1 min read
حملات ترحيل مكثّفة ينفّذها كل من لبنان وتركيا تزامناً مع تعهدات الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات مالية

حملات ترحيل مكثّفة ينفّذها كل من لبنان وتركيا تزامناً مع تعهدات الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات مالية

شهدت السنوات القليلة الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في المشاعر المُعادية للاجئين، وخاصة في لبنان وتركيا اللتينِ تستضيفان أكبر عدد من اللاجئين السوريين. إلا أن شهر نيسان/أبريل 2024 شهد انطلاق حملات ترحيل غير مسبوقة، تزامنت على ما يبدو مع مؤتمر بروكسل الثامن الذي عُقِد في 27 أيار/مايو. يُعنى هذا الاجتماع الدولي السنوي، الذي ينظّمه الاتحاد الأوروبي، بالأزمة الإنسانية المستمرة في سوريا، ويبحث القضايا المختلفة التي تواجه الدول المجاورة المُضيفة للاجئين السوريين، ويعرض فرص تقديم الدعم المالي لهذه المجتمعات المضيفة.

لبنان

يُعتقد على نطاق واسع أن جريمة اختطاف وقتل باسكال سليمان، وهو مسؤول في حزب القوات اللبنانية بمدينة جبيل والتي وقعت في شهر نيسان/ أبريل الماضي، كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الحملة الحالية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، وأدّت إلى تصاعد المشاعر المعادية لهم. وأبرزت هذه الحادثة سرعة انقلاب المدنيين والسياسيين اللبنانيين ضد اللاجئين السوريين في البلد. إذ إنه عقب إعلان الجيش اللبناني أن الجُناة يُشتبه في أنهم من حملة الجنسية السورية، تعرض اللاجئون السوريون لموجة من الاعتداءات العشوائية على يد أنصار الحزب، ووُثِّقَت دعوات تطالب بترحيل اللاجئين السوريين على نطاق واسع في مختلف المدن اللبنانية.

وفي نيسان/ أبريل الماضي، أصدرت السلطات اللبنانية، بمن فيهم وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، تصريحات مفادها أن وجود اللاجئين السوريين في لبنان يجب "أن يكون محدوداً"، وشدّدوا على ضرورة تطبيق الأجهزة الأمنية للقوانين اللبنانية المتعلقة بالنازحين السوريين في البلد بحزم. وقد شهد خطاب مُعاداة اللاجئين هذا تصعيداً ملحوظاً قبيل انعقاد مؤتمر بروكسل الثامن، ويُرجّح أن يكون ذلك بمثابة إستراتيجية سياسية للضغط على الجهات المانحة الدولية لتوجيه المساعدات المالية إلى لبنان بهدف تحقيق الاستقرار. وقد سبق للمركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC) أن وثّق هذا الارتباط في عام 2023، إذ لاحظ نمطاً مشابهاً من تصاعد المشاعر المعادية للاجئين، تزامناً مع مؤتمر بروكسل السابع.

في إطار هذه الحملة، شنّ الجيش اللبناني في 8 أيار/ مايو عدة مداهمات على مخيمات اللاجئين في منطقة البقاع، حيث فُكِّكت الخيام وصودرت الممتلكات واعتُقِل عدد من اللاجئين السوريين بشكل تعسفي وواجهوا احتمال الترحيل. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أعلنت المديرية العامة للأمن العام اللبناني في 9 أيار/ مايو عن سلسلة إجراءات غير مسبوقة تستهدف اللاجئين السوريين، من بينها وقف إصدار أو تجديد تصاريح الإقامة على أساس عقود إيجار المنازل أو الكفالات. وشدّد الأمن العام أيضاً على أن المواطنين ممنوعون من تشغيل أو إيواء أو توفير أماكن إقامة للسوريين الذين يقيمون بشكل غير قانوني في لبنان، وذلك تحت طائلة التهديد بعقوبات إدارية وقضائية. كما وجّه البيان السلطات المعنية بإغلاق جميع المؤسسات المخالفة لهذه التعليمات، بالإضافة إلى المحلات التجارية التي يُديرها أو يستثمر فيها مواطنون سوريون، وذلك لمخالفتها قانون العمل اللبناني. وبعد هذا البيان، وُثِّقَت مداهمات نفّذها الأمن العام على الشركات في جميع أنحاء البلد، وأُغلِقَت العديد من المحال التجارية التي يملكها سوريون.

إلى جانب عمليات الترحيل القسري، تروّج السلطات اللبنانية أيضاً لـ"العودة الطوعية" للاجئين، مثل حادثة عودة 330 لاجئًا في أيار/ مايو 2024. تعتمد آلية العودة هذه على التنسيق بين السلطات السورية واللبنانية، إذ تُرسَل أسماء الأفراد الذين يسجِّلون للعودة الطوعية إلى الحكومة السورية للموافقة عليها. إلا أن عدم الشفافية الذي يحيط بهذه العملية يثير تساؤلات حول مدى طوعية هذا المسار للعودة. ويزيد المناخ المُعادي للاجئين في البلد من الشكوك حول ما إذا كان الأفراد الذين يسجّلون للعودة الطوعية قد أُجبروا على ذلك، أم اتخذوا قرارهم بناءً على معلومات مُضلّلة حول الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وهو مصدر قلق وثّقته منظمة العفو الدولية في تقرير لها صدر عام 2022.

طالت حملة الترحيل الحالية أيضاً سجناء سوريين في لبنان. ففي آذار/ مارس، رحّلَت المديرية العامة للأمن العام اللبناني سجيناً سورياً (الوعر) بعد أن قضى عقوبته في سجن رومية، وذلك وفقاً للقانون اللبناني الذي ينص على ترحيل المواطنين السوريين المُدانين بجرائم خطيرة. وأدّت هذه الحادثة إلى إقدام أربعة سجناء سوريين آخرين في سجن رومية، بمن فيهم شقيقا الوعر، على محاولة شنق أنفسهم خوفاً من الترحيل والاعتقال المُحتمل في سوريا. ويواجه اللاجئون الذين يُرحَّلون قسراً مخاطر جسيمة عند عودتهم، وخاصة النشطاء المعارضين والأفراد المنشقّين عن الجيش، الذين يتعرضون للاعتقال التعسفي والتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة على يد الحكومة السورية.

تركز حملة الحكومة اللبنانية الحالية بشكل أساسي على جهود إعادة اللاجئين، والتي تشمل حملات الترحيل القسري والمداهمات وتطبيق سياسات تمييزية. ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية بعدد اللاجئين الذين رُحِّلوا قبل مؤتمر بروكسل الثامن، إلا أن حملة الترحيل استمرت على ما يبدو خلال شهري نيسان/ أبريل وأيار/ مايو، بعد انعقاد المؤتمر ولكن بشكل خاص قبل الاجتماع الوزاري الذي تعهّد فيه الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات مالية إلى سوريا والمجتمعات المُضيفة للاجئين. وبحسب وكالة رويترز، رَحَّلَ الجيش اللبناني أكثر من 400 مواطن سوري في شهر أيار/ مايو. بالإضافة إلى ذلك، أفاد مصدر للمركز السوري للعدالة والمساءلة بأن نحو 100 سوري قد رحِّلوا في حملة أخيرة عبر معبر الدبوسية الحدودي بالقرب من حمص. وفي حين أُعيد عشرة من المُسنّين إلى لبنان، فقد اعتُقِل الـ90 الباقون على يد المخابرات العسكرية السورية لاستجوابهم لدى دخولهم البلد. وتثير هذه الممارسة قلقاً بالغاً، إذ يُحتمل أن يتعرض العائدون للاعتقال التعسفي والتعذيب على يد أفرع مختلفة من المخابرات في سوريا. ويثير استمرار عمليات الترحيل بعد مؤتمر بروكسل مخاوف حول الوضع الميداني وفعالية المناقشات والتعهدات الدولية التي قُدّمت خلال المؤتمر، وخاصة أن النمط المتّبَع يشير إلى أن لبنان كثّف حملة الترحيل في نيسان/ أبريل وأيار/ مايو، بهدف الضغط على الاتحاد الأوروبي للحصول على تمويلات مخصصة للاجئين.

في حين أن لبنان ليس طرفاً في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 أو برتوكولها لعام 1967، وهما المعاهدتان الدوليتان الرئيسيتان اللتان تحكمان حماية اللاجئين ومبدأ عدم الإعادة القسرية، فإن الدولة مُلزَمة بمبدأ عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي العرفي، وبموجب حظر إعادة أو طرد الأفراد إلى مكان تتعرض فيه حياتهم أو حريتهم للخطر. علاوة على ذلك، وبصفته دولةً طرفاً في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة، يلتزم لبنان بالمادة رقم 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تحظر بشكل قاطع إعادة أي شخص إلى دولة أخرى إذا توفّرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب. ويعزز هذا التزام لبنان بعدم ترحيل اللاجئين السوريين، إذ قدّمت مصادر موثوقة كافية أدلّةً تثبت وجود خطر حقيقي بتعرض العائدين للتعذيب أو سوء المعاملة.

تركيا

تزامناً مع حملة الترحيل التي ينفذها لبنان، رُحِّل حوالي 100 لاجئ سوري مؤخراً من تركيا إلى سوريا. وتُعد عمليات الترحيل على ما يبدو جزءاً من حملة ممنهجة تستهدف اللاجئين السوريين في جميع أنحاء البلد. وتكشف إفادات سوريين جمعتها صحيفة عنب بلدي أن السلطات تستهدف اللاجئين الذين يحملون تصاريح "الحماية المؤقتة" وترحِّلهم إلى مدينة تل أبيض شمال شرقيّ سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي. وعلى الرغم من أن الحكومة التركية تروّج لمدينة تل أبيض على أنها "منطقة آمنة"، إلا أن المنطقة التي تخضع للسيطرة التركية في تل أبيض تعاني أوضاعاً إنسانية صعبة. وحسب توثيق أجرته منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن عمليات الإعادة إلى تل أبيض تُنفَّذ في الغالب بشكل إجباري وقسري.

عادةً ما يتزامن الخطاب المعادي للاجئين والسياسات المشددة المفروضة عليهم في تركيا مع فترات الانتخابات، إذ تؤثر الانتخابات الرئاسية والبلدية بشكل كبير على اللاجئين السوريين في البلد. يجادل النشطاء أن المشاعر المعادية للاجئين منتشرة على نطاق واسع في النظام السياسي التركي إذ إن معظم الأحزاب تدعم هذا التوجّه. وأفادت وسائل الإعلام عن حملة ترحيل مكثفة نُفِّذت في نيسان/ أبريل، رُحِّل فيها ما يقارب 16 ألف لاجئ سوري عبر معابر حدودية مختلفة. وعلى الرغم من عدم وجود دليل قاطع، إلا أن الحكومة التركية أظهرت نمطًا من تسريع عمليات الترحيل قبيل مؤتمر بروكسل، الذي عادةً ما تفيد تعهدات التمويل فيه تركيا بصفتها دولة مضيفة. إضافة إلى ذلك، فإن تحركات الدولة تتعارض بشكل صارخ مع المعايير القانونية الدولية. إذ يَحظُر مبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في اتفاقية مناهضة التعذيب والقانون الدولي العرفي، إعادةَ اللاجئين قسرياً إلى أماكن قد تتعرض فيها حياتهم أو حرياتهم للخطر، ما يعزّز مسؤولية تركيا القانونية بوقف حملة الترحيل ضد اللاجئين السوريين على الفور.

وفي خضمّ تصاعد المشاعر المعادية للاجئين والانتهاكات المتكررة لمبدأ عدم الإعادة القسرية في لبنان وتركيا على الرغم من تعهدات الاتحاد الأوروبي بتقديم المساعدات المالية لدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة، يجب على مجتمع المانحين الدوليين التأكد من أنّ أي مساعدة مالية للبنان وتركيا مشروطة بالالتزام بالقوانين الدولية التي تحظر الإعادة القسرية للاجئين إلى أماكن يواجهون فيها الاضطهاد أو الخطر. ويجب أن يشمل ذلك اعتماد آليات مراقبة قوية لضمان الامتثال. وينبغي على دول الاتحاد الأوروبي زيادة الضغط على لبنان وتركيا لوقف الترحيل، مع التعامل مع مفهوم العودة "الطوعية" في البلدين بأعلى مستوى من التدقيق.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.