الإهمال الجسيم للمجتمع الدولي في سوريا
ستيفان دي مستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا في أول مؤتمر صحفي له في جنيف، 10 تشرين الأول/أكتوبر 2014. الصورة للأمم المتحدة لـ جان مارك فيري
بالنسبة لأي شخص يتابع الأوضاع في سوريا، فقد كانت الأخبار على مدار الشهرين الماضيين مأساوية وسلّطت الضوء على الإهمال الجسيم للمجتمع الدولي في حماية المدنيين وتوفير الأمل بأن العدالة ستكون جزءاً من مستقبل سوريا. ففي شهر آب/أغسطس، وجد تقرير حول الأسلحة الكيميائية صادر عن آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة أنّ ما لا يقل عن تسعة هجمات بأسلحة كيميائية قد نُفّذت في سوريا في عامي 2014 و2015، وقد ورد اسم الحكومة السورية وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) بصفتهما اثنين من المقترفين. وقد أكّد التقرير العديد من النتائج المعروفة لدى المجتمع الدولي، ولكن التقرير لم يؤدّ إلى اتّخاذ إجراءات لاحقة لمساءلة الجناة أو حتى للضغط على أطراف الصراع لإنهاء استخدامهم للأسلحة الكيميائية. وبدلاً من ذلك، ركزت الولايات المتحدة وروسيا اهتمامهما على التفاوض للتوصل إلى وقف إطلاق النار على المستوى الوطني.
واليوم، من الواضح بشكل لا لبس فيه أن وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الولايات المتحدة وروسيا قد فشل. حيث كان هذا واضحاً عندما أقدمت روسيا على مهاجمة وتدمير قافلة مساعدات للأمم المتحدة كانت في طريقها لإيصال الغذاء والدواء وغيرها من الإمدادات إلى ما يقرب من 78 ألف شخص في حلب. بل وغدا الأمرُ أكثر وضوحاً حينما قامت القوات الروسية والقوات الحكومية السورية بتكثيف هجماتها العشوائية وحصارها على حلب، مما أسفر عن مقتل أكثر من 400 شخص، وترك ما يقرب من 250,000 مدنياً محاصرين في الجزء الشرقي من المدينة. وعندما تمت الدعوة الى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة هذه الهجمات، وحدث تصادم علني بين الولايات المتحدة وروسيا، وقام مندوبو الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بعد ذلك بتنظيم انسحاب من الاجتماع عندما تم استدعاء السفير السوري للكلام. وعلى الرغم من هذه الحركة والخطاب الناري لوزير الخارجية جون كيري، إلا أنّ الامم المتحدة لم تتخذ أي إجراء عقب ذلك حول سوريا. وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار بدأ مع اجتماع زعماء العالم لوقف العنف ضد المدنيين والقيام بعمل عسكري مباشر ضد تنظيم داعش، إلا أن عدم وجود مبادرة مكافئة في إطار وقف إطلاق النار لمساءلة المنتهكين ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لعودة العنف وتصاعده.
تُظهر هذه الأحداث والعديد من الأحداث التي سبقتها أعظم فشل يُمنى به المجتمع الدولي في ردّه على الحرب: إهمال العدالة والمساءلة في مناقشات حلول الصراع على المدى القصير والطويل. وبسبب هذا الإهمال، لم يتم السماح لدوّامة العنف في البلاد بالاستمرار فحسب، وإنما سُمحَ لها لتزداد سوءاً، لأن مرتكبي العنف من جميع الأطراف يشعرون بأنهم أحرار في مواصلة أعمالهم دون خوف من العقاب. ولو أن المجتمع الدولي أظهر التزاماً قوياً لتحميل أولئك الأطراف المسؤولية عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، وخاصة الهجمات الكيميائية الواردة في تقرير صادر عن الأمم المتحدة، لكان هناك عوامل ردع تحدّ من اندلاع العنف ووصوله إلى المدى الذي وصله إليه اليوم.
وفي ضوء هذه العثرات، يجب على المجتمع الدولي أن يواصل جهود التوثيق، بما في ذلك لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية المكلفة من الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والمساهمة في جهود المساءلة. وبسبب عمل اللجنة، أكّد تقرير صدر في حزيران/يونيو 2016 أن تنظيم داعش ارتكب جرائم الإبادة الجماعية ضد السكان اليزيديين في سوريا. وإن السبب الوحيد لعدم قيام اللجنة بالمحاكمة هو أنه لا يوجد حتى الآن “أي مسار متاح للعدالة الجنائية الدولية“. ولكن حيثما كانت هناك إرادة سياسية فإن تحقيقات لجنة تقصي الحقائق أدت إلى رفع دعوى جنائية. ففي عام 2005، أدّى التحقيق الذي أجرته لجنة تقصي الحقائق حول دارفور إلى توصيات استخدمها مجلس الأمن الدولي لإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفتح الباب أمام المساءلة في السودان (التي لم تنجح بعد في محاكمة الرئيس عمر حسن البشير ولكنها ساهمت في الحدّ من العنف).
إذا كانت الأمم المتحدة ستقوم بإنشاء هيئات تحقيق مشابهة في سوريا، فإنه يتعيّن عليها الاستفادة منها بشكل صحيح أثناء المناقشات من أجل السلام والمصالحة. وهذا يضمن أن تكون هذه المناقشات هادفة وأن يكون جميع الأطراف مزوّدين بالمعلومات اللازمة لتقديم حلول سليمة ومتطورة تماماً لإنهاء الحرب.
وقد تصاعدت وتيرة العنف جزئياً بسبب عجز المجتمع الدولي عن شمول تدابير العدالة والمساءلة في حلوله لسوريا. الآن، مع وجود بصيص من الأمل يلوح في الأفق، إن لم يكن هذا الأمل معدوماً، لإنهاء الحرب بشكل سلمي، فعلى قادة العالم أن يبحثوا بشكلٍ معمّق للنظر في الأخطاء التي أدّت إلى تفاقم الصراع. ولو كان لدى الزعماء التزام راسخ لمكافحة الظلم، لكان هناك انخفاض في الهجمات العشوائية على المدنيين وغيرها من الأعمال الوحشية. وفي المقابل، فقد اتسع صدر القادة الدوليين للعنف الذي تمارسه روسيا والحكومة السورية من أجل توجيه ضربات ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة؛ ولم يتّخذوا موقفاً قوياً ضد سياسة سوريا من نقل السكان القسري وحالات الحصار؛ وأبرموا اتفاقات وقف إطلاق النار دون خرائط أو تدابير مساءلة واضحة والتي من شأنها أن توفّر الحماية للمدنيين؛ وتغاضوا عن الفظائع التي ارتكبتها جماعات الثوار والقوات الكردية عند تحرير المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش. وما هذه الأمثلة سوى عينة من عثرات المجتمع الدولي.
وعلى الرغم من أن الماضي لا يمكن تغييره، ففي المضيّ قدماً، يُعتبر قيام قادة العالم بتطبيق أطر العدالة الانتقالية في الجهود التي يبذلونها لبناء السلام هو المفتاح لحل النزاع. وبدون ذلك، يكون الفشل مصير جميع الاستراتيجيات المستقبلية.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم الآراء وردود الأفعال، يرجى إرسال بريد إلكتروني إلى المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].