1 min read
توصيات أولية للعدالة إلى رئيس سوريا الانتقالي
Ahmad Al-Sharaa greets Hadja Lahbib from the EU Commission (© European Union, 2025, CC BY 4.0)

توصيات أولية للعدالة إلى رئيس سوريا الانتقالي

منذ أن خَرّ بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر، ظهرت مطالبات بالعدالة من السوريين والمجتمع الدولي على حد سواء. ويقترح معظمهم أن تكون العملية شاملة وبقيادة سورية، ولكن هذه التوصيات تتطلب توضيحا أكثر. فلن يتحدّد شكل العدالة الانتقالية في سوريا بين عشية وضحاها، وسيتعين أن تتوازن مع الاحتياجات المُلحّة للحفاظ على الخدمات الحكومية الأساسية ومعالجة الأزمة الإنسانية. ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، يقترح المركزُ السوري للعدالة والمساءلة قائمةً لتوصياتٍ قصيرة الأجل ينبغي أن تسعى حكومة تصريف الأعمال السورية بقيادة الرئيس الشرع إلى تنفيذها في الأشهر المقبلة قبل الحوار الوطني. وستضمن هذه الخطواتُ أن تضع حكومةُ تصريف الأعمال اللّبِناتِ الأساسيةَ لعملية عدالة أشمل خلال هذه الفترة الانتقالية. ويأمل المركز السوري للعدالة والمساءلة أن تُتناول المسائلُ الأكبر المتعلقة بصياغة عملية العدالة الانتقالية وتنفيذها خلال الحوار الوطني القادم.

ستحتاج حكومة تصريف الأعمال إلى مساعدة ودعم دوليَّين مكثّفَين لتحقيق النجاح، ولذلك عليها أن تسعى إلى كسب استحسان على الساحة الدولية. وينبغي أن توضح الدول أنّ العودة إلى المجتمع الدولي، الذي يتضمّن رفع العقوبات بالكامل، وتلقي مساعدات إعادة الإعمار، وخبرة دولية فنية، سيكون مرهونا بعملية انتقالية جادّة، تتضمّن ترسيخ أسس العدالة الشاملة.

المفقودون

لقد كان إخفاءُ عشرات الآلاف قسريّا وما زال علامة فارقة للنزاع السوري ولعقود من الحكم الاستبدادي الذي سبقه.  ورغم أنّ مَن تبقى من المعتقلين في سجون الأسد قد أُفرج عنهم الآن، إلّا أنّ كثيرا من العائلات لم تتلق أي خبر عن أحبائها حتى هذا الحين. وسيكون وجودُ عملية شاملة للمفقودين حتميّا لتحديد مصير ومكان ما يزيد عن 100 ألف شخص لا يزالون مفقودين.

ستتطلب عمليةٌ كهذه دعما ماليا هائلا وأعواما من جهود المتخصصين في الطب الشرعي والتحقيق، ولن تؤتِي ثمارَها سريعا. فرغم أنّ بدء تحقيقاتٍ لن يكون أولويةً قصوى لحكومة تصريف الأعمال التي تواجه أزمةً إنسانيةً وأولوياتٍ أخرى لا تُعَدّ، إلّا أنه لا تزال هناك ترتيباتٌ وتدابيرُ يمكن للشرع وحكومته وضعها حالا لترسيخ أسس إحراز التقدّم مستقبلا.

ينبغي على الحكومة أن تتخذ الإجراءات التالية:

  • صَون المقابر الجماعية في جميع أنحاء البلاد بحراسة المواقع التي وردت تقارير عن العبث بها وبإبلاغ المجتمعات المحلية بوضوح عن أهمية الحفاظ عليها. إذ إنّ العبث بالمقابر أو استخراج الرفات منها لأغراض معية دون إعداد مناسب أو خبرة في الطب الشرعي سيضرّ الأدلةَ ويقلل من احتمالية التعرف على الرفات مستقبلا. ينبغي ألّا توافق الحكومة على أي عمليات استخراج للرفات إلى أن توضع خطة شاملة للطب الشرعي تكونُ جزءا من عملية وطنية تخصّ المفقودين.
  • تأمين مرافق الاعتقال والفروع العسكرية والأمنية المعنية. إذ ستكون الوثائق المادية في هذه المواقع جوهرية للتحقيقات المستقبلية ويجب الحفاظ عليها لتحليلها. وينبغي أن تُصان هذه المواقع من التغييرات المادية (كطلاء جدرانها) إلى أن يتم التحقيق فيها بصورة شاملة مستفيضة. فقد تحوي بعض المواقع أدلةً كأسماء السجناء المحفورة على الجدران.
  • ينبغي على الشرع نفسه وعلى مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى أن يستمرّوا في الاجتماع مباشرة مع عائلات المفقودين كما فعل في أواخر كانون الثاني/يناير. فإن لم يكن لدى العائلات ثقة في قدرة الحكومة الجديدة أو عزمها على البحث عن أحبائها، فلن تنجح عملية تحديد الهوية أبدا.
  • ينبغي أن يواصل المسؤولون رفيعو المستوى الاجتماع مع المؤسّسة المستقلّة المعنيّة بالمفقودين في سوريا (IIMP) التابعة للأمم المتحدة وكذلك مع منظمات المجتمع المدني السوري المعنية، لإجراء نقاشات أولية حول آفاق عمليات البحث عن المفقودين. وينبغي أن تضمن حكومة تصريف الأعمال أن يكون لموظفي مؤسسة الأمم المتحدة الحق في السفر بحرية إلى سوريا والعمل في جميع أنحاء البلاد. ورغم أنّ العملية يجب أن تكون بقيادة سورية في نهاية المطاف، إلّا أنّ الحكومة الجديدة ستحتاج إلى موارد دولية مديدة وخبرات متخصصة في الطب الشرعي لتحقيق النجاح، ويمكن أن يكون لهذه المؤسسة دورٌ في تأمين هذا كله.
  • تعيين مسؤول في وزارة العدل عن جهود البحث عن المفقودين خلال الفترة الانتقالية. وقبل بدء التحقيقات الرسمية، يمكن لهذا المسؤول أن يبدأ في بناء جسور مع العائلات لفهم احتياجاتهم وأولوياتهم، وكذلك مع مختلف المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني التي قد تشارك في تحقيقات مستقبلية.

المساءلة عن الجرائم

يتوقف نجاح العملية الانتقالية في سوريا على تناول مظالم السوريين التي كابدوها عقودا تحت سطوة الأسد. فلن يُفضيَ إلى تأكيد الحقيقة وإيقاف دوامة الانتهاكات إلّا عمليةُ عدالة جادّة تشمل الضحايا وتحترم الإجراءات القانونية الأساسية.

ينبغي على الحكومة أن تتخذ الإجراءات التالية:

  • التشهيرُ علانيةً بالمسؤولين عن عمليات القتل الانتقامية المزعومة وغيرها من أعمال العنف ضد من يُعتقد أنهم أعداء، والتحقيقُ معهم ومحاكمتهم في غياب عملية قضائية.
  • فرض قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية السوريَّين، ويتضمّن ذلك محاكمة ملاحقة مرتكبي أعمال التعذيب، إلى أن تُنشأ هيئة جديدة لسن القوانين على النحو الصحيح.
  • توضيح أن «قرارات العفو» الحالية لا تسري إلّا خلال الفترة الانتقالية لحكومة تصريف الأعمال. ولا ينبغي اتخاذ قرار نهائي بشأن من يستحق العفو إلا خلال عملية تشاركية، كالحوار الوطني المقبل. فبيانُ أنّ ثَمَّة عمليةً شاملةً وشيكةً يمكنه أن يُسكّنَ مخاوفَ الإفلاتِ من العقاب ويقلّلَ عملياتِ القتل الانتقامية.
  • قبل أن تصبحوا دولة طرفا في نظام روما الأساسي، احذوا حَذو أوكرانيا بتقديم إعلان في المحكمة الجنائية الدولية بقبول اختصاصها القضائي للتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها حكومة الأسد من 2011 إلى 2024 ومحاكمتها عليها. يجب محاكمة الأسد وكبار زبانيته أمام المحكمة الجنائية الدولية اتقاءً لزعزعة الاستقرار الذي قد تسبّبه إعادتُهم إلى سوريا.

التدقيق والتمحيص

قبل انعقاد الحوار الوطني، ينبغي على حكومة تصريف الأعمال أن تمتنع عن فصل الموظفين الحكوميين ظرفيا، وأن تركز على ضمان احتفاظ الحكومة بالخبرات التي تحتاجها لمواصلة العمل وتقديم الخدمات الأساسية. ففي بعض الحالات، سرّحت حكومة تصريف الأعمال فعلا موظفين بالجملة. وينبغي إعادة هؤلاء الأشخاص إلى وظائفهم خلال الفترة الانتقالية لضمان استمرار الحكومة في العمل وتجنب الزعزعة الناجمة عن البطالة المفاجئة.

خلال عملية الحوار الوطني، يمكن للمشاركين أن يتفكروا في إنشاء لجنة للإشراف على عملية التدقيق والتمحيص. وإن فعلوا، فيجب أن تستند عملية التدقيق والتمحيص إلى توثيق مخالفات الفرد أو فساده أو إلى غير ذلك من الأسباب المشروعة لاستبعاده من المناصب العامة، ويجب أن تعطي مجالا للطعن.

نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج

ينبغي على حكومة تصريف الأعمال أن تؤمّن السلام بالدخول في مفاوضات مع بقايا الميليشيات النشطة في سوريا لإدغامها في اتفاقية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج. وينبغي على المجتمع الدولي أن يدعم جهود هذه الاتفاقية عن طريق توفير السكن والتدريب المهني لعناصر الميليشيات السابقين، بصفته جزءا من برامج إغاثة أكبر تدمج مجموعة متنوعة من السوريين. وينبغي أن يشارك وسطاء خارجيون من الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية.

التعاون مع الأمم المتحدة

رغم أنّ عمليات العدالة الانتقالية يجب أن تكون بقيادة سورية في نهاية المطاف، وداخل البلاد متى ما أمكن، إلّا أن السوريين سيحتاجون إلى خبرات دولية لتدشين هذه العمليات وتطوير الكفاءات اللازمة. ولهذا، ينبغي على حكومة تصريف الأعمال أن توفر لآليات الأمم المتحدة المعنية إمكانية وصول دون عوائق، تتضمّن موافقة على إنشاء مكاتب داخل سوريا. وينبغي أن يشمل هذا الآلياتِ التابعةَ للأمم المتحدة كالآلية الدولية المحايدة والمستقلة IIIM، والمؤسّسة المستقلّة المعنيّة بالمفقودين في سوريا IIMP، ولجنة التحقيق COI، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان OHCHR، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية OPCW.

وبالمثل، ينبغي على الأمم المتحدة أن تضمن أن يُؤذن لهذه الآليات بتأسيس حضور لها داخل سوريا. وبخصوص الآلية الدولية المحايدة والمستقلة IIIM، والمؤسّسة المستقلّة المعنيّة بالمفقودين في سوريا IIMP، ينبغي أن تنظر الجمعية العامة في تعديل اختصاصاتهما للسماح لهما بتولي دور في بناء القدرات.

حوار وطني شامل

ينبغي أن يكون الحوار الوطني الناجح صريحا، وأن ترعاه وتنظمه الأمم المتحدة، وأن يشمل السوريين من جميع الخلفيات والأعراق والمجموعات الدينية. ويجب أن يشمل هذا الحوار الأحزاب السياسية، وأن يوفر مساحة للضحايا للتعبير عن احتياجاتهم ومطالبهم، وأن يسمح للمجتمع المدني بالمشاركة الجادّة وتقديم خبراته. وفي الوقت الحالي، يجب أن تركز حكومة تصريف الأعمال على ما يلي:

  • مشاركة آخر مستجدات التحضير للحوار الوطني علنا، ويشمل ذلك أعضاء اللجنة التحضيرية الشاملة والممثلة لجميع السوريين.
  • تقديم قائمة بالموضوعات التي ستُناقش في الحوار الوطني وفتح إمكانية تقديم مذكرات مكتوبة من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ورابطات العائلات والضحايا بخصوص الموضوعات المقترحة.
  • التواصل مع القضاة والمحامين وخبراء القانون الدستوري السوريين لإعداد إعلان دستوري مؤقت يوفر إطار عمل قانونيا إلى حين التصويت على دستور جديد في برلمان جديد.
  • مناقشة خطط العدالة الانتقالية علانية، وتباحث إجراءات متوسطة الأجل للمشاركة في عملية عدالة جادّة.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.