1 min read
الدعوى القانونية ضد مجموعة فاجنر الروسية وما تعنيه لسوريا
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان - By Adrian Grycuk

الدعوى القانونية ضد مجموعة فاجنر الروسية وما تعنيه لسوريا

رفعت مجموعة منظمات حقوقية دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECtHR) ضد مجموعة فاجنر الروسية بسبب انتهاكاتها في سوريا. إلّا أن روسيا قد أعربت بالفعل عن عزمها الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR)، وبالتالي من الولاية القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ويثير هذا تساؤلاتٍ حول ما إن كان سيتاح للمحكمة أصلًا فرصةٌ للفصل في هذه القضية، وما سيعنيه انسحاب روسيا لجهود المساءلة والسعي لملاحقة مجموعة فاجنر الروسية.

قام المركز السوري للعدالة والمساءلة في العام المنصرم بتقييم السبل السورية للانتصاف من روسيا في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وخلص المركز بعد ذلك إلى أنه على الرغم من القضايا الجديدة التي أحيَت الآمال في مساءلة روسيا قانونيًّا على تورطها العسكري في سوريا وعلى انتهاكاتها للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إلا أن إعراض روسيا عن تنفيذ أي تغييرات في السياسات أو القوانين، أو دفع تعويضات للضحايا، استجابة لأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، يجعل الإجراءات أمام المحكمة رمزية لا أكثر. يتناول المقال آفاق قضية فاجنر أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ضوء طرد روسيا من مجلس أوروبا (CoE) والتبعات العملية المترتبة على القضايا الأخرى ضد روسيا في المحكمة والتي تتعلق بسوريا.

دور فاجنر في سوريا

ربما يكون مصطلح "الإنكار المعقول" هو الأكثر استخدامًا لوصف العلاقة بين الحكومة الروسية والشركة العسكرية الخاصة (PMC)، مجموعة فاجنر. المجموعة غير مسجلة رسميًّا في روسيا أو أي مكان آخر في العالم، وبما أن القانون الروسي يجرم الارتزاق، فإن الحكومة الروسية تنفي مرارًا أي صلة لها بالشركة. تأسست الشركة قُبَيل ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم ومازالت تشارك في العمليات العسكرية الروسية في البلاد منذ ذلك الحين. ووفقًا لمعلومات الاستخبارات الأوكرانية، فإن لدى فاجنر صلة مباشرة بالجيش الروسي. كما أن مجموعة فاجنر متورطة أيضًا في الصراع السوري. وكان من جملة ما شارك فيه أعضاؤها معركة بالأسلحة النارية مع القوات الأمريكية في دير الزور عام 2018، ووفقًا للبحث الذي أجراه "المركز السوري للعدالة والمساءلة" مع "سوريين من أجل الحقيقة والعدالة"، ما زالت مجموعة فاجنر متورطة في تجنيد واستغلال السوريين كمرتزقة للقتال في الخارج.

هناك مقطع فيديو يعود إلى حزيران / يونيو 2017، تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2019 وحللته وكالة إعلامية روسية مستقلة، يُظهر أعضاء فاجنر وهم يضربون مواطنا سوريًّا ثم يقطعون رأسه ويحرقون جثته. تمثّل هذه المادة المتداولة صميم شكوى جنائية ضد مجموعة فاجنر قدمتها مجموعة من منظمات حقوق الإنسان التي تدعم شقيق الضحية الظاهر في مقاطع الفيديو. قررت المنظمات غير الحكومية أن ترفع الشكوى بداية إلى المحاكم الروسية المختصة. بيد أنهم لم يتوقعوا أن يباشر القضاء الروسي تحقيقًا. وقررت المنظمات غير الحكومية اللجوء إلى القضاء الروسي أولا، من أجل استنفاد سبل الانتصاف المحلية، وهو معيار رئيسي لمقبولية القضايا التي سترفع إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وفعلًا، رفض القضاء الروسي القضية، زاعما أن الدليل، أو على وجه التحديد مقطع الفيديو، ليس حقيقيًّا. ومن المرجح أن ترفض المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هذا المأخذ نظرًا لأن الأدلة الرقمية المفتوحة المصدر قد قُبلت في العديد من الحالات الناشئة عن النزاع السوري. بَيد أن السؤال يبقى ما إذا كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ستقبل سماع القضية بأي شكل من الأشكال.

عزم روسيا الانسحاب من الولاية القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان

بعد أن رفضت محكمة مدينة في موسكو القضية في مطلع عام 2022، تقدمت المنظمات غير الحكومية بطلب إلى المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورج. إلّا أن هذه العريضة جاءت بعد يوم واحد فقط من تمرير البرلمان الروسى، مجلس الدوما، مشروع قانونين ينصان على انسحاب روسيا، بناء على توقيع الرئيس بوتين، من الولاية القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ولن تنفذ أي قرارات أصدرتها المحكمة بعد 15 آذار / مارس 2022. كان هذا هو التاريخ الذي أعلنت فيه روسيا انسحابها من مجلس أوروبا بالتزامن مع إعلان المجلس عن طرد روسيا. وهذا مهم من حيث اختصاص المحكمة القضائي، حيث أن مجلس أوروبا لا يشرف على المحكمة فحسب، بل إن العضوية في مجلس أوروبا شرط أساسي للانضمام إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي تمنح بدورها هذا الاختصاص إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وبالتالي، فإن تصويت مجلس الدوما على هذين المشروعين يتناقض مع قرار صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 22 آذار / مارس 2022، والذي قضت فيه المحكمة بأن تحتفظ بالولاية القضائية على روسيا بشأن أي انتهاكات محتملة وقعت قبل 16 أيلول / سبتمبر 2022، بعد طرد روسيا من المجلس في 15 آذار / مارس 2022. وبذلك حددت المحكمة فترة انتظار مدتها ستة أشهر لكي تنسحب روسيا من المحكمة، بتطبيق المادة 58 (1) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وقد انتقد بعض المراقبين القانونيين الحكم ووصفوه بأنه متناقض حيث تم طرد روسيا من مجلس أوروبا مع سريان فوري في 15 آذار / مارس. ولهذا الحكم أثر عملي يتمثل في الإبقاء على أحد من غير الأعضاء في مجلس أوروبا خاضعًا للولاية القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وكيفما كانت الحال، يشير قرار مجلس الدوما بالإبقاء على سلطة المحكمة حتى 15 آذار / مارس، إلى أن روسيا غير معنيّة بهذه الجوانب الفنية. فمحض ما تسعى إليه روسيا هو التنديد فورًا بالاتفاقية وإنهاء الالتزامات المرتبطة بها من حيث اختصاص المحكمة.

نصرٌ افتراضي؟

هذا ما يقود إلى التساؤل عما سيحدث مع نحوٍ من 18000 طلب معلق ضد روسيا لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تشمل حاليًّا طلبًا متعلقًا بالتزامات روسيا ذات الصلة بانتهاكات مجموعة فاجنر في سوريا. وبناء على رفض روسيا المتكرر لتنفيذ أي تدابير أمرت بها المحكمة، وعلى خطاب المسؤولين الروس عند التصريح بأن قرارات المحكمة "غير قانونية" أو اتهامها لها بأن لديها أجندات معادية لروسيا، فمن المرجح أن تتوقف روسيا عن التعامل مع المحكمة على الفور. وعملًا بالمادة 44ج من قواعد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإنه يجوز للمحكمة أن تمضي قُدمًا في الإجراءات حسبما تراه مناسبًا، في الحالات التي لا تشارك فيها الدولة المدعى عليها بشكل فاعل في الإجراءات. وأشارت المحكمة نفسها في قرارها إلى أنه لا توجد سابقة قضائية نصت على طرد دولة متعاقدة من مجلس أوروبا وإزالتها من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. لا تزال النتيجة غير واضحة، ولكن قد تقرر المحكمة إصدار قرارات لصالح المدعين في غياب الدولة المدعى عليها.

تشير صياغة القرار أيضًا إلى أن المحكمة ستقبل تقديم طلبات ضد روسيا حتى بعد 16 أيلول / سبتمبر 2022، طالما أنها تتعلق بانتهاكات مزعومة سبقت طرد روسيا النهائي من المحكمة. وهذا يثير مزيدًا من الريبة في النواحي العملية، وليس من الواضح كيف ستستمع المحكمة إلى القضايا المتعلقة بروسيا إذا كان القاضي الروسي، الذي يشارك عادةً كحكم في القضايا المتعلقة بروسيا، أو القاضي الخاص الذي اقترحته روسيا لن يشارك في الإجراءات. وقد يعني هذا أن الدَّرب إلى مساءلة روسيا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سوف ينتهي فعليًّا في 16 أيلول / سبتمبر 2022. وإذا ما نحينا هذا الاعتبار جانبًا، فإن أي أحكام تصدرها المحكمة دون مشاركة روسيا يمكن أن تضر بشرعية المحكمة وتقلل في نهاية المطاف من القيمة الرمزية للقرارات.

الخاتمة

قد يؤول مصير القضية المرفوعة ضد مجموعة فاجنر في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى الفشل منذ البداية. وسيتعيّن على المحكمة نفسها أن تعالج أوجه الريبة عقب طرد روسيا من مجلس أوروبا في موعد أقصاه 16 أيلول / سبتمبر 2022، وهو تاريخ الانقضاء الذي حددته المحكمة. وبصرف النظر عن التبعات العملية المحتملة لتلك الأوجه، فحتى لو أصدرت المحكمة قرارًا إيجابيًّا في قضية فاجنر، لن يكون له سوى قيمة رمزية بالنسبة للسوريين، ولن يؤدي إلى أي تغييرات في السياسات أو القوانين من جانب روسيا.

عوضًا عن ذلك، قد يكون للعقوبات الاقتصادية تأثير عملي أكبر على الأفراد الروس بسبب الانتهاكات المرتكبة في سوريا. ففي الوقت الذي تفتقر فيه العقوبات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي أو دول أوروبية أخرى، كالمملكة المتحدة، إلى رَونَق قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن لها آثارًا أكثر عملية وعاجلة على الجناة المزعومين أو المنتسبين إلى جناة مزعومين ينتهكون الاتفاقية. على سبيل المثال، في قراره الصادر في كانون الأول / ديسمبر 2021 بفرض عقوبات على مجموعات فاجنر وثمانية أفراد تابعين لها وثلاثة كيانات، أشار مجلس أوروبا بصريح العبارة إلى انتهاكات فاجنر الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي تشمل ترهيب المدنيين والقتل التعسفي، إلى جانب انتهاكات أخرى في سوريا.

عند تقرير السوريين لما ينبغي عليهم متابعته من تدابير المساءلة، سواءً أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أو غيرها، يجب أن يواصلوا التفكير مليًّا في القيمة الرمزية لحكم قضائي واعد، في مقابل العواقب العملية على الجناة المزعومين. هناك متّسع لكليهما في العدالة والمساءلة. ولكن ينبغي على السوريين المشاركين في مثل هذه العمليات أن يكونوا مطّلعين بشكل كامل قبل الانخراط في مثل هذه الجهود.

__________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.