
يجب على الحكومة السورية التحقيق في استهداف المدنيين العلويين في حمص
تلّقى المركز السوري للعدالة والمساءلة منذ بداية عام ٢٠٢٥، عدة مرات أسبوعياً، تقاريراً عن سوريين -رجالًا ونساء- قتلوا على يد "مسلحين مجهولين " أو تمّ العثور عليهم وقد فارقوا الحياة إثر أصابتهم بطلقات نارية. واستنادا إلى مقابلات أجراها موثقو الانتهاكات في المركز السوري للعدالة والمساءلة مع سوريين متواجدين على الأرض، بالإضافة إلى تقارير إعلامية، برزت بعض الأنماط المتكررة.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أحد هذه الأنماط من العنف، الذي شهد تراجعاً وتصاعداً منذ كانون الثاني/يناير ولغاية أوائل أيار/مايو ٢٠٢٥ دون مؤشرات على توقفه: ألا وهو قتل المدنيين العلويين في مدينة حمص والمناطق المحيطة بها.
وعلى الرغم من أن المركز السوري للعدالة والمساءلة لم يتمكن من تأكيد كل حادثة، الا أن التقارير تشير أن الضحايا العلويين يتمّ استهدافهم بناء على طائفتهم. وعمليات القتل هذه تعود جزئيا الى افتراض بعض السوريين بأن معظم العلويين كانوا على صلة بحكومة الأسد، أو على الأقل قدّموا لها دعما ضمنياً خلال سنوات النزاع.
يسعى المركز السوري للعدالة والمساءلة من خلال هذا المقال إلى تسليط الضوء على نمط العنف الواضح ضد المدنيين العلويين، وحث السلطات على التحقيق في هذه الجرائم والدوافع الكامنة وراءها. تقع على عاتق الدولة مسؤولية التحقيق في الجرائم التي تنتهك الحق الأساسي في الحياة، وخصوصا الجرائم المرتكبة على أساس التمييز، اذ أنه انتهاك للحماية التي يكفلها الإعلان الدستوري وقانون العقوبات السوري.
يدين المركز السوري للعدالة والمساءلة بشدّة هذه الجرائم ويدعو الحكومة المؤقتة إلى محاسبة الجناة ومنع تكرار مثل هذه الهجمات، لما قد تسببه من تداعيات خطيرة، مثل التهجير الجماعي او اندلاع عنف واسع النطاق، مشابها للفظائع التي حدثت في محافظات الساحل السوري خلال شهر آذار/مارس 2025.
تُظهر تقارير متداولة أسبوعيا منذ بداية عام ٢٠٢٥، أن مدنيين، أغلبهم من الطائفة العلوية، يُقتلون على يد "مسلحين مجهولين" أو "أشخاص ملّثمين". وعلى عكس عمليات القتل الانتقامية المستمرة التي تستهدف أفرادا من السنّة والعلويين المشتبه تورطهم بالانخراط في أجهزة نظام الأسد العسكرية أو الأمنية، فإن مقتل هؤلاء المدنيين لا يرتبط بتورطهم المباشر في انتهاكات سابقة، بل بسبب انتمائهم الطائفي. ويقدّر المركز السوري للعدالة والمساءلة أن العديد من هذه الحوادث تندرج كعمليات قتل طائفية انتقامية لأنها تُرتكب بناءً على تصور أن لدى العلويين ارتباط ما بنظام الأسد. وتدّل الهجمات التي تستهدف المدنيين في الأحياء ذات الأغلبية العلوية الى أن بعض السوريين لايزالون يعتبرون أن جميع العلويين متورطين مع نظام الأسد ومتواطئين في جرائمه في وقت سابق من الصراع.
تُظهر التقارير أن هذه الحوادث تتركز في مناطق جغرافية محددة. فعلى الرغم من تسجيل حوادث مماثلة في اللاذقية وحماة، إلا أن النمط الأكثر وضوحاً يظهر في عدة أحياء بمدينة حمص وبعض المناطق المجاورة ضمن محافظة حمص، ومن المرجح أن يكون الشعور بأن العلويين متواطئون بانتهاكات نظام الأسد تلقائياً أقوى في مدينة حمص منه في مناطق أخرى، نظرا للتاريخ الخاص لمدينة حمص خلال سنوات النزاع. فقد تعرض الاف المدنيين السنّة في حمص للتهجير بعد تعرضهم لانتهاكات جسيمة - من ضمنها العديد من المجازر- والتي ارتكب بعضها على يد جيرانهم من العلويين.
مسلحون ملّثمون يطلقون النار عشوائيا في أحياء ذات أغلبية علوية
يقدّر موثقو المركز السوري للعدالة والمساءلة أن كون نسبة كبيرة من الضحايا هم علويون، قد يشير الى احتمال تعمّد استهدافهم. وتتزايد إفادات الشهود حول مسلحين مجهولين وملثمين يستقلون دراجات نارية ويطلقون النار على المنازل في أحياء ذات أغلبية علوية، ما أدى إلى مقتل وجرح مدنيين في الشوارع وداخل منازلهم أو على شرفات المنازل. ولم يتمكن المركز السوري للعدالة والمساءلة من التحقق من هوية مرتكبي الجرائم.
منذ أواخر شهر نيسان تلقى المركز السوري للعدالة والمساءلة بلاغات وتقارير متعددة عن هذه الحوادث، من بينها حادثة مقتل امرأة وإصابة زوجها في حي كرم الزيتون بمدينة حمص، عندما أطلق مسلحون مجهولون على دراجة نارية النار على منزلهما أثناء جلوس الضحايا خارجه. وفي حادثة أخرى أطلق "مسلحون مجهولون" النار على رجل علوي يدعى علي آصف إبراهيم أثناء وقوفه قرب منزله في حي النزهة في مدينة حمص في شهر نيسان أيضا. كما قتلت امرأة تدعى سحر إبراهيم مطلع شهر أيار/مايو في حادثة مماثلة في حي كرم اللوز. وتعد أحياء كرم الزيتون وكرم اللوز والنزهة بالإضافة الى وادي الذهب من الأحياء ذات الأغلبية العلوية.
اختطاف مدنيين علويين والعثور على جثثهم بعد أيام
وردت عشرات الحالات عن اختطاف رجال ونساء من الطائفة العلوية من مناطق بالقرب من منازلهم أو أماكن عملهم منذ مطلع عام ٢٠٢٥، ، وتم العثور على جثثهم بعد عدة أيام وعليها علامات إطلاق نار. على سبيل المثال اختطف الشقيقان محمد وأمجد سامر شدود بالقرب من دوار الأصيل في مدينة حمص أثناء عودتهما من العمل، وبعد خمسة أيام تم العثور على جثتيهما في محافظة حماة. وفي حالة اخرى في بداية نيسان/أبريل، عثر على جثث خمسة رجال من عائلة واحدة بعد اختطافهم من منزلهم في حي السبيل ذي الأغلبية العلوية. وتلقى موثقو المركز السوري للعدالة والمساءلة تقارير عن العديد من الحالات المشابهة بين شهري شباط/فبراير ومطلع أيار/مايو ٢٠٢٥.
تعكس عمليات القتل المستمرة هذه والتي تستهدف المناطق ذات الأغلبية العلوية أو المدنيين العلويين، عدة عقبات أساسية أمام الاستقرار والعدالة الانتقالية في سوريا. وعلى الرغم من ملاحظة موثقي المركز للتواجد الأمنيّ للحكومة المؤقتة في مناطق حمص التي شهدت عمليات القتل، إلا أن هذا التواجد الأمني لا يشكل رادعا فعّالا ضد الهجمات العنيفة على المدنيين.
في منشورات مواقع التواصل الاجتماعي التي تعلن عن الوفيات، يلّمح العديد من المعلقين الى أن الحكومة المؤقتة وقواتها الأمنية تغاضت عن هـذه الجرائم أو حتى سهلّت القيام بها. وعلى الرغم من وجود نقاط التفتيش التابعة للأمن العام على مداخل المدينة، أفاد الموثّقون بأن لدى السوريين شكوكا حول قدرة الحكومة المؤقتة أو رغبتها في منع هكذا اعتداءات، ما يسهم في ترسيخ شعور عام بانعدام الثقة والخوف.
في حال استمرار عمليات القتل دون رادع، فإن النتائج المحتملة قد تكون مدمرة، فمثلا، يلاحظ المركز السوري للعدالة والمساءلة أن الدافع وراء بعض جرائم القتل الطائفية في حمص قد يكون التهجير القسري للعلويين من المنطقة. في الأشهر الماضية شهدت المدينة احتجاجات تخللتها هتافات مثل (حمص للسنّة، العلوية اطلعوا منها). قد يؤدي تهجير أعداد كبيرة من العلويين الى المحافظات الساحلية الى تعزيز الانقسام الداخلي في سوريا ويقلل فرص التعايش السلمي بين مختلف الطوائف. كما أن استمرار عمليات قتل العلويين قد يشعل رداً مسلحاً من المجتمعات العلوية ما ينذر باندلاع موجات عنف واسعة النطاق على غرار تلك التي شهدها الساحل في آذار/مارس ٢٠٢٥، أو على نطاق أضيق كما حدث في جرمانا وصحنايا خلال شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو ٢٠٢٥.
الخلاصة
قدمت الحكومة المؤقتة خلال الأشهر الأخيرة التزامات علنية متعددة لتحقيق السلم الأهلي بما في ذلك تشكيل لجنة للتحقيق في الفظائع المُرتكبة في الساحل. ورغم إيجابية هذه الإجراءات، يجب على الحكومة الالتزام بجميع مسؤولياتها تجاه المواطنين من خلال التحقيق الجاد في كافة الانتهاكات- بما فيها استهداف المدنيين العلويين في مدينة حمص- ومحاسبة الجناة، وضمان عدم السماح باستمرار هكذا جرائم دون رادع.
علاوة على ذلك، ينبغي على الحكومة المؤقتة والشرع إعطاء الأولوية لوقف عمليات قتل المدنيين العلويين في حمص، لأن استمرار هذه الجرائم من شأنه أن يؤدي إلى نزوح جماعي وما ينتج عنه من انقسام الى جانب انتشار العنف، وهذا قد يقوّض الجهود المبذولة لبناء سوريا مستقرة، يحكمها العدل وسيادة القانون. وبالنظر الى نتائج عمليات القتل ذات الدوافع الطائفية في بيئات ما بعد النزاع الأخرى؛ مثل قتل المدنيين السنّة وتهجيرهم الجماعي في المناطق ذات الأغلبية الشيعية في العراق. ينبغي على الحكومة المؤقتة إدراك الفرصة المتاحة لها حاليًا للتحقيق بالانتهاكات ومنع عمليات قتل المدنيين العلويين قبل ان يتفاقم الوضع أكثر.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.