر إن النظام في هذه المرحلة كان يمتلك جميع أدوات التعذيب ليمارس لانتقام والثأر وكسر إرادة الناس. ولعب الخطيب وموظفوه المخلصون دورًا محوريًا في هذه الجهود، حيث تم إبلاغ المحكمة عدة مرات خلال جلسات المحاكمة من قبل العديد من الشهود ومحققي الشرطة الذين قدّموا شهادات الشهود الذين رفضوا الإدلاء بشهاداتهم في كوبلنتس.

تابع كروكر قائلًا إن بدء فترة الاتّهام في هذه المحاكمة في 29 نيسان/أبريل، 2011، كان وقتًا متأخرًا نسبيًا لتحديد بداية أعمال العنف المُمنهجة وواسعة النطاق في سوريا. وفقًا لكروكر، تمنى الكثيرون موعدًا مبكرًا أكثر. حيث اعتقدوا أن عتبة الجرائم ضد الإنسانية قد تم الوفاء بها بالفعل بحلول آذار/مارس 2011. فقد اعتُقل الناس حتى في المظاهرات الأولى. قال كروكر إن موكليه وموكلي زميليه كانوا شجعانًا بشكل لا يصدق في هذا الوقت لأنهم استمروا في مواجهة هذا العنف المُمنهج. وتعرض المعتقلون لإجراءات منهجية بمجرد دخول المعتقلين إلى المعتقل: حيث تم تفتيشهم أولًا، ثم تعرضوا لمزيد من سوء المعاملة، مما حرمهم في النهاية من إنسانيتهم، كما فعلت الظروف العامة التي تعرّض لها المعتقلون. وقال كروكر إن المدّعين العامين قدموا بالفعل تحليلًا مفصلًا للغاية لهذه الجوانب التي يتفق عليها هو وزميلاه. لذلك سلط كروكر الضوء على بضع جوانبٍ فقط.

وفقًا لكروكر، كان التدمير الجسدي والنفسي للمعارضين هدفًا للنظام، غير أنه كان أيضًا غاية في حد ذاته. أخبر P10 المحكمة، على سبيل المثال، أن المعتقلين كانوا يعاملون كالحيوانات انتقامًا لتشكيكهم في سلطة الدولة. كما قال أنور البُنّي إن المطلب الوحيد كان الحرية، ثم كان يتم تعذيب الناس حتى الموت، فقط لإشباع رغبة النظام في الانتقام. وبحسب كروكر، كان من المفترض أن يؤدي العنف إلى تخويف "الإرهابيين" والانتقام. ومع ذلك، تم تجاوز هذا الحد: اعتُقل الأطفال وعُذّبوا، وكان على الناس مشاهدة الآخرين وهم يتعرضون للتعذيب، وأُجبر الناس على أكل بُرازهم. وكان النهج المهيمن هو [الانخراط في] عنف لا طائل منه [لرغبتهم بذلك فحسب] دون أي غرض.

قال كروكر إن هذا الوضع تم توضيحه بشكل مثير للإعجاب من خلال ملفات قيصر، التي عُرضت أيضًا في المحكمة. وبحسب كروكر، فإن الحكومة السورية كانت تقبل بكل الوسائل لكسر إرادة الشعوب. وغالبًا ما كان الموت مقصودًا أو على الأقل مقبولًا بتهور. وأظهرت ملفات قيصر أن هذا العنف كان غير متناسبٍ أبدًا. أشار كروكر إلى تحليل الطب الشرعي لملفات قيصر الذي أجراه الأستاذ الدكتور روتشيلد الذي قال إن هذا تجاوز كل ما رآه في حياته المهنية التي امتدت 30 عامًا وأنه حتى اضطر إلى البحث عن إصابات معينة لأنه لم يسبق أن رآها من قبل. أظهرت ملفات قيصر، علاوةً على ذلك، التوثيق الدقيق لعمليات القتل التي أمر بها بشار الأسد لأغراض داخلية، وهو ما أوضحته غارونس لو كين وسامي. كما أُخفي مصير المعتقلين طواعية لإرهاب أقاربهم. قال كروكر إنه فقط بفضل الأعمال الشجاعة لقيصر وسامي وأنصارهم، عرف العالم عن هذا الرعب. أشار كروكر إلى أنه عندما التقى قيصر وسامي في عام 2017، شعروا بخيبة أمل لأن الصور من ملفات قيصر لم يكن لها أي تأثير ملموس. وكانوا يأملون في أن تسهم الصور في الإجراءات القضائية. وأضاف كروكر أنه على الرغم من أن كليهما لم يكونا في كوبلنتس، إلا أن بإمكان كروكر أن يقول نيابة عنهما أنهما تابعا الجلسات عن كثب وكانا سعيدين لرؤية مكافحة الإفلات من العقاب على هذه الجرائم لأول مرة.

أوضح كروكر أنه سينتقل الآن إلى الجزء الثاني من بيانه، مُركزًا على الانتهاكات الجماعية. وبدأ بالإشارة إلى أنه في خطابٍ ألقاه في 30 آذار/مارس، 2011، وصف بشار الأسد الأشخاص الذين دعموا الاحتجاجات بـ"الإرهابيين". وبحسب كروكر، أكّد مازن درويش هذا أيضًا بجملة واحدة: "كانت حربًا مفتوحة". قال كروكر إنه بسبب كون موكليه جزءًا من هذه الحركة، لم يكونوا أهدافًا فردية لقوات الأمن فحسب، بل كانوا مستهدفين بصفتهم معارضين. واعتُقل بعضهم لمجرد أنهم مرّوا بنقطة تفتيش، ولوحظ أنهم أتوا من حي معروف بدعم المعارضة. وكان يتم اعتقالهم في كثير من الأحيان لأمور لم تكن غير قانونية أبدًا: كالتظاهر السلمي من أجل حقوق الأطفال أو توزيع الأدوية. إلا أنهم اعتُبروا إرهابيين وتم تعليق العمل بالقانون لاضطهادهم.

قال كروكر إن هدف الفرع 251 وأنور رسلان كان أيضًا إلحاق الأذى بالمعارضة ككل. وفي هذا السياق، وجد القضاة بالفعل في حُكمهم الصادر في 24 شباط/فبراير، 2021، أنه تم استيفاء متطلبات ارتكاب هجوم واسع النطاق ومنهجي بموجب المادة 7 من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي. بيد أن عواقب هذه الجرائم لم يتم معالجتها بعد. وقال كروكر إن البحث الذي أُجري على المقابر الجماعية أظهر نزع الطابع الفردي عن الناس والذي كان مؤلمًا على نحو خاص. وفقًا لكروكر، كان نظام التعذيب بأكمله في سوريا يهدف إلى نزع الطابع الفردي. حيث أصبح كل الناس كيانًا واحدًا ضخمًا. وأظهر تحليل ملفات قيصر، الذي قدّمه كبير المفتشين الجنائيين دويسنج في المحكمة، أنه تم تعيين رقم لكل شخص، وحتى في حالة الوفاة، ظلوا مجهولي الهوية بسبب هذه الأرقام. وصف P14 نظام المقابر الجماعية في شهادته. وقال كروكر إن الاستمرار في نزع الطابع الفردي كان مؤلمًا بشكل خاص للضحايا.

قال كروكر، بالنسبة للتعذيب في الفرع، فإن العديد من المدّعين قد أخبروا المحكمة عن كيفية تعرُّضهم للتعذيب أثناء اعتقالهم. وعُرضوا أمام موظفي السجن، وهم عزل تمامًا. وهو ظرفٌ كانوا على علم به لحظة دخول [المعتقلين] إلى الفرع، عندما أُجبروا على خلع ملابسهم، وتم تفتيش فتحات أجسادهم. وصف كروكر هذه الممارسة "باستعراضٍ للقوة". وقال إن جميع المعتقلين كانوا معرضين لخطر جسيم من سوء المعاملة ولصرخات المعتقلين الآخرين جرّاء سوء المعاملة، التي كان بإمكانهم سماعها باستمرار. حيث كان كل تفاعلٍ مع السجّانين مرتبطًا بالخوف والعنف. وأضاف كروكر أن الشعور بالعجز في وجه الخطر المستمر زاد من الإذلال الدائم للمعتقلين وأدى إلى تدهور نفسي واجتماعي.

تابع قائلًا إنه من خلال الإدلاء بشهاداتهم حول أمور لا يمكن تصورها، أثبت المدّعون مدى اختلاف تجربة كل منهم وتعاملهم مع سوء المعاملة الذي عانوا منه. كما أظهروا أنهم لم يعودوا مجرد جمادات لا قيمة لها، بل ممثلين فاعلين في عملية قضائية. وأظهروا أنهم لا يسمحون للخوف بمنعهم من المطالبة بالعدالة، ليس لأنفسهم فحسب، بل نيابة عن كثيرين آخرين لا يستطيعون المطالبة بالمثل لأنهم ماتوا أو اعتُقلوا أو لا يقيمون في دولة أوروبية لديها إمكانية الوصول إلى أنظمة الدول التي تحكمها سيادة القانون. وقال كروكر، نيابة عن موكليه، إن المدّعين يأملون أن تساهم هذه المحاكمة في احترام كرامة الإنسان في سياسات الهجرة وزيادة تضامن الآخرين مع المجتمع السوري.

أضاف كروكر أن الاعتقال في الفرع 251 كان له أيضًا عامل اجتماعي. حيث اعتُقل العديد من المدّعين الذين أدلوا بشهاداتهم في هذه المحاكمة مع أقرب أصدقاءهم أو عائلاتهم. وكثيرًا ما كانوا يتعرضون أثناء الاعتقال للتهديد بإيذاء أصدقائهم وعائلاتهم أيضًا. وفقًا لكروكر، يمكن للعوامل الثقافية والاجتماعية أن تعرقل بشكل كبير [عملية] التعامل مع المعاناة في [حالات] الانتهاكات الجماعية. كان من الصعب على المرء التعامل مع هذه التجارب بنفسه إذا لم يكن قادرًا على التحدث إلى الأشخاص الذين يثق بهم لأن على الجميع التعامل مع صدماتهم. وقال كروكر إنه يجب النظر في هذا الظرف عند تقييم القضية، بالإضافة إلى الجرائم المُتّهم بها.

واصل كروكر الحديث عن قسم متعلق بالجوانب المهمة للمحاكمة لموكليه وموكلي زميليه. وأوضح أنه من أجل معالجة هذه الجوانب، عليه أن يشير إلى تطورات هذه القضية. وأشار إلى كيفية بدء المدّعي العام الاتحادي التحقيقات الهيكلية في النزاع السوري في ألمانيا في عام 2011، ومن بين أمور أخرى، كان ذلك بفضل مبدأ الولاية القضائية العالمية المنصوص عليها بموجب المادة 1 من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي، وبفضل وجود وحدة جرائم الحرب المتخصصة وعملها الدؤوب في مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية الألمانية ومكتب المدّعي العام الاتحادي، وبفضل التعاون بين الدول الأوروبية ومنظمات المجتمع المدني السوري التي اتحدت في وقت مبكر لجمع الأدلة وإتاحتها للسلطات القضائية ولرعاية الناجين. قال كروكر إنه كان على موكليه وموكلي زميليه إعادة تعلم الحياة من الصفر. حيث تعرّضوا للإصابة واضطروا إلى مغادرة وطنهم. وكان عليهم أن يعيدوا تنظيم حياتهم في البلدان الأجنبية محاربين كل الصعاب ومكافحين من أجل الكشف عن الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن معاناتهم. وأشار كروكر إلى قرار كاتانغا الصادر عن الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية، والذي وجد فيه قاضٍ منفرد أن لضحايا الجرائم الفظيعة الحق في إثبات الحقيقة من خلال عملية قضائية. وقال كروكر إن ذلك كان مصدر القلق الرئيسي لموكليه وموكلي زميليه، ألا وهو أن حجم الهجوم واسع النطاق والممنهج من قبل الحكومة السورية ضد الشعب السوري قد تم إبرازه وتمثيله في هذه المحاكمة. وبالنسبة لحجم الهجوم واسع النطاق والممنهج، قدم القضاة بالفعل مداولات مفصلة في حُكمهم الصادر في 24 شباط/فبراير، 2021. قام المدّعون العامون أيضًا بتقييم هذا السياق على نطاق واسع في بيانهم الختامي في 2 كانون الأول/ديسمبر، 2021. وقال كروكر إنه بينما وافق على هذه التقييمات، إلا أنه أراد فقط تسليط الضوء على جانبين إضافيين نيابة عن موكليه وموكلي زميليه.

أولًا، إن قرار عدم إدراج الاختفاء القسري كجريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 (1) رقم 7 من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي مع التُّهم لا يتماشى مع حس العدالة للمدّعين الذين يمثلهم كروكر وزميلاه. وبحسب كروكر، فإن الاختفاء القسري جزء كبير من الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا. وسيقدم زميله بانز المزيد من التفاصيل حول هذه المسألة في بيانه الختامي.

ثانيًا، أشار كروكر إلى أنه لم تُوجه تهمة العنف الجنسي في البداية كجريمة ضد الإنسانية. لذلك طلب هو وزميلاه إشعارًا قانونيًا بشأن توجيه تهمة العنف الجنسي كجريمة ضد الإنسانية، والذي قَبله القضاة في النهاية في 17 آذار/مارس، 2021، وفُصّل في أيام المحاكمة اللاحقة. قال كروكر إن القضاة وجدوا في مذكراتهم القانونية أن ثلاث مدّعيات تعرضن لاعتداء جنسي كجريمة ضد الإنسانية. أشار كروكر إلى قول المدّعين العامين في بياناتهم الختامية، إن هناك حالتي اغتصاب كجريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 (1) رقم 6 من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي. وأضاف أن زميله شارمر سيتحدث بمزيد من التفصيل عن العنف الجنسي فيما يتعلق بموكليهم الآخرين في بيانه الختامي. وخلص كروكر إلى أن كلًا من القضاة والمدّعين العامين يتشاركون الرأي القائل بأن العنف الجنسي ارتُكب بشكل منهجي وواسع النطاق وكجزء من الهجوم على السكان المدنيين السوريين. واتفقوا على الرأي القائل بأن العنف الجنسي لم يكن يُطبَّق من حين لآخر، بل كان جزءًا خاصًا من جهاز الاضطهاد التابع للحكومة السورية والذي كان مجهزًا تمامًا لتدمير المعارضة. وبحسب كروكر، فقد استُخدم العنف الجنسي لتقويض المعارضة وكسر وجودها المادي والنفسي والاجتماعي.

أوضح كروكر أن العنف الجنسي على وجه الخصوص في سوريا وسيلة فعالة للتعذيب وأنه كان على النساء بشكل خاص التعرّض له بسبب الأعراف الذكورية. قال كروكر إن شرف العائلة تتحمله الإناث. كان هذا السبب في أن العنف الجنسي ضد المرأة له عواقب وخيمة بشكل خاص. وأشار إلى شهادة P16 التي تحدثت خلالها عن حالات الطلاق والقتل ونبذهن من قبل عائلاتهن، كعواقب للنساء اللواتي وقعن ضحايا للعنف الجنسي أثناء الاعتقال. أضاف كروكر أن النساء غير المتزوجات قد لا يعود بإمكانهن الزواج بعد تعرضهن للعنف الجنسي. حيث كان يٌشتبه دائمًا في تعرض المعتقلات للعنف الجنسي بسبب الأحكام المسبقة حول هذا العنف أثناء الاعتقال، كما قالت P16 للمحكمة. وقال كروكر إن ضحايا العنف الجنسي من الذكور وصفوا أيضًا أنهم عانوا من الاكتئاب لأنهم لم يتمكنوا من مشاركة قصصهم ملتزمين بالصور النمطية للنوع الاجتماعي. وفقًا للخبيرة تورمان، فإن العنف الجنسي يتوافق مع نظام الإساءة في سوريا. وأضاف كروكر أن هذا التحليل أكّده أيضًا كل من P19 وأنور البُنّي ومازن درويش والسيد ليندمان وكبير المفتشين الجنائيين دويسنج.

أشار كروكر إلى أن أنور البُنّي أبلغ المحكمة أن منظمته وثقت عددًا لا يُحصى من حالات العنف الجنسي التي ارتكبها جهاز المخابرات، من بين أمور أخرى في فرع الخطيب. واستُخدم العنف الجنسي وسيلةً للإذلال. وقد تحقق ذلك أيضًا من خلال الإهانات والتهديدات الجنسية المستمرة، وهذا ما أكّدته P32 وP19 وP16. وأضاف كروكر أن الطقوس التي يتم إجراؤها عند وصول معتقلين جدد إلى الفرع 251 يمكن اعتبارها ترهيبًا جنسيًا. وأشار إلى أن P11 وP16 وP1 وP39 وشهودًا آخرين وصفوا كيف اضطروا إلى خلع ملابسهم تمامًا، وأداء ما يسمى "بحركات أمان"، وأن بعضهم وصف كيف تم لمسهم أثناء هذا الإجراء. قال كروكر إنه حتى إن كان تفتيش المعتقلات يتم من قبل ضابطات، فإن الإجراء لا يزال مهينًا نظرًا لوضع المعتقلات اللواتي لا حول لهن ولا قوة. وزاد هذا الشعور عند تعرُّض المعتقلين للضرب طوال هذه العملية. وقال كروكر إن الإجراء كان عرضًا لهيمنة السجّانين على أجساد المعتقلين. وأضاف كروكر أنه تم تعذيب P39 وP1 وهم عراة. واختتم كروكر بالقول إن التعري [العري القسري] يجب اعتباره عنفًا جنسيًا في الحُكم بموجب المادة 7 (1) رقم 6 من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي.

أشار كروكر إلى أن المدّعين العامين رأوا أن الاعتداء الجنسي هو العنصر الجامع في نظام روما الأساسي في ضوء الأحكام المتعلقة بالعنف الجنسي في النظامين الأساسيين للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. أوضح كروكر أنه في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، كان العري القسري يعتبر عنفًا جنسيًا إذا كان ذا خطورة مماثلة للأفعال الجنسية الأخرى. قال كروكر، إن الأمر كان ينطبق على هذه الحالة. وأضاف أن ظروف الاعتقال والإذلال زادت من تفاقم السلوك. ووفقًا لكروكر، حاجج المدّعون العامون أن عمليات التفتيش الشخصي للمعتقلين التي أُجريت في الفرع 251 لا يمكن مقارنتها على الإطلاق بالتفتيش الشخصي الذي يُجرى في السجون الألمانية. وأشار كروكر إلى أنه وفقًا لأوصاف P33، كانت عمليات التفتيش الشخصي تجري في غرفة جدرانها مغطاة بالدماء، مع وجود رائحة قوية داخل الغرفة وأداة تعذيب ملقاة على الأرض. وبالتالي، فإن توقيت وظروف التعري القسري كان يرقى إلى مستوى الإكراه الجسدي. أوضح كروكر كذلك أن المعتقلين كانوا يُجبرون عادة على التجرُّد من ملابسهم أمام الآخرين. وبالتالي لم يكن من المهم ما إذا كان الإجراء يهدف إلى الإرضاء الجنسي للسجّانين والممرضين، وهو ما وجده المدّعون العامون بالفعل بناءً على اجتهادات محكمة العدل الاتحادية في المادة 184(ح) من القانون الجنائي الألماني (النسخة القديمة).

تابع كروكر موضحًا أن معرفة حقيقة ما حدث في سوريا ستعني أيضًا معرفة حقيقة مسؤولية أنور رسلان. حيث كان "المحقق" المشرف على كل شيء، يُصدر الأوامر وربما في بعض الأحيان يعمل على خفض مدة اعتقال بعض الأشخاص. وأشار كروكر إلى أن المدّعين العامين اتفقوا أيضًا مع هذا الاستنتاج، إلا أن أنور رسلان نفسه لم يقدّم إلا مساهمة محدودة للغاية في إثبات الحقيقة. ووفقًا لكروكر، اقتصرت مساهمة أنور على أقواله المتناقضة والتي تناقضت مع الأدلة المقدمة في هذه المحاكمة. قال كروكر إن موكليه كانوا يأملون أن يساهم أنور رسلان في كشف حقيقة ما حدث في سوريا، وطلبوا منه أن يفعل ذلك. أشار كروكر إلى أن كل ما قدمه أنور كان يشير إلى عبد المنعم النعسان وحافظ مخلوف. إلا أن أنور كان في وضع يسمح له بتقديم مساهمات قيمة. وأشار كروكر إلى أن أنور، في أيلول/سبتمبر 2011، كان عضوًا في لجنة إدارة الأزمات مع حافظ مخلوف وأنه شارك في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 في اجتماع في وزارة الداخلية. وخلص كروكر إلى أن لا أحد في وضع أفضل منه لتقديم معلومات عن الوضع والسياق في سوريا في ذلك الوقت. وخاطب أنور رسلان بشكل مباشر قائلًا إنه لم يفت الأوان على الكلام.

تابع كروكر قائلًا إن جلسات المحاكمة بشكل عام ساهمت في توضيح نطاق الهجوم المنهجي وواسع النطاق ضد السكان المدنيين والمعاناة الفردية للسوريين. وفقًا لكروكر، ستُرى نتيجة المحاكمة من بعيد وستنظر دول أخرى إلى ما يحدث في كوبلنتس وألمانيا في هذا الوقت وفي المستقبل. أشار كروكر إلى أن بشار الأسد زعم أن "كلها أكاذيب. لا يوجد تعذيب". وفي هذا السياق، قال كروكر إن موكليه يقدّرون أيضًا البعد الاجتماعي العام لهذه المحاكمة. وبالطبع، تناولت المحاكمة في المقام الأول المسؤولية الفردية للمدعى عليه. إلا أن ذلك كان له أيضًا تأثير على المجتمع بأكمله. وأشار كروكر إلى ضحايا الهجوم على مسرح باتاكلان في باريس الذين قالوا إن المحاكمة التي تلت الحادثة كانت فرصة لهم لفهم ما حدث من خلال إعادة تمثيل الأحداث. قال كروكر إن الأمر نفسه كان ينطبق في هذه الحالة خاصة في المحاكمات التي أُجريت بموجب القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي، نظرًا للسياق الأوسع. وفي هذه المحاكمة، كان السياق هو الاختفاء القسري والتعذيب والعنف الجنسي. وأشار إلى أن آلاف الأشخاص عانوا من التعذيب في سوريا. حيث أفادت تقارير أن أكثر من 55,000 توفوا بسبب التعذيب الحكومي ودُفنوا في مقابر جماعية. أظهرت المحاكمة أيضًا تورط المشافي في نظام التعذيب الذي تقوده الدولة السورية. وخلص كروكر إلى أن للمحاكمة أهمية كبيرة بالنسبة لسوريا، والتي لا يمكن لأحد أن يتخيلها.

أشار كذلك إلى أن حوالي 150,000 سوري كانوا يعيشون في ألمانيا، وحوالي مليون في الاتحاد الأوروبي. وقال كروكر إن موكليه وموكلي زميليه كانوا يأملون في مشاركة عمل القضاة في كوبلنتس في ألمانيا وفي جعله متاحًا. غير أنهم أصيبوا بخيبة أمل. حيث كانت المحكمة الدستورية الاتحادية هي الوحيدة التي جعلت الترجمة العربية متاحة للعامة وللصحفيين المعتمدين فقط. قال كروكر إن المنظمات التي لديها موارد كافية فقط هي التي تمكنت من النشر عن أيام المحاكمة. وخابت آمال موكليهم بالنسبة للتسجيل الجزئي للمحاكمة بموجب المادة 169(2) من قانون دستور المحكمة (GVG) الذي يسمح بالتسجيلات السمعية والبصرية للمحاكمات ذات الأهمية القصوى للتاريخ المعاصر للجمهورية الاتحادية الألمانية. وقال كروكر إنه كان على علم بثلاثة طلبات للقضاة في هذا الصدد. وتناولوا جميعًا مخاوف بشأن التأثير على شهادات الشهود من خلال، على سبيل المثال، عرضهم أن يطلبوا من كل شاهد الإذن بتسجيل شهادته أو تسجيل شهادات الخبراء فقط مثل تلك التي أدلى بها الأستاذ الدكتور روتشيلد وغارونس لو كين وأنور البُنّي ومازن درويش ورياض سيف. ولم يكن الطلب الأخير لتسجيل هذه المحاكمة سوى طلب لتسجيل البيانات الختامية. بالإضافة إلى ذلك، كان التسجيل سيبقى محميًا لفترة إخفاء مدتها 30 عامًا، مما يتطلب من المحكمة في كوبلنتس الموافقة على الكشف بعد مراجعة المواد. غير أن هذا الطلب قد رُفض أيضًا. وأشار كروكر إلى أن الرفض كان مبررًا بالقول إن هذه المحاكمة لم تكن ذات أهمية بارزة بالنسبة لجمهورية ألمانيا الاتحادية. إلا أن وزيرة العدل السابقة، كريستين لامبرخت، ذكرت محاكمة كوبلنتس بشكل خاص في مساهمتها في صحيفة فاز الألمانية في الذكرى 75 لمحاكمات نورمبرغ. وذكر وزير الخارجية السابق هايكو ماس المحاكمة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت محاكمة كوبلنتس هي المحاكمة الوحيدة التي ذُكرت في الدعوة إلى اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا. قال كروكر إنه في ضوء ذلك، فإن تقييم القضاة لأهمية المحاكمة بالنسبة لجمهورية ألمانيا الاتحادية غير مفهوم. كما أن الحجة القائلة بأن المحاكمة قد تكون مهمة للشعب السوري ولكنها في نفس الوقت ليست مهمة لجمهورية ألمانيا الاتحادية هي أيضًا غير مفهومة. وأشار كروكر إلى أن 750,000 سوري هم جزء من المجتمع الألماني، بل إن بعض موكليه يحملون الجنسية الألمانية. وجميعهم يساهمون في المجتمع الألماني. وخلص كروكر إلى أنه من المؤسف للغاية أن يقتصر الأمر على توفير الأحكام وما تنتجه المنظمات غير الحكومية والصحفيون للجمهور.

اختتم كروكر بيانه الختامي بذكر أسماء موكليه الذين كانت مصلحتهم الشخصية تقضي الحصول على قليلٍ من الإنصاف من هذه المحاكمة. غير أنه بالنسبة لأولئك الذين سمعوا أوصاف ما حدث [لموكلي كروكر]، لا يوجد تعويض لما تم القيام به. أشار كروكر إلى الكاتب النمساوي اليهودي جين أميري الذي اعترف في كتابه "ما وراء الذنب والمغفرة" أن هناك دائمًا شعورًا معينًا بعدم الثقة في العالم.

قال كروكر إن الحُكم القادم في هذه المحاكمة يمكن أن يوجه [العالم] في اتجاه رفض القتل والاغتصاب والتعذيب والاختفاء القسري المرتكب في سوريا وسيتم محاكمته في كوبلنتس. قال كروكر إنه يأمل ويعتقد أنه بفضل الولاية القضائية العالمية، يأمل المدّعون في إعادة بناء هذا العالم وإن كان بشكل جزئي على الأقل.

***

[استراحة لمدة 75 دقيقة]

***

البيان الختامي لمحامي المدعي شارمر

بعد إلقاء التحية على القضاة وأطراف القضية والحضور، قال شارمر إنه بعد أكثر من 100 يوم من المحاكمة، أصبح الآن يتحدث نيابة عن موكليه الذين نجوا من أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في سوريا. وطلب من القضاة النظر بشكل قانوني وواقعي في بيانه الختامي الذي يُعدّ جزءًا من بيان واحد كبير بالتعاون مع زميليه كروكر وبانز.

بدأ شارمر بالقول إن البيانات الشخصية للمدّعين كانت غنية عن الايضاح. إلا أنه كان يود أن يذكر الجميع عمّا كان محور هذه المحاكمة. وقد يُقال بشكل تلقائي إن هذه المحاكمة كانت حول مسألة الذنب والعواقب القانونية للمدعى عليه، أنور رسلان. إلا أن هذا لم يكن دقيقًا وفقًا لشارمر. حيث أوضح أن المحاكمات الجنائية كانت تُجرى دائمًا في سياق تاريخي واجتماعي معين. وبالتالي فإن إصدار الحُكم في هذه المحاكمة سيكون ثانويًا. قال شارمر إن هذه المحاكمة تدور حول الحقيقة. وأن المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس كانت أول من عدّ الهجوم المنهجي والواسع النطاق ضد السكان المدنيين السوريين من قبل حكومة بشار الأسد بأنه جريمة ضد الإنسانية بشكل قانوني. ووفقًا لشارمر، سيكون الأسد ورفاقه المجرمون دائمًا حاضرين في كل مكان في قاعة المحكمة، على الرغم من أنهم غير مرئيين. قد لا يكون أنور رسلان موافقًا على هذا الهجوم لأنه انشق. ومع ذلك، يتعين على المحكمة معالجة أفعال النظام السوري بسبب الهجوم المنهجي والواسع النطاق الذي يشكل إطارًا للجرائم ضد الإنسانية التي تم النظر فيها من قبل هذه المحاكمة. وقال شارمر إن القضاة ركزوا على هذا الإطار، مما أعطى الأمل للعالم ولا سيما السوريين في أن جرائم حكومة الأسد لن تُترك بلا عقاب. قال شارمر إن القضاة قيّموا الهجوم المنهجي وواسع النطاق في محاكمة عادلة ومستقلة.

قال شارمر إن هذه "الفظائع التي لا يمكن تصورها" لم تُوثَّق فقط في التقارير بل أيضًا بشكل مباشر في المحكمة. وقال إن المدّعين العامين قيموا بالفعل الأدلة بالتفصيل ولن يكرروا هذه النتائج وسيركزون فقط على الجوانب الفردية المهمة. أشار شارمر إلى إخبار P14 المحكمة عن كيفية إجباره على المشاركة في التخلص من الجثث. وكانت هذه الجثث تعود لمن قُتلوا على أيدي إدارة المخابرات العامة وكان يتم تسليمها إلى مواقع المقابر الجماعية في شاحنات التبريد بشكل يومي. وأضاف شارمر أن العديد من الجثث ظهرت عليها آثار الصدمات الكهربائية وعلامات زرقاء وسوداء وأظافر مُقتلعة ووجوه لا يمكن التعرف عليها أحيانًا. وكان من بين هذه الجثث نساء وأطفال. قال شارمر إنه لن ينسى أبدًا كيف وصف P14 الرائحة وفيضان الدم الذي يسيل من الشاحنات بمجرد قيامه بفتح البوابات. ولم يتم تحديد عدد الجثث التي دُفنت في القبور التي بلغ طولها 100 متر وعرضها 6 أمتار، وربما كان الأمر أكثر مما يتخيله المرء. قال شارمر إنه لن ينسى يوم المحاكمة عندما قام الأستاذ الدكتور روتشيلد بتحليل ملفات قيصر، حيث عرض ما لا يقل عن 6,821 جثة في 26,938 صورة. وقد عانى كل هؤلاء الأشخاص من التعذيب وظروف الاعتقال المروعة. قال شارمر إنه بدون هذه الصور، التي التقطها المصور العسكري السابق قيصر والتي تم تهريبها إلى الخارج بمساعدة صديقه سامي، لربما كان إجراء هذه المحاكمة وفهم الناس للفظائع في سوريا مستحيلًا. شكر شارمر المحكمة باسم الناجين على النظر في ملفات قيصر.

غير أن P14 وملفات قيصر لم تُمثّل سوى جزء صغير من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في سوريا. قال شارمر إن الأبعاد يصعب تحديدها لدرجة أن هناك خطرًا في البدء بالتفكير بالأمر من حيث الأرقام. وفقًا لشارمر، كان الأمر كله يتعلق بمصير البشر. قال إن "الأبطال الحقيقيين الذين يثبتون الحقيقة هم الناجون". قال شارمر إنه كان له شرف التعرف على تسعة منهم وتمثيلهم في هذه المحاكمة.

أشار إلى شهادات وقصص موكليه، بدءًا من P11. وأضاف شارمر أن أنور رسلان نفسه اعترف في إفادته أنه قام بالتحقيق مع P11. قال شارمر إنه من المهم بالنسبة له ألا تعُدّ المحكمة P11 وموكليه الآخرين مجرد جمادات. فبالطبع، كان للاعتقال في فرع الخطيب عواقب نفسية واجتماعية وخيمة عليهم جميعًا. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو أن الاعتقال لم يمنعهم من مواصلة القتال في صفوف المعارضة.

أشار شارمر إلى قصة P12 تباعًا. وأضاف أن P12 عاد من جديد واستمر في كفاحه من أجل الصحافة المستقلة. ولم يفر من سوريا إلا بعد اعتقاله للمرة الثانية. ثم أشار شارمر إلى شهادة P19، مضيفًا أنها استمرت في التعامل مع المعارضة في سوريا حتى بعد إطلاق سراحها من كفر سوسة. ولم تقرر الفرار من البلاد إلا بعد خمسة اعتقالات وتواصل اليوم كفاحها من خارج البلاد.

فيما يتعلق بـP32، أوضح شارمر أن كل شخصٍ يتعامل مع صدماته بشكل مختلف. حيث يمكن للمرء أن يرى المعاناة على وجه بعضهم. ولم يكن أخرون قادرين على الكلام. ووفقًا لشارمر، فإن التعرُّض للصدمة من جديد من خلال إدلاء الشهود بشهاداتهم كان مصدر قلق كبير لهؤلاء الشهود. وأشار إلى قول المدّعين العامين في بيانهم الختامي إنهم يصدقون P32، لكنهم أقروا أيضًا بوجود تناقضٍ في زمان ومكان بعض الاعتداءات الجنسية، مما منع في نهاية المطاف من النظر في شهادتها في الحُكم في هذا الصدد. قال شارمر إن المدّعين العامين انضموا إلى طلب المدّعين لاعتبار تهمة الاعتداء الجنسي جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 (1) رقم 6 من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي. بيد أنه تساءل "كيف ستستفيد P32 من ذلك في حين أن معاناتها الفردية لن يتم الاعتراف بها؟" وفقًا لشارمر، من المؤكّد أن P32 اعتُقلت مع والدتها في فرع الخطيب، وأنها تعرضت لتعذيب شديد في الفرع وتعرضت لاعتداءات جسدية. وخلص شارمر إلى أن المّدعين العامين قد أصابوا حينما أقروا بذلك. وأضاف أنه نظرًا لعدم اعتقال P32 مرة أخرى، فأن جميع أوصافها كانت تشير إلى الفرع 251 بالتأكيد. حيث استطاعت أن تميز بوضوح ما حدث لها في القسم 40 وكفر سوسة وسجن عدرا. قال شارمر إن P32 وصفت كذلك كيف تعرضت للضرب من قبل أبي غضب بقبضتيه في غرفة التعذيب في فرع الخطيب. وتعرضت بعد ذلك لصدمات كهربائية أثناء جلوسها على كرسي، ثم تعرضت للكرسي الألماني. قال شارمر إن P32 وصفت كل ذلك في المحاكمة. وبعد أن تمت مواجهتها باقتباسات من مقابلتها السابقة مع الشرطة، أخبرت P32 المحكمة أيضًا كيف تم تعليقها من معصميها أثناء التحرش الجنسي بها من قبل أبي غضب الذي لمسها، رغم أنها كانت ترتدي ملابسها بالكامل. وأوضح شارمر أنه من غير مزيد من التفاصيل، فإن لمس أبي غضب P32 يعتبر اعتداءً جنسيًا. قالت P32 للشرطة إنها لا تتذكر بالتفصيل الاعتداء الجنسي. إلا أنها أخبرت الشرطة أيضًا أنها فقدت الوعي ونُقلت إلى غرفة أخرى وأن هذا العنف هو سبب الصدمة التي تعرضت لها. قال شارمر إنه يجب ألا ننسى أن P32 وصفت عدة حوادث، وهي حقيقة لم يأخذها الآخرون في الاعتبار. وأشار إلى أنه في مقابلة مع الشرطة، تعرفت P32 على أبي شملة ووصفته بأنه "المسؤول عن سوء المعاملة في السجن". ووصفت كيف لمس صدرها من خلال قضبان زنزانتها وأدلى بتعليقات جنسية. قال شارمر إن P32 وصفت هذا في المحكمة أيضًا. وكان من الواضح أنها كانت تتذكر هذا الموقف على الرغم من صدمتها. وأضاف شارمر أنه بالنسبة للذكريات المتلاشية المتعلقة بأبي غضب، فإنه يثق في خبرة القضاة فيما يتعلق بآثار الصدمة على الذاكرة البشرية في حالات التوتر. قال شارمر إن P32 لم تكن قادرةً على التذكر فقط لوجود الكثير من الأشخاص. ولصالح مصداقيتها، يجب أيضًا الأخذ بالاعتبار أنه بعد مواجهتها باقتباسات من مقابلتها مع الشرطة، لم تحاول P32 مراجعة الأوصاف السابقة، لكنها وصفت بوضوح ما كانت قادرة على تذكره. ويكفي أن يرتكب سجّان واحد مثل هذه الأفعال. وفقًا لشارمر، فإن الأوصاف التي قدمتها P32 للحادثة المتعلقة بأبي شملة لا تترك مجالًا للشك. اختتم شارمر تقييمه لشهادة P32 بالقول إن شهادة والدتها، P33، تدعم أوصاف P32. حيث اعتُقلت P33 في نيسان/أبريل 2021 ووصفت أبا غضب وأبا شملة للمحكمة وكيف هُددت بالاغتصاب.

تابع شارمر قائلًا إنه بالنسبة إلى P38، كانت الرحلة إلى فرع الخطيب مؤلمة بشكل خاص. وكان من الجيد أن أتيحت الفرصة لـP38 للحديث عن هذه التجربة في المحكمة، لأن قصته أوضحت الرعب والخوف الذي لا يمكن تصوره من النظام. أشار شارمر إلى وصف P38 أن جثة صبي يبلغ من العمر 15 عامًا عُرضت أمام سيارة وكيف كان أشقاء الصبي خائفين من قوات الأمن التي قتلت شقيقهم. قال شارمر إن صورة جثة الصبي دُمغت في [ذاكرة P38] الذي أخبر المحكمة بعد ذلك بشكل عشوائي عن اعتقاله والتعذيب الذي تعرّض له. وصف P38، على سبيل المثال، كيف تمت معاملته وكأنه حيوان وكيف طُلب من السجّان أن يري P38 "كيف تتم الأمور هنا". أشار شارمر إلى أن P38 وصف كذلك كيف تعرض للركل في أعضائه التناسلية وضربه بكابل رباعي الأسلاك الذي مزق أجزاء من لحمه. خلص شارمر إلى أنه مع ذلك، بعد إطلاق سراحه، استمر P38 في تجهيز المشافي الميدانية قبل أن يفر في النهاية من سوريا.

أشار شارمر إلى قصة اعتقال P39 كذلك، وكيف طُلب من السجّان إخراج P39 "من هنا" وظروف الاعتقال اللاإنسانية التي تعرّض لها. كما ذكر شارمر كيف تعرض P39 للصعق الكهربائي وهو عارٍ ومغطى بالماء، وكيف هُدد بإيذاء زوجته وبناته، وكيف طوّر صداقة أبوية مع معتقل قاصر اغتُصب بعصا خشبية في فرع الخطيب. قال شارمر إن P39 وصف للمحكمة كيف عانى الصبي من الاغتصاب لأنه لم يكن قادرًا على التحدث عنه مع أي شخص بسبب الأعراف الاجتماعية والسمعة السيئة التي قد يتسبب فيها الحديث عن هذه الأمور. خلص شارمر إلى أنه على الرغم من اعتقال P39 مرتين، في 2012 و2013، إلا أنه لم يسمح للاعتقال بكسره. ولم يفر من سوريا إلى الاتحاد الأوروبي إلا في عام 2015 عندما لم يعد لديه سبب للعيش في سوريا.

مضى شارمر مشيرًا إلى قصة اعتقال P46 كذلك. وأوضح شارمر أنه بالإضافة إلى وصف اعتقاله في فرع الخطيب، وصف P46 أيضًا إقامته في "مشفى التعذيب، حرستا". وأصبح لدى للمحكمة، من خلال هذه الأوصاف، فكرة جيدة عن كيفية قيام فرع الخطيب بالتعذيب [ليس بالضرورة داخل الفرع]. قال P46 للمحكمة إن هناك قاعات مختلفة لفروع المخابرات المختلفة في مشفى حرستا، وكانت واحدة منهم للفرع 251. قال شارمر إن المرء لا يستطيع التحدث عن العلاج الطبي على الإطلاق عند الإشارة إلى هذا المشفى. حيث كانت هناك جثث في الممرات وكان المرضى يتعرضون لسوء المعاملة. وجد شارمر وصف P46 لكيفية تعثره بجثة صبي يبلغ من العمر 12 عامًا في المرحاض وكيف مات مريض آخر بجواره في نفس السرير، أمرًا مثيرًا للإعجاب بشكل خاص. أشار شارمر إلى أنه بعد إقامته في المشفى، نُقل P46 مرة أخرى إلى فرع الخطيب حيث تعرض مجددًا إلى ظروف اعتقال غير إنسانية، وتم التحقيق معه وسُكب بلاستيك مذاب ساخن على ظهره، كما أُجبر المعتقلون على شرب المياه القذرة لمكيفات الهواء. ولا يزال P46 يعاني من ندوب من اعتقاله على يديه وظهره وقدميه حتى يومنا هذا ويعاني من عواقب نفسية واجتماعية. وفقًا لشارمر، سمع P46 أيضًا من زملائه المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب بالكرسي الألماني الذي تسبب في كسر أعمدتهم الفقرية، ومن زملائه المعتقلين الذين تعرضوا للضرب على أعضائهم التناسلية بالهراوات، ومن زملائه المعتقلين الذين ربط السجّانون كيسًا مليئًا بالماء بأعضائهم التناسلية. أشار شارمر إلى قول P46 للمحكمة إنه ذات ليلة مات أحد زملائه المعتقلين في الزنزانة الجماعية وأنه رأى ثلاث جثث أخرى بعد عودته من مشفى حرستا. خلص شارمر إلى أنه بعد إطلاق سراحه، واصل P46 المشاركة في الاحتجاجات وفر في النهاية إلى ألمانيا في عام 2013 حيث يعيش الآن كمؤلف وكوميدي ناجح. وفقًا لشارمر، كانت أقوال P46 في المحكمة وأثناء مقابلته مع الشرطة ذات مصداقية، والتي تضمنت وصفه لكيفية تعرفه على هوية أنور رسلان. قال شارمر إن P46 قد أخبر الشرطة أنه لم يرَ بوضوح الشخص الذي حدد هويته على أنه أنور رسلان. قال شارمر إن P46 لم يقل أي شيء آخر في المحكمة. ولم يُظهر P46 أي رغبة في تجريم المدعى عليه. سأل شارمر لم قد يكذب P46 في المحكمة في حين أن ذلك قد يؤدي فعليًا إلى إطلاق سراح المدعى عليه.

تابع شارمر مشيرًا إلى قصة اعتقال P48. خلص P48 بعد الادلاء بشهادته إلى أن عزاءه الوحيد هو أن اعتقاله خدم غرضًا جيدًا، إلا أنه قبِل أن النظام السوري سيتصرف على هذا النحو وأنه لا يستطيع فعل أي شيء حيال ذلك.

قال شارمر إنه كان مثيرا للإعجاب أن كل هؤلاء الناجين وآلافًا آخرين استمروا في النزول إلى الشوارع احتجاجًا على النظام اللاإنساني حتى بعد تجاربهم المؤلمة في فرع الخطيب. ووفقًا لشارمر، فإنهم جميعًا "أبطال هذه المحاكمة" الذين قبلوا خطر التعرض لصدمة جديدة للمساهمة في إثبات الحقيقة من خلال التحدث علنًا عن تجاربهم.

بالنسبة للمدعى عليه أنور رسلان، قال شارمر إنه شق طريقه داخل جهاز المخابرات في سوريا. وكان، حتى قبل الثورة، يقبل التعذيب الذي كان جزءًا من شؤونه اليومية. وقال شارمر إن الأمور كانت على هذا النحو في عهد حافظ الأسد واستمرت في عهد بشار الأسد. وبقبول ذلك، شق أنور طريقه إلى رتبة عقيد في إدارة المخابرات العامة، وهو ثاني أعلى منصب يمكن أن يصل إليه المرء. وقد حقق ذلك رغم أنه سني. قال شارمر إن مسيرة أنور المهنية لم تكن صُدفة. ولم يكن من قبيل المصادفة أنه أصبح عقيدًا ورئيسًا لقسم التحقيق في فرع الخطيب. حيث عمل أنور بجد: بنسبة 120٪. وأشار شارمر إلى أن أنور كان يمثل إدارة المخابرات العامة رسميًا في الاجتماعات في عام 2012. كما أتى مع منصبه العديد من الامتيازات. وفقًا لشارمر، لم يختر أنور الطريق الأقل مقاومة إلا في عام 2012 عندما ذهب في نهاية المطاف إلى الأردن وانشق. غير أن هذا لم يكن ذا صلة. وإن كل ما وصفه أنور عن الفترة التي قضاها في الأردن وجوانب أخرى من هروبه، كان لكيلا يُنظر إليه على أنه من الداعمين للنظام السوري، على سبيل المثال عند وصوله إلى الأردن.

قال شارمر إنه طالب بنفس العقوبة التي طالب بها المدّعون العامون: الحُكم بالسجن مدى الحياة والحُكم بجسامة الجرم على نحو خاص. وخاطب أنور مباشرة، قائلًا إنه في حالة صدور هذا الحُكم، فإن المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس ستقرر ما تبقى من عقوبته في غضون ثلاثة عشر عامًا من الآن. ولن يتمكن من طلب تعليق عقوبته قبل ذلك التاريخ. أوضح شارمر أنه في هذه المرحلة، سيكون من المهم كيف يتصرف أنور بعد الحُكم. ووفقًا لشارمر، سينتظر آلاف السوريون الإجابات، ليس فقط في ألمانيا بل في كل مكان. أخبر شارمر أنور بأن يساعد هؤلاء الأشخاص وأن يشارك البيانات والمعلومات التي بحوزته حاليًا. وأضاف شارمر أنه "بصراحة، فإن القصة القائلة بأن البيانات قد تدمرت أثناء لعب الأطفال على الحاسوب لا تنطلي على أحد".

قال شارمر إنه يود أن يشكر جميع أطراف القضية على معاملتهم العادلة والإنسانية. وإنه يجب النظر في مسألة الذنب والعواقب القانونية في السياق التاريخي. ووفقًا لشارمر، فإن النتيجة التي توصلت إليها المحكمة ستساعد المجتمع الدولي على معرفة كيفية توجيه النقد لحكومة بشار الأسد. أنهى شارمر بيانه الختامي قائلًا إن جرائم التعذيب والقتل الممنهجة ارتكبها النظام الذي لا ينبغي التفاوض معه بل يجب تقديمه للمحاكمة.

***

[استراحة لمدة 10 دقائق]

***

البيان الختامي لمحامي المدعي بانز

بعد إلقاء التحية على أطراف القضية، بدأ محامي المدعي بانز بيانه الختامي بتوجيه الشكر للقضاة على تفاعلهم المدروس والمناسب مع موكليه. وأضاف أنه في المحاكمات الطويلة كهذه، غالبًا ما ترجع الأمور للتفاصيل الصغيرة في النهاية. أشار بانز إلى ارتباك أحد موكليه عندما ذهب القاضي فيدنير ليحضر له زجاجة ماء لأنه كان متفاجئًا جدًا من أن القاضي قد تعامل معه بهذه الطريقة الاعتيادية. كما شكر بانز المدّعين العامين وفريق الدفاع على عملهم. ووجه شكرًا خاصًا للمترجمين الفوريين المهمين للغاية في مثل هذه المحاكمات. قال بانز إنه لذلك شعر بالأسف بشكل أكبر لتزويدهم بنسخة مُختصرة من بيانه الختامي فقط بدلًا من خطاب مُصاغ بالكامل. كما شكر المنظمات غير الحكومية التي عقدت العزم على معالجة الجرائم المرتكبة في سوريا، وخاصة المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR). وأخيرًا، شكر بانز موكليه وجميع الناجين الآخرين على كفاحهم المتفاني من أجل الحرية. قال بانز إن على المرء أن يقدِّم لهم جميعًا أعلى درجات الاحترام. ثم شكر الشهود الذين أدلوا بشهاداتهم نيابة عن جميع المختفين والمعتقلين والقتلى في سوريا. حيث أدلوا بشهاداتهم في المحكمة على الرغم من العبء الهائل والتجارب الصادمة. تابع بانز قائلًا إنه يمثل العديد من الناجين من الفرع 251/فرع الخطيب الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب.

أولًا، أشار بانز إلى قصة P30 كما وصفها الشاهد في المحكمة. وفقًا لبانز، وصف العديد من الشهود تجاربهم في المحكمة. وبالتالي فقد تكررت عدة أمور. بيد أن التفاصيل الصغيرة هي التي تجعل هذه الأوصاف ملموسة. فعلى سبيل المثال، وصف P30 للمحكمة كيف كان المعتقلون يشمون رائحة المعتقلين الوافدين حديثًا لأن رائحتهم لم تكن تشبه رائحة الزنزانة المكتظة. كما أخبر P30 المحكمة عن طفل اعتُقل في الفرع. قال بانز إنه يود، نيابة عن موكله P30، أن يشير إلى أن P30 يعُدّ هذه المحاكمة مهمة لمستقبل المجتمع السوري ويأمل أن يعرف المسؤولون أنهم سيخضعون للمساءلة.

أشار بانز بعد ذلك إلى أوصاف P47 للعقاب الجماعي في الفرع والإعدامات الوهمية التي اضطر إلى أن يشهدها. وكان أحد الأمور التي قال بانز إنه يتذكرها جيدًا من شهادة P47 هو اعتقال رجل مسن للضغط على أبنائه. وأضاف بانز أن عائلة P47 سألت عنه في كل مكتب محتمل، ومنها فرع الخطيب ولم تعرف أين كان حتى إطلاق سراحه. ولم يُطلق سراحه إلا بفضل الرشاوى. قال بانز إن ذلك كان الإجراء المعتاد.

تابع مشيرًا إلى قصة P34. حيث أُطلق سراح P34 بتركه في الشارع وقد واجه صعوبة في العثور على سيارة أجرة لتوصله إلى المنزل. وبمجرد وصوله إلى المنزل بمساعدة سائق سيارة أجرة، علم أن أشقاءه الثلاثة الآخرين كانوا لا يزالون رهن الاعتقال. وفي وقت لاحق، تعرف P34 على صهره في إحدى الصور الموجودة في ملفات قيصر. وأشار بانز إلى أن P34 أخبر المحكمة أن من أعتُقل كان يختفي ببساطة. طلب P34 من بانز تلاوة بيان نيابة عنه:

شكر P34 القضاة والمدّعين العامين ومحامي المدّعين بعد الاعتذار عن أنه لم يتمكن من التحدث في المحكمة بنفسه. ووصف P34 أنه لم يكن قادرًا على تخيل شعور مواجهة أحد أعضاء النظام [الحكومة السورية] وأنه فقد الأمل في أن العدالة ستأخذ مجراها ذات يوم. فبينما دمّر بشار الأسد الشعب السوري ومدنه، كان العالم يراقب. لذلك أراد P34 أن يشكر ألمانيا لكونها الدولة الوحيدة التي تجري مثل هذه الملاحقات القضائية. خاطب P34، في رسالته، أنور رسلان مباشرة قائلًا إن "السيد أنور لن يقدر على فهم المعاناة والألم الذي أشعر به." قال P34 إنه كان يرى والده وإخوته فقط في أحلامه. ولم يعد بإمكانه زيارة وطنه وقبور أحبائه مرة أخرى. قال P34 إنه لا يستطيع وصف هذا الألم. إلا أنه يشعر بالارتياح لأنه تم الحقيق في هذه الجرائم ومحاسبة شخص ما. اختتم P34 بتوجيه الشكر إلى ألمانيا والإعراب عن أمله في محاكمة المزيد من الأشخاص المسؤولين في المستقبل.

بعد تلاوة بيان P34، أشار بانز إلى شهادة P17 الذي لم يكن معتقلًا في فرع الخطيب، لكن شقيقه اعتُقل في مكان عمله في نفس اليوم الذي اعتُقل فيه P17. قال بانز إنه بعد اعتقالهما، بحث شقيق P17 الآخر وابن عمه [P18] عنهما. أخبر P18 المحكمة كيف حاول الوصول إلى أنور رسلان عدة مرات حتى سُمح له في النهاية بمقابلته. إلا أن أنور طلب من P18 ببساطة أخذ أي جثةٍ والتوقف عن التسبب في المشاكل. قال بانز إنه طُلب من P18 وابن عمه أخذ جثة من المشفى العسكري. لم يقدم أنور مزيدًا من المعلومات حول الوفاة المزعومة لشقيق P17. قال بانز إن البحث عن جثة شقيق P17 مع ابن عمه P18 عن جثة شقيق P17 كان "بشعًا" للغاية. وأضاف بانز أن هناك تقارير مختلفة حول مصير شقيق P17. وتشير معظم المعلومات إلى أنه توفي بالفعل في بداية اعتقاله في فرع الخطيب. إلا أن المشكلة لا يمكن أن تُحل أثناء المحاكمة. حتى أن P17 التفت مباشرة إلى أنور رسلان وطلب منه أن يقول ما حدث لأخيه. إلا أن أنور لم يقدم سوى بيانٍ تلاه محاميه أفاد فيه أنه أُبلغ باعتقال طبيبٍ لكنه لم يجده من بين المعتقلين. خلص بانز إلى أن P17 وعائلته بأكملها يعانون من حالة من عدم اليقين إلى يومنا هذا.

انتقل بانز إلى تقديم "ملاحظة قصيرة حول أهمية مشاركة المدّعين في محاكمات مثل هذه". وقال إن فرق الدفاع والمحاكم غالبًا ما تكون غير راضية عن المدّعين المشاركين في المحاكمات. ويمكن حتى أن نسأل عمّا إذا كان ممكنًا الاستغناء عن مشاركتهم في هذه المحاكمة. وفقًا لبانز، يمكن القول إن محامي الدفاع والمدّعين العامين والقضاة قد قاموا بعمل يتسم بالضمير، وبالتالي فإن مشاركة المدّعين لن تكون إلا عبئًا لمثل هذه المحاكمة. ويمكن القول إن تمثيل المدّعين يمثل تحديًا لوجستيًا إضافيًا أدى إلى زيادة تكاليف المحاكمة، وإذا كان [التمثيل] منخرطًا بشكل فاعل، فقد يتطلب ذلك وقتًا وجهدًا إضافيين. قال بانز إنه بعد الاستماع إلى أربعة من المدّعين في هذا اليوم، علينا ألا نطرح مثل هذه الأسئلة. وأن تمثيل المدّعين لن يكون زائدا عن الحاجة ولا عبئًا على المحاكمة. وفقًا لبانز، فإن مشاركة المدّعين في هذه المحاكمة كانت وسيلة للناجين من فرع الخطيب ليعيشوا تجربة التمكين الذاتي. فبصفتهم مدّعين، تم الاستماع إليهم، وقاموا من خلال حقوقهم الإجرائية، بدعم الادّعاء والتحقيق القانوني. من خلال القيام بذلك، فإنهم يضفون الشرعية على هذه المحاكمة وعلى الحُكم. ومن خلال ممارسة حقوق الإنسان العالمية وبفضل الولاية القضائية العالمية، شارك المجتمع السوري في هذه المحاكمة كمدّعين عامين من خلال المدّعين. وفقًا لبانز، لا يمكن لأحد أن يدعي أن ألمانيا تفترض قدرتها على الحُكم على دول أجنبية. بل إن موكليه وموكلي زميليه الآخرين شاركوا في هذه المحاكمة كممثلين للمجتمع السوري الذي تُنتهك حقوقه بشكل غير مقبول.

أوضح بانز أنه سينتقل الآن إلى قضية الاختفاء القسري. وأشار إلى أنه في تموز/يوليو، قدّم هو وزميلاه طلبًا لمذكرة قانونية لإدراج الاختفاء القسري كجريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 (1) رقم 7 من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي في لائحة الاتّهام. ولم يوضح المدّعون العامون هذه المسألة في بيانهم الختامي وأشاروا بدلًا من ذلك إلى بيانهم السابق. في هذا البيان، رفض المدّعون العامون إدانة الاختفاء القسري كجريمة ضد الإنسانية لسببين. ووفقًا لبانز، فقد جادلوا في البداية بأن نية إبعاد الضحايا عن حماية القانون لم تُثبت. ثانيًا، قالوا إن عنصرًا من عناصر الجرائم لم يُثبت بخصوص المدعى عليه أنور رسلان. وأشار بانز كذلك إلى أن القضاة رفضوا في النهاية طلب محامي المدعي في تشرين الأول/ أكتوبر. حيث قال القضاة إن القصد المطلوب هو أن يرقى لأن يكون جُرمًا بنية مسبقة من الدرجة الأولى، وهو ما لن يتم تقديمه في هذه الحالة، تمامًا مثل مطلب إجراء تحقيقات خاصة فيما يتعلق بمكان وجود الأشخاص المفقودين.

قال بانز إنه وزميليه يختلفون بشدة مع هذه النتائج. وهم يرون أن إدانة الاختفاء القسري كجريمة ضد الإنسانية في هذه الحالة ليس مقبولًا قانونيًا فحسب، بل ضروري. وقال إنه سيلخص فقط بيانه وبيان زميليه في هذا الشأن.

وفقًا لبانز، فإن الاختفاء القسري بموجب المادة 7 (1) رقم 7 الفقرة أ من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي كان ينطبق في هذه الحالة. وأضاف أن مسألة "ما كان وراء الاختفاء القسري لم تكن مهمة فقط لموكليه موكلي زميليه". وأشار إلى أن P12 قدم وصفًا قال فيه "يختفي المرء خلف الشمس". وفي عام 2021، أصدرت لجنة التحقيق الدولية حول سوريا تقريرًا حول الاعتقال والاختفاء في سوريا. أفاد هذا التقرير أنه حتى 11 آذار/مارس، 2021، اختفى ما لا يقل عن 100,000 شخص في سوريا. كما وجدت أن الاختفاء القسري ارتُكب عمدًا من قبل قوات الأمن طوال العقد الماضي. وتضمنت 635 من بيانات الشهود حول الاعتقال في هذا التقرير معلومات عن الاختفاء القسري كذلك.

وصف بانز الاختفاء القسري بأنه "جريمة خطيرة وواسعة النطاق". وقال إن كل من الأدلة التي تم الحصول عليها في هذه المحاكمة، وكذلك ما قدمه محامو المدّعين، تشير بوضوح إلى وجود خطر كبير بالتعرض للتعذيب أو حتى القتل أثناء الاعتقال. وكانت حالة عدم اليقين تتسبب بالصدمة لأقارب وأصدقاء المعتقلين. وقال بانز إن هذا الأمل الطفيف يجعل من المستحيل على الناس أن يضعوا خاتمة للأحزان والتصالح مع الذات. بدا التوتر واضحًا على كل من P17 وP18 عندما كان عليهما التحدث عن هذه المسألة. ووفقًا لبانز، فإن الاضطرار إلى التعايش مع حالة عدم اليقين هذا كان كالسم الصامت. وقد وصفه P12 بأنه سؤال لا ينتهي وأنه سببٌ لليأس والعجز والحزن، وقليل من الأمل. قال بانز إن هذا لا يمكن أن ينتهي إلا إذا عرف الناس مصير أحبائهم، حتى لو كان ذلك يعني أن يعرفوا أن [أحباءهم] ماتوا، كما في حالة P34 الذي تعرّف على صهره من بين الصور في ملفات قيصر.

قال بانز إنه سيكون من المهم للغاية للضحايا تسمية هذه الممارسة بالاختفاء القسري. ومع ذلك، يجب بالطبع إعطاء المسؤولية الجنائية الفردية. وقال إنه سيتناول بالتالي حالتين بالتفصيل. الأولى حالة شقيقتي P32/ابنتي P33 وحالة شقيق P17/ابن عم P18.

وفقًا لبانز، فقد قُتل شقيق P17 على الأرجح. غير أنه على المدّعين العامين الاعتراف أيضًا بأنه لا يمكن القطع بذلك في المحكمة وتحديد متى وأين توفي، على الرغم من الجهود المبذولة في التحقيق، على سبيل المثال، من خلال قراءة الدردشات ذات الصلة على الفيسبوك. وبالتالي يمكن أن تُعدّ قضيته حالة اختفاء قسري. أشار بانز إلى أن P33 وصفت للمحكمة كيف تم اعتقالها، واعتقال بناتها الثلاث. عندما اختفت بناتها، اتصلت P33 بفروع المخابرات المختلفة وطالبت علنًا بإطلاق سراح بناتها. أدى احتجاجها العلني في النهاية إلى نقلها إلى فرع الخطيب حيث تمكنت هي وزوجها من رؤية بناتهما في حضور أنور رسلان.

خلص بانز إلى أن كلتا الحالتين تفي بالمتطلبات الموضوعية للمادة 7 (1) رقم 7 الفقرة أ من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي: فقد اعتُقل الأشخاص المعنيون خلال فترة الاتّهام وحُرموا من حريتهم نتيجة لذلك. ونظرًا لظروف الاعتقال اللاإنسانية، فإن الحرمان من الحرية يُعدّ شديدًا. ويُنسب ذلك إلى أنور رسلان الذي كان مسؤولًا عن هذه الأعمال وله سلطة عليها بسبب منصبه في الفرع 251. وقد أمرت الحكومة بهذه الأعمال وقبلت بها. وأوضح بانز أنه من المهم معرفة ما إذا كانت الأعمال أعمالًا منعزلة أو أعمالًا تتوافق مع النظام. كانت هذه الأعمال من دون شك متوافقة مع النظام. وقال بانز إن أنور رسلان كان يتصرف بصفته مسؤولًا في الدولة ويمارس سلطاته التي تمنحها له الدولة.

كان السؤال الآخر ذو الصلة، وفقًا لبانز، هو ما إذا تم تقديم المعلومات على الفور وبصدق. وخلص بانز إلى أنه في هذه الحالات، كان هناك رفض لتقديم مثل هذه المعلومات، على الرغم من أن المدّعين العامين والقضاة "يعتقدون على ما يبدو أن هذا [الرفض] لم يكن ما حدث". وأشار بانز إلى المادة 103 (2) من الدستور الألماني، قائلًا إن الطريقة التي صيغت بها الفقرة 7 (1) رقم 7 فقرة أ من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي لا تتطلب إلا تحقيقًا واحدًا متعلقًا بمكان وجود الشخص المفقود دون تحديد لمن يجب إجراء هذا التحقيق.

قال بانز إنه في حالة شقيق P17، فإن أقاربه لم يتلقوا معلومات فورية أو صادقة. ولم تكن المعلومات التي قُدّمت كافية وحُرم P18 من الحصول على معلومات حاسمة. أشار بانز إلى أوصاف P21 للوثائق والملفات الدقيقة في جهاز المخابرات، مضيفًا أن كل من راقب أنور رسلان وتدوينه المستمر للملاحظات خلال هذه المحاكمة ليس لديه شك في دقته. ومع ذلك، لا يزال مصير شقيق P17 غير واضح. وفيما يتعلق بحالة ابنتي P33، أوضح بانز أن P33 لم تحصل على أي معلومات. ولم يتم نقلها إلى فرع الخطيب إلّا بعد أن واصلت الاتصال بعدة فروع لمدة ثلاثة أيام واحتجت علنًا، وتمكنت هي وزوجها من مقابلة ابنتيهما أثناء وجود أنور.

خلص بانز إلى أنه في كلتا الحالتين، لم يتم إعطاء أقارب المفقودين معلومات فورية. لم يتلق P17 معلومات كافية إلى يومنا هذا. ولم يتم تزويد P33 بالمعلومات على الفور. قال بانز إن الأمر ليس مقنعًا عند محاولة إنشاء عتبة مادية إضافية. قد يصبح الغرض الوقائي للقاعدة غير ذي صلة إذا كان قابلًا للتطبيق بعد فترة زمنية معينةفقط. وفقًا لبانز، فإن الحجة القائلة بأنه وفقًا للممارسات الدولية، يُسمح للسلطات بإخفاء المعلومات لمدة 24 إلى 48 ساعة، لن تكون قابلة للتطبيق في هذه الحالة. وأشار إلى P18 الذي أخبر المحكمة أنه بمجرد أن علمت الأسرة باختفاء P17 وشقيقه، حاولوا بكل السُّبل العثور عليهم لأنهم كانوا يعلمون أنه من المحتمل أن يُقتلوا قريبًا جدًا. قال بانز، للسبب نفسه، حاولت P33 كل ما في وسعها للحصول على معلومات عن ابنتيها. خلص بانز إلى أن وجود عتبة الأثر المادي الإضافية من خلال فرض عقبة زمنية من شأنها أن تؤدي إلى الحرمان وفقدان حماية الحقوق. ولا ينبغي التمييز بين مصطلحي "فوري" و"سريع" إلا للسماح للجاني المزعوم بجمع المعلومات ذات الصلة. قال بانز إنه لا علاقة له بعدد الأيام التي لم يتم فيها تقديم المعلومات. حيث ارتكبت جريمة الإخفاء القسري كجزء من هجوم واسع النطاق وممنهج على النحو الذي حدده القضاة في 24 شباط/فبراير، 2021.

أشار بانز إلى أنه وفقًا للقضاة، فإن أنور رسلان كان له نية مختلفة. وأشار بانز إلى أنه في بيانهم الصادر في 13 تشرين الأول/أكتوبر، 2021، وجد القضاة أنه على الرغم من اعتقال النظام أشخاصًا دون تقديم معلومات عن مكان وجودهم، إلا أنه لم تكن هناك نية فردية لأنور بعدّه الجاني المزعوم. وقال بانز إن النتائج التي توصل إليها القضاة غير كافية، وأن الحجج التي ساقها المدّعي العام بأن الاختفاء وفقدان حماية القانون مجرد آثار جانبية لم تكن كافية كذلك. وأضاف أنه "لا يمكن أن تكون هناك شكوك جدية حول نية الحكومة بإبعاد الناس عن حماية القانون" بناءً على شهادات الشهود والمدّعين والخبراء الذين تم الاستماع إليهم في هذه المحاكمة.

أضاف بانز أن الاختفاء القسري كان له أيضًا تأثير كبير على البيئة الاجتماعية للمُختفين. كما أنه، وفقًا لبانز، وسيلة لنشر الخوف والرعب. قال إن تقرير لجنة التحقيق الدولية في عام 2013 وجد بالفعل أن هذه كانت ممارسة طبقتها الحكومة منذ بداية الثورة السورية. وقال بانز إنه من غير المفهوم إذن كيف توصل المدّعون العامون إلى استنتاج مفاده أن النظام لم تكن له نية بإبعاد الناس عن حماية القانون. وفي إشارة إلى النتائج التي توصل إليها المدّعون العامون والتي تفيد بأن النظام كان يعتزم جمع معلومات حول الإرهابيين المزعومين وأعضاء المعارضة من خلال اعتقال الأشخاص، قال بانز إنه على الرغم من أن المدّعين العامين قد لا يكونون على علم بعواقب هذا القول أو أنهم لم يقصدوا ذلك، إلا أن الأمر ما زال يبدو وكأنه صفعة على وجه موكليه. وأوضح بانز أن الاعتقالات كانت تتم بشكل تعسفي، وفي كثير من الأحيان لم يكن هناك أي اشتباه بالمعتقلين. بل كانت بالأحرى وسيلة لإرهاب السكان المدنيين. ولم تكن عمليات الإفراج والنقل مرتبطة بأي معلومات كافية قدمها المعتقلون. وأضاف أن بعض التحقيقات كانت قصيرة وسطحية، وكثيرًا ما كان على المعتقلين التوقيع على اعترافات على بياض. لم يكن هناك أي جمع للمعلومات على الإطلاق، ولم يكن للمعتقلين أي تأثير على اعتقالهم، إلا من خلال دفع الرشاوى. إذا لم يرشوا أي شخص، فإن مسار اعتقالهم كان يعتمد على قرارات تعسفية.

أوضح بانز أن أنور رسلان كان يشغل منصبًا قياديًا في الفرع 251. وأن جميع المعتقلين الذين اختفوا في هذا الفرع قد اختفوا داخل المنطقة الخاضعة لسيطرته. وأضاف بانز أن بعضهم ما زالوا مختفين إلى اليوم. وخلص إلى أن أنور رسلان تصرف بالتالي بما يتفق مع النظام وبوعي كامل وبقصد. وقال بانز إنه خلال فترة الاتّهام في هذه القضية، كانت سياسة الدولة في سوريا هي القبض على أي عضو مزعوم في المعارضة واعتقاله ببساطة. وقال بانز إن نية أنور في الحالات الفردية المذكورة أعلاه يمكن إثباتها أيضًا فيما يتعلق بالوقائع الفردية. ووفقًا لبانز، كان من المستحيل أن التحقيقات والجهود المبذولة للحصول على المعلومات كما وصفها P18 ظلت مجهولة لأنور رسلان. حيث ترك P18 وابن عمه في الظلام عندما التقيا به في مكتبه، ومن خلال استدعاء P18، أعطاه معلومات خاطئة عن قصد بخصوص جثة ابن عمه. وفي حالة P33، يمكن التساؤل عمّا إذا كان أنور قد علم شخصيًا بالاستفسارات الفردية لـP33 في الفروع المختلفة. أضاف بانز أنه كان من المؤكد أنه الأمر لم يخف عنه عندما زادت P33 من جهودها من خلال التظاهر العلني، مما أدى في النهاية إلى زيارتها فرع الخطيب. وأوضح بانز كذلك أن رفض تقديم المعلومات كان ممارسة موجودة على أي حال. لذلك لا يهم ما إذا كان أنور قد وافق عليها أم لا. ومع ذلك فقد اتبع هذه الممارسة بمعرفة كاملة بعواقبها.

أضاف بانز أن عواقب هذه الممارسة لا تزال واضحة حتى اليوم ويمكن رؤيتها في قاعة المحكمة هذه. وأشار إلى شهادة كريستوف رويتر التي قال فيها الصحفي إن أنور يتمتع بذاكرة تصويرية وذكاء حاد. وأكّد ذلك ضباط مخابرات سابقون أدلوا بشهاداتهم في هذه المحاكمة. وأضاف بانز أن أنور كان يدون الملاحظات باستمرار طيلة المحاكمة، وكان من الواضح أنه إذا كان راغبًا فقط، فسيكون قادرًا على تقديم المعلومات. وعلى الأقل، انتهى طلب P17 للمعلومات ببيان موجز من قبل أنور. خلص بانز إلى أنه بالنظر إلى التحليل أعلاه، يجب العودة للمادة 7 (1) رقم 7 الفقرة أ من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي، التي تصف الاختفاء القسري بأنه جريمة ضد الإنسانية قد استوفى ذلك في حالة أنور.

ثم ذكر بانز أن زملاءه قالوا بالفعل إنه من وجهة نظر القضاة وكذلك من منظور المدّعين العامين ومعظم المدّعين، كان الهدف العام هو إنهاء المحاكمة في الوقت المناسب و"إبقاؤها تحت السيطرة". ووفقًا لبانز، فإن المحاكمة لم تتعرض أبدًا لخطر "الخروج عن السيطرة". وقال إنه من المستحسن بالتالي أن يتحدث القضاة عن أهمية هذه المحاكمة. وفقًا لبانز، ستكون محاكمة كوبلنتس بالطبع ذات أهمية كبيرة لجمهورية ألمانيا الاتحادية، على الأقل بسبب تاريخ ألمانيا نفسها.

أضاف بانز أنه بالطبع كان لدى مختلف المدّعين دوافع مختلفة للانضمام إلى هذه المحاكمة، وهي مسألة نوقشت سابقًا. وقال إن مسألة العدالة عن طريق المحكمة كانت قضية معقدة، ويمكن للمرء أن يسأل من تساعده وكيف سيساعد حُكم أنور رسلان بالسجن. وفقًا لبانز، يتعين على كل فرد الإجابة على السؤال المتعلق بما إذا كانوا سيحققون الخلاص من خلال الحُكم أو كانوا سيعتبرون أن ذنب أنور قد استوفي بعد فترة سجنه.

قال بانز إنه يعتقد شخصيًا أنها خطوة مهمة لوضع شيء ضد النظام السوري اللاإنساني. كما أنها ستكون خطوة أولى ضرورية للمحاكمات المستقبلية. وأضاف بانز أنه يأمل هو وزميلاه أيضًا أن تتعارض المحاكمة والحُكم مع الحقائق المتسارعة والتطبيع المقلق للغاية مع بشار الأسد. وإن النتائج التي تم التوصل إليها في هذه المحاكمة هي أيضًا إشارة واضحة إلى المحرضين المحليين و"السياسيين الواقعيين" للسياسة الخارجية أنه لن يُعمل بالترحيل إلى سوريا وأن أي نوع من العلاقة مع النظام يجب إنهاءه. قال بانز إن هؤلاء الناس يستحقون أن يمثلوا للمحاكمة لا الجلوس على طاولات المفاوضات.

أشار بانز إلى أنه حتى عام 2008، كانت سوريا شريكًا وثيقًا لوكالة المخابرات المركزية (الأمريكية) في حربها ضد الإرهاب. أجرى كل من مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية الألمانية (BKA) ودائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية (BND) استجوابات مع المخابرات العسكرية السورية المركزية في عام 2002. وقد وصف مدير دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية السابق المخابرات السورية بأنها "شريك صعب" خلال شهادته في لجنة تحقيق برلمانية ألمانية. وقال بانز إن النظام السوري نزع الأهلية عن نفسه بصفته شريكًا مسؤولًا بشكل قاطع. واختتم بانز بالقول إنه يجب عدم تجاهل الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان.

البيان الختامي لمحامي المدعي كاليك

بدأ محامي المدعي كاليك بيانه الختامي بالقول إنه في ضوء بيان P32، كانت كل كلمةٍ ثقيلة. ثم أشار إلى بيان P42 الذي أوضح لماذا يمكن إجراء محاكمات الولاية القضائية العالمية في المقام الأول. [تدخلت رئيسة المحكمة كيربر، وطلبت من كاليك التحدث بشكل أبطأ لأن المترجمين الفوريين واجهوا صعوبة في متابعة الترجمة الفورية.] شكر كاليك كيربر، موضحًا أنه كان يتحدث بحرية دون ملاحظات. وتابع واصفًا أن P42 كانت بالتأكيد في وضع خاص من خلال السماح لها بمغادرة الفرع مرة أخرى والعودة عدة مرات. أشار كاليك بإيجاز إلى قصة اعتقال P42. وقال إن ما أذهله بشأن بيان P42 الختامي كان أنه تم الاحتفال بالقانون الجنائي الدولي مؤخرًا في ضوء الذكرى الخامسة والسبعين لمحاكمات نورمبرغ، غير أنه يجب أيضًا تفعيل القانون الجنائي الدولي. قال كاليك إن هذا اليوم بالذات كان يومًا استثنائيًا، وأن المحاكمة كانت محاكمة استثنائيةً، لأنها أظهرت العمل الجدّي لمكتب المدّعي العام الاتحادي وكذلك جهود المحكمة لإجراء هذه المحاكمة التي لم تكن دائمًا سهلة.

قال كاليك إن الجالية السورية القوية في المنفى في ألمانيا والتي دعمت الشرطة تُظهر أن القانون الجنائي الدولي ليس مُقتصرًا على الدول فحسب. وليس فقط هدية أو أمرًا يحدث لمرة واحدة. وفقًا لكاليك، إنه بالأحرى تقدّمٌ مستمرة. وقال إن هذا التقدم يجب أن يتم خارج أبواب هذه القاعة ويجب أن يشارك الناس في مثل هذه المحاكمات. واختتم بالقول إنه في البداية، نزل الناس بثقة إلى الشوارع وبعد أن تعرضوا لكثير من الألم، أصبحوا مواضيع إجرائية مرة أخرى من خلال هذه المحاكمة.

رُفعت الجلسة الساعة 4:00 مساءً.

ستُعقد الجلسة القادمة في 15 كانون الأول/ديسمبر، 2021 وسيلقي فيها المزيد من المدّعين ومحاميهم بياناتهم الختامية.


[1] في هذا التقرير، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقب المحكمة الخاص بنا] و"المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود أو القضاة أو المحامون". يرجى العلم بأنه لا يُقصَد من هذا التقرير أن يكون مَحضرًا لجلسات المحاكمة؛ وإنما هو مجرّد ملخّص غير رسمي للمرافعات. وحُجِبَت أسماء الشهود.

______________________________________________

لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والملاحظات، يُرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected] ومتابعتنا على الفيسبوك وتويتر. ويرجى الاشتراك في النشرة الإخبارية الصادرة عن المركز السوري للحصول على تحديثات حول عملنا.