1 min read
تطبيع العلاقات مع سوريا: فرصة للإصلاح؟

تطبيع العلاقات مع سوريا: فرصة للإصلاح؟

بعد أكثر من عقد من العزلة السياسية والاقتصادية، تبدو الحكومة السورية الآن على شفا إعادة الاندماج الإقليمي الذي يشمل إعادة الانضمام إلى جامعة الدول العربية. وبالنظر إلى فشل عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، فليس من المفاجئ أن الدول المجاورة لسوريا قد سئمتمن احتمال العزلة إلى أجل غير مسمى. ولكن حكومة الأسد تواصل ارتكاب جرائم جسيمة ضد شعبها. وإن تطبيع العلاقات لا يتغاضى بصورة رمزية عن هذه الجرائم فحسب، بل من المرجح أن يزيد من الموارد الاقتصادية للحكومة، مما يزيد من تمكين السلوك الإجرامي. وفي حين أن هذا التحول في الأحداث يمثّل فشلًا ذريعًا لجهود المجتمع الدولي بموجب القرار 2254، فإنه ليس من الضروري أن يمثل خسارة كاملة للدول التي لا تزال تعمل على تعزيز حقوق الإنسان في سوريا. حيث تتيح اللحظة الراهنة للمجتمع الدولي نفوذًا قويًا لمواصلة تقدمٍ ملموسٍ يشمل الأشخاص المفقودين في سوريا.

شهدت الأسابيع الأخيرة المراحل النهائية لعملية تطبيعٍ تتسارع منذ سنوات. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2011، قامت جامعة الدول العربية، في استجابة منها لتزايد العنف ضد المدنيين، بالتصويت على تعليق عضوية سوريا، مع قيام معظم الدول العربية بقطع العلاقات الدبلوماسية وتنفيذ عقوبات اقتصادية، وحظر السفر، وغيرها من السياسات التي تهدف إلى عزل سوريا وإجبارها على التعاون في عملية سلام. اتُّخِذَت هذه الخطوات عندما بدا أن حدوث تغيير في الحكومة، بدعم من المجتمع الدولي، أمر لا مفر منه. ولكن بعد انقلاب الموازين، بدأت الدول المجاورة تدرك أنه من خلال عزل سوريا، فإنها تتخلى أيضًا عن سلطتها للتأثير على الحكومة السورية، وتتنازل فعليًا عنها لصالح حلفاء سوريا الإقليميين، وخاصة إيران. فبدأت عملية تطبيع العلاقات بعدة أوجه في عام 2018، عندما أعادت الإمارات فتح سفارتها في سوريا. وفي السنوات التي تلت ذلك، اتخذت بلدان أخرى خطوات تدريجية نحو زيادة العلاقات، والبناء على الكثير من التغييرات التي حدثت في العام الماضي، وخاصة في أعقاب الزلزال الذي وقع في شباط/فبراير. وفي نيسان/أبريل، انتشرت أنباء مفادها أن المملكة العربية السعودية ستدعو سوريا لحضور قمة جامعة الدول العربية في شهر أيار/مايو المقبل.

وعلى الرغم من هذه التغييرات، لا تزال الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية ثابتة في موقفها بأن الاتفاق السياسي عن طريق التفاوض هو الطريق الوحيد لتجديد العلاقات مع الحكومة السورية. ومن المهم أن تستمر الدول الغربية في الثبات على هذا الموقف، واستخدام الأدوات المتاحة لها لضمان عدم اندماج سوريا بشكل كامل في المجتمع الدولي. غير أن مثل هذا الموقف لا يعني أن هذه الدول لا يمكنها السعي وراء فرص التغيير التدريجي أيضًا. فإذا وقفت الدول الغربية ببساطة مكتوفة الأيدي وانتقدت التطبيع، وهي سياستها على ما يبدو حتى الآن، فسوف يخرج الأمر عن نطاق نفوذها. ولكن نظرًا لأن حلفاء الغرب، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة، يقودون عملية التطبيع، ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا الضغط على هذه الدول للمطالبة بتقديم تنازلات في مجال حقوق الإنسان مقابل إعادة الادماج.

إن إحدى الفرص الواضحة، التي يمكن أن تجعل ملايين السوريين يشعرون بارتياح حقيقي، هي استخدام التطبيع لتحفيز الحكومة السورية على التعاون في عملية الكشف عن مصير الأشخاص المفقودين. حيث عملت العديد من الدول الغربية خلال العام الماضي على إنشاء آلية دولية للبحث عن المفقودين في سوريا. غير أن بذل أي جهود لآلية مستقبلية سيُعيقُها تعذّرُ الوصول إلى البلد، أو التعاون من الجاني الرئيسي، ألا وهو الحكومة السورية. وإن ورقة الضغط التي يقدمها التطبيع تخلق مسارًا يوحي بقدر أكبر من الأمل نحو إحراز تقدم في هذا الملف. حيث يمكن للدول العربية أن تشترط على سوريا اتخاذ خطوات ملموسة تتضمّن إطلاق سراح المعتقلين والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بالوصول إلى مرافق الاحتجاز العسكرية، لكي يتم إلغاء تعليق عضويّتها في الجامعة العربية. ويمكن للدول تحسين فرصة التعاون الحكومي من خلال التركيز على التدابير الإنسانية البحتة. كما قد يعود هذا بالنفع على الدول العربية التي ترحب بعودة سوريا، والتي يمكن أن تدّعي تحقيق نجاح كبير في مجال حقوق الإنسان. ويشير مرسوم العفو العام الصادر في ربيع 2022، في أعقاب زيارة الأسد للإمارات العربية المتحدة، إلى استعداد الحكومة السورية للمبادرة إلى إطلاق سراح المعتقلين في مقابل تحقيق تقدم سياسي. وفي حين أنه من الواضح أن الغرب لم تكن لديه القدرة على تأخير التطبيع، فإن إحراز تقدم في إطلاق سراح المعتقلين والمفقودين هدف أكثر قابلية للتحقيق، ويُعدّ هدفًا قيّمًا في الوقت نفسه.

ولكن بالنسبة للعديد من الدبلوماسيين في الغرب، فإن أي تلميح إلى اتخاذ نهجٍ تدرّجيٍّ عندما يتعلق الأمر بمعالجة الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي يُعدّ مرفوضًا. حيث إن الهدف الوحيد المقبول هو أن تكف الحكومة السورية تمامًا عن ارتكاب الجرائم الجسيمة. وبالطبع، يجب أن يبقى هذا هو الهدف، ويجب ألا تتعامل هذه الدول بشكل مباشر مع الحكومة السورية حتى ذلك الوقت. ولكن يمكن للدول الغربية أن تتمسك بموقفها بينما تعمل مع الحلفاء الإقليميين، حتى لو من خلف الستار، لضمان حصول السوريين على قدر من الشعور بالارتياح بينما ينتظرون نهاية فعلية للنزاع.

______________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.