مساءلة القاصرين عن الجرائم الخطيرة المرتكبة في سوريا
الجزء الأول: الأطفال الجناة في أوروبا
هذا التقرير الموجز هو الأول في سلسلة مكونة من جزأين تهدف إلى الإجابة على السؤال المتعلق بكيفية تعامل السلطات الوطنية، والإقليمية، والدولية (من قبيل أجهزة الشرطة، ودوائر الادعاء العام، وموفري الخدمات الاجتماعية) مع الأفراد الذين ارتكبوا جرائم في سوريا عندما كانوا قُصّرًا. وفي الوقت الذي يركز فيه الجزء الثاني من التقرير الموجز على الأطفال الجناة الموجودين حاليًا في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والعراق، أُعدّ هذا الجزء من التقرير خصيصًا لتناول مسألة الأطفال الجناة المقيمين خارج المنطقة، وتحديدًا في أوروبا. ويركز هذا الجزء بشكل خاص على الأفراد الذين تمت إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، أو الذين توجهوا إلى بلدان أخرى بطرق مختلفة من خلال آليات طلب اللجوء على سبيل المثال. كما يرسم التقرير ملامح التحديات الأساسية التي تواجه السلطات قبل أن يقترح تدخلات تهدف إلى الموازنة بين تحقيق المصلحة الفضلى للطفل، والمخاوف المتعلقة بالأمن القومي.
1- الإعادة إلى الوطن
ارتبط نحو 4،640 طفلا بتنظيم داعش في كل من العراق وسوريا في الفترة ما بين عامي 2009، و2017، بالإضافة إلى 730 رضيعًا وُلدوا لأبوين أجنبيين. ولا يزال الكثير من هؤلاء موجودين في شمال شرق سوريا. ويقيم بعضهم في مخيماتٍ عشوائيةٍ قذرة في ظل ظروف لاإنسانية، وارتفاع مستويات العنف المستمر فيها، وتنامي خطر الانجراف نحو التطرف الأيديولوجي. ويُحتجز آخرون في مراكز اعتقال سيئة الصيت معروفة باكتظاظها الشديد، وغياب أشكال الحماية القانونية فيها. وهذا رغم أنه كلما طالت مدة تعرض هؤلاء الأفراد للعنف، واستمر حرمانهم من التمتع بحقوقهم على صعيد مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة حسب الأصول، زادت تلك الظروف السائدة من احتمال انتكاس أولئك الأفراد أو انزلاقهم مجددًا نحو السلوك المختل الذي مارسوه. وهكذا يتعين على الدول أن تعيد مواطنيها، ومن ضمنهم الرضع المولودون لأبويين أجنبيين في سوريا، وأن تتخذ الإجراءات التالية:
أولًا- ينبغي أن يُمنح مواطنو تلك الدول الوثائق والأوراق الثبوتية المطلوبة قانونيا لتيسير عودتهم إلى أوطانهم، وتزويدهم بشهادات الميلاد، ووثائق السفر على وجه التحديد. ولا ينبغي أن تتم إعادة القاصرين إلى أوطانهم غير مصحوبين بأمهاتهم من دون إبراز أدلة دامغة على أن إعادتهم بغير صحبتهن تصب في مصلحة الطفل الفضلى. وينبغي التواصل مع أفراد الأسر الممتدة من أقارب القاصرين غير الموجودين تحت وصاية الوالدين، وذلك لأغراض الترتيب لمنحهم حق الحضانة، أو الوصاية عليهم عوضًا عن أولياء أمورهم. وإذا تعذر العثور على وصيٍ قانوني مؤهلٍ لحضانة الطفل، فينبغي للبلد الذي أُعيد الطفل إليه أن يعد ترتيباتٍ بديلةٍ من خلال الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة في هذا السياق.
ثانيًا- يتعين على الدول أن تنسق مع قوات سوريا الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني المحلية كي توفر خدمات الدعم النفسي الاجتماعي لأولئك القاصرين أثناء وجودهم في سوريا، حيث يعاني الكثير منهم من صدمة عنيفة مرتبطة بتجاربهم في سياق النزاع، والحياة في المخيمات، أو مراكز الاعتقال. وينبغي أن تهدف تلك الخدمات أو البرامج إلى تهيئة العائدين عاطفيا ونفسيا للتغيرات الوشيكة التي ستشهدها بيئاتهم. وينبغي أن تأخذ تلك الخدمات في الحسبان التحديات الثقافية، والدينية، ومنظور النوع الاجتماعي بالإضافة إلى اعتبارات تتعلق بضمان السلامة البدنية والنفسية للموظفين والمنتفعين من تلك البرامج والخدمات المقدمة في البيئات المعرضة للمخاطر.
ثالثًا- ينبغي عرض أولئك الأفراد حين عودتهم على مختصين ومرشدين اجتماعيين ممن هم على اطلاع بكيفية التعامل مع آثار الصدمة كي يوفروا الدعم والمساندة، والإرشاد، والتوجيه، والاستشارة للعائدين والسلطات المعنية أثناء عمليات إعادة الاندماج والمساءلة. وينبغي للسلطات أن تشاور المرشدين عند البتّ في طبيعة تدابير المساءلة المقترح تطبيقها بحق الأفراد الذين ارتكبوا جرائم في سوريا عندما كانوا قُصّرا.
2- الوضع القانوني للضحايا
لجأت جماعات مسلحة مختلفة إلى تجنيد الأطفال عنوة طيلة فترة النزاع في سوريا. كما انضم الأطفال أيضًا إلى جماعات مسلحة في محاولة يائسة منهم للإفلات من براثن الفقر، والنزوح، والصدمة. ولكن لا يبرر ارتكاب بعض القاصرين لجرائم متصلة بالنزاع ما يتعرضون له من انتهاكات قد تكون هي من دفعتهم إلى ارتكاب أفعال غير قانونية. كما يكتسي فهم الأسباب التي دفعت القاصرين إلى الانخراط في صفوف الجماعات المسلحة أهمية على صعيد تحديد المسؤولية عن الخطأ أو الذنب المرتكب، وتحديد الاحتياجات المرتبطة بفك الارتباط (عن جماعاتهم أو تنظيماتهم)، والحيلولة دون إعادة تجنيدهم من لدن جماعات متطرفة. وينبغي أن تقيم السلطات المسؤولية الفردية عن الخطأ أو الذنب في سياق النظر إلى الوضع القانوني للضحية من خلال ما يلي:
أولًا- ينبغي أن تنظر السلطات في الظروف والملابسات التي أدت إلى ارتكاب الفعل الجُرمي في كل حالة على حدة. وتنبغي مقارنة تلك الظروف والملابسات بالحالة العقلية للفرد المعنيّ في وقت ارتكاب جريمته المزعومة، ويهدف ذلك أصلا إلى الجزم بشكل منصف بشأن طبيعة الغرض الذي أراد القاصر تحقيقه من ذلك، ومدى معرفته بطبيعة الفعل غير القانوني، ومستوى تهوره وتماديه أثناء ارتكاب ذلك الفعل. وبذلك، يتم توفير حماية الوضع القانوني للضحايا الأفراد الذين ارتكبوا جرائم عندما كانوا قاصرين، وذلك بالتوازي مع احترام احتياجات الناجين من تلك الجرائم، والشهود عليها، في سياق عمل آليات المساءلة.
ثانيًا- ينبغي أن تشاور السلطات منظمات المجتمع المدني السورية والآلية الدولية المحايدة والمستقلة المعنية بسوريا أثناء السير بعمليات المساءلة توخيا لأن تكون تلك العمليات والإجراءات نابعة من الواقع الاجتماعي، والثقافي، والسياسي للنزاع في سوريا، وبما يهدف إلى الإحاطة بكامل العوامل التي ربما قد دفعت الأطفال إلى ارتكاب الجرائم (من قبيل تجنيدهم إجباريًا، أو بدافع الفقر، وما إلى ذلك).
3- التدابير أو الإجراءات العقابية
تكتسي الجهود التي تقوم بها السلطات على صعيد تحقيق المساءلة القضائية أهمية محورية لإحقاق العدل لصالح الناجين بصرف النظر عن سن الجاني، أو نوعه الاجتماعي، أو الظروف والملابسات التي تعرض لها وقت ارتكاب الجريمة. ولكن ستتفاوت طبيعة الجهود المبذولة لمساءلة الجناة وفقا لكل حالة على حدة في ضوء الوضع القانوني للجاني وقت ارتكاب الجريمة، وطبيعة الجريمة المرتكبة، ومدى اتساع نطاق الضحايا المتضررين بتلك الجريمة. وإذا ارتأت السلطات أنه لا مفر من اللجوء إلى العمليات والإجراءات القانونية والقضائية، فلا بدّ من مراعاة العوامل التالية:
أولًا- ينبغي أن تكون الإجراءات القانونية المتخذة متسقة مع المعايير الدولية المعنية بإقامة العدل بشكل منصف. وينبغي احترام حق المتهمين في افتراض البراءة، وتوفير قضاء ناجعٍ ومحايدٍ للنظر في قضاياهم، والحق في الانتصاف أو التعويض. وينبغي احترام تلك المبادئ من طرف جميع الجهات الفاعلة المعنية بالإجراءات القضائية، بدءًا من عناصر الشرطة، ومرورًا بالمحامين، وانتهاءً بالقضاة. وينبغي أن تكون العقوبة متناسبة مع سن الجاني وقت ارتكاب الجريمة، وأن تراعي الظروف والملابسات المحيطة بالجريمة، وفداحة الجرم المرتكب. كما ينبغي أن تراعي حساسية منظور النوع الاجتماعي. ولا ينبغي احتجاز القاصرين في منشآت مخصصة للبالغين، أو إصدار أحكام بالإعدام بحقهم.
ثانيًا- ينبغي أن تجعل الدول السن الأدنى للمسؤولية الجنائية 15عاما مع الأخذ في الاعتبار مستوى النمو أو النضوج العقلي، والعاطفي، والفكري للقاصرين. ويجب أن تحرص الإجراءات القانونية على مراعاة المصلحة الفضلى للطفل، وأن تلتزم بالمعايير الدولية المعتمدة في سياق عدالة الأحداث. وبالنسبة للأفراد الذين ارتكبوا جرائم عندما كانت أعمارهم تتراوح بين 15، و18 عاما، ولكنهم أصبحوا بالغين الآن، فينبغي أن يحصلوا على نفس أشكال الحماية الممنوحة للأحداث بناء على السن وقت ارتكاب الجريمة.
ثالثًا- ينبغي دمج خدمات الدعم النفسي الاجتماعي ضمن الإجراءات القانونية المعتمدة، وتشمل العائدين. ومن شأن توفير الدعم النفسي الاجتماعي للناجين، والشهود، والعائدين وفقا للاحتياجات الخاصة بكل فئة منهم أن يشكل ضمانا لمراعاة السلامة العاطفية والنفسية للمشاركين في تلك الخدمات أو المستفيدين منها. كما أن تقديم خدمات الدعم النفسي الاجتماعي يساعد الناجين والشهود على الحدّ من إمكانية تكرار تعرضهم للصدمة الأليمة الناجمة عن استذكار محنتهم الصادمة ورواية تفاصيلها. وبالنسبة للعائدين، فستساعدهم خدمات الدعم النفسي الاجتماعي على استيعاب تفاصيل عملية المساءلة، وتيسير تواصلهم مع الأطراف الأخرى عن طريق ضبط انفعالاتهم، والتعامل مع الضغوط التي يعانون منها، والحدّ من احتمال الانتكاس أو معاودة ارتكاب الجريمة.
4- التدابير أو الإجراءات غير العقابية
يُعد فك الارتباط وإعادة الدمج من التدابير غير العقابية والتعويضية التي تساعد الأفراد على التكيف مع بيئتهم الجديدة. وتشجع مثل هذه التدابير الجناة على إدراك تبعات جرائمهم، وتجاوز الشعور بالتهميش، ومجابهة وصمة العار التي قد تُفضي بهم إلى تعظيم ما لديهم من مظالم سابقة، وتوليد أشكال جديدة منها، وتكرار ارتكاب الجرم. وهكذا ينبغي أن تأخذ السلطات الاعتبارات التالية في الحسبان:
أولًا- ينبغي أن تيسر السلطات وضع برامج لفك ارتباط العائدين (بمنظماتهم) وإعادة دمجهم في بيئاتهم بالتشاور مع المرشدين الاجتماعيين المخصصين لكل حالة. كما ينبغي لتلك البرامج أن تدرج خدمات الدعم النفسي الاجتماعي ضمن كل مرحلة من مراحلها المعتمدة. وعلى السلطات عدم إغفال الأشكال المختلفة لتدابير فك الارتباط وإعادة الدمج حسب مقتضى كل حالة، وأن تحرص على مراعاة منظور النوع الاجتماعي والطابع الفردي المختلف لكل حالة عند تنفيذ التدخلات من أجل مكافحة الطرح الفكري المتطرف، ومساعدة الأفراد على أن يكفّروا عن الضرر الذي ألحقوه بالآخرين. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تتيح تلك البرامج تصميم أدوات معدلة حسب الاقتضاء بحيث تركز على التقليل من حجم الضرر الحاصل، ومحو آثار التشدد الفكري، والبناء على ما يتوفر من أدوات مستخدمة في البرامج الأخرى القائمة.
ثانيًا- ينبغي أن تشارك الدول في عملية تبادل المعلومات بما يكفل الاطلاع على أفضل الممارسات، والدروس والعبر المستفادة، وتبادلها بين السلطات من مختلف البلدان.
خلاصة
تخلق أفعال من ارتكبوا جرائم في سوريا عندما كانوا قاصرين تحديات أخلاقية، وقانونية، ولوجستية معقدة للمجتمع الدولي. وبالنسبة للمواطنين الأجانب، فتشمل الحلول على الأجل الطويل دون شك خيار إعادتهم إلى أوطانهم الأصلية. وبمجرد عودة هؤلاء المواطنين، ستواجه السلطات تحدياتٍ على صعيد تحديد نطاق الوضع القانوني لكل ضحيةٍ على حدة، ومن ثم اختيار التدابير العقابية أو غير العقابية الأنسب الواجب اتخاذها بحقهم. وكما ورد وصفه آنفًا، ينطوي تنفيذ تلك الحلول طويلة الأجل على حتمية التنسيق بين الجهات الفاعلة على تنوعها في مختلف البلدان ونطاقات الاختصاص القضائي من قبيل أجهزة الشرطة، والادعاء العام وموفري خدمات الارشاد والدعم الاجتماعية. وسيتسنى بذلك للسلطات أن تسهل سلوك أحد المسارات الكثيرة لتحقيق المساءلة المتاحة للناجين من الجرائم المرتكبة في سوريا، وبصرف النظر عن سن الجاني وقت ارتكاب الجريمة.
______________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.