
ورقة موقف مشتركة حول النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب في سوريا
المرسوم رقم (143): تطوير النظام الانتخابي شرط أساسي لتشكيل مجلس شعب قادر على دعم الانتقال السياسي
يمثّل المرسوم رقم (143) لعام 2025، الصادر عن رئيس الجمهورية الانتقالي والخاص بالنظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري، وثيقة محورية في هذه المرحلة الانتقالية. فقد كان من المفترض أن يشكّل محطة رئيسية في مسار التحول السياسي بعد سنوات النزاع، وأن يفتح الباب أمام انتخابات حرة ونزيهة تعبّر عن إرادة مختلف مكوّنات الشعب السوري. غير أنّ القراءة الدقيقة لنصوصه تكشف عن منظومة انتخابية تعاني خللاً بنيوياً عميقاً، يجعلها بعيدة عن تحقيق الحد الأدنى من المعايير الدولية للمشاركة السياسية.
في ورقة الموقف هذه، تقدم المنظمات السورية الموقعة قراءة حقوقية نقدية للمرسوم، وتقدم جملة من التوصيات.
أولاً: تشكيل مجلس الشعب الجديد:
ينص المرسوم (143) على أن ثلثي أعضاء مجلس الشعب يُنتخبون عبر "هيئات ناخبة" (المادة 3 الفقرة 4)، في حين يُعَيَّن الثلث المتبقي مباشرة من قبل رئيس الجمهورية الانتقالي (المادة 38 الفقرة 5 من المرسوم والمادة 24 الفقرة 3 من الإعلان الدستوري).
ويَمنح المرسوم الرئيسَ أيضاً صلاحية تسمية بدلاء عن أي نائب يفقد مقعده بسبب الوفاة أو الاستقالة أو سقوط العضوية (المادة 45). وبهذا لا تقتصر سلطة الرئيس على صلاحياته التنفيذية، بل تمتد إلى صلاحيات قانونية تخوّله التأثير المباشر في تشكيل المجلس.
تجعل هذه الصياغة مجلس الشعب عرضة لتوازنات تُصاغ خارج إرادة الناخبين/ات، وتنتقص من طابعه التمثيلي المفترض، إذ تفتح المجال لهيمنة السلطة التنفيذية على مؤسسة يُفترض أن تكون مستقلة عنها وتعكس الإرادة الشعبية.
وفي الممارسة، فإن منح الرئيس سلطة تعيين ثلث الأعضاء، وتعيين اللجنة العليا للانتخابات لتختار بدورها الأعضاء، إضافة إلى تسمية بدلاء عن المنتخبين/ات، يعني أنه قادر على تشكيل أغلبية برلمانية من أشخاص يختارهم بنفسه أو يضمن ولاءهم، ما قد يحوّل المجلس إلى هيئة ذات لون سياسي واحد ويقوّض مبدأ التعددية الذي تقوم عليه أي عملية ديمقراطية حقيقية.
يضاف إلى ذلك أن الأعضاء الذين يُفترض أنهم منتخبون لا يُختارون عملياً باستقلالية حقيقية، بل عبر سلسلة من اللجان التي تعود هرمياً إلى اللجنة العليا المعيَّنة من قبل الرئيس (المواد 6، 8، 9، 11، 14، 23)، ما يجعل العملية الانتخابية برمتها –إذا جاز استخدام هذا المصطلح في ظل غياب شروط الانتخابات الحقيقية– واقعة في دائرة نفوذه المباشر وغير المباشر. وبذلك، فإن مجمل هذه الترتيبات تجعل "الانتخابات" شكلية، فاقدة لجوهرها كآلية ديمقراطية لضمان التمثيل والمساءلة.
ثانياً: شروط الترشح والمشاركة:
يتبنى المرسوم لغة فضفاضة تفتح الباب واسعاً أمام التفسير الانتقائي والإقصائي. فهو يستبعد من الترشح كل من يُعتبر "من داعمي النظام البائد" و"التنظيمات الإرهابية" أو "من دعاة الانفصال والتقسيم أو الاستقواء بالخارج" (المادة 21 الفقرة 9)، من دون أن يقدّم أي تعريف قانوني لهذه المصطلحات أو يضع معايير موضوعية لإثباتها، مما يحوّل هذه الشروط إلى أدوات بيد السلطة التنفيذية لتحديد من يحق له الترشح ومن يُستبعد، لا بناءً على القانون، بل وفقاً للتفسيرات والاعتبارات السياسية الآنية. وهنا يبرز تساؤل جوهري: من هي الجهة التي ستقرر عملياً ما إذا كانت هذه الصفات تنطبق على المرشحين أو أعضاء الهيئات الناخبة، وبأي معايير ستفعل ذلك؟
وبالمثل، يشير المرسوم إلى فئات "الكفاءات" و "الأعيان"، ويطرح شروطاً خاصة بكل فئة لجهة الدرجات التعليمية، (المادة 21 الفقرة 14، 15)، لكن المرسوم لا يعرّف بأي شكل من الأشكال فئة "الأعيان" على سبيل المثال، مما يفتح الباب واسعاً أمام النفوذ وسلطة المال والعلاقات الشخصية للوصول إلى المقاعد المخصصة لهذه الفئة.
ورغم أن المرسوم (المادة 24) يذكر تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 20% وهي نسبة متدنية. إضافة إلى أنّ تمثيل المرأة والمهجرين وذوي الإعاقة والناجين/ات من الاعتقال، قد صيغت بعبارة "ما أمكن"، ما يجعلها إرشادية وغير ملزمة. وبذلك تتحول من التزام قانوني بضمان مشاركة الفئات المهمشة إلى مجرد وعد شكلي لا يترتب عليه أثر عملي بالضرورة.
ثالثاً: دور السلطة التنفيذية في تشكيل مجلس الشعب:
يُفترض في أي عملية انتخابية أن تكون الجهة المشرفة عليها مستقلة تماماً عن السلطة التنفيذية، حتى لا تتحول إلى أداة بيد من يحكم. غير أن المرسوم (143) يفتقر إلى هذا المبدأ، إذ أن اللجنة العليا للانتخابات، وهي الجهة المركزية المسؤولة عن تنظيم العملية برمتها (المادة 6 الفقرة 2)، لا تُنتخب ولا تُشكَّل عبر آلية مستقلة، بل يعيّن رئيس الجمهورية أعضاءها، ويمنحها المرسوم صلاحيات واسعة (المادة 1 من المرسوم والمادة 24 من الإعلان الدستوري). وبذلك، تصبح الجهة التي يُفترض أن تضمن نزاهة "الانتخابات" خاضعة عملياً للرئيس، تستمد منه وجودها وصلاحياتها، بدلاً من أن تكون سلطة محايدة.
أما لجان الطعون، التي يُفترض أن تكون الملاذ القانوني المستقل للفصل في النزاعات الانتخابية، فهي أيضاً مرتبطة بالسلطة التنفيذية. فالقضاة الذين يشكّلون هذه اللجان يُندبون بقرار من السلطة التنفيذية (وزير العدل)، (المادة 15 الفقرة 3)، في ظل الافتقار إلى أي جسم قضائي مستقل. وتكون قرارات هذه اللجان نهائية وغير قابلة للطعن (المادة 15 الفقرة 5)، ما يجعلها بعيدة عن الرقابة القضائية المستقلة ويفتح الباب أمام احتمال صدور قرارات متناقضة عن تلك اللجان في قضايا متماثلة، من دون وجود جهة عليا مختصة بحسم هذه التناقضات وضمان وحدة المعايير القانونية.
كذلك يشير المرسوم، إلى احتمال انضمام أعضاء اللجنة العليا إلى عضوية مجلس الشعب بعد انتهاء "العملية الانتخابية" وذلك ضمن قائمة الثلث المعين من قبل الرئيس الانتقالي (المادة 39 الفقرة 7). وهذا الأمر يتعارض مع مبدأ نزاهة "الانتخابات"، إذ لا يجوز للجهة المكلّفة بالتحضير والإشراف على "عملية انتخابية" أن تصبح جزءاً من الجسم الذي تُشرف على تشكيله. قد يفتح هذا التداخل الباب أمام اللجنة لإنتقاء أعضاء اللجان الفرعية والهيئات الناخبة من المقربين إليها فكرياً وعقائدياً، لا على أساس الكفاءة والنزاهة. وقد يتحول هذا الانحياز إلى وسيلة لمكافأة الموالين، بأن يسعى بعض أعضاء اللجنة العليا إلى كسب رضا رئيس الجمهورية طمعاً في أن يعيّنهم ضمن قائمة الثلث المخصص للتعيين الرئاسي. وبذلك، تتحول "العملية الانتخابية" إلى حلقة مغلقة من التعيينات المتبادلة، تعزّز الولاء الشخصي بدلاً من تمثيل الإرادة الشعبية.
رابعاً: الدعاية الانتخابية والرقابة:
يقيّد المرسوم الدعاية الانتخابية ضمن نطاق الهيئة الناخبة (المادة 28 الفقرة 2)، ما يمنع التداول العام للبرامج السياسية ويحرم المجتمع الأوسع من النقاش الحر حول المرشحين. أضف إلى هذا أن المراقبة المستقلة، التي تُعتبر إحدى ضمانات نزاهة "الانتخابات"، لم تُكرَّس في المرسوم كحق قانوني مكفول، بل جرى ربطها بإرادة اللجنة العليا التي "يجوز" لها أن تدعو بعض المنظمات الدولية أو البعثات الدبلوماسية للاطلاع على سير "العملية الانتخابية" (المادة 50). أي أن المراقبة ليست التزاماً واجب النفاذ، وإنما خياراً بيد الجهة المشرفة التي تخضع للرئيس. وبهذا، تتحول الرقابة من آلية محمية بالقانون إلى امتياز تمنحه السلطة الانتخابية حين تشاء، وتمنعه حين لا تشاء.
خامساً: فرض عقوبات مضاعفة على الجرائم المتعلقة بالانتخابات:
ينص المرسوم على مضاعفة العقوبات لأي جريمة تقع أثناء العمليات الانتخابية أو بسببها (المادة 43). يطرح هذا النص إشكاليتين خطيرتين: أولاً، أن رئيس الجمهورية لا يملك صلاحية تعديل العقوبات الجزائية بهذا الشكل، إذ أن التشريع الجزائي من اختصاص السلطة التشريعية. وثانياً، أن الصياغة الفضفاضة قد تُستخدم لتجريم أنشطة مرتبطة بحرية التعبير، مثل التظاهر أو توزيع منشورات انتخابية، ما يجعل من النص أداة محتملة لقمع المشاركة بدلاً من حماية نزاهة "العملية الانتخابية".
سادساً: المعايير الدولية والنظام الانتخابي الجديد
تتناقض أحكام المرسوم (143) مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 25)، التي تكفل حق كل مواطن في المشاركة في الشؤون العامة والاقتراع العام والمتكافئ في انتخابات حرة ونزيهة. فالاقتراع وفق المرسوم ليس عاماً، بل محصور في هيئات منتقاة، و"الانتخابات" ليست متكافئة بسبب الشروط الإقصائية، والسلطة التنفيذية تحتفظ بسيطرة واسعة على تشكيل مجلس الشعب وإدارة "العملية الانتخابية".
كما تتناقض أحكام المرسوم (143) مع إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة- سيداو (المادة 2، المادة 7)، إذ لا يفي المرسوم (143) بموجبات سوريا وفق اتفاقية سيداو، ويقدم ضمانة تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 20% بدلاً من المساواة التامة، إضافة إلى أنّ تمثيل المرأة والمهجرين وذوي الإعاقة والناجين/ات من الاعتقال، قد صيغت بعبارة "ما أمكن"، ما يجعلها إرشادية وغير ملزمة كما أشرنا سابقاً.
وبذلك، فإن المرسوم (143) لا يتعارض فقط مع المعايير والمعاهدات الدولية، بل يتعارض أيضاً مع الإعلان الدستوري نفسه، الذي يعتبر جميع المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الدولة جزءاً لا يتجزأ من الإعلان الدستوري (المادة 12).
سابعاً: توصيات
تدرك المنظمات الموقّعة على هذه الورقة صعوبة تنظيم انتخابات عامة مباشرة في المرحلة الراهنة في ظل هشاشة الوضع السوري وتعقيداته وتهجير ملايين السوريين، غير أنها تؤمن بضرورة إعادة النظر بالنظام الانتخابي المؤقت ليكون أكثر شمولاً وعلى مسافة واحدة من الأطراف المختلفة، ويحترم فصل السلطات، ويمكّن مجلس الشعب الانتقالي من تحقيق مهام أساسية وفي مقدمتها الإعداد لانتخاب لجنة صياغة دستور دائم، والتمهيد لانتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية عبر الاقتراع المباشر.
وعليه، توصي المنظمات الموقّعة على هذه الورقة السلطات الانتقالية السورية، وبخاصة رئاسة الجمهورية واللجنة العليا للانتخابات، بما يلي:
- إلغاء دور رئيس المرحلة الإنتقالية في تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب.
- إعادة تشكيل الهيئات الناخبة بالتشاور مع المجتمع المدني السوري، ومع كافة التيارات والقوى السياسية الفاعلة في مختلف مناطق سوريا لضمان تمثيل كل المواطنين/ات.
- إلغاء القيود والعبارات الفضفاضة في شروط الترشيح الواردة في المرسوم (143)، والاكتفاء بشروط موضوعية واضحة كالسن والأهلية القانونية.
- ضمان تمثيل فعلي وإلزامي للفئات المهمشة، بما فيها النساء والمهجّرين، وذوي الإعاقة، والناجين/ات من الاعتقال، من خلال مواد واضحة وملزمة، لا بصياغات إرشادية عامة.
- إنشاء هيئة مستقلة فعلياً عن السلطة التنفيذية للإشراف على العملية الانتخابية، مع إشراف قضائي محايد متعدد الدرجات.
- ضمان حرية الدعاية الانتخابية في الفضاء العام، وتكريس المراقبة المحلية والدولية كحق قانوني وليس خياراً بيد اللجنة العليا للإنتخابات.
- إلغاء المادة التي تضاعف العقوبات على الجرائم الانتخابية من المرسوم، والالتزام بالقوانين السورية النافذة، لا سيما قانون العقوبات السوري بما يتعلق بالجرائم الانتخابية، واعتماد تعريفات دقيقة لها تضمن عدم استخدام القانون لتقييد حرية التعبير.
- مواءمة النظام الانتخابي مع المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها سوريا والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الإعلان الدستوري، وبالتالي ضمان حق كل مواطن/مواطنة في المشاركة السياسية والاقتراع العام والمتكافئ.
المنظمات الموقعة:
1. المركز السوري للعدالة والمساءلة
2. العدالة من أجل الحياة
3. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
4. منظمة ملفات قيصر من أجل العدالة
5. مركز وصول لحقوق الإنسان
6. منظمة مساواة
7. حقوقيات
8. بدائل
9. منظمة بيل- الامواج المدنية
10. رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا
11. النساء الآن للتنمية
12. المركز السوري لبحوث السياسات
13. الحركة السياسية النسوية السورية
14. دولتي