أسئلة وأجوبة: الاختصاص القضائي العالمي - الجزء الثاني
أسئلة وأجوبة: الاختصاص القضائي العالمي - الجزء الثاني
في نيسان/ أبريل نشر المركز السوري للعدالة والمساءلة مجموعة من ثمانية أسئلة أرسلها سوريون يرغبون في التعرف أكثر على آلية تقديم شكاوى جنائية ضد مرتكبي الجرائم الخطيرة من السوريين المقيمين حاليًّا في أوروبا. وصلتنا الكثير من هذه الأسئلة عن طريق بودكاست "عدالتي" التي يبثها المركز السوري باللغة العربية وفعاليّات التواصل مع الجاليات السورية في ألمانيا وهولندا والسويد، والتي هي جزء من مشروع قائم لتيسير الدعم القانوني والنفسي الاجتماعي للسوريين الذين يحاولون التعرف على عملية تقديم الشكاوى الجنائية في أوروبا.
ركزت السلسلة الأولى من الأسئلة على الاحتمالات والقيود التي تواجه السوريين الذين يرغبون في تقديم شكاوى جنائية في أوروبا. أما المجموعة الثانية من الأسئلة فتتناول مدى إمكانية استخدام الولاية القضائية العالمية لمحاسبة الحكومة السورية والمجموعات المسلحة. توضح الإجابات التالية أنه بالرغم من محدوديتها، إلا أن هناك فرصًا لمحاسبة الجناة على الجرائم التي ارتكبوها في سوريا.
إن كانت لديكم أية أسئلة حول الولاية القضائية العالمية في أوروبا، فنرجو التواصل معنا على فيسبوك أو تويتر، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على عنوان البريد الإلكتروني التالي: [email protected]
9- هل يمكن محاكمة الحكومة السورية على جرائم تقودها الدولة؟
تصدر محكمة العدل الدولية نتائجها ضد الدول. رغم أن الإجراءات غير جنائية بطبيعتها، فقد تجد محكمة العدل الدولية أن الحكومة السورية مسؤولة عن التعذيب أو الإبادة الجماعية، على سبيل المثال. قبل أن تنظر المحكمة في قضية ما، يجب على الدول اتخاذ عدة خطوات، منها المفاوضات والتحكيم. قد تفرض محكمة العدل الدولية تدابير ضد الحكومات، تشمل دفع تعويضات أو مطالبة بوقف السلوك غير القانوني. ولكن من الناحية العملية، فإن تنفيذ أوامر المحكمة أمر صعب.
في عام 2020، طلبت هولندا (التي انضمت إليها كندا لاحقًا) من سوريا الدخول في مفاوضات بشأن انتهاك سوريا لاتفاقية مناهضة التعذيب(CAT) التي هي طرف فيها. قد تستغرق عملية التفاوض والتحكيم سنوات. في حين أن محكمة العدل الدولية لن تكون قادرة على فرض العقوبة على الحكومة السورية أو المطالبة بتعويضات للضحايا والناجين، فإن التقييم القانوني للوقائع بموجب القانون الدولي سيكون بمثابة سابقة قيمة للمحاكم الأخرى القابلة للتنفيذ.
10-هل يمكن محاكمة بشار الأسد أمام محكمة محلية في أوروبا؟
ليس من المجدي محاكمة بشار الأسد في محكمة محلية في أوروبا. تقليديًا، يتمتع رؤساء الدول بالحصانة من الولاية القضائية لمحاكم دولة أخرى على أساس العقيدة القانونية للحصانة السيادية. لكن يمكن لدولة أن تتنازل عن حصانة رئيسها السابق وهناك دعوة للتنازل عن الحصانات الممنوحة للأشخاص المرتبطين بالجرائم الدولية. ومع ذلك، طالما بقي الأسد في السلطة، فمن غير المرجح أن تتم محاكمته من قبل محكمة محلية في أوروبا.
11-لماذا تلاحق الدول الأوروبية مسؤولين ذوي رتب منخفضة نسبيًا، وليس الأفراد الأكثر مسؤولية عن الجرائم المرتكبة في سوريا؟
بشكل عام، تستهدف الدول الجناة المزعومين الموجودين على أراضيها. يمكن للدولة أن توجه اتهامات ضد مسؤول حكومي سوري رفيع المستوى ارتكب انتهاكًا لحقوق الإنسان، ولكن إذا لم يكن الشخص موجودًا على أرض هذه الدولة، فإن تأثير التهم يكون رمزيًا فقط لأن المحاكمات الغيابية (المحاكمات التي لا يحضرها المتهمون) غير ممكنة. ولأن الانشقاق أو الهرب من الحكومة السورية أكثر صعوبة كلما كان المسؤول أعلى رتبة، فقد تمكن المسؤولون الأدنى مرتبة من الفرار من سوريا وطلب اللجوء في مكان آخر. وجودهم في الدول التي تمارس الولاية القضائية العالمية يجعلهم عرضة للإجراءات الجنائية المحلية. بهذه الطريقة، تعتبر الولاية القضائية العالمية أداة مهمة للمساءلة القضائية، لكنها محدودة.
12-ما فائدة مقاضاة المسؤولين الحكوميين ذوي الرتب الدنيا إذا كان المجرمون رفيعو المستوى يتمتعون بالإفلات من العقاب؟
في حين أنه قد يكون من المحبط استمرار تمتع المسؤولين رفيعي المستوى بالإفلات من العقاب في سوريا، فإن تطبيق الولاية القضائية العالمية على المسؤولين من المستوى الأدنى الموجودين حاليًا في أوروبا يظل الخيار الوحيد القابل للتطبيق بالنسبة للسوريين للسعي إلى المساءلة والانخراط في عمليات العدالة. إن امتلاك القوة على هذه العمليات هو جزء حاسم من التعافي الفردي والجماعي اللازم لتجاوز صدمات الصراع. مع ظهور المزيد من فرص المساءلة في المستقبل، سيحتاج السوريون إلى تحديد نطاق ارتكاب الجريمة وتحديد من يريدون محاسبته وبأي وسيلة. لمزيد من المعلومات حول كيفية تعامل آليات العدالة الانتقالية في النزاعات الأخرى مع مسألة من يجب محاكمته، راجع تحليل المركز السوري للعدالة والمساءلة هنا.
13-هل المنشقون عن الحكومة السورية هم الأشخاص الوحيدون الذين يتم التحقيق معهم وملاحقتهم على جرائم ارتكبت في سوريا؟
لا، المنشقون عن الحكومة السورية ليسوا وحدهم من يخضع للتحقيق والمحاكمة على جرائم ارتكبت في سوريا. اتخذت عدة دول إجراءات ضد الجناة غير الحكوميين، ومنهم الأشخاص الذين قاتلوا في صفوف الجماعات المسلحة، مثل داعش وجبهة النصرة وجيش الإسلام. تنطبق نفس قاعدة تقديم الطلب: يجب أن يكون الجاني المزعوم موجودًا في البلد الذي تم فيه تقديم الطلب. إن المركز السوري للعدالة والمساءلة على استعداد لتقديم الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي من خلال شركائه للأفراد الذين يقدمون ملفات في ألمانيا وهولندا والسويد.
14-هل صحيح أن السلطات الأوروبية تلاحق مقاتلي داعش بشكل أكثر نشاطًا من مقاتلي جبهة النصرة أو جماعات معارضة أخرى أو الجيش السوري أو الجماعات الموالية للحكومة والتي تشمل الشبيحة؟
إن مجرد الانتماء إلى جماعة مصنفة على أنها منظمة إرهابية يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون ويكفي لإجراء تحقيق في الجرائم ذات الصلة. من ناحية أخرى، لا يتعرض أعضاء الجماعات المعارضة التي لا يتم تصنيفها على أنها منظمات إرهابية لعقوبات جنائية ما لم يرتكبوا أعمالًا إجرامية تنتهك تشريعات الدولة المتعلقة بالإرهاب أو ينخرطوا بجرائم دولية خطيرة. تنطبق نفس القاعدة على المقاتلين السابقين في الجيش السوري.
وبناءً على ذلك، تلاحق السلطات الأوروبية مقاتلي داعش وهيئة تحرير الشام بشكل أكثر نشاطًا لأن كلا المجموعتين مصنفتان على أنهما تنظيمات إرهابية وتعتبران بمثابة تهديد أمني محتمل. وهذا يتناقض مع مقاتلين من مجموعات معارضة أخرى، مثل الجيش السوري والشبيحة، الذين يلزم وجود أدلة واضحة لهم لإثبات وجود صلة جوهرية بين الجرائم المزعومة والجاني المزعوم. سيبدأ التحقيق في المطالبات فقط عند إنشاء هذا الرابط.
15-لماذا للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص على الجرائم المرتكبة في أوكرانيا ولكن ليس في سوريا؟
في حين أن أوكرانيا لم تصدق على نظام روما الأساسي، إلا أنها قبلت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من خلال تقديم إعلان رسمي في عام 2014 . لهذا السبب، للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص على الجرائم المزعومة التي حدثت في أوكرانيا. لم تصدق سوريا أو تنضم إلى نظام روما الأساسي، ولم تصدر إعلانًا، ومن غير المرجح أن يقوم مجلس الأمن الدولي بإحالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بسبب روسيا، وبالتالي فإن الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية ليس متاحاً للسوريين حالياً.
16-هل يمكن محاكمة الرعايا الأتراك على الانتهاكات المرتكبة في سوريا؟
حتى الآن، هناك سبل محدودة لمحاكمة المواطنين الأتراك على الانتهاكات المرتكبة في سوريا. أحد الأسباب هو أن تركيا لديها القليل من الإرادة السياسية لإدانة مواطنيها بجرائم ارتكبوها في سوريا، مما يعني أن المحاكم التركية المحلية ليست مكانًا واقعيًا. ومع ذلك، فإن تركيا طرف في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وتخضع لولاية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECtHR) التي يمكنها إصدار أوامر ضد الحكومات، ولكن لا يمكنها فرض عقوبة جنائية. كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مترددة إلى حد ما في الحكم في الشكاوى المتعلقة بتركيا. بغض النظر، قد يظل المواطنون الأتراك عرضة للملاحقة الجنائية إذا كانوا موجودين في بلد يمارس الولاية القضائية العالمية.
__________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.