
غياب شروط العودة الطوعية الآمنة والكريمة إلى سوريا في الوقت الراهن
منذ سقوط حكومة الأسد، بدأت دول الاتحاد الأوروبي تُناقش بشكل علني إمكانية تصنيف سوريا كبلد آمن للعودة الطوعية للاجئين وطالبي الحماية. وقد قامت بعض الدول بالفعل في إجراء تغييرات في سياساتها، مثل اليونان وقبرص، وهما الدولتان الأكثر عدائية تجاه طالبي اللجوء السوريين داخل الاتحاد الأوروبي. فقد أنهتا سياسة الحماية الشاملة التي كانت سارية منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، وبدأتا برفض الطلبات، لا سيما المقدَّمة من الرجال العازبين القادمين من مناطق تُعتبر "آمنة" في سوريا.
ويشير استئناف معالجة الطلبات وما تلاه من رفض، إلى بداية عهد جديد أكثر تقييدًا لطالبي اللجوء السوريين في أوروبا. وإضافة إلى ذلك، عرضت عدة دول أوروبية مبالغ مالية مقطوعة لتشجيع السوريين على العودة والتخلي عن طلبات اللجوء؛ وقد تراوحت هذه المبالغ بين 1,700 يورو للعائلة في ألمانيا و900 يورو للفرد في هولندا.
تعكس هذه الإجراءات سوء فهم عميقًا للواقع القائم داخل سوريا، وللأسباب التي تحول دون تمكّن الكثير من السوريين من العودة الآمنة في الوقت الحالي.
في الوقت الراهن، لا يمكن اعتبار العودة إلى سوريا آمنة أو كريمة. فإلى جانب المخاوف المستمرة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لا تستطيع البُنية التحتية المدمَّرة في سوريا استيعاب تدفّق العائدين، الأمر الذي قد يُفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد. يقدّم هذا المقال لمحة عامة عن موقف الاتحاد الأوروبي تجاه العودة إلى سوريا، قبل أن يتناول قصور البنية التحتية والانتهاكات المستمرة لحقوق السكن والأرض والملكية في سوريا.
مواقف الاتحاد الأوروبي تؤكد أن سوريا غير آمنة للعودة
أيّد مجلس الاتحاد الأوروبي في استنتاجاته الرسمية تقييم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والذي أفاد بأنّ "الظروف في سوريا حاليًا لا تسمح بعمليات عودة طوعية على نطاق واسع، نظرًا للأوضاع الإنسانية والاقتصادية والأمنية."
يُعزّز موقف مجلس الاتحاد الأوروبي أيضًا تقرير وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء بشأن معلومات بلد المنشأ عن سوريا، والذي يسلّط الضوء على العوائق المستمرة أمام العودة المستدامة، بما في ذلك تدهور الأوضاع الاقتصادية، وانتشار البطالة، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية.
وتبرز فجوة واضحة بين السياسات التي تتبعها الدول الأعضاء منفردة على المستوى الوطني والموقف المعبر عنه جماعيًا داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وتستند معايير الاتحاد الأوروبي للعودة الطوعية إلى أطر دولية، مثل المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن النزوح الداخلي وإرشادات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول الإعادة إلى الوطن، والتي تؤكد على أن العودة يجب أن تتم في ظروف آمنة وكريمة. ويشمل ذلك ضمان السلامة الجسدية (الحماية من العنف وحرية التنقل)، والسلامة القانونية (المساواة في الحقوق وعدم التمييز)، والسلامة المادية (الوصول إلى الخدمات الأساسية وإعادة الإدماج المستدامة). كما تؤكد استراتيجية الاتحاد لعام 2021 على أهمية دعم إعادة الإدماج وضمان الوصول إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية كركائز أساسية لعودة كريمة.
إن الأوضاع الراهنة في سوريا لا تستوفي الحدّ الأدنى من هذه المتطلبات، وذلك بسبب الدمار الواسع في البنية التحتية، بما في ذلك القدرة الاستيعابية للسكن، والانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق السكن والأراضي والممتلكات.
انتهاكات حقوق السكن والأرض والملكية، وتدمير الممتلكات، والبنية التحتية، والقدرة الاقتصادية
فرّ أكثر من 6 ملايين سوري من البلاد منذ عام 2011، بالإضافة إلى ملايين النازحين داخليًا بسبب النزاع. وبنظرة سريعة إلى الوضع الراهن على الأرض تتوضح أسباب عدم حدوث عمليات عودة جماعية حتى الآن. إذ لن يعود السوريون إلى بلد يعاني فقط من عدم الاستقرار السياسي والعنف المستمر والانتهاكات التعسفية لحقوق الإنسان، بل أيضًا إلى بلد مدمر ماديًا، حيث البنية التحتية الأساسية منهارة والظروف اللازمة لاستدامة الحياة الإنسانية غائبة إلى حد كبير.
ووفقًا لدراسة أجراها البنك الدولي عام 2021 حول أضرار البنية التحتية في 14 مدينة سورية، من بينها حلب وتدمر والرقة، قُدّر إجمالي الأضرار التي لحقت بقطاع الإسكان بين 2.3 و2.8 مليار دولار. ويُعتقد أنّ النزاع أثر على نحو 210,000 وحدة سكنية، منها حوالي 30,000 وحدة دُمرت بالكامل، وما يصل إلى 180,000 وحدة تضررت جزئيًا. في حلب وحدها، فُقد ما يُقدر بـ 135,000 وحدة سكنية، أي ما يعادل حوالي 21٪ من إجمالي المساكن في المدينة. بالنسبة للعديد من اللاجئين، تعني العودة إلى سوريا عودةً إلى التشرد. ومن المرجح أن يُؤدي الجمع بين تدفق العائدين الكبير والنقص الحاد في المساكن الصالحة للسكن إلى اكتظاظٍ سكانيٍّ، وارتفاعٍ حادٍّ في تكاليف المعيشة، ونزاعاتٍ على الممتلكات، مما يزيد الضغط على النسيج الاجتماعي الهشّ أصلًا.
تم تسجيل مستويات مماثلة من الدمار في قطاعات أخرى. وفقًا لتقييم البنك الدولي لعام 2021 لـ 14 مدينة سورية، لم يتمكّن ما يقرب من 1.15 مليون شخص ـ أي حوالي 23٪ من السكان الذين شملتهم الدراسة ـ من الوصول إلى منشأة رعاية صحية خلال 20 دقيقة، بينما لم يتمكّن نحو 550,000 شخص (11٪) من الوصول إليها خلال 30 دقيقة. وفي قطاع التعليم، اضطر أكثر من 900,000 شخص (18٪) إلى السفر لأكثر من 10 دقائق بالسيارة للوصول إلى منشأة تعليمية، وهو ما يتجاوز الحد النموذجي للقدرة على الوصول. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكّن أكثر من 100,000 شخص (2٪) من الوصول إلى أي منشأة تعليمية في حيّهم.
كما تعرّض قطاع الكهرباء لأضرار جسيمة، حيث قُدّرت الخسائر بين 804.2 مليون دولار و1.62 مليار دولار في المدن التي شملها التقييم. وكانت حلب وإدلب من بين المدن الأكثر تضررًا، حيث تضرّر 28٪ و60٪ من بنيتهما التحتية الكهربائية، على التوالي. ونتيجة لذلك، يعاني توزيع الكهرباء من انقطاعاتٍ حادّة، حيث أصبحت الانقطاعات المتكررة والمطوّلة شائعةً في العديد من المناطق المأهولة. وفي معظم مناطق سوريا، يقتصر وصول السكان إلى الكهرباء على 3 إلى 4 ساعات يوميًا.
وكذلك لحقت أضرار جسيمة بالبنية التحتية لإمدادات المياه والصرف الصحي، حيث قُدّرت التكاليف الإجمالية بما يتراوح بين 124.9 مليون دولار و379.7 مليون دولار في المدن الأربع عشرة. وتضرر حوالي 17٪ من أصول قطاع المياه ـ وخاصة الآبار وأبراج المياه والخزانات ـ لا سيما في حلب وإدلب. ويعاني أكثر من 14 مليون سوري من محدودية الوصول إلى المياه النظيفة، مع أكثر من مليون شخص لا يحصلون على خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة. وتمثل هذه الظروف تحديًا كبيرًا لجهود التعافي وتقديم الخدمات الأساسية في المناطق الأكثر تضررًا.


محطة ضخ مياه متضررة في معرّة النعمان، إدلب.
يُشكّل الانتشار الواسع للذخائر غير المنفجرة ومخلّفات الحرب المنتشرة في أنحاء سوريا تهديدًا كبيرًا آخر أمام العودة الآمنة للاجئين. ووفقًا لأحدث التقديرات، لا يزال 15.4 مليون سوري ـ أي ما يقارب ثلثي السكان ـ معرّضين لخطر الموت أو الإصابة جرّاء العبوات الناسفة. ويُعتقد أنّ ما بين 100,000 و300,000 قطعة متفجّرة تلوّث البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس والمناطق السكنية، فضلًا عن الأراضي الزراعية وأنظمة الري والمياه الجوفية. ووفقًا لمنظمة "هانديكاب إنترناشونال"، فإنّ "ثمانية من كل عشرة حقول زراعية في سوريا ملوثة بالذخائر المتفجرة، مما يؤثر مباشرةً على سُبل العيش في بلد يعتمد جزء كبير من سكانه على الزراعة من أجل البقاء". ومنذ كانون الأول/ديسمبر 2024، لقي ما لا يقل عن 748 سوريًا حتفهم بعد ملامستهم للذخائر المتفجرة المتروكة ـ وكان الأطفال يشكّلون نسبة مرتفعة من الضحايا.
لا تلبّي سوريا حاليًا معايير الاتحاد الأوروبي للعودة الآمنة والكريمة لغالبية مواطنيها المقيمين في الخارج. فالمبالغ المالية المقدَّمة لبعض الأفراد السوريين لن تغيّر من الوضع على أرض الواقع، إذ دمّر النزاع أو ألحق أضرارًا بالبنى التحتية الحيوية على مستوى المجتمعات المحلية، وهي مرافق لا يمكن تعويضها أو شراؤها من قِبل الأفراد العائدين. وإذا كان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء يرغبون برؤية عودة آمنة للاجئين، فإنّ الاستثمار الواسع في إعادة إعمار البنية التحتية للبلاد يُشكّل الخطوة الأولى.
توصيات السياسات
ينبغي على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء:
- الامتناع عن تشجيع أو تسهيل العودة الطوعية الجماعية للسوريين، بما في ذلك العودة إلى ما يُسمّى بـ "المناطق الآمنة" التي ما تزال غير مستقرة وتفتقر إلى الضمانات الكافية للسلامة والكرامة؛
- وضع سياسات تسمح للسوريين بزيارة سوريا من دون المخاطرة بفقدان وضعهم كلاجئين، بما يتيح لهم تقييم ظروف العودة بشكل مباشر، والبدء بإعادة بناء شبكات الدعم والعلاقات المحلية؛
- تشجيع إنشاء آلية رسمية للمساكن والملكية والأرض داخل سوريا لمعالجة نزاعات الملكية؛
- التعاون مع الحكومة السورية والمجتمع المدني والمنظمات الدولية، لدعم جهود إعادة الإعمار وعمليات إزالة الألغام وآليات المساءلة ومسار العدالة الانتقالية الأوسع نطاقًا، بوصفها عناصر أساسية لتهيئة الظروف اللازمة لعودة طوعية آمنة وكريمة.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.