2 min read
داخل محاكمة أنور رسلان #56: الختام

داخل محاكمة أنور رسلان #56: الختام

المحكمة الإقليمية العليا – كوبلنتس، ألمانيا

التقرير 65 لمراقبة المحاكمة

تاريخ الجلسة: 15 كانون الأول/ديسمبر، 2021

تحذير: تتضمن بعض الشهادات أوصافًا للتعذيب.

الملخّص/أبرز النقاط: [1]

اليوم المائة وثمانية – 15 كانون الأول/ديسمبر، 2021

كان هذا اليوم الأخير للبيانات الختامية التي أدلى بها المدّعون ومحاموهم. حيث شدّد ثلاثة مدّعين، كمن سبقوهم، على أهمية مشاركة الضحايا في محاكمات الولاية القضائية العالمية. ثم أيد كل واحد من محاميهم طلب الادّعاء العام بالحُكم على أنور بالسجن مدى الحياة والحُكم بجسامة الجُرم على نحو خاص [مما يعني أن أنور غير مؤهل للإفراج المشروط بعد قضاء خمسة عشر عامًا في السجن]. وخاطب جميع المتحدثين أنور رسلان مباشرة، وطالبوه بكسر صمته في يوم المحاكمة التالي في كانون الثاني/يناير وتقديم معلومات عن مصير المفقودين.


اليوم المائة وثمانية – 15 كانون الأول/ديسمبر، 2021

بدأت الجلسة الساعة 9:32 صباحًا بحضور سبعة أشخاص وصحفيَين اثنين. قام مصوّران بالتقاط مقاطع فيديو وصور قبل بدء الجلسة. ومثل الادّعاء العام المدّعيان العامان كلينجه وبولتس. جلس المدّعيان P1 وP50 بجانب محامي كل منهما. لم يكن محاميا المدّعين كروكر وبانز حاضرين.

تركت القاضي كيربر الكلمة للمدعيَين لإلقاء بيانهما الختاميين.

البيان الختامي لـP1

بدأ P1 بيانه الختامي مقتبسًا من الكوميديا الإلهية لدانتي، قائلًا "أيها الداخلون، [ا]طرحوا عنكم كل أمل" واقتبس P1 أيضًا من جورج أورويل قائلًا "[لا] يمكن أبدا ومهما بلغت الأسباب أن يرغب المرء في زيادة ألمه. فإزاء الألم لا يمكن للإنسان إلا أن يرغب في توقفه. فليس في العالم ما هو أسوأ من الألم الجسدي، وفي وجه الألم وعواقبه ليس هناك أبطال"

تابع P1 موضحًا أن "الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود" هو قولٌ ابتكره جهاز المخابرات السوري ويردده المجتمع السوري في السر والعلن. وقد تحول إلى كابوس طويل لا ينتهي. وفقًا لـP1، كان هذا بالضبط ما كان من المفترض أن [يمرّ به المرء عند] دخوله المعتقلات. كانت أيضًا طريقة لتشعر بجسمك في أماكن مصممة لتدمير جسم المرء.

بعد تحية القضاة وأطراف المحاكمة، قال P1 إن معالجه النفسي، [حُجب الاسم]، الذي لديه خبرة واسعة في العمل مع الناجين من الهولوكوست، أخبر P1 عن تأثير ومعنى "الذكريات الصادمة". أخبر المعالج النفسي P1 القصة التالية والتي، وفقًا لـP1، ساعدته في معرفة مدى أهمية الحديث [في التعامل مع هذه الذكريات]. أخبر معالجه النفسي P1 أنه عندما كانت قوات الحلفاء قريبة من برلين، أجبر حراس قوات الأمن الخاصة الناجين في معسكر الاعتقال على السير "بأجسادهم الهزيلة" لنقلهم إلى مكان آخر. ومات الكثير منهم أو أُعدموا لأنهم لم يتمكنوا من مواصلة المشي. ووصلوا في النهاية إلى غابة بين برلين وبراندنبورج حيث تُركوا وحدهم في البرد، [في حالة] من الضعف. وبعد فترة، كان على الناجين أكل جذوع الأشجار للبقاء على قيد الحياة، لكنهم لم ينسوا نقش ذكرياتهم على هذه الجذوع. استمرت الأشجار في النمو بثبات وحافظت على ذكرى الناجين المنقوشة على جذوعها. قال P1 إن هذه الأشجار لا تزال موجودة حتى اليوم وستظل ذكرى الضحايا باقية ما دامت الأشجار موجودة.

تابع P1 قائلًا إنه يقف أمام المحكمة اليوم، ويواجه معضلة وجودية لأنه نجا، لكنه ما زال يسأل نفسه "لم نجوت بالضبط؟ ماذا حدث وماذا يحدث لزملائنا الذين تركناهم خلفنا؟ ماذا يمكننا أن نفعل لإنقاذهم؟" قال P1 إنه يعرف "أننا" عاجزون عن فعل أي شيء سوى الاستمرار في الحديث عمّا "مررنا به وألا نلتزم الصمت مهما كان الثمن." وصف P1 أنه في فروع "الشر"، التي لديها طرق لا حصر لها لإيذاء الناس، لا يزال هناك أكثر من 142,062 شخصًا ينتظرون أحباءهم الذين اختُطفوا أو أُسروا. وكان هناك أخرون، تم اعتقالهم في فرع الخطيب وفروع المخابرات الأخرى لمجرد مشاركتهم في الحركة الديمقراطية، أو لأنهم مارسوا حقهم في حرية التعبير وعبروا عن آرائهم. وفقًا لـP1، يتم إنكار وجود المرء بمجرد دخوله إلى مثل هذا المكان [فرع المخابرات]. أولًا، يتم إنكار وجود شخص واحد، ثم وجود مجموعة كاملة، وفي النهاية وجود مجتمع بأكمله. قال P1 إنه هكذا يفقد المجتمع هويته. فيعيش مجتمعٌ بأكمله، باحثًا عن هويته التي ضاعت بفقدان معرفة مصير أحبائه وفقدان القدرة على تحقيق العدالة.

قال P1 إن الأمر المرعب هو أن جريمة الاختفاء القسري والتعذيب كانت أداة أساسية لإظهار القوة المطلقة وغير المتوازنة للنظام. وكانت شائعة الاستخدام من قبل جميع فروع المخابرات. وفقًا لـP1، تلك هي أساس وجود النظام. النظام الذي يفتخر أمام العالم أجمع بنشره الرعب والخوف للسيطرة على حياة الشعب السوري كل يوم، حتى بعد أن تمكنوا من النجاة [من هذه الأهوال].

قال P1 إنه كان أحد الذين اختفوا قسرًا على يد النظام خلال فترتي اعتقاله. في اعتقاله الأول، اختُطف P1 فجأة من مقهى إنترنت دون أن يودع حبيبته وأصدقاءه. قال P1 إنه كان يتحدث على الفيسبوك مع أصدقائه حول حقوقهم الأساسية والديمقراطية والحرية وبداية الثورة السورية. وفي اعتقاله الثاني، اختُطف P1 من مطار دمشق لأنه قرر أخذ كاميرته وخرج إلى الشوارع مصممًا على توثيق ما كان يجري. وعندما كُشف أمره، قرّر P1 الفرار، معتقدًا أنه يمكنه تهريب وإنقاذ ما وثقه. قال P1 إنه لسوء الحظ، لم تنجُ الوثائق، إلا أن جسده نجا وبالتالي نجت القصة معه.

خاطب P1 المحكمة، وطلب من الناس "تخيل توديع أحد أفراد عائلتك، والجزء الآخر من العائلة في انتظارك على الجانب الآخر من المطار، وفجأة تختفي هكذا فحسب." قال P1 إن عائلة الشخص لن تعرف ما إذا كان الشخص قد بدأ بالفعل رحلاته أم بقي أم قرر مغادرة هذا العالم. وفقًا لـP1، في مثل هذه الحالة، تستمر العائلة في طرح أسئلة على نفسها مثل "ماذا حدث ومتى وأين؟" وتبقى تنتظر وتبحث عن أحبائها. هذه هي الطريقة التي يستغل بها النظام عامل الوقت والانتظار في تعذيب الناس ومنع التقدم حتى عندما يكون الناس خارج سجون [النظام]، حتى عندما يكونون في أماكن اللجوء.

اقتبس P1 من أغنية "في انتظار جودو" لصمويل بيكيت، قائلًا "لنذهب!" ثم "لا نستطيع". وسأل "لماذا لا؟" وأجاب "نحن ننتظر". قال P1 إن هذا ما كان على عائلته أن تعيشه لأشهر، وما زالت عائلات العديد من المختفين قسرًا تعيشه. المعضلة هي أن الخطف والاختفاء القسري والتعذيب ما زالوا مستمرين في سوريا. قال P1 إنه متأكد من أنه في كل لحظة يقضيها في هذه المحكمة، هناك أكثر من عائلة سورية يتعين عليها تحمّل ما كان على P1 وعائلته تحمّله من قبل. وأضاف P1 أن أساليب التعذيب ازدادت وتطورت أكثر على مدى السنوات التسع الماضية. قال P1 إن هناك أشخاص يتعرضون للتعذيب في هذه اللحظة، معلقين بين الحياة والموت، في حين أن الجناة ما زالوا في مناصبهم. قال P1 إن هذا الشعور "يؤلمنا في صُلبنا كل يوم". ووصف [الشعور] بأنه يمزق قلوب الناس.

وفقًا لـP1، فإن تأثير الاختفاء القسري يسبب صدمة عميقة للسوريين كمجتمع وأفراد، حتى عندما ينجو الناس. خاطب P1 المحكمة قائلًا إنه كان يقف هناك في ذلك اليوم البارد الذي يذكره بالطقس في دمشق. شعر P1 وكأنه في دمشق. قال P1، خاصة تحت الأرض يصبح الجو باردًا. تحت الأرض، كان البرد في المعتقلات قاسيًا جدًا على المعتقلين. وصف P1 الوضع في المعتقلات حيث كان هو وآخرون نصف عراة ومحطمين نفسيًا وأقرب إلى الموت من الحياة، محرومين من الطعام والماء، يرتجفون من البرد، وبالكاد يتنفسون أو يدركون العالم من حولهم. قال P1 إنه ومئات من المعتقلين الآخرين حُرموا قسرًا من حرية معرفة الوقت الذي يقضونه في الزنازين الانفرادية وفي الزنازين المجتمعية المليئة بالأشخاص الذين يستحقون أن يعيشوا حياة كريمة. كما وصف P1 إلقاء المعتقلين في الممرات حيث كانت تغطيهم قطع من الملابس المُمزقة بسبب التعذيب الوحشي. لم تعرف عائلاتهم شيئا عنهم. قال P1 إنه وآخرين فُقدوا كما لو كانوا داخل ثقب أسود أو في عالم موازٍ. وأشار P1 إلى أنه في ذلك الوقت في دمشق عندما كان يسمع صراخ التعذيب ليل نهار وعندما لم يكن للرعب نهاية، كان يعلم هو والمعتقلون الآخرون أنهم غير قادرين على فعل أي شيء حيال ذلك. وكان الصرير من فتح أبواب الزنازين وإغلاقها الذي يسبق التعذيب أو القتل تحت التعذيب وصرخات التعذيب وأصوات الكابلات التي تضرب الجسد، تهديدًا يوميًا للمعتقلين. قال P1 إن هذا هو سبب تفكيره في الانتحار عندما كان يسمع صوت السجّانين وهم يقتربون من الزنزانة وقبل فتح باب الزنزانة لأخذه إلى جلسة تحقيق أو جلسة تعذيب.

اقتبس P1 من الفيلسوف الألماني شوبنهاور الذي وجد أنه "إذا كنا نعاني من آلام جسدية شديدة، أو إذا استمر الألم لفترة طويلة، فجل ما سنفكر به هو إيجاد طريقة لوقف هذا الشعور بأي شكل من الأشكال، وذلك يجعل الانتحار سهلًا". أشار P1 إلى أنه في يوم يشبه [أيام كانون الأول/ديسمبر الباردة في ألمانيا] سُئل أثناء التحقيق معه عمّا إذا كان يحب الرئيس بشار الأسد، وهو يعلم أنه كان سيتعرض للتعذيب بغض النظر عن إجابته. قام السجّانون بضرب P1 بشكل تعسفي بالكوابل وبأيديهم وأقدامهم، وعُلِّق من معصميه حتى شعر وكأن جسده ممزق من المنتصف. وأضاف P1 أنه لا يزال يشعر بهذا الشعور في الوقت الحاضر، خاصة عند النوم. قال P1 إنه لم يستطع مساعدة نفسه وكان بالكاد يستطيع التنفس أثناء تعذيبه. وشعر P1، أثناء تعرّضه للضرب، بجسم صلب داخل فتحة شرجه. وأحس أنه وصل إلى نهاية الطريق وشعر بألم شديد في البطن. قال P1 إنه كان كما لو أن رأسه فُلق إلى شقّين. وأشار إلى أنه لم يعرف ما إذا كان قادرًا على الصراخ أم لا. سرت رعشة مرعبة وخدر في جسده الذي لم يستطع الشعور به، وبدأ يتصبب عرقا. وإلى الآن عندما يرى عصا في يد شخصٍ، يشعر P1 بقلق وألم في المعدة وبالاختناق، ويبدأ جسده في التعرق.

وصف P1 كذلك أنه أصيب بالتهابات خطيرة بعد إطلاق سراحه من السجن. إلا أنه كان يخشى الحديث عن الموضوع بسبب الشعور بالخزي واحتمال الشعور بالعار. حيث شعر أن شيئًا ما بداخله قد تحطم. ودفعه شعورٌ بانعدام الأمان والثقة إلى كُره جسده. وبعد إطلاق سراحه، فكر P1 كثيرًا في الانتحار. حتى في فصل الصيف الحار كان داخله باردًا، وشعر أنه عاد إلى هذا المكان المرعب المظلم حيث حُرم من حريته. أوضح P1 أنه لا يستطيع تقبّل أنه يعيش بأمان في ألمانيا أو أمريكا حيث يسافر غالبًا للعمل. قال P1 إن هناك أوقاتًا يختفي فيها إحساسه بالأمان والمكان. عندها لا يستطيع أن يصدق أنه يعيش في أمان الآن. قال P1 إنه لا يعرف عندها ما إذا كان الأمن حقيقيًا أم وهمًا مؤقتًا سيختفي. كما يستصعب تصديق أنه موجود في مكانه الحالي.

قال P1 إنه كان يسمع أحيانًا ضجيجًا في أذنه ويفقد إحساسه بالزمان والمكان. ثم يجد نفسه في منتصف الشارع عندما تكون إشارة المرور حمراء. ويقف أحيانًا [في نفس المكان] لبعض الوقت دون أن يلاحظ وتكون الإشارة الضوئية قد تغيرت عدة مرات حينها. وفقًا لـP1، أصبحت هذه المشاعر أسوأ عند مجيئه إلى ألمانيا، ولكن بمجرد أن بدأ العلاج النفسي، تحسنت حالته تدريجيًا. قال P1 إن هذا، مع ذلك، سلب الكثير من قدراته التي كان يمكن أن يستخدمها في الفن أو الأفلام أو [ليستخدمها] في حياته الاجتماعية. معالج P1 أخبره أن [الصدمة] ستبقى معه لبقية حياته ولكن على الأقل كانت هناك طريقة للتعامل معها بشكل آمن.

قال P1 "لا يصدق العالم ما تعرضنا له، وما كان علينا أن نكابده لأنه أمرٌ أسوأ من أن يتخيله الناس" وفقًا لـP1، تعلم الناس مطابقة تصورات المجتمع واعتبار الرجال أوصياء الدولة. وإذا حدث "شيء من هذا القبيل"، فعليهم التزام الصمت لأن مجرد التحدث عن هذا يعتبر ضعفًا، مما يقلل من قيمة المرء واحترامه ويحرمه من أن يكون إنسانًا طبيعيًا. يقول معالج P1 إن المجتمع لا يمكنه قبول هذه التجارب لأنه لا يريد أن يسمع لأنه لا يستطيع فعل أي شيءٍ حيالها. ووفقًا لمعالج P1، يفضل المجتمع ألا تحدث مثل هذه الأمور، وأن تسود صورة المجتمع القوي، دون أن يكسرها ضحاياها.

وصف P1 أنه في يوم بارد كهذا اليوم بالضبط، قيل له أثناء التحقيق إنه لن يسمع عنه أحدٌ مرة أخرى وأن لدى السجّان السلطة التامة لفعل ما يشاء. وأشار P1 إلى أنه كان محاطًا بأصوات الضرب والضحك والشتائم والتعذيب والإذلال وأناس يتفاخرون بالتعذيب والتهديد بالقتل. كان الهدف هو إجباره على الاعتراف بأنه يصنع أفلامًا نيابة عن أمريكا وفرنسا. وكان مجرد التفكير في هذه المقدمة [التهديد بألا يسمع عنه أحدٌ مرة أخرى] كافيًا ليخاف من أن السجانين كانوا سيقومون بإعدامه وتعليقه قريبًا في ساحة المرجة كإجراء تأديبي ليكون عبرة للمجتمع.

أشار P1 إلى أن أنور رسلان قال بنفسه في التماسه الأول إن سبب اعتقال P1 هو أنه كان على علاقة بدول أجنبية. وقد تشبّع أنور رسلان من معتقدات النظام وكان مقتنعا بأن ما فعله P1 كان جريمة تستحق العقاب. قال P1 إن التمويل من الغرب لصنع الأفلام وحتى صنعها في المقام الأول كان يعتبر جريمة. وقال إنه عوقب لأنه كان يصور أفلامًا وثائقية ولأنه كان شجاعًا بما يكفي لتوثيق هذه القصة، التي تتضمن مشاهد تنتقد النظام السوري. وأوضح P1 أن هناك مشهدًا تظهر فيه قوات النظام السوري وهي تطلق الذخيرة الحية على المتظاهرين السلميين، وآخر يُظهر سقوط صورة "الديكتاتور بشار الأسد" والناس يدوسون على [الصورة]. وأشار P1 إلى أن زميلًا معتقلا كان في الزنزانة المجاورة له، وقد أخبر P1 أن P1 يحمل ذنبًا كبيرًا وأنه سيتم إعدامه ويجب أن يصلي. إلا أن P1 نشأ ملحدًا يرفض وجود إله ويؤمن فقط بالحقيقة والحرية والديمقراطية. لم يجد P1 مبررًا للإيمان والصلاة لإله يشاهد التعذيب أو يسكت عنه أو حتى يشارك فيه ويستمتع به كما يستمتع به السجّانون. قال P1 إن الله غير موجود [في فروع المخابرات] وأشار إلى قول نيتشه المعروف "الإله ميت! وسيبقى الإله ميتًا" وخلص P1 إلى أن الحقيقة هي أن لنا حياة واحدة وأن المخابرات باعتبارها "أداة تعذيب" سلبتها "منا". قال P1 "لقد استعدنا قوتنا للتحدث علنًا والبحث عن العدالة بكل الوسائل."

تابع P1 واصفًا أنه بعد أن شارك تجربته في المحكمة، كان ضحية حملة تشهير وكراهية. وقال P1 إنه كان هناك دعوات عامة من أنصار أنور رسلان وإياد الغريب. وادعى P1 أن ممثلًا عنهم يجلس خلفه مباشرةً في المحكمة. قال P1 إن المنظمة نشرت شهادة زور عنه على موقعها على الإنترنت، وادعى الشخص الذي نشرها أنها كانت محضرًا حرفيًا لشهادة P1. وفقًا لـP1، تم نشره مع اسمه ومعلوماته الشخصية. وبحسب P1، فقد استُخدمت الشهادة لتحريض الناس على كرهه. وزعم أنه تعرض لضغوط لسحب شهادته. قال P1 إن هناك أيضًا دعوات لقتله ومنعه من المطالبة بحقوقه. قال P1 إن الناس اتصلوا به ومحاميه أنور البُنّي وزملائه في العمل وعائلته لإنشاء تسجيلات للمكالمات وللحفاظ على الرسائل أو منشورات وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على كراهية P1. كما استخدم "هؤلاء" منصات مدعومة من قطر وتركيا لنشر معلومات كاذبة ومضللة حول P1. ونتيجة لذلك، تلقت عائلته تهديدات بالقتل، وتم إرسال أشخاص لجمع معلومات عنه لاستخدامها في التشهير به وعائلته. قال P1 إنه أُجبر على نقل عائلته على الرغم من التكلفة والصعوبات في العثور على منزل جديد لهم في شمال سوريا. وأخبر P1 المحكمة كذلك أن هناك صفحة على الفيسبوك يديرها أقارب أنور رسلان تسمى "محاكمة العقيد أنور رسلان في ألمانيا" و"صفحة مخصصة لعدالة العقيد أنور رسلان، ابن قرية تلدو المحترم". قال P1 إن هذه هي المنصات التي بدأت منها الدعوات [ضد P1]. وفقًا لـP1، ظلت الصفحة نشطة حتى ذلك هذا اليوم. قال P1 إن هذه المنصات حاولت استخدامه مثالًا لترهيب الشهود والضحايا وثنيهم عن الحديث عن تجاربهم والتسبب في فقدان الثقة في هذه المحاكمة وفي فائدة الإدلاء بالشهادة ومحاولة تحويل الضحايا إلى جناة والجناة إلى ضحايا. وخلص P1 إلى أنه كان لها تأثير كبير عليه وعلى عائلته وألحقت به أضرارًا نفسية ومهنية.

مضى P1 قائلًا إنه على الرغم من كل هذا، فقد عاد مرة أخرى إلى المحكمة للمرة الثانية. قال P1 إنه يحب الحديث عن تجربته باستمرار "لأن الصمت له تأثير علينا أكثر من الحديث". معالج P1 أخبره أن الاعتراف بالضرر الذي لحق به لا يمنح الجناة انتصارًا أخلاقيًا. وفقًا لمعالج P1، فإن الصمت هو الذي يمنح [الجناة] شعورًا بالنصر. وأشار P1 إلى أن نفس الحملة التي وصفها أعلاه طالبت أيضًا بالعفو عن أنور رسلان وإياد الغريب وحولتهما إلى ضحايا، وانتقدت ملاحقتهما لأنهما منشقان أو لأنهما سُنيان أو لانتمائهما إلى مناطق قبلية ومناطق استهدفها نظام بشار الأسد. وقال P1 إنه يجب على المرء أن يعترف أيضًا بأن أنور رسلان كان جزءًا لا يتجزأ من نظام التعذيب لنظام الأسد.

قال P1 إن هذه الدعوات، خاصة تلك الموجهة ضده وضد ضحايا آخرين، لم يكن لها تأثير عليه. بل على العكس من ذلك، فقد دفعته إلى الاستمرار والاعتقاد بأن أنور رسلان لم يمثل نفسه وحده، بل هو مدافع عن معتقدات نظام التعذيب القائم منذ عقود. ووفقًا لـP1، فهذا يمثل جسد وعقل النظام. وعلى مدى عقود، كان النظام يحاول إنكار وجود الناس وتجريمهم من أجل ترهيبهم وعائلاتهم ومنعهم من الكلام. وأشار P1 إلى أنه طوال جلسات المحاكمة، قام أنور رسلان بتدوين الملاحظات وحاول تبرير ما فعل وحاول تقويض التجارب الفردية، مما أدى إلى تقويض تجارب المجتمع ككل. وفقًا لـP1، لم يقتصر الأمر على كون النظام جهازًا يقوم بتعذيب الناس وإخفائهم، ولكن النظام أيضًا مُفكر شرير ومُتلاعب متمرّس. قال P1 إن النظام يواصل الاستفادة من تجارب الناس لأن النظام لديه موهبة في الكشف عن الشر. قال P1 إن هذه هي التجارب والمواهب التي شوهت أجساد الناس. إن التعليم الذي تحدث عنه أنور رسلان في الالتماس الذي قدّمه هو سبب وجود الناس "هنا" باحثين عن ملجأ ومحاولين استعادة الحياة في أجسادهم. قال P1 إن الفرع 251 هو مكان لتلقين الناس بالعنف على حب نظام بشار الأسد واختبار أبشع الأساليب على أجسادهم والطرق العديدة للقتل. وإذا خرج المرء على قيد الحياة، فإن آثار هذه التجارب تبقى على جسده. وكان هذا فقط لمعرفة إلى متى سيبقى الناس على قيد الحياة وسيواصلون القتال ضده [النظام أو ما مروا به].

قال P1 إن أحدًا لم ينقذه وأنه غير قادر على التعافي تمامًا من تجاربه، لكنه يواصل المحاولة. وأوضح P1 أنه في ذلك الوقت، لم يكن مهتمًا بأساليب النظام الانتقامية ولا بوسائل الموالين الذين يحاولون إلحاق العار به. في ذلك الوقت، كان P1 طالبًا بريئًا ومُخرجًا في بداية حياته المهنية. وكان لدى P1 حلم. وكان P1 في ذلك الوقت يبحث عن مستقبلٍ وأراد الهرب من التجنيد الإجباري في جيش النظام لأنه لم يرد أن يكون جزءًا منه ولو ليوم واحد. قال P1 إنه متأكدٌ من أن هناك العديد من المدافعين والمتعاطفين مع الجناة الذين يحاولون جاهدين إيجاد طريقة لإهانة الضحايا والتبرير للجناة ورفع صورتهم عن طريق شيطنة الضحايا. قال P1 إنه يريد أن يقتبس من بريمو ليفي، الكيميائي والكاتب والناجي من الهولوكوست الذي قال إن "الخلط بين الجلادين وضحاياهم هو مرض أخلاقي أو تأثير جمالي على الجلادين أو علامة مشؤومة على التواطؤ؛ وقبل كل شيء، إنها خدمة ثمينة يتم تقديمها (بقصد أو بغير قصد) لنفي حقيقة التجارب وأهليتها". خلص P1 إلى أن هذه الخدمة ليست في الواقع أقل شرًا من جرائم المجرم نفسه.

أشار P1 إلى أنه بدأ كصانع أفلام قبل بداية الثورة الديمقراطية في سوريا واستمر خلالها. لطالما اعتُبر صُنع أفلام وثائقية تنتقد النظام جريمة لا تغتفر، وقد تم تجريم صانعي الأفلام مثل P1 لقيامهم بعملهم. حيث طلب النظام من الناس إعاقة P1 وغيره من صانعي الأفلام عن أداء عملهم وتصويرهم كأشخاص خطرين يجب إما القضاء عليهم أو إذلالهم. وأشار P1 إلى أن هذا كان سببًا أيضًا في قيام النظام السوري مؤخرًا بإجبار والد إحدى الشخصيات في فيلم "الكهف" على الظهور في وسائل الإعلام، نافيًا محتوى الفيلم. وكتبت بثينة شعبان، المستشارة السياسية والإعلامية لبشار الأسد، مقالًا بعنوان "الحرب الأكثر خطورة" في أقوى صحيفة سورية للنظام السوري وفي صحيفة أخرى محسوبة على حزب الله، متّهمة P1 بإدارة مكتب في الغرب لتلفيق أخبار عن الأحداث في سوريا. وصف P1 هذا المقال بأنه اغتيالٌ للشخصية. على مدار عمله كمخرج أفلامٍ وثائقيةٍ خلال الثورة السورية، أنتج P1 ما يقرب من 2,500 ساعة من التسجيلات التي وثّقت رعبًا لا يوصف، وصنع أفلامًا عنه، وصنع أفلامًا توثّق الجرائم المستمرة المرتكبة ضد السوريين، ومنها استخدام غاز السارين وغيره من الغازات المحظورة دوليًا وقتل المدنيين واستخدام الحصار والتجويع والضربات الجوية التي استهدفت متطوعي الخوذ البيضاء ومراكز عملهم والهجمات التي نفذها النظام وروسيا على المشافي والأسواق. وقال P1 إن هذا كان يُقابل دائما بحملاتٍ مضللةٍ من قبل النظام وحلفائه. وكانت خطابات الإنكار والكراهية جزءًا من نظام التعذيب وسببًا لوجوده وسببًا لقتل وعزل صانعي الأفلام، رغم أن أفلامهم توثّق نضالًا من أجل الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان. قال P1 إنه وصانعي الأفلام الآخرين مجرد أفراد ملتزمون بالحديث عن أشياء لا تريد السلطات سماعها.

قال P1 إنه اضطر أن يشهد "فوق الأرض وتحتها" الشر الذي لا يزال يحدث في سوريا لأن النظام الذي يقف وراءه لا يزال في السلطة. لكن P1 رأى أيضًا الأشياء الجيدة التي فعلها الناجون، مما يمنح الناس الثقة بأنهم سيجدون العدالة في مكان ما على هذه الأرض.

قال P1 إنه يفكر أيضًا في محاميه [حُجب الاسم] وصديقه الكردي [حُجب الاسم] وزملائه صانعي الأفلام الوثائقية الذين اختفوا قسرًا. ويفكر في أصوات صراخهم ورائحتهم التي لن ينساها P1 حتى وفاته. كما يفكر في أشباحهم التي تزوره في نومه وصحوته. قال P1 إن هذا يمنح حياته هدفًا ويمنحه القوة ليكون في المحكمة في هذا اليوم ويتحدث عن تجارب أولئك الذين لا يزالون في ذاكرته. قال P1 إن لا شيء يمكن أن يعيد كرامة جثث الناس المشوهة أو العائلات التي تسعى إلى العدالة، باستثناء الكشف عن مصير أحبائها واعتبار المؤسسات التي تعذّب الناس وتخفيهم منظمات إجرامية ترهب الناس في جميع أنحاء العالم. قال P1 إن هذه المؤسسات لا تزال موجودة متجاوزةً أي قواعد أخلاقية. فهذه الأماكن موجودة لكسر إرادة الناس كأفراد أحرار وتقويض حقوقهم الفردية. وفقًا لـP1، تسعى هذه المؤسسات إلى إنشاء نسخٍ من النظام. فلا يُسمح للناس حتى بأن يكونوا ظلًا لمجتمع. قال P1، من المفترض ألا يوجد المرء في المقام الأول. وأضاف P1 أن أشخاصًا مثل أنور رسلان وآخرين في منصبه قبلوا أن يكونوا جزءًا من هذه المؤسسات. وكانوا ينفذون إرادة الشر ويعاقبون الناس على وجودهم فحسب. قال P1 إن الخطوة الأولى لمنع هؤلاء الأشخاص من القيام بعملهم هي الثقة في العدالة والثقة في أن أولئك الذين ماتوا تحت التعذيب لن يُنسوا. وأضاف أن العالم تغير ولم يعد مكانًا يتجول فيه الجناة دون عقاب. ووفقًا لـP1، فإن غياب الردع لن يجعل المجتمع يقبل ضمنيًا التعذيب ولن تختفي كل الشرور. وقال إن معاقبة هؤلاء الناس ستؤدي إلى مجتمع عادل.

اعتذر P1 عن تقديم مثل هذا البيان الختامي الطويل، مضيفًا أن هذه كانت الفقرة الأخيرة. وأوضح أنه جاء إلى المحكمة بثقة وامتنان للمحامي الذي يمثله في هذه القضية، مع الشكر لمحاميه في سوريا، أنور البُنّي، وبإيمان كبير بفائدة هذه المحاكمة. قال P1 إنه تحمل العواقب النفسية والمهنية والاجتماعية لمشاركة تجربته. وقال P1 إنه كان مصحوبًا بفكرة أنه سيدلي بشهادته نيابة عن أصدقائه الذين كابدوا نفس تجربة P1 المتعلقة بـ"فروع الإبادة هذه" ولكن لم تُتح لهم الفرصة لمشاركة تجربتهم. قال P1 إنه جاء أيضًا إلى المحكمة للعثور على إجابات لأسئلة عائلته وابنته المستمرة حول ما حدث قبل وأثناء هذه المحاكمة وما سيحدث في المستقبل. واختتم P1 بقوله إنه يثق في حكمة المحكمة، وشكر المحكمة.

أعلنت رئيسة المحكمة كيربر استراحة لمدة 15 دقيقة قبل أن يلقي محامي المدّعين محمد بيانه الختامي.

***

[استراحة لمدة 20 دقيقة]

***

البيان الختامي لمحامي المدّعين محمد

بدأ محامي المدّعين محمد بيانه الختامي بالقول إنه، من الناحية القانونية، سيتم شرح القضية بشكل سريع نسبيًا من حيث الوقائع والحُكم المطلوب بالسجن مدى الحياة والحُكم بجسامة الجُرم على نحو خاص. قال محمد إنه سيؤيد هذه المطالب أيضًا. ومع ذلك، فقد فكر أيضًا في عواقب هذه المحاكمة خارج الجوانب القانونية.

انتقل إلى أنور رسلان قائلًا إنه هو نفسه محامٍ وأنه يتساءل أحيانًا عمّا يفكر فيه أنور. سأل محمد أنور عمّا إذا كان يعتقد فعلًا أن أي شخص مُقتنع ببراءته. وذكر أن أنور يعرف الأطراف منذ 18 شهرًا ويعرف محاميه منذ حوالي ثلاث سنوات. وخاطب محمد أنور قائلًا إنه يجب أن يدرك أنه سيواجه حُكمًا بالسجن مدى الحياة. أوضح محمد أن أنور يبلغ من العمر 60 عامًا تقريبًا وأن بانتظاره عقوبة بالسجن مدى الحياة مع جسامة الجُرم على نحو خاص، وباعتبار متوسط العمر 78 عامًا، سيتعين عليه حرفيًا قضاء بقية حياته في السجن. وسيقتصر ما تبقى من حياته على زنزانة مساحتها 10م2. قال محمد إنه يتساءل كيف يشعر أنور حيال ذلك. حتى أن محمدا قد تحدث عن ذلك مع صديقته الحميمة، ووجدا أن هذا سيكون معاكسًا تمامًا لحياتهما في الوقت الحالي. حيث كانا في وضع يخططان فيه إلى أين يذهبان لقضاء الإجازة أو ما إن كانا سيشتريان منزلًا. سأل محمد أنور كيف كان يتعامل مع وضعه الحالي، نظرًا إلى أن عليه قضاء سنوات شيخوخته في السجن.

تابع محمد قائلًا إنه خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، ناقشت المحكمة في كثير من الأحيان دور أنور بصفته سنّيًا داخل النظام الحكومي، والخيارات المتاحة له. ومع ذلك، لم يُسأل قط عن ماهية الطائفة العلوية وبماذا يؤمن العلويون. قال محمد لأنور إن كليهما كانا سُنيين وربما كانا الوحيدَين في قاعة المحكمة اللذين يفهمان كل هذه الأسئلة. قال محمد إن أهل السُنّة يؤمنون بالآخرة وبفكرة أن الذين يحسنون في الدنيا سيُجازون في الآخرة. وكان السؤال بالتالي هو ما يجب فعله في حال قيام المرء بشيء سيء. قال محمد إن الجواب هو الندم وطلب المغفرة من الله. غير أن محمدا كان يتساءل عمّا إذا كان أنور يشعر بأي ندم بالفعل. اقتبس محمد من الآية 222:2 من القرآن قائلًا: " إنَّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين". ووفقًا لمحمد، كان أنور يدّعي أنه لم يفعل شيئًا وأنه وجد نفسه في وضع سيئ فحسب.

أوضح محمد لأنور أنه بموجب المادة 258 (2) من قانون الإجراءات الجنائية الألماني، يحق لأنور تقديم كلماته الأخيرة في هذه المحاكمة. وطلب من أنور أن ينتهز هذه الفرصة للرد على أسئلة الضحايا. حيث لم يتمكن الكثير منهم من رؤية ما حدث حولهم أثناء الاعتقال. أشار محمد إلى P1 وسأل ما الذي كان يستدعي تعريض شخصٍ لعنف جنسي. وأن لدى أنور فرصة لاستخدام صوته ومساعدة الضحايا. وأضاف محمد أن استخدام كلماته الخاصة يوفر لأنور فرصة لإظهار معارضته للحكومة فعليًا. إلا أن أنور عليه أن يتراجع أيضًا عن التماسه الأول الذي ادّعى فيه حرمانه من السلطة.

أشار محمد مرة أخرى إلى اقتباس من القرآن (الآية 40 من سورة غافر) قائلًا "من عمل سيئة فلا يُجزى إلا مثلها، ومن عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يُرزقون فيها بغير حساب". وقال محمد إن أنور لديه الآن الفرصة لفعل الخير في هذه الحياة والاستفادة منه في الآخرة. ففي النهاية، عليه فقط أن يقف أمام الله ويطلب المغفرة. قال محمد إنه إذا استغل أنور فرصته فسوف يطلب من موكليه مسامحته أيضًا.

في إشارةٍ إلى P1، قال محمد إن موكله تعرّض لهجومٍ في وسائل الإعلام واتُّهم بالكذب. أشار محمد إلى أنه تحدث شخصيًا مع أكثر من 100 شخص لم يؤمن أي منهم بهذه المحاكمة. ولذلك شكر المحكمة على إجراء هذه المحاكمة. وأضاف أن المرء لربما يتساءل في بعض الأحيان عمّا إذا سيكون لهذه المحاكمة نهاية. وبحسب محمد، فإن الحُكم المرتقب سيكون مصدر ارتياح للكثيرين. فهو يظهر أن محكمةً عادلةً أكدت قانونيًا أن الأمور حدثت بالفعل كما وصفها الناس. أضاف كذلك أن أهل دمشق سُلِبوا ثقتهم بالله. وأن ثقتهم ستُسترجع في 13 كانون الثاني/يناير، 2021. اختتم محمد بالقول إنه بالنسبة لكثيرين آخرين، ستظل الثقة حلمًا.

البيان الختامي لمحامي المدّعين رايجر

بدأ محامي المدّعين رايجر بيانه الختامي بالقول إنه يودّ العودة إلى أساس هذه المحاكمة: المادة 7 من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي. وقال إنه لا يوجد تعريف قانوني مشترك للجرائم ضد الإنسانية. حيث تقدم المادة 7 (1) من القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي تعريفها الخاص. إلا أننا إذا أردنا إيجاد تعريف لغوي للإنسانية، فإننا سنتحدث عن التسامح والاحترام والتعاطف. ويعرّف القاموس الألماني "دودن" الإنسانية [Menschlichkeit] على أنها الرحمة والنزعة الإنسانية. قال رايجر إن هذا تناقضٌ صارخ مع ما حدث للناس في سوريا. ماتت الإنسانية في سوريا، ماتت في قبو الفرع 251/فرع الخطيب. وقال رايجر إن أنور رسلان مسؤول أيضًا عن موت الإنسانية في سوريا. لذلك، فمن المنصف والمهم أن يحاسَب على ذلك.

أشار رايجر إلى أن المحكمة استمعت إلى شهودٍ مثل P1 وأنور البُنّي. قال رايجر إنه يكنّ احترامًا كبيرًا لهؤلاء الأشخاص الذين يواصلون دائمًا الكفاح من أجل الإنسانية. ودائما ما تساءل كيف تمكن هؤلاء الأشخاص من مواصلة القتال رغم تعرُّضهم للاعتقال والتعذيب. قال رايجر إن العدالة يمكن أن تتحقق بعدة طرق مختلفة. وفي النهاية، ستكون الإنسانية دائمًا أقوى من أنصار التعذيب. خلص رايجر إلى أن التعريف اللغوي الصحيح لن يكون إلا ذا صلة محدودة وسيكون في الغالب ذا صلة سياسية.

تابع قائلًا إن أقبية التعذيب في سوريا بعيدة كل البعد عن كوبلنتس في ذهنه. إلا أن الموضوع لم يكن بعيدًا. ألمانيا بلد تحكمه سيادة القانون، ولها ولاية قضائية لمحاسبة جميع الجناة بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية. قال رايجر إن المحاكمة هي بالتالي إشارة للعالم بأسره.

أشار رايجر إلى أنه أجرى العديد من النقاشات مع موكله، P28، لأن P28 لم يستطع تصديق كيف بقيت هذه الفظائع إلى الآن دون عقاب. كان على رايجر أن يخبره أنه كان من المستحيل محاسبة جميع الجناة في الوقت الحالي. ووفقًا لرايجر، فإن هذه الإجابة خيبة أملٍ كبيرةٍ لكثيرٍ من السوريين. لكن محاكمة كوبلنتس أعطت الناس مساحةً وفرصةً لرواية قصصهم. حتى أنه كانت هناك محاولة لإسكات P1. وأضاف رايجر أن كل من يجلس على طاولةٍ مع بشار الأسد يعرف ما هو عليه.

قال رايجر إن موكله، P28، أخبره أنه يشعر أن كرامته قد استُعيدت [من خلال محاكمة] أنور رسلان، المسؤول عن كل معاناته [وهو الآن] جالسٌ على مقعد المدعى عليه. يريد P28 توجيه الشكر إلى الشرطة الجنائية الاتحادية الألمانية (BKA) ومكتب المدّعي العام الاتحادي الألماني والمحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس. وأشار رايجر إلى أن P28 أخبر المحكمة كيف اعتُقل، على الرغم من أنه لم يكن ناشطًا. وأنه لا يعرف أسباب اعتقاله حتى يومنا هذا. يفترض P28 أنه اعتُقل لمجرد تشابه في الأسماء. ومع ذلك، يظل أنور رسلان صامتًا ويختبئ وراء التماسه الأول. قال رايجر إن هذا يظهر الأعمال اللاإنسانية التي ارتكبها النظام السوري وأنور رسلان. كما تلا رايجر ملاحظة من P28 تفيد بأن المعتقلين تعرضوا للترهيب النفسي أثناء الاعتقال وأنه لا يزال يعاني من هذا الضغط النفسي حتى اليوم. قال P28 إنه لا يزال يعيش في زنزانة الموت التي اعتُقل فيها. وأن ابنه لا يستطيع النوم وحده في الظلام. وقال P28 في بيانه إنه لا يستطيع أن ينسى ألمه ليوم واحد، ولا تزال الصور في رأسه. ولا يستطيع النوم دون أن تطنّ أذناه. خلص P28 إلى أنه لم يعد نفسه بعد الآن.

قال رايجر إن P28 وُصم إلى الأبد بتجاربه المروعة ويأمل أن يُحاسب أنور. ووفقًا لرايجر، لم يتم التطرق سوى للنزر اليسير من معاناة الضحايا التي لا يمكن تصورها. وأضاف أنه لأسباب قانونية لم يتمكن موكله الآخر من المشاركة في هذه المحاكمة. لذلك ينبغي أن يواصل مكتب المدّعي العام الاتحادي متابعة المزيد من هذه القضايا.

قال رايجر إن أنور رسلان، بصفته محاميًا، كان يعلم بحظر التعذيب. وكان على دراية بما كان يشارك به. حيث كان يسمع صرخات التعذيب كل يوم ويرى معتقلين مصابين. قال رايجر إن أنور لم يكن بالتأكيد "رجل الخطيب الصالح". لقد كان ضابطًا مخضرمًا وعنصرًا ارتكب جرائم النظام التي كانت تُرتكب منذ عام 2011 وإلى يومنا هذا. قال رايجر إن أنور انشق عندما انقلب النظام على مسقط رأسه، ومع ذلك، فإن انشقاقه لم يكن بسبب إنسانيته بل لمجرد منفعته الذاتية لأنه تضرّر شخصيًا.

اختتم رايجر بالقول إنه، نيابة عن موكله، يؤيد المدّعين العامين في المطالبة بالحُكم بالسجن مدى الحياة مع الحُكم بجسامة الجُرم على نحو خاص لأنور رسلان الذي يجب أن يتحمل أعباء هذه المحاكمة.

البيان الختامي لمحامي المدّعين شولتس

قال محامي المدّعين شولتس أولًا إنه سيحاول تجنُّب أي تكرارٍ. وهو يؤيد نيابة عن موكله، P25، طلب المدّعين العامين بالحُكم على أنور رسلان بالسجن مدى الحياة والحُكم بجسامة الجُرم على نحو خاص. قال شولتس "كان P25 واحدًا من القلائل المحظوظين الذين نجوا من الجحيم بعد عشرة أيام." مقتبسًا من جان أميري، يأمل شولتس أن يشعر P25 بأنه في وطنه مرة أخرى في ألمانيا حيث يعيش مع عائلته ويتعرض الآن بلا حول ولا قوة للبيروقراطية الباردة. أخبر شولتس المحكمة قصة تسمية مولود P25 الجديد: لم يقبل المُسجل الألماني أن يحمل ابن P25 نفس اسم والده، على الرغم من أن هذا تقليدٌ سوريٌ. إلا أنه، أضاف شولتس، كانت بيروقراطية المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) أسوأ. حيث تلقى المولود الجديد رسالة تخبره على الفور بتفصيل وضع اللجوء الخاص به كتابيًا. لذلك اضطر المولود الجديد إلى توكيل محامٍ لمساعدته في التعامل مع السلطات الألمانية. قال شولتس، على الرغم من أن البيروقراطية الألمانية كانت شديدة للغاية، إلا أن العائلة تمكنت في النهاية من التعامل معها.

مضى شولتس مشيرًا إلى أن إحدى أدوات التعذيب التي ورد ذكرها كثيرًا في هذه المحاكمة هي "الكرسي الألماني". حيث يُزعم أن النازيين هم من جلبوا هذه الأداة إلى سوريا. هناك أيضًا شائعات بأن جمهورية ألمانيا الديمقراطية (GDR) قد علمت جهاز المخابرات السوري كيفية استخدام أداة التعذيب هذه.

قال شولتس، في عام 1954، بدأ رجل يُدعى جورج فيشر ببيع مخلل الملفوف. في الوقت نفسه، حكمت محكمة فرنسية على ألويس برونر، اليد اليمنى لأدولف أيخمان، أعلى تكنوقراطي نازي مُكلّف بحل المسألة اليهودية، مرتين بالإعدام غيابيًا. تم تعقب برونر من قبل الموساد ولجأ في النهاية إلى سوريا حيث أصبح مستشارًا لجهاز المخابرات في جميع القضايا المتعلقة بالتعذيب. في عام 1966، التقى برونر بالرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد. تابع شولتس قائلًا إنه بحلول عام 1971، أنشأ برونر وحافظ الأسد شبكة من أجهزة المخابرات تحت سيطرة العلويين. كان برونر مستشارًا للرئيس ومساعدًا للدولة البوليسية. طلب برونر الحماية في سوريا من الموساد الذي كان يطارده. وفي سوريا، حصل برونر على منزل وحماية. قال شولتس إن الشائعات تقول، رغم ذلك، إن برونر وصف ذات مرة حافظ الأسد "بالكلب". وفي عام 2001، ورد أنه انتحر في إحدى سجون التعذيب السورية، وزُعم أنه كان الفرع 251. انتقل شولتس إلى جانب القصة التابع لجمهورية ألمانيا الديمقراطية قائلًا إنه في منتصف الستينيات، دعمت جمهورية ألمانيا الديمقراطية حزب البعث من خلال البناء على عمل برونر السابق. حتى أن إريك ميلكي [رئيس وزارة أمن الدولة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية] التقى بزميله السوري عبد الناصر في مقر أمن الدولة في ألمانيا الشرقية في برلين. وقال شولتس إن التعاون بين أجهزة المخابرات في البلدين تَعزز بالتالي. قال شولتس إن جمهورية ألمانيا الديمقراطية كانت "طبيب توليد جهاز التعذيب السوري". أرادت الحكومة السورية بعد ذلك التخلص من برونر لكن ترحيله فشل في نيسان/أبريل 1989.

انتقل شولتس إلى السيرة الذاتية لأنور رسلان، قائلًا إنه من المعروف أن أنور عمل في مدن مختلفة في سوريا كجزء من تدريبه وتورط في التعذيب مع المخابرات. وتعلم عمل المخابرات والمهارات العملية المطلوبة من الصفر. أشار شولتس إلى أن جهاز أمن الدولة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية كان لديه قسم يسمى "الإدارة الرئيسية التاسعة، وهي بمثابة هيئة تحقيق"، وهو المكافئ الألماني لقسم التحقيق السوري في الفرع 251. حيث استخدم كلاهما التعذيب بمثابة سياسة للدولة.

قال شولتس إن قصة الكرسي الألماني ستنتهي الآن: تم استخدام الكرسي الألماني من قبل شرطة الدولة السرية وأمن الدولة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية وجهاز المخابرات السوري، حتى تطبيق القانون الجنائي الدولي من خلال قانون VStGB [القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي]. خلص شولتس إلى أنه في المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس، كان أنور رسلان يجلس الآن على كرسيٍ ألماني، إلا انه كان أكثر راحة بكثير.

ثم اقتبس شولتس من فريدريك نيتشه الذي قال في "ما وراء الخير والشر" إنه عندما تحدّق نحو الهاوية طويلًا، فإنّ الهاوية تحدّق نحوك أيضًا. وفقًا لشولتس، كان دفاع أنور مكشوفًا للغاية ومحدودًا. وكان الآن في منتصف الهاوية تمامًا. قال شولتس إن من يقاتل الوحوش يجب أن يكون حذرًا كي لا يصبح واحدًا منهم.

أنهى شولتس بيانه الختامي بالقول إن آخر كلمات أنور ما زالت قادمة. وعلى الرغم من ذلك، من المحتمل أن يرافقه الكرسي الألماني في المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس لفترة طويلة.

أعلنت رئيسة المحكمة القاضي كيربر استراحة لمدة 70 دقيقة.

***

[استراحة لمدة 70 دقيقة]

***

البيان الختامي لـP50

بدأ P50 بيانه الختامي بقوله "بسم الله الرحمن الرحيم". بعد تحية القضاة وجميع الحاضرين في قاعة المحكمة، قال P50 إنهم استمعوا للتو إلى بيان P1 الذي لا يؤمن بالله. والآن، سيستمع الناس لشخصٍ يؤمن بوجود الله. أشار P50 إلى أن ما جمعهما هو أنهما ضحيتان للنظام. يشترك P1 وP50 أيضًا في إيمانهما بمبادئ الحرية والعدالة والثورة السورية. قال P50 إن بيانه الختامي لن يكون طويلًا، لأنه أعد ثلاث صفحات فقط.

أوضح P50 أن لهذه المحكمة أهمية كبيرة في السياق السوري، فهي أول محكمة تنظر في مسألة الاعتقال من قبل النظام السوري. لذلك، يريد P50 وآخرون أن تكون قصة نجاح. يريدون أن تكون أساسًا يمكنهم البناء عليه لمحاسبة قادة النظام وأهم الأفراد والكيانات التي أسسته وحافظت عليه. أشار P50 إلى أنه وفقًا للوثائق، تم حتى الآن اعتقال واختفاء أكثر من 130,000 شخص في سوريا. قال P50 إن هذا الرقم يشمل والده وأبناء عمومته وأقاربه وأصدقاءه وغيرهم من الأبرياء. مازال والد P50، الذي اختفى قبل ثماني سنوات عندما كان في الثالثة والسبعين من عمره، يزور P50 في منامه. قال P50 إنه لا يعرف متى سيتمكن من قبول وفاة والده، أو أنه يأمل في رؤيته مرة أخرى. وصف P50 كيف أنه لا يمكن لأحد أن يتخيل إلى متى تنتظر المرأة التي فقدت زوجها أو طفلها لمعرفة مصيرهم.

بحسب P50، فإن الشعب السوري الذي يتوق إلى الحرية ينظر إلى هذه المحكمة وكلُّه أمل. فهم يأملون أن تمهِّد هذه المحاكمة الطريق نحو الكشف عن الجرائم الفظيعة التي يرتكبها النظام. قال P50 إن عقلية النظام القمعي كانت واضحة منذ البداية. فلا يحجم النظام عن فعل أي شيء ضد المواطنين الأبرياء من أجل الحفاظ على سلطته. وبصفتهم سوريين، كان P50 وغيره يحلمون بوجود تعددية سياسية يسلم فيها رئيسٌ سابقٌ السلطة إلى رئيسٍ جديدٍ بطريقة سلسة وسلمية. قال P50 إن الناس يحلمون برؤية مشهد مشابه لما شاهده الناس قبل أيام قليلة عندما غادرت السيدة ميركل المنصب وسلمت كل شيء إلى من تلاها. إلا أن شبيحة النظام وأتباعه أصروا على بقاء الأسد في السلطة وقالوا: "الأسد أو نحرق البلد!"

قال P50 إنهم في نهاية المطاف لم يحرقوا البلد عن طريق تشريد شعبها وتدمير الاقتصاد والمجتمع فحسب، لكنهم أحرقوا البلد حرفيًا: بقصف المدارس والمشافي والمنازل التي لا حول لها ولا قوة، وحتى مخيمات النزوح لم تسلم من صواريخهم. إن الاعتقال الذي يقوم به النظام السوري ليس كما يدّعي "إجراءً شرعيًا لحماية أمن البلد"، بل هو أحد أدواته القذرة لإسكات أصوات الحرية لأنهم فضحوا [النظام] وكشفوا حقيقته أمامه العالم. قال P50 إن النظام استهدف المثقفين والمسالمين الذين طالبوا بالحرية وقام بتعذيبهم وقتلهم. وحدث هذا على سبيل المثال "لزملائنا ورفاقنا في الثورة السلمية ومنهم أيقونات الثورة السورية: الشهيد يحيى شربجي والشهيد غياث مطر". وفي الوقت نفسه، قال P50، كان النظام يطلق سراح "الإرهابيين والمتطرفين والتكفيريين" وأوضح P50 أن عمليات الإفراج هذه حدثت بحيث يمكن، بمساعدة هؤلاء الأشخاص، تأسيس مجموعات متشددة مثل داعش وغيرها، مما يسمح لاحقًا للنظام السوري بتقديم نفسه للعالم كنظام يكافح الإرهاب.

قال P50 إن اعتقاله، واعتقال زملائه الأطباء الذين كانوا يؤدون واجبهم المهني والوطني، واعتقال كثيرين آخرين يؤمنون ببلدهم، هو دليلٌ كافٍ ضد مزاعم النظام. حتى لو لم تكن علاقة النظام بداعش موضوع هذه المحاكمة، كان P50 متأكدًا من أنه سيتم مناقشتها في محاكمات لاحقة، "في القريب العاجل". أضاف P50 أن هناك اختلافًا كبيرًا في العقلية: عقلية المطالبين بالحرية والدولة التي تحمي مواطنيها ورفاههم من جهة وعقلية النظام الذي يمنُّ على مواطنيه بكرمه بأنهم عاشوا دون أذى، نظام كان مستعدًا "لحرق الأخضر واليابس" [لتدمير كل شيء] وقتل كبار السن والنساء والأطفال من أجل البقاء في السلطة. وخلص P50 إلى أنه "من أجل تحرير بلدنا وشعبنا من هذا النظام قمنا بالثورة ولن نتراجع حتى نحقق أهدافنا بإذن الله".

أشار P50 إلى كيفية نقله إلى الفرع الرئيسي لأمن الدولة في عيد الأضحى، وهو أهم يوم في السنة. قال P50 إنه كان من المفترض أن يكون هذا اليوم من أسعد أيام حياة المرء، ويتم الاحتفال به مع الأصدقاء والعائلة. في هذا اليوم اعتُقل هو وزملائه الأطباء وأجبروا على الوقوف في وضعيات مؤلمة طوال اليوم. قال P50 للمحكمة إنه وقف يتألم ويستمع إلى أصوات احتفالات العيد والهتافات في الخارج، ووجد الشجاعة للدعاء إلى الله لمنحه القدرة على العفو. قال P50 إنه يعتقد أن الله قد استجاب له. قال P50 إنه والعديد من المطالبين بالحرية "على استعداد لمسامحة المعتدين إذا أوقفوا جرائمهم واعترفوا بذنوبهم وقبلوا الانخراط في آليات العدالة الانتقالية".

أوضح P50 أنه لا يحمل أي ضغينة شخصية تجاه أنور رسلان أو غيره من المنتسبين إلى الأجهزة الأمنية للنظام. وأنه، في الحقيقة، يشعر بالأسف تجاههم. أضاف P50 أن "الانتقام ليس من مفرداتنا". فما يريده هو وآخرون هو النجاح في إعادة بناء وطنهم على أسس الحرية والكرامة الإنسانية واستعادة حقوق الشعب. قال P50 إنه وآخرين دفعوا الكثير من الصحة والوقت وفقدوا العديد من الأقارب والأصدقاء. لقد عانى مئات الآلاف من الأشخاص من الآثار الجسدية والنفسية للاعتقال. قال P50 إن معاناة النساء المعتقلات لا تنتهي بالتعذيب النفسي والجسدي. وأوضح أن هؤلاء النساء يعانون أيضًا من الوصم بالعار والنبذ من المجتمع. حتى أن بعضهن فكرن في الانتحار أو انتحرن بالفعل. خلص P50 إلى أنه لهذه الأسباب، فإن الانتقام لن يعيد ما خسره الناس. ومع ذلك، من المهم أن يكون لمعاناتهم معنًى يقدّم لهم المبرّر ويواسيهم. وأشار P50 إلى أنه قد أخبر المحكمة بالفعل عمّا يسمى بـ"العلاج بالمعنى/العلاج المعنوي"، وهو شكل من أشكال العلاج النفسي. وقد اخترعه طبيب نفسي [متحدثٌ] بالألمانية يُدعى فرانكل والذي عانى من الاعتقال والتعذيب في معسكرات الاعتقال النازية لمدة ثلاث سنوات. أوضح P50 أنه أثناء الاعتقال، وجد فرانكل أن وجود هدف في حياة الناس ومعاناتهم هو ما يبقيهم على قيد الحياة. قال P50 إن مشاركته في هذه المحاكمة، رغم الصعوبات والضغط النفسي، كانت بالنسبة له وسيلة لإيجاد المعنى. قال P50 إنه يريد أن يشعر أنه يساهم في الجهود المبذولة لفضح آلية التعذيب للنظام السوري. حيث يريد هو وآخرون أن يشعروا بأنهم يساهمون في منع حدوث مثل هذه الأمور مرة أخرى من خلال إرسال رسالة واضحة إلى كل أولئك الذين يغريهم الانضمام إلى نظام مخابرات إجرامي.الرسالة هي: "انشقاقك عن النظام بعد ارتكابك ما ارتكبته لا يعفيك من مسؤولياتك. بعبارة أخرى، لا يمكن أن تُخفي عملك بالانشقاق.'' قال P50 إنه يأمل مرة أخرى أن تساعد هذه المحكمة الشعب السوري الذي يتوق إلى الحرية والعدالة، لإيجاد مثل هذا المعنى، وأن تكون معاناتهم كسوريين آخر هذه المعاناة. خلص P50 بالقول "لقد طفح الكيل" [قالها باللغتين الإنجليزية والعربية].

اختتم P50 بيانه الختامي بمخاطبة وشكر رئيسة المحكمة القاضي كيربر والقضاة الآخرين والمدّعين العامين ومحامي المدّعين وزملائه المدّعين والشهود والمترجمين وكل من ساهم في هذه المحاكمة. قال P50 إنه لا يريد أن ينسى أن يشكر بشكل خاص محاميي الدفاع اللذين يُعتبر حضورهما وجهودهما في الدفاع عن المدعى عليه أمرًا مهمًا لمحاكمة عادلة يمكن للمدعى عليه فيها أن يتمتع بجميع حقوقه حتى إدانته. قال P50 إن حقيقة أن السوريين يتوقون لبلد يتمتع بمحاكمات عادلة كان أحد الأسباب الرئيسية لبدء الثورة. أشار P50 إلى أنه عندما اعتُقل قام المحقق الذي لم يعرفه P50، لكنه كان بالتأكيد أحد المحققين في فرع الخطيب الذي كان أنور رسلان يرأس قسم التحقيق فيه، بتذكير P50 بآية من القرآن [الآية 30 من سورة المدثر] والتي ذُكر فيها تسعة عشر من ملائكة العذاب في جهنم. وشبههم المحقق بالفروع الأمنية التسعة عشر للنظام. وأشار P50 إلى أنه من ناحية أخرى ذكّر المحقق بآية عظيمة من القرآن الكريم [الآية 118 من سورة النحل] يقول فيها الله تعالى: "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون". اختتم P50 بقوله صدق الله العظيم.

شكر P50 المحكمة باللغتين العربية والألمانية.

البيان الختامي لمحامية المدّعي د. أوميشين

بعد تحية القضاة وأطراف المحاكمة، أوضحت أوميشين أن أحد الأسئلة الذي طُرح مرارًا وتكرارًا من قبل مراقبي المحاكمة والصحفيين طوال المحاكمة كان "لماذا تتم معاقبة المنشقين؟" وقالت إنه يجب الإجابة بأن على المدعى عليه أن يُحاكم على الأشياء التي فعلها قبل انشقاقه وأن الانشقاق لا يَجُبُّ ما قبله. فإن معاناة المدّعين في هذه المحاكمة والمجتمع السوري لم تُمحَ بانشقاق المدعى عليه. ووفقًا لأوميشين، فإن المدّعين في هذه المحاكمة ليسوا سوى غيض من فيض لأنه لا توجد إحصاءات عن عدد الضحايا. وأضافت أن الجرائم المنهجية لا يرتكبها من هم في السلطة وحدهم. فدائما ما تحتاج إلى أتباع وتروس صغيرة للحفاظ على دوران العجلات. ومع ذلك، فإن المسؤوليات المشتركة لا تُعفي أي شخص مسؤول عن مسؤوليته.

تابعت أوميشين موضحةً أن هذه المحاكمة هي أول محاكمة عالمية بشأن التعذيب ضد النظام السوري. ولا يجب أن تكون الأخيرة. وأن لها تأثيرٌ على ألمانيا والمجتمع الدولي. أوضحت أوميشين أن مهمتها في هذا اليوم كانت تمثيل الأشخاص الذين تأثروا بشكل مباشر بالجرائم التي تقع في صُلب اختصاص هذه المحاكمة. وقالت إنها تمثل هؤلاء الأشخاص أيضًا باسم مبادرة العدالة لمؤسسة المجتمع المفتوح وستيف كوستاس. وأوضحت أن بيانها الختامي سيركز أولًا على جانبين يسلطان الضوء على أهمية المحاكمة لكونها سابقة قانونية. وبعد ذلك ستوضح بالتفصيل عواقب الجرائم على موكليها وأهمية هذه المحاكمة لموكليها. ثم ستختتم وتشكر موكليها وجميع الشهود.

الضجة التي ستُحدثها هذه المحاكمة

قالت د. أوميشين إنها تريد أولًا أن تؤيد الثناء على المتحدثين الذين سبقوها وتشكر المحكمة على تعاملها السيادي والعملي مع المحاكمة. حيث أجرت المحكمة المحاكمة دون أي حرص على إبراز صورتها ولم تشارك في مقابلات إعلامية. وأضافت أوميشين أن المحكمة لم تعامل أنور رسلان بشكل مختلف عن غيره من المدعى عليهم، والأهم من ذلك أنها كانت عادلة دائمًا. وشكرت أيضا القضاة على معاملتهم الواعية للأشخاص الأكثر ضعفا وعلى وعيهم الشديد بمخاوف الشهود، وأخذ مخاوفهم على محمل الجد وتوفير الحماية كلما أمكن ذلك.

وفقًا لأوميشين، أظهرت هذه المحاكمة أيضًا أوجه القصور في قانون الإجراءات الألماني (StPO) فيما يتعلق بحماية الشهود. وقالت إن الشهود هم أهم مصدر للمعلومات وإن مثل هذه المحاكمات تعتمد على قيام أشخاصٍ مكلومين بوصف تجاربهم دون خوف. لذلك فإن حماية الشهود هي ركن أساسي لإجراء محاكمة جنائية: تؤدي حماية الشهود إلى شهودٍ يقدمون أدلة مهمة ضرورية للوائح الاتهام والأحكام.

أشارت أوميشين إلى صعوبة استدعاء الشهود الخائفين من النظام السوري في كثير من الأحيان. حيث لا توجد إمكانية بموجب القانون الألماني ولا خبرة في توفير الحماية لهؤلاء الشهود. قالت أوميشين إن المحكمة شهدت كيف تحدث شهودٌ عن تعرض أقاربهم للتهديد من قبل النظام السوري أو تخويفهم من قبل أقارب المدعى عليه إياد الغريب. وفي النهاية، لم يمثُل العديد من الشهود أمام المحكمة بسبب خوفهم الشديد. فهم القضاة والأطراف الآخرون في المحاكمة مدى جدية وخطورة ما يتعرض له الشهود. لذلك سمح القضاة لبعضهم بالبقاء مجهولي الهوية. غير أن آخرين لم يُمنحوا مثل هذه التدابير لأنه لم يكن لديهم محامٍ، أو شعروا بأنهم ملزمون بالإدلاء بشهاداتهم، أو لم يكونوا على دراية بالمخاطر. قالت أوميشين إن لهذه المحاكمة بالتالي تأثيرٌ كبيرٌ على المحاكمات المستقبلية. فلن يجرؤ الشهود على المشاركة في أي محاكمات لأنهم رأوا محدودية تدابير الحماية [في كوبلنتس]. لذلك لن يعرف المرء كيف تم التأثير على الشهود أو ما الذي كان يمكن للمحكمة أن تعرفه في حال لم يتعرض الشهود للتهديدات. وخلصت أوميشين إلى أن العديد من الشهود في هذه المحاكمة لم يمثلوا أمام المحكمة بكل بساطة. وهذا أمرٌ غير مقبول لأنه يعيق الملاحقة القضائية.

وفقًا لأوميشين، فقد أظهرت هذه المحاكمة أنه يجب إبلاغ الشهود بحقوقهم والإجراءات ذات الصلة قبل استجوابهم. وقد حظي الشهود الذين دعمتهم منظمات غير حكومية بمساعدة من محامين. ولم يتلقَ أولئك الذين أحالهم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين إلى الشرطة الجنائية الاتحادية الألمانية مثل هذا الدعم. يجب التفكير في طرق لحماية جميع الشهود. فعلى سبيل المثال، يمكن استبعاد الحضور من جلسات معينة، على الرغم من أن الحضور لم يستبعد في هذه المحاكمة لأنه يشكل أساسًا للاستئناف في ظروف محددة. أضافت أوميشين أن المحاكم والهيئات القضائية الدولية، مع ذلك، تطبق ممارسة راسخة تتمثل في جعل الشهود الأكثر ضعفًا يدلون بشهاداتهم دون الكشف عن هويتهم عبر رابط الفيديو، وتقديم الدعم لهم بعد الإجراءات الرئيسية. خلصت أوميشين إلى أن زيادة حماية الشهود يمكن أن تشجع الناس على المشاركة في الإجراءات القانونية في ألمانيا.

التوعية

تابعت أوميشين موضحةً أنه كان من المهم إبلاغ العامة والمجتمعات المتأثرة بالإجراءات في المحكمة. حيث يقُر القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي بأن بعض الجرائم تؤثر على المجتمع الدولي ككل ويجب أن تتم محاكمتها في ألمانيا. غير أن أولئك المتأثرين بشكل مباشر بالجرائم لا يمكنهم متابعة الإجراءات أو فهمها. وفقًا لأوميشين، فإن المحكمة قامت بعمل مهم في هذه المحاكمة، لكن صدى المحاكمة يكون ضئيلًا للغاية عندما لا يعرف الناس أن المحاكمة قد جرت أو كيف سارت. كما أضافت أوميشين أنه يجب أن يُوضح للناس سبب تمتُّع المحاكم الألمانية بالولاية القضائية على هذه الجرائم من الأساس، إضافة إلى آلية عمل المحاكمات العادلة والمساواة في الدفاع. وفقًا لأوميشين، أظهرت البيانات الختامية للمدعين أن هذه المبادئ لم تكن معروفة في جميع البلدان حول العالم. وخلصت أوميشين إلى أنه إذا لم يتم توفير مثل هذه المعلومات، فإن أولئك المتأثرين بالفعل بالجرائم الواقعة في صميم المحاكمة لن يعرفوا أنه لا يوجد إفلات من العقاب على الجرائم. كما يؤدي نقص المعلومات إلى خلق ظروف مثالية لسوء الفهم والإشاعات والمعلومات المضللة. ولن يعود هذا بالنفع في نهاية المطاف إلا على أولئك المعارضين لهذه المحاكمات.

قالت أوميشين إنه بطبيعة الحال، لا توجد محكمة مُلزمة بتقديم معلومات مستفيضة عن المحاكمات الجارية. ومع ذلك، لن يكون الأمر كافيًا إذا كان بإمكان الصحفيين المعتمدين فقط متابعة الإجراءات باللغة العربية. وبدلًا من ذلك، يجب توفير المعلومات للمنظمات غير الحكومية والصحفيين بلغات مختلفة حتى يمكن إتاحتها لوسائل الإعلام. أوضحت أوميشين أن معظم المعلومات حول هذه المحاكمة انتشرت على الفيسبوك ومن خلال الكلام المنقول. وترك هذا مساحة كبيرة لسوء الفهم. وأضافت أنه من أجل الحفاظ على السيطرة على المعلومات، من المفيد إعلام الجمهور بشكل أفضل بمعلومات بلغات متعددة والمعلومات الأساسية التي يتم توصيلها بلغات متعددة من خلال المكتب الفدرالي للصحافة. عندها فقط يمكن للأشخاص من غير المحامين وغير الألمان فهم الإجراءات. وقدمت أوميشين ثلاث توصيات: (1) فيما يتعلق بالجرائم الدولية، يجب أن يصبح عمل العلاقات العامة جزءًا لا يتجزأ من الإدارة القضائية و(2) يجب منح الصحفيين المعتمدين إمكانية الوصول إلى الترجمة منذ بداية المحاكمة و(3) عدم ترك تغطية بداية المحاكمة ولحظات مهمة أخرى لوسائل الإعلام وتقديم المعلومات بدلًا من ذلك للجمهور.

قالت أوميشين إن هذه المحاكمة كانت حجر الأساس. يجب أن يتعلم القضاة الآخرون في ألمانيا وخارجها من تجارب هذه المحاكمة. قالت أوميشين إنه "لسوء الحظ، رفض القضاة طلب تسجيل المحاكمة صوتيًا". كان من الممكن حل المخاوف بشأن حماية الشهود بسهولة. وفقًا لأوميشين، كان تسجيل المحاكمات الجنائية ممارسة شائعة في العديد من البلدان. لذلك كان العديد من الشهود يتوقعون تسجيل المحاكمة على أي حال. وبحسب ما ورد في اتفاقية ائتلاف الحكومة الجديدة، فإن هذه الممارسة على وشك أن تُنفَّذ.

مصير موكلي أوميشين

واصلت أوميشين وصف ما حدث لموكليها أثناء اعتقالهم في الفرع 251.

أشارت أوميشين إلى أن P22، وهو عامل في المجال الطبي، أدلى بشهادته في المحكمة في 9 كانون الأول/ديسمبر، 2020، تعرض للخداع في فرع الخطيب من قبل المسؤولين الذين أخبروه أن التحقيق معه سيستمر لمدة 15 دقيقة فقط. ثم اعتُقل في الفرع لمدة عشرة أيام قبل نقله إلى كفر سوسة حيث كان عليه المكوث لمدة خمسة عشر يومًا وبعدها نُقل إلى سجن عدرا حيث أطلق سراحه في نهاية المطاف. خلال جميع التحقيقات العشر، كانت عيناه معصوبتين وتم تعذيبه. كما أُجبر على سماع تحقيقٍ عنيف تعرّض له أحد أصدقائه. أشارت أوميشين إلى أن ضابط التحقيق أخبر P22 أن يكون ممتنًا للتدريب المهني المجاني الذي استمتع به. وكان خائفا جدًا وتعرض للتعذيب بالفلقة. واعتُقل في منفردة عرضها 0.80 مترًا وطولها بين 1.60 و1.80 مترًا. وذكر P22 أن ضابط التحقيق الذي حقق معه كان من حمص وأنه لا يزال يتذكر صوته. غير أن أنور رسلان، حسب قول أوميشين، لم يكن راغبًا في تقديم عينة صوتية. كما أبلغ P22المحكمة عن التعذيب التعسفي والعبثي في الفرع، الذي يتضمن العقاب الجماعي. فبعد حدوث ماسٍ كهربائي، دخل السجّانون الزنزانة وبدأوا في ضرب جميع المعتقلين. وأشارت أوميشين كذلك إلى أن الوضع الصحي أثناء اعتقال P22 كان مروعًا وأن عائلته لم تُبلَّغ رسميًا بمكان وجوده. كما تحدث P22 عن التعذيب النفسي والعفو المزعوم الذي أثار الآمال بين المعتقلين. ووصف حالة التيه المستمرة بين الأمل والخوف وأنه تعرض للتهديد أيضًا.

أشارت أوميشين إلى أن P27 الذي أدلى بشهادته في المحكمة في 28 كانون الثاني/يناير، 2021، شارك في مظاهرات واعتُقل مرتين لدى فرعي شعبة المخابرات العسكرية وفروع الأمن الجنائي، ومرة في فرع الخطيب، ثم في عدة فروع أخرى بعد ذلك. أشارت أوميشين أنه خلال المحادثة الأولى التي أجرتها مع P27، لم يذكر حتى حفلة الترحيب التي تعرض لها لأنه اعتقد أن الضرب لا يعتبر تعذيبًا. وتم تقييده بالسلاسل أثناء النقل بين الفروع. قال P27 إن فرع الخطيب كان الأسوأ لعدم وجود هواء نقي. حيث كانت الحرارة مرتفعة في الفرع وكانت ورائحته كريهةٌ جدًا. ووصف كيف كان هناك اختلاف كبير في نوعية الهواء بين الزنزانة والرواق أمام الزنزانة. كما وصف P27 ظروف الاعتقال والتحقيقات التي تعرض لها. وأشارت أوميشين إلى أن P27 تعرّض للضرب التعسفي وشاهد آثار التعذيب على أجساد زملائه المعتقلين. وتعرض للتعذيب بالشَّبْح وكانت عيناه معصوبتين دائمًا أثناء التحقيق.

تابعت أوميشين مشيرةً إلى ما تعرض له P44، الذي أدلى بشهادته في المحكمة في 8 آب/أغسطس، 2021، أثناء اعتقاله في الفرع 251. تم إيقاف P44 في محطة وقود حيث تعرّض للإهانة والضرب، ثم نُقل لاحقًا إلى فرع الخطيب. وتعرّض لحفلة الترحيب، ونُقل إلى زنزانة بمساحة 3×3 أمتار وكانت صغيرة ومكتظة بحيث لم يتمكن سوى عدد قليل من المعتقلين من الاستلقاء فيها. كما كان الهواء سيئًا لدرجة أن العديد من المعتقلين أصيبوا بالجَرَب. قالت أوميشين إن P44 كان محظوظًا لأنه كان عليه فقط تحمل ظروف الاعتقال السيئة التي تعتبر تعذيبًا في حد ذاتها. لم يتم التحقيق مع P44 وسُمح له بمغادرة الفرع بعد بضعة أيام.

أشارت أوميشين إلى أن P50 قد وصف ما تعنيه هذه المحاكمة بالنسبة له شخصيًا. لذلك أشارت أوميشين بإيجاز إلى أن P50 اعتُقل في فرع الخطيب لمدة أربعين يومًا تم خلالها التحقيق معه وتعذيبه. [...] ووصف كيف كان الاعتداء على المعتقلين هو القاعدة. حيث كان عدم وقوع اعتداء أمرا استثنائيا. أشارت أوميشين إلى أن P50 أخبر المحكمة أنه كان من الغريب عليه ألا يرى نفسه في المرآة وأنه كان خائفًا عندما رأى نفسه لأول مرة في المرآة بعد اعتقاله في فرع الخطيب. بعد فرع الخطيب، اعتُقل P50 في فروع أخرى لإدارة المخابرات العامة وشعبة المخابرات العسكرية، وأخيرًا في سجن عدرا.

أثر الجرائم على موكلي أوميشين

أوضحت أوميشين أن موكلها P27 تلقى علاجًا نفسيًا اجتماعيًا لمدة عام ونصف. وهو يعيش في خوفٍ كل يوم، وأن مجرد كلمة "تحقيقات" تخيفه. بصفته عاملًا في القطاع الطبي، عالج P50 الأشخاص الذين عانوا من أمور مماثلة. وقد تحدث عن هذا الجانب خلال شهادته في المحكمة، على سبيل المثال أن النساء يعانين بشكل خاص من تجارب اعتقالهن. حيث كان يتم التخلي عنهن من قبل عائلاتهن أو حتى قتلهن. أشارت أوميشين إلى أن P50 أخبر المحكمة عن امرأة اعتُقلت لمدة ساعتين فقط لكنها أصيبت بالاكتئاب بعد ذلك. خلصت أوميشين إلى أن معظم الناس يركزون على العواقب الجسدية، لكن العواقب النفسية غالبًا ما تكون أسوأ. أشارت إلى قول P50 إنه "يعاني الناس من اضطراب ما بعد الصدمة بعد الاعتقال وحتى أن بعضهم يغيرون شخصياتهم".

أهمية المحاكمة للمدّعين

أوضحت أوميشين أن العديد من المدّعين والشهود قالوا إنهم لا يشعرون بأي غضب شخصي تجاه أنور رسلان نفسه. وأكد P50 هذا في بداية شهادته، كما فعل P22 في نهاية شهادته. قالت أوميشين إن P22 لم يكن في المحكمة اليوم، لكنه طلب منها قراءة بيان نيابة عنه:

قال P22 إنه يريد محاسبة أنور. ووفقًا لـP22، لا يُظهر أنور أي علامة على الندم. حيث يظل يدّعي أنه انشق، لكنه في نفس الوقت يرفض التعاون. قال P22 إن نظام بشار الأسد هو من يجب أن يواجه المحاكمة. قال P22 إنه يأمل أن تثبت هذه المحاكمة الحالية الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام.

تابعت أوميشين قائلةً إنها تأمل أن عواقب أفعال [أنور] والحُكم المتوقع بالسجن مدى الحياة على أنور ستفتح عينيه ليرى أن هناك أخرين لا يزالون يعانون إلى اليوم. [...] وفقًا لأوميشين، فإن أولئك الذين أُطلق سراحهم من الاعتقال لم يعودوا نفس الأشخاص الذين كانوا من قبل. وأشارت إلى قول أحد الشهود إن "الداخل [إلى السجن] مفقود، والخارج [من السجن] مولود". ولا يزال الشهود خائفين من ضباط الشرطة اليوم، ويعانون من اضطرابات النوم، ويخافون من بعض الأصوات. وبحسب أوميشين، كانت هذه العواقب هي الهدف الأساسي للنظام وموظفيه الذين يرهبون السكان المدنيين.

وجهت أوميشين خطابها لأنور مباشرة قائلةً: "لم يفت الأوان بعد. لم تُنطق الكلمة الأخيرة. ساعدنا في الكشف عن الجرائم رجاءً".

تابعت أوميشين قائلةً إن هذه المحاكمة كشفت الكثير من الهاويات. وقالت إن ملفات قيصر والمعلومات المتعلقة بالمقابر الجماعية لا تتطلب مزيدًا من التفاصيل في هذا البيان الختامي. وقالت أوميشين إن الأشخاص داخل قاعة المحكمة غالبا ما يكونون عاجزين عن الكلام وكانوا يتساءلون كيف يمكن لبشرٍ أن يرتكب مثل هذه الجرائم ضد بشرٍ آخرين.

ثم انتقلت أوميشين إلى رئيسة المحكمة كيربر، قائلةً إنه عندما قالت كيربر في 24 شباط/فبراير، 2021 إنها لن تنسى ملفات قيصر أبدًا، كان الأمر أكثر من مجرد تعليق شخصي. فلن ينسى أحد ما رآه في ملفات قيصر. كما لن ينسى أحدٌ الشهود وهم يخبرون المحكمة أنهم أقاموا صداقات مع الصراصير لأن السجّانين كانوا وحوشًا. [...] أشارت أوميشين إلى أن "العديد من السوريين الشجعان أدلوا بشهاداتهم في هذه المحاكمة وتصرفوا بإنسانية". وأقرت كذلك بضرورة الاعتراف بالسياق السياسي والتاريخي في مثل هذه المحاكمات، على النحو الذي نوقش في القانون الجنائي الدولي. وأضافت أوميشين أن شهادات العديد من الشهود أظهرت أيضًا أن للناس خيارًا وأن الشعب السوري حقق شيئًا تاريخيًا.

اختتمت أوميشين حديثها باقتباس من بيرتولت بريخت الذي كتب في "حياة جاليليو" أن "البلد سيء الحظ هو الذي يحتاج إلى أبطال". وكتب بيرتولت أيضًا في الأربعينيات من القرن الماضي أن لا خيار للفقراء سوى أن يكونوا أبطالًا، قائلًا "للحصول على كيس من الدقيق يحتاج المرء الآن إلى نفس الطاقة التي كانت كافية في السابق لجعل حقل كامل صالحًا للزراعة.'' وفقًا لأوميشين، فإن الأعمال البطولية العديدة في سوريا هي دليلٌ على الظلم هناك. إن سوريا بحاجة إلى العديد من الأبطال. والمدّعون والعديد من الشهود في هذه المحاكمة هم أبطال. قالت إن موكليها هم أمثلة رائعة لهؤلاء الأبطال: كان P27 يبلغ من العمر 21 عامًا فقط عندما شارك في المظاهرات. وطوّر P44 استراتيجية لكيفية إبلاغ أقاربه باعتقاله هو وأفراد عائلته. ودعم P50الأشخاص الذين مروا بنفس التجارب التي مر بها، ويجب ألا ننسى المراهقين في درعا الذين بدأوا الثورة. كما أشارت أوميشين إلى أن P44 لم يرَ نشطاء ومدونين يطالبون بالحرية في المظاهرات فحسب، ولكنه رأى رجلًا يبلغ من العمر 70 عامًا كذلك. أولئك الذين صوروا المظاهرات، وخاطروا بذلك بحياتهم، والأطباء الذين عالجوا الجرحى والشهود الذين لم يسلّموا أصدقائهم رغم الضغط الهائل والمعتقلين الذين أبلغوا عائلات زملائهم المعتقلين عن مكان وجود [أحبائهم المفقودين]، والمعتقلين الذين قاموا بتهريب الخبز سرًا وأعطاه لمعتقلين آخرين، والرجل البالغ من العمر 85 عامًا الذي وقف في الطريق عندما كان ابنه على وشك أن يُعتقل، ومؤيدو المنظمات غير الحكومية مثل اللجنة الدولية للعدالة والمساءلة (CIJA)، والمحامين مثل مازن درويش وأنور البُنّي، وقيصر وأصحابه ومؤيديه. قالت أوميشين إن كل هؤلاء الناس أبطال. وخلصت إلى أن دورهم المحزن والمهم يُظهر مدى سوء الوضع في سوريا لأن "البلد سيء الحظ هو الذي يحتاج إلى أبطال".

رُفعت الجلسة الساعة 2:31 بعد الظهر.

ستُعقد الجلسة التالية في 6 كانون الثاني/يناير، 2022 في الساعة 9:30 صباحًا عندما يقدم محاميا الدفاع بياناتهما الختامية وسيُمنح المدعى عليه الفرصة لتقديم كلماته الأخيرة في هذه المحاكمة.


[1] في هذا التقرير، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقب المحكمة الخاص بنا] و"المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود أو القضاة أو المحامون". يرجى العلم بأنه لا يُقصَد من هذا التقرير أن يكون مَحضرًا لجلسات المحاكمة؛ وإنما هو مجرّد ملخّص غير رسمي للمرافعات. وحُجِبَت أسماء الشهود.

__________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.