حالات التأخير في إصدار جوازات السفر تهدّد الوضع القانوني للسوريين في الخارج
تهدّد "أزمة جوازات السفر" الوضع القانوني للسوريين في الخارج وتقيد حريتهم في التنقل. وازدادت صعوبة تجديد جوازات السفر بالنسبة للسوريين، مما يحول دون تمديد إقامتهم كلاجئين وطلاب وعمال أو حتى مغادرة بلد إقامتهم على الإطلاق. وفي الوقت نفسه، تُصعّب السلطات في البلدان المضيفة على اللاجئين السوريين إثبات طلبات لجوئهم من خلال استخدام وثائق صادرة عن الحكومة السورية. حيث تستفيد الحكومة السورية ماليًا من أزمة جوازات السفر منتهية الصلاحية، مما ينتهك حق السوريين في حرية التنقل ويهدّد سُبل الحماية القانونية لهم خارج البلد.
ازدادت التكلفة والوقت اللازمان لإصدار جوازات السفر السورية أو تجديدها بشكل كبير خلال العام الماضي بحسب ما استنتجته المجلة الإلكترونية "الجمهورية"مؤخرًا في تقرير جديد قيّم حول هذه المسألة. ويحدث هذا التأخير سواء كان السوريون يتقدمون بطلب في القنصلية السورية في الخارج أو داخل البلد. حيث يضطر السوريون إلى الانتظار لمدة تزيد عن ستة أشهر بعد تسليم جوازات سفرهم، في حين تذكر الحكومة أن وقت الانتظار المتوقع هو عدة أيام أو عدة أسابيع للخدمة المستعجلة والروتينية على التوالي. وبالنسبة لمن يحاولون إصدار جواز سفر أو تجديده خارج سوريا، فقد فرضت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين رسومًا قدرها 300 دولار للخدمة الروتينية و800 دولار للخدمة المستعجلة (مقارنة بـ 3-10 دولارات أمريكية للطلبات المقدمة من داخل البلد). وإن التكلفة الفعلية لطلبات جوازات السفر هي في الواقع أعلى بكثير، وغالبًا ما تصل إلى 1,500 دولار بسبب تكلفة استئجار السماسرة الذين يمكنهم الحصول على جوازات سفر بسرعة أكبر من خلال علاقاتهم في القنصليات. حتى أن قريب أحد موظفي المركز السوري للعدالة والمساءلة يعيش خارج سوريا اضطر إلى دفع ضعف هذا المبلغ، بعد السفر إلى بلد ثالث حيث كانت فترات الانتظار أقصر – ليجد أن جواز سفره كان صالحًا لمدة عامين فقط بدلًا من الستة أعوام الاعتيادية لأنه كان مطلوبًا من قبل أحد فروع أجهزة الأمن السورية. وبما أن ما يقرب من 70% من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر، يتعذّر تحمّل هذه النفقات بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين الذين يعيشون خارج البلد.
يلقي مسؤولو الحكومة السورية باللوم في تأخيرات إصدار جوازات السفر جزئيًا على العقوبات الدولية، التي يقولون إنها قيّدت الوصول إلى المواد الورقية اللازمة لطباعة جوازات السفر. غير أن هذا الادّعاء مشكوك فيه نظرًا لأن السماسرة تمكنوا مرارًا وتكرارًا من الحصول على جوازات سفر بعد دفع ما يكفي من الرشاوى للمسؤولين الحكوميين. وفي حين لا يوجد دليل حتى الآن على أن الحكومة السورية هي من تدبر أزمة جوازات السفر، فإن الفوائد المالية التي تجنيها من السوريين الذين أجبروا على دفع مقابل الخدمة المستعجلة – التي تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات على الأقل – لا يمكن إنكارها. حيث توفّر رسوم جوازات السفر مصدرًا إضافيًا للعملة الأجنبية للحكومة السورية التي تفتقر إلى السيولة النقدية، والتي اتبعت مؤخرًا سياسات أخرى تهدف إلىتحصيل إيرادات من اللاجئين السوريين.
ويضطر السوريون إلى دفع الرسوم الباهظة التي تترتب على التقدم بطلب للحصول على جوازات سفر في الخارج لتجنب المخاطر الأمنية التي تصاحب تقديم الطلب داخل سوريا. ولأن وزارة الداخلية تشرف على طلبات جوازات السفر داخل البلد، فإن مقدمي الطلب أو أفراد العائلة الذين يقدّمون الطلبات نيابة عنهم يخضعون لمراجعات استخباراتية ويواجهون خطر الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري. ومع ذلك، فإن التقدّم بطلب خارج البلد لا يزال يحمل مخاطر أمنية. وعلى الرغم من أن الحكومة السورية لم تُجرِ مراجعات استخباراتية لطلبات جوازات السفر في الخارج منذ عام 2015، إلا أنه يتعين على مقدمي الطلب تقديم شهادات مسجلة بالفيديو. حيث يسمح هذا المحتوى الرقمي للحكومة السورية بتحديد الموقع الجغرافي لمواطنيها الذين يعيشون في الخارج، مما يسهل مواصلة مراقبةأولئك الذين تشتبه في انشقاقهم أو الذين تتهمهم بمغادرة سوريا بشكل غير قانوني.
ويهدّد تأخير إصدار جوازات السفر الوضع القانوني للسوريين في الخارج، العاجزين عن تجديد جوازات سفرهم لإثبات هويتهم وتمديد إقاماتهم المؤقتة. حيث أن ما يقرب من 100,000 سوري لجأوا إلى تركيا بموجب إقامات سياحية، على سبيل المثال، لا يمكنهم تمديد وضعهم القانوني دون جوازات سفر سارية المفعول؛ وحتى إذا تمكنوا من تجديد جوازات سفرهم، فإنهم يُجبرون على السفر إلى السفارة السورية في إسطنبول للتصديق على هذه الوثائق بغض النظر عن مكان إقامتهم في تركيا. وبحسب مجلة "الجمهورية ''، فقد تم تغريم السوريين في مصر، بل واعتقالهم من قبل أجهزة الأمن المصرية بسبب انتهاء صلاحية جوازات السفر وتصاريح الإقامة الخاصة بهم. وفي مناطق ألمانيا حيث يتعين على اللاجئين السوريين تمديد وضع الحماية المؤقت سنويًا، أو أولئك الذين يرغبون في التقدّم بطلب للحصول على الجنسية الألمانية بعد استيفاء المتطلبات، وثّق المركز السوري للعدالة والمساءلة حالات تم فيها احتجاز سوريين تعسفيًا في سوريا في الماضي، ولكنهم غير قادرين على تقديم جوازات سفر سارية المفعول لسلطات الهجرة في ألمانيا. علاوة على ذلك، طلبت سلطات الهجرة في ألمانيا منهم إثبات حاجتهم للجوء من خلال تقديم أدلة موثقة على اعتقالهم، ولكن مثل هذه الطلبات قائمة على معلومات خاطئة بشكل خطير نظرًا لأن الحكومة السورية لا تعترف بقيامها باعتقال عشرات الآلاف من مواطنيها – ناهيك عن تفسير ذلك.
تشهد أزمة جوازات السفر تطورًا، حيث عملت الدول في جميع أنحاء أوروبا على تسريع عودة اللاجئين السوريين، على الرغم من أن البلد غير آمن للرجوع إليهوإن مثل هذه السياسات تنتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية. ويجب على الحكومة السورية أن تتيح جوازات السفر بسهولة وبأسعار معقولة لمواطنيها بغض النظر عن مكان إقامتهم أو توجههم السياسي المزعوم. حيث أن السماح باستمرار حالات التأخير هو انتهاك لحرية الحركة للسوريين، وهي حق أساسي من حقوق الإنسان. غير أنه لا ينبغي للدول التي تستضيف السوريين أن يحذوها الأمل، بالنظر إلى أن للحكومة السورية مصلحة مالية في استمرار هذا التأخير.
لذلك يجب على الدول المضيفة توفير التسهيلات اللازمة للسوريين من خلال تمديد أي شكل من أشكال الإقامة التي يستخدمونها وإلغاء متطلب تقديم الوثائق الصادرة عن الحكومة السورية كشرط للحصول على الإقامة القانونية. ويمثل مؤتمر بروكسل المرتقب لدعم سوريا فرصة للدول المانحة للضغط على الحكومة السورية لإصدار المزيد من جوازات السفر. ولكن بما أنه من شبه المؤكد بأن الحكومة السورية لن تغير سلوكها، ينبغي على الدول المضيفة في كل من أوروبا والدول المجاورة لسوريا إصدار وثائق للسوريين تسمح لهم بالسفر بحرية حسب الحاجة. حيث أن القيام بذلك سيمنع الحكومة السورية من الاستمرار في تحقيق ثروات من خلال هذه الأزمة، لأن السوريين لن يعتمدوا عليها بعد الآن للحصول على جوازات السفر. وإن إصدار وثائق السفر هذه هو أحد متطلبات اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ويجب على الدول الأطراف الوفاء به لجميع اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم، ومنهم أولئك الذين لم تكن لديها الرغبة في الاعتراف بهم كلاجئين حتى الآن.
__________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.