1 min read
يجب ألّا يُستخدم حكم المحكمة الألمانية كذريعة لتقييمات مبكَرة للوضع في سوريا أو للبدء بإعادة اللاجئين
المحكمة الإدارية في كارلسروه بألمانيا

يجب ألّا يُستخدم حكم المحكمة الألمانية كذريعة لتقييمات مبكَرة للوضع في سوريا أو للبدء بإعادة اللاجئين

 

علّقت عدة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، لأكثر من ستة أشهر، معالجة طلبات اللجوء المقدمة من مواطنين سوريين، مستندة بشكل مشروع إلى تغير الظروف وعدم استقرارها على الأرض، ما يشكل عائقًا جوهريًا أمام تقييم ادعاءات الاضطهاد والأذى الجسيم. إلا أن حكمًا قضائيًا صدر مؤخرًا في ألمانيا قضى بأن الأوضاع في سوريا باتت قابلة للتقييم. ويعد هذا الحكم، الملزم فقط في هذه القضية المحددة، أول قرار داخل الاتحاد الأوروبي يرى أن الوضع في سوريا لم يعد يتّسم بعدم الوضوح بما يبرر التعليق المستمر لقرارات اللجوء. وعلى الرغم من محدودية إلزام الحكم، فإن صدوره يُشير إلى أن ألمانيا ودولًا أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي قد تكون مستعدة لاستئناف معالجة طلبات اللجوء في المستقبل القريب. إن تصاعد الخطاب المناهض للمهاجرين في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الدعوات الصريحة من بعض صانعي القرار لإعادة السوريين إلى بلادهم، يثير مخاوف من أن استئناف إجراءات اللجوء وتقييم الأوضاع في سوريا قد يؤدي إلى إعادة أفراد رُفضت طلباتهم، رغم انعدام توفر الظروف الآمنة لعودتهم.

 محكمة ألمانية تصدر حكمًا يجيز تقييم الأوضاع الراهنة في سوريا

أصدرت الغرفة الثامنة في المحكمة الإدارية في كارلسروه بألمانيا، في 23 أيار/ مايو 2025، حكمًا قضى بأن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) لم يعد مخوّلًا بتعليق إصدار قرار بحق طالب لجوء سوري، نظرًا لأن الأوضاع في سوريا لم تعد غير واضحة كما السابق. وقد رُفعت القضية أمام محكمة كارلسروه الإدارية من قِبل مواطن سوري كان قد قدّم طلب لجوء إلى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في تشرين الأول / أكتوبر 2023. وبعد مرور عام على عدم صدور أي قرار بشأن طلب لجؤه، رفع المواطن السوري دعوى تنفيذية في تشرين الأول / أكتوبر 2024، مطالبًا المكتب إصدار قرار بشأن طلبه، وقضت المحكمة لصالحه، حيث وجدت أنه لم يعد هناك سبب لتأجيل البت في قرار لجوئه بغرض تقييم ظروف البلد.

وأشارت المحكمة إلى توفر عدة مصادر للمعلومات الآن حول الوضع في سوريا، منها تقرير داخلي أصدره المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا حول الأوضاع داخل سوريا في شهر آذار/ مارس، وتقرير دولة المنشأ الصادر عن وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء في نفس الشهر. ويجدر التنبيه إلى أن الحكم الصادر عن محكمة كارلسروه الإدارية لا ينطبق إلا على المواطن السوري الذي رفع القضية - وليس على جميع طالبي اللجوء السوريين - وسيتعين على المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين تحديد موعد مقابلة مع مقدم الطلب قبل البت في طلب اللجوء. لكن مع ذلك، يُعدّ هذا القرار سابقة، إذ يُظهر أن الوضع في سوريا لم يعد غامضًا بما يكفي لتبرير تعليق قرارات اللجوء. وفي حال اعتماد هذا المنطق في محاكم أخرى، فقد يخفف المعاناة عن طالبي اللجوء الذين ظلت طلباتهم معلقة منذ سقوط بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر، مما ترك السوريين في فراغ قانوني لأكثر من ستة أشهر. ومع ذلك، ونظرًا لتصاعد الخطاب المعادي للاجئين في الاتحاد الأوروبي، لا تزال هناك مخاوف جدّية حول كيفية اتخاذ المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين قرارًا بشأن ما إذا كان مقدّم الطلب مؤهلاً للحماية، وإذا لم يكن كذلك، فما إذا كانت سوريا آمنة لعودة اللاجئين.

تحولات في سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي

صدر الحكم في القضية المعروضة على محكمة كارلسروه الإدارية في ظل بيئة معادية للمهاجرين في الاتحاد الأوروبي، وخاصة السوريين منهم. ولطالما سعى صانعو السياسات في الاتحاد الأوروبي في مختلف الدول الأعضاء إلى اتخاذ تدابير صارمة للحد من معدلات طالبي اللجوء داخل أراضيهم، حتى قبل سقوط الأسد، وبذلت دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي محاولات لإعلان سوريا آمنة، وتزايدت هذه الجهود بعد سقوطه. كانت الدنمارك من أوائل الدول التي أعلنت أجزاءً من دمشق آمنة للعودة أثناء حكم الأسد، وتنتهج منذ ذلك الحين "سياسة صفر لاجئين"، وقد ترددت أصداء هذه السياسة في دول أعضاء أخرى، بما في ذلك النمسا، التي تعمل على وقف مؤقت لبرنامج لم شمل عائلات المهاجرين. وفي الوقت نفسه، انهارت الحكومة في هولندا بعد انسحاب خيرت فيلدرز من الائتلاف الحاكم، عقب فشل سياساته الصارمة وغير المسبوقة بشأن اللجوء في كسب الدعم داخل الائتلاف. وكان فيلدرز يدعو إلى خطة من عشر نقاط تتضمن إعادة اللاجئين إلى سوريا.

تؤثر هذه الخطابات المعادية للاجئين بشكل خاص على طالبي اللجوء السوريين، إذ يُعتبر السوريون من أكبر مجموعات طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011. ويرى العديد من صناع القرار في الاتحاد الأوروبي أن هناك فرصة لبدء إعادة اللاجئين إثر التغيير الأخير في الحكم في سوريا، فعلى سبيل المثال، أعلنت وزارة الداخلية النمساوية عن نيتها إطلاق برنامج لترحيل السوريين في المستقبل القريب، في حين اعتمدت قبرص سياسة تقضي بدفع مبالغ مالية لطالبي اللجوء والحاصلين على الحماية الدولية من السوريين مقابل عودتهم الطوعية إلى بلادهم.

إن إجراءات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي توجّه رسالة واضحة: التغيير في الحكم في سوريا يعني أنه ينبغي على السوريين العودة إلى وطنهم – بغض النظر عن التهديدات المحتملة وحالة انعدام الأمن المستمرة في البلاد.

مع تصاعد الخطاب المعادي للاجئين في بعض الدول الأعضاء بشكل فردي، انعكس ذلك على سياسات الاتحاد الأوروبي أيضًا. ففي 17 آذار / مارس 2025، قدمت مفوضية الاتحاد الأوروبي لائحة جديدة تقترح إنشاء نظام مركزي لإعادة مواطني الدول الثالثة “المقيمين بشكل غير قانوني” في الاتحاد الأوروبي. وتهدف المقترحات المعلنة إلى زيادة كفاءة عملية الإعادة وضمان أن الأفراد الذين صدرت بحقهم قرارات العودة سيغادرون الاتحاد الأوروبي، “سواءً قسرًا أو طوعًا.”

وأثار هذا المقترح جدلا واسعا، وعارضته العديد من جهات المجتمع المدني نظرًا لعدة أحكام تُطيل مدة احتجاز طالبي اللجوء المرفوضين، وتُنشئ مراكز عودة خارج الاتحاد الأوروبي، وتُلغي الحماية الإدارية التي يتمتع بها طالبو اللجوء حاليًا، إلى جانب تغييرات سلبية أخرى. ورغم طبيعته المثيرة للجدل، من المقرر طرح الاقتراح للتصويت وتعديله المحتمل من قِبل البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد. ومن المتوقع التصويت عليه بحلول نهاية عام 2025 خلال الرئاسة الدنماركية لمجلس الاتحاد الأوروبي، حيث من المرجح أن تُواصل الدنمارك - وهي حكومة معروفة بمواقفها المناهضة للهجرة- طرح هذه القضية.

 العودة المبكرة إلى سوريا تفتقر إلى الأمان والكرامة

علي الرغم من أن الوضع الراهن في سوريا أكثر استقرارًا مقارنةً بالمرحلة شديدة الاضطراب التي أعقبت الإطاحة بحكومة الأسد، إلا أن الظروف لا تزال تتغير بسرعة، وانتهاكات الحقوق مستمرة. منذ سقوط الأسد، وثّق المركز السوري للعدالة والمساءلة ومنظمات أخرى تعمل داخل الأراضي السورية انتهاكات لحقوق الإنسان في مناطق مختلفة من سوريا، مما يُظهر استمرار حالة عدم الاستقرار.

ونظراً لعدم الاستقرار والمتغيرات المستمرة للوضع الميداني في سوريا، فإن استئناف الدول تقييم الأوضاع في سوريا الآن يُعدّ مبكرًا وغير موثوق. ويلزم العودة إلى إرشادات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تحدد وقت استقرار الوضع وضمان توفر معلومات دقيقة وموثوقة حول الأوضاع الأمنية ​​وحقوق الإنسان. ومع ذلك، في حال اعتماد الحكم القضائي الأخير في ألمانيا على نطاق أوسع، وجرى تقييم الوضع في سوريا، يجب إجراء التقييمات بشكل دوري لضمان دقة الأوضاع وموثوقيتها عند استخدامها لدعم أو دحض طلبات اللجوء.

كما يجب أيضًا تعليق البتّ في طلبات اللجوء، مع استثناء الحالات التي تتوفر فيها أسباب واضحة تبرّر اتخاذ قرار إيجابي من قبل الدول. فعلى سبيل المثال، قد تظل بعض الفئات، مثل النساء أو أفراد مجتمع الميم، عُرضة لأشكال مماثلة من الاضطهاد رغم سقوط حكومة الأسد. ولتحديد مثل هذه الحالات، ينبغي على الدول تقييم طلبات اللجوء بشكل فردي، مع الامتناع عن إصدار قرارات بالرفض إلى حين توفر معلومات موثوقة. كما يجب على الدول أن تزود طالبي اللجوء بإرشادات واضحة حول الحقوق التي يتمتع بها الأفراد خلال فترة انتظار البت في طلباتهم.

حتى في حال مضت الدول قدمًا في إصدار قرارات رفض لطلبات اللجوء، ينبغي ألا تُنفّذ عمليات الإعادة إلى سوريا، إذ لا يمكن اعتبارها آمنة أو كريمة. ولكي تكون العودة آمنة وكريمة، يجب ألا يتعرض العائدون لبيئة غير آمنة من الناحية الجسدية أو القانونية أو المعيشية، أو لسياسات تنتهك حقوقهم الإنسانية، بما في ذلك حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ويشمل ذلك ضمان حصول العائدين على الخدمات الأساسية، مثل السكن والرعاية الصحية والتعليم والغذاء والعمل اللائق؛ وتوفير المساعدة الإنسانية والخدمات عند العودة؛ وتوفير الفرص الاقتصادية والاندماج المستدام؛ إلى جانب الحماية من الاعتداءات وضمان حرية التنقل. إلا أن سوريا لا تزال غير قادرة على ضمان احترام هذه الحقوق. فبعد أكثر من عقد من النزاع، لا يزال تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون في فقر، ويقدّر أن نصف الأطفال اللذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عامًا لا يذهبون إلى المدرسة، علاوة على ذلك، يعاني واحد من كل أربعة سوريين من البطالة، وتشير التقديرات إلى أن استعادة الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوياته قبل الصراع ستستغرق 55 عامًا على الأقل. في ظل غياب الوصول إلى الخدمات الأساسية وضمانات حقوق الإنسان، فإن العودة إلى سوريا تُعد سابقة لأوانها، ولا يمكن اعتبارها آمنة أو كريمة. كما أن هذه العودة قد تُهدد النمو الاقتصادي الذي شهدته سوريا مؤخرًا بعد رفع العقوبات، إذ إن عودة أعداد كبيرة من اللاجئين قد تُفاقم الضغط على اقتصادٍ متعثرٍ أصلًا.

وبالتالي، لا يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تُقدّم سياسات الإعادة على حقوق السوريين الإنسانية الأساسية. ويجب على الاتحاد الأوروبي الالتزام بتوجيهات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن المعايير التي تُحدد ما إذا كانت العودة آمنة وكريمة.

وختامًا، فإن العديد من السوريين المقيمين في الاتحاد الأوروبي قد أسّسوا حياتهم في الخارج، حيث حصلوا على شهادات تعليمية، وساهموا في سوق العمل، وربّوا أطفالهم وعائلاتهم على مدار السنوات الماضية في دول الاتحاد الأوروبي. وبينما قد يرغب كثيرون في العودة إلى سوريا بعد فترة الغياب، وقد لا يرغب آخرون بذلك. وفي كلتا الحالتين، ينبغي منح السوريين الحق في اتخاذ القرار بأنفسهم، وعلى دول الاتحاد الأوروبي أن تتيح لأولئك الذين يرغبون في البقاء فرصة الحصول على إقامة دائمة.

 ________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.