1 min read
رد فعل الدول الأوروبية على سقوط الأسد وتأثير ذلك على اللاجئين السوريين

رد فعل الدول الأوروبية على سقوط الأسد وتأثير ذلك على اللاجئين السوريين

في هجوم صاعق ومفاجئ، أردت هيئةُ تحرير الشام حكومةَ بشار الأسد، وأنهت بذلك حُكم سلالة الأسد القمعي الذي جثم على سوريا 54 عاما. وتجاوبا مع ذلك، سارعت الدول الأعضاء في أوروبا إلى الإعلان عن إيقاف معالجة طلبات اللجوء لطالبي اللجوء السوريين داخل أراضيها مؤقّتا. صاحب هذا الإعلانَ نبرةٌ مقلقةٌ بخصوص عمليات الترحيل، فأهمَّ اللاجئين السوريين في أوروبا وأغمّهم. ويتمسّك المركزُ السوري للعدالة والمساءلة بأنه ينبغي على الدول أن تخفف من الأثر السلبي للإيقاف المؤقت بدراسة الحالات كلّا على حدة، وبمنح قرارات إيجابية متى ما وُجد سببٌ لذلك، وبإبلاغ طالبي اللجوء بما يتعلق بحقوقهم القانونية بوضوح.

مع استمرار تشكّل حكومة تصريف الأعمال في سوريا وعزمها على الحكم حتى شهر آذار/مارس، تظلّ سوريا غير آمنة وغير مستقرة. ولا تزال هناك أسئلة لا حصر لها حول الكيفية التي سيحكم بها سوريا في القريب العاجل أحمدُ الشرع، أو أبو محمد الجولاني كما يُعرف كذلك، ومَن عيّنهم، والتي سيصقلون بها مستقبلَ سوريا السياسي في البعيد الآجل. وتشمل الأسئلة العامة والجوهرية ما إذا كان سيواصل السوريون مواجهةَ القمع القاسي وما إذا كانت الحماية الكافية ستطالُ الأقليات، وهذه مخاوف أثارها مسؤولون في الاتحاد الأوروبي فعلا. وتبرز هذه الأسئلة شيئا فشيئا عند النظر إلى سجل هيئة تحرير الشام السابق في مجال حقوق الإنسان، والذي يتضمن انتهاكات لحقوق الإنسان كالاعتقال التعسفي والتعذيب، كما وثقها المركز السوري للعدالة والمساءلة.

رغم ما يزال من تشكّك وأسئلة عالقة بخصوص بالسلامة والأمن في سوريا، هرعت الدول الأوروبية فورا إلى إيقاف إجراءات لجوء اللاجئين السوريين مؤقتا داخل أراضيها تجاوبا مع سقوط الأسد. وتشمل هذه الدول ألمانيا والنمسا والسويد واليونان وبلجيكا وفنلندا وإيرلندا وفرنسا وهولندا والدنمارك ودولا خارج الاتحاد الأوروبي كالنرويج والمملكة المتحدة. وبهذا التصرف المتسرّع الذي يفتقر إلى تقديم توجيهات واضحة بشأن ما يتربّص بطالبي اللجوء السوريين، خلقت الدول بيئة أكثر عدائية للسوريين داخل أوروبا. ولن يؤدي هذا الإيقاف المؤقت فحسبُ إلى احتمال إطالة أمد الفراغ القانوني الذي يواجهه اللاجئون السوريون أصلا، بل سيترك هذا القرارُ والغموضُ الذي يعتري مدَّتَه السوريين بلا إمكانية للحصول على بعض الحقوق، كحق العمل.

ولتخفيف الآثار السلبية للإيقاف المؤقت، ينبغي على الدول أن تقيّم طلبات اللجوء كلّا على حدة وتمنح قرارات إيجابية متى ما وُجد مبرّرٌ واضحٌ لذلك بناءً على طلب مقدم الطلب. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تمتنع الدول عن إصدار قرارات سلبية لأي حالة وفقا لتوجيهات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إلى أن تتوفر معلومات موثوقة بشأن الوضع الأمني وحالة حقوق الإنسان في سوريا. ولتخفيف بعض الأعباء التي تُثقل كاهل السوريين حاليا، ينبغي على الدول أيضا أن تتخذ خطوات احترازية وتبلّغ السوريين باتساق ووضوح بحقهم في الإقامة القانونية داخل أراضي دولهم الأعضاء، وبالحقوق التي يتمتعون بها أثناء توقف النظر مؤقتا في طلبات لجوئهم، وبالآثار التي قد تخلفها عودتُهم مؤقتا إلى سوريا أو زيارتهم لها على طلباتهم.

أثار هذا الإيقاف المؤقت الفوري التي سنّته الدول الأوروبية قلقَ الكثيرين، إذ يبدو أنه يستند إلى نبرة سابقة مناهضة للجوء كان تتعالى في أوروبا وخارجها، لا سيما أنّ كثيرا من الدول كانت تحاول إعلان سوريا آمنة قبل سقوط حكومة الأسد. ويبدو أن هذه المخاوف قد تأكدت مع إعلان بعض الدول كالنمسا والدنمارك عن نيتها بدء برامج ترحيل إلى سوريا، رغم أنّ وزير داخلية النمسا أوضح أنه لن تكون هناك عمليات فورية للترحيل الجماعي.

ينبغي ألّا تستغل الدولُ الوضعَ السياسي الحالي بصورة انتهازية، وعليها أن ترفض بحزم وفي جميع الظروف الخطابَ السياسي والبرامجَ المصممة لتسهيل العودة غير الطوعية والمبكرة إلى سوريا لطالبيها السوريين. فرغم أنّ الكثير من السوريين يتوقون إلى السفر إلى ديارهم ولمّ شملهم مع أحبائهم واكتشاف مصير مَن فقدوا، إلّا أنه لا ينبغي أن تستغل الدول هذه الرغبةَ بتشجيع العودة قهرا وبصورة سابقة لأوانها إلى وضع لا يزال غير آمن وغير مستقر، بل يجب أن تكون العودة الطوعية مبنية على الإرادة الحرة للعائدين.

وينبغي أن تدرك الدول أنّ هناك تضاربا حين توقف الدولُ إجراءات اللجوء مؤقتا بسبب زعزعة الوضع الحالي في سوريا وقلة المعلومات عنه ثم تدعو إلى العودة في نفس الوقت. فيتوجب على أي عودة أن تتوافق مع مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يُلزم الدولَ بتقييم المخاطر التي قد يواجهها اللاجئون عند عودتهم إلى بلدهم بصورة شاملة.  وبالنظر إلى أنّ الدول أوقفت إجراءات اللجوء مؤقتا بسبب الوضع غير الآمن في سوريا والعجز عن تقييم الحقائق الحالية والدقيقة على أرض الواقع، فإنه لا يمكن ضمان مبدأ عدم الإعادة القسرية ولا ينبغي المضي قدما في عمليات العودة.

ختاما، تشوُّقُ كثيرٍ من السوريين إلى زيارة سوريا وتَوْقُهم إلى العودة إليها هو أمرٌ متفهّم، حتى مع عدم وضوح الرؤية المتعلقة بالأمن والحماية من الاضطهاد على المدى الطويل. غير أنه لا ينبغي أن تَعُدَّ الدولُ العودةَ الطوعية الجارية مؤشرا على أنّ سوريا آمنةٌ أو مسوّغا لإيقاف وضع اللجوء، بل ردَّ فعلٍ متفهّمٍ على سقوط حكومة قمعية جثمت على سوريا أحقابا طويلة. ويظل الواقع أنّ تأثير العنف والهجمات والانتهاكات القانونية لا يزال قائما في سوريا. وعلى هذا النحو، بدلا من تشجيع العودة أو اتخاذ إجراءات لإلغاء وضع اللجوء القانوني، يجب على الدول أن تتيح وقتا ليستقر فيه الوضع في سوريا وأن تفهم ما إذا كانت التغييرات التي طرأت على الوضع في سوريا ستكون دائمة وراسخة، وما إذا كانت ستظهر مخاطر جديدة تؤثر على السكان السوريين داخل أراضيها.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.