لا تزال سوريا غير آمنة رغم التغطية الإعلامية المضللة لقرار المحكمة الألمانية
في آب/أغسطس الماضي، قَضت المحكمة الإدارية العليا في مونستر (OVG) بأن سوريا لم تعد عمومًا دولة غير آمنة، مما أثار ضجّة إعلامية. وقد وصفت بعض وسائل الإعلام هذا القرار بأنه نقطة تحول للاجئين والمهاجرين، مما أثار مخاوف السوريين الذين يخشون الترحيل. لكن القرار الفعلي أكثر تعقيدًا مما أظهرته التقارير الإعلامية؛ فعلى الرغم من أن هذا القرار قد يؤثر على حالات اللجوء المستقبلية، فإنه لا يُشير إلى تغيير فوري في السياسات الألمانية، ولا يمهّد الطريق لترحيل السوريين إلى بلدهم.
وقائع القضية
تتعلق القضية التي نُظرت أمام محكمة مونستر بلاجئ سوري وصل إلى ألمانيا عام 2014. وقد رفض المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) منحه صفة لاجئ والحماية الثانوية على خلفية إدانة سابقة له في النمسا بتهم تهريب عدد من الأشخاص من تركيا إلى أوروبا. وقد نفى اللاجئ هذه التهم، إلا أن المحكمة قضت عليه بحكم نهائي، وقد قضى بالفعل محكوميته.
ورغم رفض منح المدعي صفة لاجئ أو حماية ثانوية، فقد حصل على شكل من أشكال الحماية؛ إذ منحه المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين حماية دولية بناءً على حظر التعذيب المستند إلى مبدأ عدم الإعادة القسرية، والذي يرقى إلى "حظر الترحيل" بموجب القانون الألماني. وهذا يعني أن استمرار خطر التعرض للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة اللاإنسانية والمهينة في سوريا يجعل الترحيل إليها انتهاكًا للمادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وبالتالي يبقى ممنوعًا. لذلك، سُمح للمدعي بالبقاء في ألمانيا لتجنب ترحيله إلى سوريا.
وبما أن حظر الترحيل يُعدّ أدنى مستوى للحماية؛ إذ إنه يحد من الوصول إلى حقوق عدة من بينها لمُّ شمل الأسرة، ادعى المدعي أن حقوقه انتُهِكت. فلجأ إلى المحكمة سعيًا للحصول على وضع قانوني يتيح له حماية أقوى؛ أي بمنحه صفة لاجئ في أفضل الأحوال أو حماية ثانوية على الأقل. وفي البداية صدر حكم لصالحه من محكمة إدارية أدنى درجة، إذ منحته تلك المحكمة صفة لاجئ، لكن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين استأنف الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا في مونستر. فألغت المحكمة الإدارية العليا قرار المحكمة الإدارية الأدنى درجة، وأيدت القرار الأصلي الصادر عن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، رافضة منح المدعي صفة لاجئ أو حماية ثانوية، مع الاكتفاء بالحماية الممنوحة بموجب مبدأ حظر الترحيل.
وبصفتها قاعدة عامة، يمكن لطالب اللجوء رفع دعوى أمام محكمة إدارية أدنى درجة بعد أن يُصدِر مكتب الهجرة واللاجئين قراره الأولي بشأن طلب اللجوء. وإذا استؤنف الحكم الصادر عن المحكمة الأدنى درجة، يُنظر فيه أمام محكمة إقليمية عليا، مثل المحكمة الإدارية العليا في مونستر. ويجب إعلان قبول الاستئناف ضد حكم المحكمة الإدارية العليا أولًا قبل أن يُنظر فيه أمام المحكمة الإدارية الاتحادية. وفي القضية الحالية، أعلنت المحكمة الإدارية العليا أن الاستئناف غير مقبول لأن حكمها لم يتعارض مع السوابق القضائية. وكان الإجراء الوحيد المتاح للمدعي في القضية الحالية هو الطعن في قرار عدم قبول الاستئناف، لكن هذا الطعن لم تكن له أي فرصة للنجاح.
حكم المحكمة الإدارية العليا في مونستر
في حكمها الذي جاء في 80 صفحة، حلّلت المحكمة الأسس المختلفة التي يمكن أن تمنح المدعي حماية دولية. ورفضت استئنافه للحصول على صفة لاجئ على أساس أنه لا يواجه تهديدًا حقيقيًا بالاضطهاد في سوريا، بالإضافة إلى إدانته السابقة، والتي تحول دون حصوله على صفة لاجئ.
ثم توجهت المحكمة الإدارية العليا في مونستر إلى النظر في الحماية الثانوية. وبموجب المادة 4 (1) من قانون اللجوء الألماني، تقوم الحماية الثانوية على ثلاثة أسس: (1) خطر التعرض لعقوبة الإعدام؛ (2) التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية؛ (3) العنف العشوائي المرتبط بالنزاعات المسلحة. وعادةً ما يَمنح المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين أغلب السوريين هذه الحماية بسبب احتمال التعرض للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية في سوريا. لكن المحكمة الإدارية العليا في مونستر ركزت في قرارها على العنف في حالات النزاع، أي على الأساس الثالث.
حلّلت المحكمة الإدارية العليا في مونستر مصادر مختلفة من الوكالات الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان. وخلصت إلى أنه لم يعد هناك "تهديد فردي خطير على حياة المدنيين أو سلامتهم الجسدية نتيجة العنف العشوائي في سياق نزاع داخلي"، ليس فقط في الحسكة، بل أيضًا في عموم سوريا. وعليه، أشارت المحكمة إلى أن سوريا لم تعد تُوصف بأنها "غير آمنة" عمومًا فيما يتعلق بالحماية الثانوية بسبب العنف المرتبط بالنزاع. ورغم أن هذا الاستنتاج مثير للقلق، فإنه لا يمثل تغييرًا كبيرًا، إذ إن السلطات الألمانية كانت قد توقفت بالفعل عن منح الحماية للاجئين بناءً على مخاطر تتعلق بالحرب الأهلية.
وفي قراره، أشار المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين إلى أن السوريين العائدين لا يزالون عرضة لخطر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وقد منحهم عمومًا الحماية الثانوية على هذا الأساس. إلا أن المحكمة الإدارية العليا في مونستر رفضت هذا المستوى من الحماية عند النظر في الاستئناف. ويستند هذا الاستنتاج الأخير إلى أسس واقعية هزيلة، مما يستدعي مزيدًا من التدقيق.
جمع الوقائع بطريقة انتقائية
جَمَعت المحكمة الإدارية العليا في مونستر الحقائق بطريقة انتقائية في حكمها حول معاملة العائدين السوريين، وتجاهلت معلومات أساسية من مصادر موثوقة، مثل وزارة الخارجية الألمانية ووكالة الاتحاد الأوروبي للجوء (EUAA) ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش. فعلى سبيل المثال، تجاهلت المحكمة تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2021 الذي وثق تجارب 66 عائدًا شهاداتهم مؤكدة من خبراء، كما تجاهلت نتائج منظمة هيومن رايتس ووتش المستندة إلى 65 مقابلة مع عائدين. وقالت المحكمة إن عدد المقابلات قليل جدًا ليمثل عينةً من 280 ألف سوري عادوا بين عام 2016 وعام 2021. إلا أنها لم توضح ما هو العدد الكافي من المقابلات لضمان إجراء منظمات حقوق الإنسان تحليلًا موثوقًا، ولم تعطِ وزنًا كافيًا لمصداقية الأدلة الواردة في التقارير. وبالتالي، قد يكون رفض المحكمة لهذه الأدلة قد قلل من تقدير المخاطر المحتملة التي يتعرض لها مقدِّم الطلب كما ورد في التقارير المختلفة.
ويصبح تجاهل المحكمة هذا أكثر إثارةً للتساؤلات عند مقارنة الأدلة التي استندت إليها في تقييم معاملة العائدين السوريين: تقرير وحيد صادر عن دائرة الهجرة الدنماركية (DIS). ودون النظر بعمق في سياق هذا التقرير، خلصت المحكمة الإدارية العليا في مونستر إلى أنه "معقول، لأنه [التقرير] قريب من الواقع" المتمثل في عدم تعرض العائدين السوريين للاضطهاد عند عودتهم. علاوة على ذلك، اقتبست المحكمة من محاضر الاجتماعات المرفقة بطريقة انتقائية، متجاهلة أي معلومات تعارض موقفها. وتوجد معلومات قليلة إضافية حول كيفية تحقق القضاة من الحقائق على أرض الواقع في سوريا. كما فشلت المحكمة الإدارية العليا في مونستر في تبرير سبب تعاملها مع دائرة الهجرة الدنماركية على أنها مصدر محايد وموثوق. ووفقًا لعدة تقارير، كثّفت الدنمارك جهودها لرفض منح السوريين الحماية والإقامة وسحبت بالفعل حماية العديد منهم. وقد انتقدت جهات فاعلة في المجتمع المدني دائرة الهجرة الدنمركية علنًا بسبب إساءة استخدامها للمعلومات.
وكانت المحاكم الألمانية قد تعرضت سابقًا لانتقادات؛ بسبب إشارتها الانتقائية إلى تقارير الدول في أحكامها المتعلقة بسوريا لتبرير مواقفها المتبناة. إلا أن هذا الحكم يثير مخاوف جادة حول المعايير المزدوجة التي تتبعها المحكمة الإدارية العليا في مونستر بتجاهلها لمعلومات واسعة مقدمة من المجتمع المدني واعتماد الحكم الذي أصدرته في المقابل على أساس واقعي هزيل. ومن المؤسف أن تبريرات المحكمة الإدارية العليا في مونستر تتعارض مع السجل الواقعي المثبت، ويجب أن ترفضها المحاكم الألمانية والأوروبية الأخرى.
لا توجد أي منطقة آمنة للعودة في سوريا
إن تأكيد المحكمة الإدارية العليا في مونستر بأن سوريا ليست غير آمنة عمومًا (أي إنها تعد آمنة) حتى من زاوية العنف العشوائي، قد تكون له تداعيات كبيرة في ألمانيا وخارجها. فالرأي القائل بأن سوريا يمكن وصفها بأنها آمنة يزداد شعبية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، إذ تمارس بعض الدول الأعضاء ضغطا للاعتراف ببعض أجزاء سوريا على أنها "مناطق آمنة" على المستوى السياسي. وقد أسهم هذا الحكم في تأجيج هذا الجدل، مما وفر أسسًا ظاهرية لادعاءات تشير إلى أن المحاكم بدأت تمهد الطريق لعمليات الترحيل. ولكن يجب التأكيد على أن المحكمة لم تأذن بعمليات الترحيل إلى سوريا، وأي ادعاء بعكس ذلك هو غير صحيح من الناحية الواقعية. وتعد معالجة هذا الطرح أمرًا مهمًّا جدًّا؛ إذ إن سوء تفسير الحكم قد يؤدي إلى خلق سابقة خطيرة قد تقوض حقوق الحماية للسوريين في جميع أنحاء أوروبا.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.