العفو والمساءلة: العدالة في سوريا ما بعد الأسد
خلال الأسابيع الستة التي مرت منذ سقوط بشار الأسد، ركزت حكومة تصريف الأعمال الجديدة في المقام الأول على الاحتياجات الفورية للشعب السوري. ومع ذلك، اتخذت الحكومة أيضًا قرارات رئيسية تثير المخاوف بشأن الكيفية التي سيتعامل بها الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع مع العدالة والمساءلة عن الجرائم الماضية. وبما أن القرارات التي يتم اتخاذها اليوم ستصوغ بشكل فعال آليات العدالة المستقبلية في سوريا، فيجب على الشعب السوري وكذلك المجتمع الدولي مراقبة هذه القرارات المبكرة عن كثب والمطالبة بأن تضع الحكومة الحالية الأساس لعملية عدالة شاملة بقيادة سورية.
وزير عدل بعيد عن العدالة!
بعد وقت قصير من سقوط الأسد، عين الشرع شادي الويسي وزيرًا جديدًا للعدل، وهو القرار الذي يثير تساؤلات خطيرة حول التزام الشرع الحقيقي بالمساءلة. شغل الويسي سابقًا منصب قاضٍ في جبهة النصرة، المجموعة التي انبثقت عنها هيئة تحرير الشام. في هذا الدور، فرض الويسي نظاماً قانوناً جائراً بعيداً عن الثانون، وأفضل مثال على ذلك هو مقاطع الفيديو التي تظهر الويسي وهو يشرف على إعدام امرأتين أدينتا بالدعارة والإفساد في الأرض في يناير/كانون الثاني 2015.
ونظراً لماضي الويسي، فإن تعيينه يثير المخاوف بشأن كيفية حكم الشرع وتنفيذه للقانون في المستقبل، فضلاً عن الجرائم الماضية التي سيكون على استعداد لملاحقتها. وإذا كان لعمليات العدالة أن تنجح، فسوف يحتاج السوريون من جميع الخلفيات إلى الثقة في وزارة عدل محايدة. ومع تعيين الويسي، بدأت هذه الثقة تتضاءل بالفعل.
إن الشرع مدفوع اليوم إلى تجديد صورته أمام المجتمع الدولي، ولدى المجتمع الدولي فرصة مهمة لإثبات أن المساعدات والدعم الدوليين لسوريا الجديدة سوف يقومان على احترام حقوق الإنسان والمحاسبة الجادة للجرائم الماضية. ولإرساء الأساس لعمليات العدالة المستقبلية، يتعين على الشرع أن يعزل الويسي من منصبه ويعين وزير عدل قادر على العمل كقيادي موثوق به ومحايد لتطوير عمليات العدالة.
العدالة أو "الانتقام"
في الأسبوع الماضي، أجرى الشرع مقابلة مع اليوتوبر الشهير جو حطاب، حيث ناقش الشرع وجهات نظره بشأن تقاطع العفو والمساءلة والسلام. وفي حين يشير الشرع في الفيديو إلى الحاجة إلى تحقيق العدالة لبعض الجناة (يذكر حراس سجن صيدنايا كمثال ضمن أمثلة أخرى)، فإنه في نهاية المطاف يضع السعي إلى تحقيق العدالة في تعارض مباشر مع الحاجة الأكبر لإعادة بناء سوريا.
في منتصف المقابلة الواسعة النطاق تقريبًا، بدأ الشرع في مناقشة العفو الذي عرضته هيئة تحرير الشام على جنود حكومة الأسد في التاسع من ديسمبر/كانون الأول. ووفقًا للشرع، فإن إصدار العفو منع المزيد من إراقة الدماء، حيث تمكن جنود الأسد من الاستسلام دون خوف. ويؤكد الشرع أنه إذا ألغي هذا العفو، فإن مصداقية الحكومة الجديدة سوف تكون موضع شك. وكما قال: "لقد أعطينا الناس كلمتنا ولا يمكننا التراجع عنها الآن".
طوال المقابلة، يتردد الشرع أيضًا بشأن من قد يكون هدفًا لعمليات المساءلة. وبينما يقدم أمثلة على من يجب محاكمتهم في مناسبات متعددة، فإنه في النهاية يذكر أن العفو يجب أن يكون شاملاً، و"إذا كان المتهم من بين أولئك الذين شملهم العفو أثناء الحرب، فإن واجبنا الأخلاقي والديني والشرعي والمنطقي هو أن نقول إنه هذا الحق قد ذهب".
في نهاية المطاف، لن يكون من الممكن محاكمة كل فرد ارتكب جرائم أثناء الصراع السوري. وسوف يكون من الضروري اتخاذ القرارات بشأن من سيتم توجيه الاتهام إليه ومن سيُتم مسامحته، وقد يكون العفو قصير الأمد وسيلة مناسبة للحكومة المؤقتة لمعالجة الاحتياجات الأكثر إلحاحًا. ومع ذلك، لا يمكن أن يقع قرار إصدار عفو شامل على عاتق الشرع، بل يجب أن يصنعها الشعب السوري من خلال عملية عدالة تشاركية.
في المقابلة، يناقش الشرع بعد ذلك التوازن بين "الحقوق الفردية" والعفو، مشدداً على ضرورة إعطاء الأولوية لإعادة بناء البلاد. ويوضح: "لذا، إذا كانت المطالبات بالحقوق الشخصية تشوّش على هذه العملية، فإنني أقول إن بناء البلاد له الأولوية". هذا التفكير خاطئ للغاية. أولاً، الجرائم المرتكبة في سوريا تتجاوز الضحايا الأفراد. إن قبول أسس القانون الدولي يعني قبول فكرة أن بعض الجرائم منهجية وشنيعة لدرجة أنها في الواقع جرائم ضد الإنسانية، وتمتد إلى ما هو أبعد من الضحية والجاني الفرديين. طوال المقابلة، يؤطر الشرع قضايا العدالة باعتبارها "انتقامًا" فرديًا، مما يقلل من خطورة الجرائم المرتكبة ضد الشعب السوري.
وعلاوة على ذلك، فإن الشرع، بوضعه السعي إلى تحقيق العدالة في معارضة مباشرة للرغبة في "إعادة بناء" البلاد، يخلق مقايضة زائفة. فهو يقول: "لقد أعدنا إليكم كل سوريا. وأعدنا إليكم أعظم حق... لذا لا يمكنكم إهدار هذه الفرصة العظيمة لمجرد الانتقام". إن الاقتراح بأن المساءلة، أو "الانتقام"، من شأنه أن يقوض السلام الجديد هو تكتيك تخويف مصمم لمنع الناس من المطالبة بالعدالة. وعلاوة على ذلك، فقد ثبت تاريخياً أن هذا غير صحيح. والواقع أن البلدان التي تفشل في التعامل مع إرثها من الجرائم التاريخية، مثل لبنان المجاور، غالبا ما تفشل في تحقيق السلام الدائم.
يتعين على الشعب السوري وأنصاره الدوليين أن يرفضوا بحزم إطار الشرع وأن يستمروا في المطالبة بالعدالة التي طالبوا بها على مدى العقد والنصف الماضيين. إن عملية العدالة الانتقالية الشاملة لا تتعارض مع بناء سوريا مستقرة ــ بل هي في الواقع شرط أساسي لذلك.
*تمت صياغة كلمات أحمد الشرع باللغة العربية الفصحى مع الحفاظ على دقتها وسياقها قدر الإمكان. المقابلة كاملة متاحة على يوتوب.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.