في أعقاب زلزال 6 شباط في سوريا، نظام مساعدات متهالك يقع عليه اللوم
مع انقشاع أغبرة الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط/فبراير، تتضح إخفاقات استجابة الطوارئ والإغاثة الدولية. فقد مات أكثر من 40 ألف شخص ويقبع ملايين الناجين، الذين كانوا يعتمدون أصلًا على المعونات الإنسانية، في ظل بنىً تحتية هشة تعجز عن تزويدهم بالرعاية الطبية والطعام والسكن، ويهجّرون الآن مرة أخرى في طقس بارد متجمد. وأصبح السبب الرئيسي لنطاق الدمار والحرمان واضحًا بشكل متزايد: نظامُ مساعداتٍ إنسانيةٍ دوليةٍ متهالكٌ في سوريا، يزجّ بجميع الأطراف الكبرى في النزاع في بوتقة الاتهام بالإضافة إلى الدول الإقليمية والدول المانحة ووكالات الأمم المتحدة. ورغم أن العقوبات لا تخلو من المشاكل، فلا يقع الذنب الرئيسي على عاتقها.
تمثل سياسات الحكومة السورية وحلفائها أهم العقبات أمام جهود الإنقاذ والإغاثة العادلة. فقد كانت البنى التحتية الطبية في شمال غرب سوريا تحت ضغط شديد بسبب الاستهداف الممنهج للمستشفيات والمستوصفات خلال حملات قصف سورية وروسية. ويُزعم أن الضربات الجوية استمرت حتى خلال هزات الزلزال الأولية. وبعد يوم من الزلزال، قال بوضوح وزير الخارجية السورية فيصل المقداد إن توصيل المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لن يتمّ دون ضمانات على أن هذه المساعدات لن تقع في أيدي "الإرهابيين." ولطالما استغلت الحكومة السورية مثل هذه الإشارات إلى ما تسميها جماعات المتمردين الإرهابية لصرف الانتباه عن التوزيع المتحيّز للمساعدات الإنسانية وحرف مسارها كلّيًا واللذين قامت بهما الحكومة لصالحها بشكل ممنهج طوال النزاع السوري.
استغرقت الحكومة السورية خمسة أيام للموافقة على وصول المساعدات الإنسانية الدولية "عبر الخطوط" إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة، وفوق ذلك، ليس هناك ما يشير إلى أن هذه المساعدات وصلت فعلًا إلى معظم المستفيدين المستهدفين. وعلى الرغم من أن المحادثات التي أدارتها الأمم المتحدة أدت إلى إعادة فتح معبرين حدوديين خاصين بالإغاثة الإنسانية، إلّا أن هذا الأمر الذي استغرق أكثر من أسبوع بعد وقوع الزلزال يشير إلى أن التركيز كان ينصبّ على تسجيل النقاط السياسية بدلًا من ضمان الإغاثة السريعة للناجين. وما زالت استجابة إغاثة الأمم المتحدة بطيئة في كل أنحاء شمال غرب سوريا، بينما يبدو أن السلطات المحلية في المناطق التي تقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام أعاقت وصول المساعدات الأممية التي كانت متجهة فعلًا إلى إدلب. وبالرغم من مناشدات متأخرة إلى وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق وتعبير مطلق بالتضامن مع الضحايا، فإن قرار الأمم المتحدة الذي اشترط توفير الإغاثة الإنسانية بموافقة الحكومة السورية لم يضيّع وقتًا ثمينًا فيما يخص جهود الإغاثة فحسب، بل عرض فرصة واضحة على حكومة الأسد لتعزيز موقفها السياسي من خلال السيطرة على عملية التزويد بالمساعدات الدولية.
كان من الممكن وصول معدات الإنقاذ ومساعدات الإغاثة من تركيا إلى مناطق سيطرة المعارضة بشكل أسهل وأسرع لو لم يتدهور تدريجيًا نظام المعابر الإنسانية الذي أنشأته الأمم المتحدة في مطلع النزاع السوري. ورغم أن استخدام الطرق المتجهة من معبر باب الهوى إلى إدلب عقب وقوع الزلزال مباشرة كان صعبًا جدًا إلا أن الفشل في الحفاظ على معابر أخرى إلى مناطق سيطرة المعارضة في الأراضي السوري هو ما فاقم هذه المشكلة. تزعّمت روسيا صدارة الجهود إلى غلق المعابر الأممية الرسمية مثل باب السلام بحجة الحفاظ على السيادة السورية ولكنها قامت بذلك حقيقةََ لتحويل أكبر كميات ممكنة من المساعدات الدولية إلى أيدي الحكومة التابعة لها في دمشق. وفي غضون ذلك، كفلت الاستجابة الخاملة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تقدّمًا بطيئًا لجهود إعادة فتح معابر بديلة.
ويمكن للمساعدات أن تصل عن طريق معابر إنسانية جديدة في أماكن أخرى على الحدود الشمالية ولكن كانت تركيا قد فشلت في ضمان إتاحة السلع الأساسية في المناطق الحدودية التي تحتلها. ورغم المحادثات الحاصلة حول احتمال فتح معابر جديدة إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة التركية راغبة وقادرة على تحمل مسؤولياتها بصفتها دولة محتلة في سوريا مع اتساع التداعيات الإنسانية والسياسية المحلية الناتجة عن الزلازل. ناهيك عن الأنباء التي تنتشر على نطاق واسع وتزعم أن جماعات مسلحة مدعومة من قبل تركيا تؤخّر نقل المساعدات من المناطق تحت سيطرة الأكراد، والمقترن مع التصاعد الحاد للمشاعر المعادية للسوريين في تركيا خلال السنوات الأخيرة مما سيثبّط محاولات تخصيص مصادر لسد حاجات السوريين النازحين. ويأتي كل ذلك بالرغم من أن الكثير من ضحايا الزلزال في جنوب تركيا هم من مجتمع اللاجئين السوريين الذين يضطرون عادة إلى السكن في مبان ٍأرخص نسبيًا وأقل استقرارًا كما يخضعون لقيود على التنقل في داخل البلد.
في هذا السياق، تُعدّ العقوبات ذات أهمية ثانوية فقط فيما يتعلق بفهم إخفاق جهود الاستجابة الطارئة والإغاثة التالية. وليس المقصود إنكار أوجه القصور الاستراتيجية والتنفيذية الكبيرة في نظام العقوبات الذي تم إنشاؤه على نحو عشوائي خلال النزاع السوري: الإفراط في الامتثال، خاصة في القطاع المصرفي، قد أعاق النقل السريع لأموال الإغاثة إلى سوريا؛ وعلى غرار ذلك، ساهم الحظر على شحن الوقود إلى نقص الوقود في سوريا، مما يصعّب ضمان توفير الرعاية الطبية والتدفئة الشتوية. ولكن هذه الأمثلة وغيرها تظهر أن العقوبات تفاقم مشاكل موجودة مسبقا بدلًا من أن تكون السبب الرئيسي لها. ويخفف الإعفاء العام الذي أصدرته حكومة الولايات المتحدة في أعقاب الزلزال القيود على معاملات تتعلق بالمساعدات التي كانت محظورة في حالات أخرى وفقا لأنظمة العقوبات المفروضة على سوريا. ومن خلال ذلك، يعزّز هذا الإعفاء الاستثناءات الإنسانية الموجودة مسبقًا في نظام العقوبات كما يثبّط محاولات مسؤولي الحكومة السورية استخدام العقوبات الأمريكية لصرف الانتباه عن استجابتهم الفاشلة على الزلزال والأزمة الإنسانية الأوسع التي تسود في البلد والتي تنتج عن سياسات هؤلاء المسؤولين أكثر من غيرهم.
كانت الظروف في سوريا وخيمة حتى قبل الزلزال الذي لفت الانتباه إلى البلد لمدة قصيرة وإلى نظام المساعدات الدولية الذي تدهور مع تجميد النزاع خلال السنوات الأخيرة وتسريع عملية التطبيع مع الحكومة السورية. ولذلك تظل أمامنا فرصة صغيرة لإصلاح هذا النظام. في مؤتمر بروكسيل السابع المقبل، يجب على صناع السياسات الدوليين أن يعيدوا تمويل الإغاثة الذي سمحت الدول المانحة أن ينتفي تدريجيًا وأن يفتحوا مصادر تمويل جديدة تعكس الاحتياجات في مرحلة ما بعد الزلزال. كما يجب العمل على فتح معابر إنسانية جديدة بين تركيا وسوريا إضافة إلى المعبرين اللذين فتحتهما الأمم المتحدة في الأسبوع الثاني بعد الزلزال. وأخيرًا، إذا أمكن لجهود التدعيم أن تبدأ وعندما يحين ذلك، يجب على صناع السياسات إعادة النظر في نظام العقوبات بشكل استراتيجي وعلى غرار التوصيات التي قدّمها سابقا المركز السوري للعدالة والمساءلة ومنظمات أخرى من المجتمع المدني السوري، بحيث تتقدّم الجهود إلى إعادة الإعمار والإصلاح في فترة ما بعد النزاع على نحوٍ متكامل.
_______________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.