التوثيق الأخلاقي في دعم الناجين
بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، ينشر المركز السوري للعدالة والمساءلة بعض الممارسات الفضلى التي تضمن تمّكُن الناجين من التعذيب في سوريا والعالم من المشاركة في جهود التوثيق دون تعريض صحتهم النفسية للخطر. فعندما تُجرى بشكل أخلاقي، يمكن أن تتحول عملية التوثيق لفرصة تمكين للضحايا يستطيعون من خلالها المشاركة في عمليات العدالة، ولكن يبقى مبدأ "عدم إلحاق الأذى" الممارسة القياسية التي توجه جهود التوثيق.
تقييم الناجين
يجب أن تكون مهمة الموثق الأولى هي دراسة خلفية الأشخاص اللذين سيقابلهم ليفهم بشكل أفضل أنواع الأسئلة والدعم النفسي-الاجتماعي المطلوب. فالمعلومات الموجودة لدى امرأة أيزيدية استرقّها تنظيم داعش مختلفة تمامًا عن سجين سوري لدى النظام، كما أن احتياجاتهما ستكون مختلفة. وعندما يتعلق الأمر بإجراء مقابلات مع ضحايا التعذيب، يجب على الموثق أن يقيّم إن كان الناجي مستعدًا نفسيًا لمناقشة التجارب التي مر بها، فالموافقة على إجراء المقابلة لا يجب أن تكون هي الاعتبار الوحيد. فالموثِقون ملتزمون أخلاقيًا بضمان أن يكون الناجي قد تعافى من تجربته بدرجة كافية، أو أن مختصّ الصحة النفسية سمح بإجراء المقابلة. وهذا ليس مهما لحماية الضحايا فحسب، ولكنه ضروري كذلك لضمان تمكنهم من رواية تجربتهم بوضوح ودقة.
يقترح المركز السوري للعدالة والمساءلة إجراء مقابلة أو أكثر لفحص الحالة قبل مطالبة الناجي بالتحدث عن تجارب تسبب له الألم. فمقابلات الفحص تساعد في إيجاد صلة بين الموثق والناجي وتعمل على بناء الثقة بينهما، وهي تعطي للموثق كذلك فرصة لتحديد ما إن كان الناجي بحاجة للمزيد من الدعم النفسي-الاجتماعي قبل إجراء مقابلة كاملة. وإذا لاحظ الموثق خلال هذه العملية أن كليهما يعاني من صدمة مشابهة، أو أن معتقداتهما يمكن أن تتسبب في خلاف بينهما، فيجب أن يمتنع عن إجراء المقابلة وتحويلها إلى أحد الزملاء بدلًا من ذلك.
كما يجب أن يحرص الموثق على ألا يكون المستجيب قد أجرى مقابلات حول الحادثة ذاتها من قبل. فإجراء مقابلات متكررة مع الناجي يمكن أن يتسبب بتوتر لا داعي له. كذلك، كثيرًا ما تختلف روايات الناجين قليلًا من مقابلة لأخرى؛ ولكن هذا لا يعني أن تجاربهم ملفقة، وإنما يعني ببساطة أن الذكريات يمكن أن تعاود الظهور مرة أخرى أو تتغير مع الوقت. ولكن في السياق القانوني يمكن لوجود اختلاف بسيط بين إفادتين من نفس الشخص أن يشكك في التجربة بأكملها، ويُبطل الشهادة بالكامل.
المقابلة:
قبل إجراء المقابلة، يجب على الموثق أن يقدم مجموعة من الأسئلة المحددة للناجي، لمساعدته على الاستعداد لها نفسيًا. ويجب على الموثق أن يحصل من الناجي على موافقة مسبقة عن علم تتضمن معلومات واضحة وصريحة عن المنظمة وتبين الغرض من عملية التوثيق وكيف سيتم استخدام المعلومات التي يتم الحصول عليها. ولا يمكن للموثق طلب الموافقة إلّا بعد تقديم هذه المعلومات.
وخلال المقابلة، يجب على الموثق أن يحدد طبيعة الجلسة، فبالرغم من أنها يجب أن تبقى إيجابية قدر الإمكان، إلّا أن على الموثق أن يوضح للمستجيب أن المعلومات التي يجمعها قد لا تؤدي للنتائج التي يتأملها الناجي. كذلك، من المهم السماح للمستجيب بأن يروي تجربته بحرية، وعدم طرح أسئلة إلا بعد أن ينهي حديثه، أو عند الحاجة للاستيضاح. وخلال المقابلة يجب تشجيع الناجي على أخذ استراحة بين الفينة والأخرى، ويجب على الموثق أن ينهي الجلسة مبكرًا إن شعر أن الناجي قد يعاود اختبار الشعور بالصدمة.
وقبل إنهاء المقابلة، يجب على الموثق أن يعيد الناجي إلى الحاضر بتذكيره أن معاناته قد انتهت، وأنه نجى منها، وأن الصدمة التي تعرض لها لا تحدد من يكون كإنسان. وأخيرًا على الموثق أن يحرص على تدوين بيانات الاتصال بالناجي وأخذ موافقته على الاستمرار في التواصل معه في حال وجود حاجة لاستيضاح بعض الأشياء منه أو ربطه مع آلية قضائية.
الدعم النفسي - الاجتماعي
عند الإمكان، يجب أن يكون لدى منظمات التوثيق شبكة من مختصّي الدعم النفسي – الاجتماعي الذين يستطيعون إحالة الناجين إليهم، دون أن يترتب على ذلك كلفة على الناجين. حيث يمكن أن تتم إحالة الناجين إلى هؤلاء المختصّين قبل المقابلة إن كان هناك حاجة للدعم ليصبحوا جاهزين لتقديم المعلومات، أو إحالتهم إليهم بعد المقابلة للحصول على المساعدة المستمرة. وقد طوّر المركز السوري للعدالة والمساءلة برنامجًا مزدوجًا للإحالة لا يكتفي بالسماح للموثقين بإحالة الناجين للدعم النفسي – الاجتماعي فحسب، ولكنه يتيح كذلك لمختصّي الدعم النفسي-الاجتماعي إحالة الناجين للمقابلات. ولا يزيد هذا من قدرة المركز السوري للعدالة والمساءلة على الوصول للناجين فحسب، بل يتيح أيضًا لمختصّي الدعم النفسي – الاجتماعي إحالة الناجين الذين يعتقدون أنهم يمكن أن يستفيدوا من مشاركة قصصهم لأغراض تحقيق العدالة إلى منظمات التوثيق.
ولا يجب أن يتاح الدعم النفسي – الاجتماعي للمستجيبين فقط، حيث يحتاج الموثقون كذلك للدعم النفسي – الاجتماعي بشكل منتظم، حتى لو اعتقدوا أن السرد المتكرر للتجارب المؤلمة لن يؤثر عليهم. فإضافة إلى إمكانية تأثير هذه المقابلات على صحة الموثق النفسية، يمكن للدعم النفسي المناسب أن يساعد الموثقين في التعرف على كيفية إدارة ردود أفعالهم العاطفية خلال المقابلات، وضمان وجود بيئة تدعم الناجين بشكل أفضل.
مناصرتك لنفسك كناج من التعذيب
يحق لك كمستجيب أن تضمن إجراء المقابلة بطريقة أخلاقية وأن يتم حفظ بياناتك بشكل آمن. ويجب أن تكون المعلومات المتاحة أعلاه حول الموثقين دليلك في تحديد إن كنت تُعامل بشكل عادل خلال المقابلة. عند اتصال الموثق بك يجب أن يبرز ما يثبت هوية المنظمة التي يعمل معها، وأن يشرح بشكل واف الغرض من المقابلة التي يريد أن يجريها معك. ولك الحق في رفض إجراء المقابلة لأي سبب كان، حتى لو كان شعورك بأنك بحاجة للمزيد من الوقت للتعافي أو أنك لست واثقًا من سمعة الموثق أو قدرته على ضمان سرية هويتك وسلامتك.
إن وافقت على إجراء المقابلة، يجب أن تُعطى خيار تحديد وقت ومكان اللقاء، حتى لو كان ذلك يعني إجراء المقابلة عن بعد أو باستخدام المراسلات الخطية. ولا يجب أن تتعرض للضغط للالتقاء بالموثق في مكان لا ترتاح فيه أو يصعب عليك الوصول إليه. وعند الحاجة، ولضمان سلامتك النفسية والجسدية، يمكنك أن تُشرك طرفا ثالثًا ليرافقك أو يبقى في الجوار خلال المقابلة.
وأخيرًا، لك الحق دائما في إنهاء الجلسة وسحب موافقتك على مشاركة معلوماتك مع أطراف أخرى. وأنت غير ملزم بتاتًا بإكمال المقابلة، حتى لو كنت التقيت مع الموثق في عدة جلسات. إذا قررت أن المعلومات التي تقدمها يمكن أن تعرّض سلامتك للخطر، أو إن راودتك مخاوف تتعلق بالموثق أو المنظمة التي يعمل معها، فعليك أن تلغي الجلسات الأخرى وتطلب عدم الاحتفاظ بالمقابلات التي أجريت. ولكن للأسف، الموثقون غير ملزمون بحذف البيانات، ولكن المنظمات التي تعمل بشكل أخلاقي تستجيب لهذا الطلب.
الخلاصة
يتحمل كلٌّ من الموثقين والمنظمات التي يمثلونها والناجين من الأعمال الوحشية مسؤوليات مختلفة عندما يتعلق الأمر بتوثيق الجرائم الخطيرة. ويقع على الموثق عبء ضمان قدرته على جمع المعلومات بطريقة لا تعرض الناجين للخطر. وعندما تُجرى عمليات التوثيق بشكل أخلاقي، فإنها يمكن أن تكون جزءًا من عملية أوسع لمساعدة الناجين من التعذيب والجرائم الأخرى الخطيرة على استحضار رواياتهم والمطالبة بتحقيق العدالة.
إن كنت موثقًا وترغب بالتعرف أكثر على عمليات التوثيق الأخلاقية، يمكنكم زيارة موقع التدريب الإلكتروني الخاص بالمركز السوري للعدالة والمساءلة: https://ar.syriaaccountability.org/documentation-practices/
__________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.