1 min read
يجب على ألمانيا وهولندا تحسين الدعم النفسي الاجتماعي للناجين في المحاكمات الجنائية

يجب على ألمانيا وهولندا تحسين الدعم النفسي الاجتماعي للناجين في المحاكمات الجنائية

جرت محاكمة كوبلنتس - أول محاكمة كبيرة ضد أحد أعضاء الحكومة السورية - في ألمانيا من عام 2020 حتى عام 2022. حيث قام الشهود والناجون خلال جلسات المحاكمة بالتحدث بالتفصيل عن مواضيع حساسة، تتضمّن تجاربهم في التعرض للتعذيب ولأشكال أخرى من العنف. ويؤثر هذا سلبًا على الصحة النفسية للمشاركين والمراقبين على حد سواء. وعلى الرغم من ارتفاع خطر تكرّر الصدمات النفسية، إلا أن مراقبي المحاكمة في المركز السوري للعدالة والمساءلة الذين راقبوا كل يوم من جلسات المحاكمة كانوا يلاحظون باستمرار أن الشهود والناجين يفتقرون على ما يبدو إلى الوعي بخدمات الدعم النفسي الاجتماعي المتاحة لهم وإمكانية الوصول إليها.

ومع ذلك، فإن الوصول إلى خدمات الدعم النفسي الاجتماعي (PSS) فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية مهم بشكل خاص بالنسبة للسوريين الذين يعيشون في ألمانيا أو هولندا. حيث يوجد في ألمانياأكبر عدد من اللاجئين السورين في أوروبا وهي في المقدمة فيما يتعلق بمحاكمات الولاية القضائية العالمية للجرائم المرتكبة في الصراع السوري. كما تُجري هولندا هذه المحاكمات وتتواصل بشكل فعّال مع الناجين والشهود. ويلتزم كلا البلدين - بصفتهما دولًا أعضاء في الاتحاد الأوروبي - عند تعاملهما مع الناجين والشهود بالأطر القانونية الإقليمية ذات الصلة، مثل توجيه الاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الضحايا. ومع ذلك، يتمتع كلا البلدين بهامش تقدير في تنفيذ هذه الأطر وإحيائها.

وعلى هذا الأساس، نشر المركز السوري للعدالة والمساءلة ورقة حقائق للسوريين الناجين من الجرائم الفظيعة لإرشادهم إلى خدمات الدعم النفسي الاجتماعي المتاحة في ألمانيا وهولندا. وقام المركز السوري للعدالة والمساءلة أثناء هذه المرحلة بتحليل هياكل الدعم النفسي الاجتماعي في كلا البلدين، وحدد أوجه القصور فيها، وذيّل ذلك بحلول لها.

الخدمات التي تقدمها الحكومة

قد يكون الحصول على الدعم النفسي الاجتماعي المقدم من الحكومة أمرًا صعبًا في ألمانيا، وتختلف إدارة الخدمات من ولاية إلى أخرى. وعلى العكس من ذلك، فإن العملية في هولندا أكثر وضوحًا، مما يجعل الوصول إلى الدعم النفسي الاجتماعي المقدم من الحكومة أكثر سهولة. ويعكس هذا التمييز شفافية الأنظمة القانونية الألمانية والهولندية. ففي ألمانيا، يُعد الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالإجراءات القانونية أمرًا صعبًا بسبب التواصل غير الكافي بشكل عام والإجراءات البيروقراطية اللاحقة. وبالتالي، عندما يواجه الشهود والناجون صعوبة في الوصول إلى المعلومات الأساسية حول الإجراءات، تقل احتمالية معرفتهم بمصادر خدمات الدعم النفسي الاجتماعي المتاحة لهم. في المقابل، تقدم هولندا طرقًا غير بيروقراطية للحصول على المعلومات، تشمل التفاعلات الشخصية مع السلطات عند نقاط معلومات الضحايا، بالإضافة إلى بوابات الإنترنت الخاصة  للناجين. حيث إن كلا الطريقتين تبنيان الثقة بين الأفراد والسلطات، وتشجعان على نشر المعلومات. بالإضافة إلى ذلك، فإن القواعد التي تركز على الضحايا والتي تؤثر على المحاكم الهولندية تزيد من شعور الناجين بالراحة، وتخلق شعورًا بالسيطرة على الوضع، وتقلل من إجهادهم.

مقدمو الخدمات غير الحكوميين

يلعب أيضًا مقدمو الدعم النفسي الاجتماعي غير الحكوميين دورًا حاسمًا في كلا البلدين، فهُم فعّالون بشكل خاص في توفير المعلومات حول حقوق الضحايا وشرح الإجراءات الجنائية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم يقدمون المزيد من النصائح العملية والدعم عند تقديم الطلبات وفي تخطي بعض الإجراءات البيروقراطية. كما تساهم الخدمات النفسية الاجتماعية غير الحكومية في تقويم الآثار النفسية للجرائم، مما يقلل من التوتر ويحفز الأشخاص على طلب الدعم. وبالتالي، فإن المنظمات غير الحكومية مهمة، ليس لتقديم الخدمات فحسب، وإنما لإعلام مجتمعات الناجين بالخدمات المتاحة لهم.

عقبات مشتركة

هناك العديد من العقبات المتماثلة بين الجهات الحكومية وغير الحكومية في كلا البلدين تحول دون الحصول على الدعم النفسي الاجتماعي. أولًا، الخدمات محدودة في المناطق الريفية، مما يجبر الأفراد على الانتقال إلى المدن الكبرى حيث يمكنهم تلقي الرعاية المتخصصة التي يحتاجون إليها. ولكن هذه العملية تكلف وقتًا ومالًا لا يملكه العديد من الناجين. ثانيًا، إمكانية الوصول المحدودة إلى الخدمات العربية التي تراعي الاعتبارات الثقافية والمتخصصة في الصدمات المرتبطة بالنزاع. فعلى الرغم من وجود مقدمي الخدمات هؤلاء، إلا أنهم قليلون ومتفرقون، مما يعني أن لديهم قوائم انتظار لمرضاهم ذوي الاحتياجات المعقدة والعاجلة. وأخيرًا، تعمل قواعد البيانات ووظائف البحث على الإنترنت بشكل أساسي بلغة البلد المعني. فبينما يمكن ترجمة المواقع الإلكترونية، إلا أنه غالبًا ما تستبعد النتائج خدمات اللغات الأجنبية، ومنها الخدمات المقدمة باللغة العربية.

التوصيات

استنادًا إلى مراقبة الإجراءات الجنائية، والعمل المباشر مع الناجين، والتحليل الهيكلي لخدمات الدعم النفسي الاجتماعي القائمة في ألمانيا وهولندا، قام المركز السوري للعدالة والمساءلة بتجميع التوصيات التالية لضمان أن تكون الإجراءات المستقبلية المتعلقة بالجرائم المرتكبة في سوريا في صالح العدالة:

  • ينبغي أن يعطي مقدمو خدمات الدعم النفسي الاجتماعي الأولوية لنشر المعلومات من أجل إعلام السوريين بفرص تلقي خدمات الدعم النفسي الاجتماعي. ويجب أن تكون المصادر متاحة باللغة العربية لزيادة إمكانية الوصول، وينبغي أن تسمحقواعد البيانات عبر الإنترنت بالبحث بلغات متعددة. حيث تمثل الأدوات والبرامج التعليمية والمدوّنات الصوتية (البودكاست) عبر الإنترنت مصدرًا مهمًا للناجين للحصول على الدعم الفوري قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى دعم مباشر أكثر احترافية.
  • ينبغي توسيع نطاق خدمات الدعم النفسي الاجتماعي لتكون متاحة للأفراد المقيمين في المناطق الحضرية والريفية على حدّ سواء.
  • ينبغي أن يكون لطالبي اللجوء المشاركين في الإجراءات القانونية الحق في الحصول على خدمات الدعم النفسي الاجتماعي المقدمة من الحكومة، بغض النظر عن وضع إقامتهم.
  • ينبغي على مقدمي الخدمات الحكوميين تخفيف العقبات البيروقراطية التي تقيّد الوصول إلى خدمات الدعم النفسي الاجتماعي. وينبغي عليهم تبسيط عمليات تقديم الطلبات والتي ينبغي أن تتاح باللغة العربية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون الخدمات مغطاة من قبل التأمين الصحي العام، وبالنسبة لطالبي اللجوء، ينبغي أن تكون تكلفة هذه الخدمات قابلة للاسترداد.
  • ينبغي أن تتلقى السلطات المشاركة في الإجراءات القانونية تدريبًا ذا دراية بالصدمات ومراعيًا للاعتبارات الثقافية وقائمًا على أفضل الممارسات للتفاعل مع الشهود والناجين من الجرائم الفظيعة.
  • ينبغي أن تنظر المحاكم في العلاقة الخاصة بين الأفراد المشاركين في الإجراءات القانونية ومقدمي خدمات الدعم النفسي الاجتماعي لهم، ومنهم مقدمو خدمات الدعم النفسي الاجتماعي الذين يدعمون المحاكمة، مثل التمتع بامتياز سرية ااتواصل أثناء المحاكمة.

وفي حين أن هذه التوصيات تتطلب وقتًا وموارد، إلا أنها تؤدي إلى إجراءات قانونية يكون فيها الشهود والناجون مشاركين فاعلين وقادرين على التصرف مع صحتهم العقلية عند إعادة ظهور الذكريات المؤلمة. ولا يجوز استخدام شهادة الأشخاص في عمليات المساءلة التي تعتبر ضرورية لتحقيق عدالة طويلة الأجل إلا عندما يكونون مطمئنين ومستعدين ذهنيًّا لمشاركة قصصهم.

______________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.