
تحليل المركز السوري للعدالة والمساءلة للفظائع المرتكبة في اللاذقية وطرطوس
نظرة عامة
في 6 آذار/آذار/مارس 2025، قامت مجموعة من المتمردين المؤيدين للأسد بنصب كمين لعدد من أفراد قوات الأمن العامة التابعة للحكومة الجديدة بالقرب من جبلة (محافظة اللاذقية)، مما أسفر عن مقتل أكثر من 13 فردًا. شنت الجماعات المؤيدة للأسد عدة هجمات مشابهة على قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة في اللاذقية وطرطوس في نفس اليوم، مما أسفر عن مقتل العشرات. دفعت الهجمات الحكومة الانتقالية التي يقودها أحمد الشرع لإرسال تعزيزات إلى المنطقة. في الساعات التي تلت ذلك، أدت بعض الدعوات الرسمية وغير الرسمية إلى التعبئة العامة إلى تحركات مختلفة من الفصائل المسلحة باتجاه اللاذقية وطرطوس، بما في ذلك فصائل الجيش الوطني السوري التي تعمل بشكل اسمي تحت وزارة الدفاع. بين 6 و10 آذار/مارس، تم إعدام المئات من المدنيين (غالبيتهم من العلويين) والمقاتلين المعتقلين، وتم نهب المنازل والممتلكات المدنية الأخرى أو حرقها.
من المرجح أن تمثل أحداث 6-10 آذار/مارس أكثر الفترات تركيزًا من العنف التي شهدتها سوريا في السنوات الأخيرة. لم يتحقق المركز السوري للعدالة والمساءلة بشكل مستقل من حصيلة الضحايا حتى الآن، لكن التقديرات المتداولة تشير إلى أن ما لا يقل عن 800 مدني قد قُتلوا، مع تقديرات أخرى تشير إلى أكثر من 900. تشير التقارير الأولية من الموثقين التابعين للمركز السوري للعدالة والمساءلة إلى أن جزءًا كبيرًا من ضحايا المدنيين تم اكتشافهم بالقرب من بانياس في محافظة طرطوس، مع بعض التقارير التي تشير إلى إعدام ما يقارب 150 مدنيًا. تشمل المناطق الأخرى التي شهدت ضحايا كبيرة جبلة والمناطق الريفية في محافظتي اللاذقية وطرطوس. امتد العنف الانتقامي أيضًا إلى المحافظات المجاورة، بما في ذلك القرى بالقرب من مصياف، وهي منطقة متنوعة في محافظة حماة، حيث قتلت فصائل مختلفة المدنيين وأحرقت الممتلكات.
بحلول 10 آذار/مارس، أعلنت وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية أن العمليات العسكرية على الساحل قد انتهت، وتم فرض وقف إطلاق النار، لكن بعض وسائل الإعلام أفادت بأن الانتهاكات لا تزال تحدث، مثل القتل المزعوم لعائلة في منزلها في القرداحة بمحافظة اللاذقية.
سيواصل المركز السوري للعدالة والمساءلة تقييم الأدلة المفتوحة والشهادات من أولئك الذين شهدوا الهجمات في اللاذقية وطرطوس وحماة، مع خطة لنشر تحقيق كامل يناقش هذه الأدلة في الأشهر القادمة. على المدى القصير، يسعى المركز السوري للعدالة والمساءلة لتوضيح ثلاثة جوانب من الأحداث:
1. الفاعلون المتورطون.
2. المعلومات المغلوطة وغياب الدقة في التقارير عبر الإنترنت حول العنف.
3. مدى مسؤولية حكومة الشرع الانتقالية عن الانتهاكات التي تم ارتكابها.
الفاعلون
بعد الكمائن الأولية التي أسفرت عن مقتل أعضاء من قوات الأمن العامة التابعة للحكومة الجديدة بالقرب من جبلة في 6 آذار/مارس، استجابت ثلاث مجموعات من الفاعلين لهذه الهجمات. تختلف تصرفات وسلوك هذه المجموعات تجاه المدنيين على الساحل بشكل كبير.
القوات الحكومية:
كانت المجموعة الأولى التي استجابت هي قوات الحكومة الانتقالية التي تعمل تحت وزارة الدفاع ومديرية الأمن العام. تشكل الغالبية العظمى من هذه المجموعة مقاتلو هيئة تحرير الشام والأفراد الجدد الذين تم تجنيدهم في الأمن العام. على الرغم من ظهور عدة مقاطع فيديو تُظهر أعضاء الأمن العام وهم ينفذون إعدامات ميدانية، وفقًا للموثقين من المركز السوري للعدالة والمساءلة والأدلة المفتوحة، فإن هؤلاء المقاتلين بدوا الأكثر انضباطًا والأقل احتمالًا للانخراط في انتهاكات شاملة ضد المدنيين. كما تلقى المركز السوري للعدالة والمساءلة تقارير تفيد بأن أعضاء قوات الأمن العام حاولوا مساعدة أو حماية المدنيين على الساحل من القتل على يد فاعلين من مجموعات أخرى.
الفصائل الأخرى التابعة للحكومة:
مجموعات أخرى استجابت كانت فصائل جزء مما كان يُعرف بالجيش الوطني السوري، مثل لواء سليمان شاه (المعروف بالعمشات) وفرقة الحمزة (المعروفة بالحمزات)، الذين جاءوا إلى اللاذقية وطرطوس من شمال سوريا. ارتكب أفراد هذه الفصائل انتهاكات ضد المدنيين في عفرين والباب وأماكن أخرى في شمال سوريا لعدة سنوات. يعرفون بممارسة الاعتقال التعسفي، والخطف، والابتزاز، ونهب الممتلكات، وانتهاكات الأراضي والعقارات الأخرى. كان كلا الفصيلتين جزءًا من "مؤتمر النصر العسكري" في نهاية كانون الثاني/يناير، حيث اتفقوا جميعًا على أن الشرع سيكون الرئيس الانتقالي لسوريا. في شباط/فبراير، قام الشرع بزيارة إلى عفرين، مع وعود بأن يتم دمج هذه الفصائل تحت وزارة الدفاع التابعة للحكومة الجديدة. يقيّم المركز السوري للعدالة والمساءلة ومراقبون آخرون أن هذه الفصائل كانت مسؤولة عن جزء كبير من الوحشية، كالإعدامات، النهب، وحرق الممتلكات، التي حدثت في اللاذقية وطرطوس وحماة منذ 6 آذار/مارس.
المقاتلون الأجانب:
المجموعة الأخيرة التي شاركت في الاستجابة هي المقاتلون الأجانب، بما في ذلك الشيشانيون، والايغور (حزب التركستان الإسلامي في سوريا) والعرب من خارج سوريا، بما في ذلك الجزائريون والمصريون. تظهر مقاطع الفيديو أن بعض هؤلاء المقاتلين كانوا يدعون على خلفية دينية لقتل العلويين أثناء توجههم إلى اللاذقية. يُشتبه في أن المقاتلين الجهاديين الأجانب ارتكبوا جرائم خطيرة، ولا سيما الإعدامات الميدانية. لا يزال المركز السوري للعدالة والمساءلة في عملية جمع وتحليل هذه الأدلة.
التغطية غير الصحيحة وغير الدقيقة
إن وقوع فظائع مروعة منذ 6 آذار/مارس أمر لا جدال فيه. ومع ذلك، فإن العديد من الفاعلين شاركوا في حملات التضليل على الإنترنت، كما فعلوا منذ سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024، بهدف تأجيج الروايات الخلافية بشكل أكبر. قامت هذه الجماعات المؤيدة للأسد بنشر مقاطع فيديو مزيفة وفيديوهات إعدامات من وقت سابق في النزاع، مدعية أنها تمثل انتهاكات مستمرة ضد المدنيين والأقليات في اللاذقية وطرطوس. كما حددت منظمات التحقق من الحقائق مصادر تزعم أن المدنيين، بما في ذلك العديد من المسيحيين السوريين، قد تم إعدامهم، وهي مزاعم تبين أنها خاطئة. في عدة حالات، تم نشر تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي من مسيحيين تم الإبلاغ عن مقتلهم فيما بعد تؤكد أنهم لا يزالون على قيد الحياة. كما نفى الزعماء الدينيون من المجتمع المسيحي في سوريا الادعاءات بأن المسيحيين كانوا مستهدفين في عمليات قتل جماعية.
بالإضافة إلى التضليل، نشر بعض الصحفيون والفاعلون الدوليون الذين استجابوا للأحداث روايات مبسطة، مثل منشور وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على منصة "إكس"، الذي صوّر الأحداث على أنها مسألة "إرهابيين إسلاميين متطرفين" يهاجمون الأقليات في سوريا. مثل هذه الروايات تجمع بين جميع الفاعلين الذين يعملون لصالح الحكومة الجديدة وتصنيفهم جميعًا كمتطرفين دينيين مدفوعين بالكراهية والعنف العميق. كان الخطاب الطائفي سمة بارزة في المشهد بعد الأسد بالكامل، وهذه الأحداث ليست استثناءً، ولكن يجب على المراقبين أن يلاحظوا أن الهجمات في المناطق العلوية ليست مدفوعة بالكراهية الدينية البحتة بين الجماعات.
بل هي نتيجة لعوامل مختلفة، وهي نظام استغل الفروقات الطائفية لتوطيد السلطة طوال الـ 54 عامًا الماضية. لا يحدث التوافق بعد مثل هذا النوع من الحكم التمييزي المستمر بين عشية وضحاها. العامل الرئيسي الآخر الذي يقود الهجمات الانتقامية منذ سقوط النظام هو غياب عملية العدالة الانتقالية الفعالة من الحكومة الانتقالية التي توفر العدالة والمحاسبة الكاملة لأولئك المسؤولين عن الانتهاكات التي ارتكبت تحت حكم الأسد، بالنظر إلى الفهم الذي يعتقده العديد من السوريين بأن العلويين مرتبطين بنظام الأسد بطريقة ما.
الحكومة الانتقالية تتحمل المسؤولية
ألقى الشرع خطابين علنيين حول أحداث 7 و9 مارس/آذار، ادعى خلالهما أنه لا يُسمح لقوات الأمن بالمبالغة في ردها، ووعد بمحاسبة المسؤولين عن الفظائع. ومع ذلك، تشير الأدلة المتاحة والأطر القانونية الدولية ذات الصلة إلى أن الحكومة المؤقتة تتحمل مسؤولية الأحداث التي وقعت. تشير لقطات فيديو مُحددة الموقع الجغرافي إلى تورط القوات الحكومية في هجوم عسكري عشوائي واحد على الأقل، حيث شوهدت قنابل غير موجهة تُقذف من طائرة هليكوبتر على منطقة مدنية في جبلة بمحافظة اللاذقية.
أقرت الحكومة الانتقالية، التي تعمل نيابةً عن الدولة السورية وتتولى بحكم الأمر الواقع جميع مهامها، بأن بعض من يقاتلون نيابةً عنها ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين، على الرغم من أن الأمن العام ادعى أن الأفراد الذين اعتقلهم على خلفية هذه الانتهاكات كانوا جزءًا من "مجموعة غير منضبطة".
تُشكل الانتهاكات المسجلة التي ارتكبها الأشخاص أو الكيانات (بحكم القانون أو بحكم الواقع) التابعة للحكومة السورية المؤقتة أفعالاً غير مشروعة دولياً، وتُنسب إلى الدولة السورية.
وفقاً لمواد لجنة القانون الدولي المتعلقة بمسؤولية الدول، يُعتبر سلوك أي جهاز تابع للدولة، بما في ذلك الأفراد أو الكيانات، ممن يمارسون أي وظائف، فعلاً صادراً عن تلك الدولة، بغض النظر عن طابع ذلك الجهاز أو موقعه داخل هيكل الدولة. ولا يُعفي أي عمل يتجاوز السلطة القانونية لأي كيان، يصدر عن هذا الجهاز أو الكيان أو الشخص، الدولة من مسؤوليتها. ووفقاً للقانون الدولي لمسؤولية الدول، "يُعتبر سلوك جهاز تابع للدولة أو شخص أو كيان مُخول بممارسة بعض صلاحيات السلطة الحكومية فعلاً صادراً عن الدولة بموجب القانون الدولي إذا تصرف الجهاز أو الشخص أو الكيان بهذه الصفة، حتى لو تجاوز سلطته أو خالف التعليمات".
لذا، فإن الحكومة الانتقالية مسؤولة عن جميع الانتهاكات التي يرتكبها أفراد أو جماعات خاضعة لسيطرتها، وهي مُلزمة قانونًا، وفقًا لالتزاماتها القانونية، بوقف هذه الانتهاكات فورًا، ومحاسبة مرتكبيها (بشكلٍ حقيقي)، ومنع ارتكاب المزيد من الانتهاكات.
اتخذ الشرع بعض الخطوات العلنية نحو المساءلة عن الانتهاكات، على الرغم من أن المركز السوري للعدالة والمساءلة يُقدّر أن هذه الخطوات سيكون لها تأثير محدود دون بعض التعديلات. في خطابه بتاريخ 9 مارس/آذار، قال الشرع أن كل الذين "تلطخت أيديهم بالدماء" سيُحاسبون، وأن لا أحد فوق القانون. كما أعلن عن تشكيل لجنة تقصي حقائق من سبعة أشخاص للتحقيق في الأحداث التي وقعت على الساحل. وتُكلّف اللجنة بتقديم تقرير إلى الرئيس في غضون 30 يومًا. وفي مؤتمر صحفي بتاريخ 11 مارس/آذار، وعد المتحدث باسم اللجنة، ياسر الفرحان، بتقديم نتائج التحقيق إلى القضاء، بما في ذلك قائمة بالجناة المحتملين. ويشير المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى أن القضاء السوري لا يعمل حالياً، وبالتالي فهو غير مجهز بشكل جيد لتسهيل المساءلة عن هذه الانتهاكات.
التوصيات
نظرًا لعدم وجود إمكانيات محاسبة عبر القضاء حاليًا، يوصي المركز السوري للعدالة والمساءلة بأن تقوم الحكومة الانتقالية بنشر نتائج لجنة التحقيق علنًا. كما يطالب المركز السوري للعدالة والمساءلة من الحكومة الانتقالية ممارسة الشفافية في تعاملاتها مع الجناة، بما في ذلك أولئك الذين تم اعتقالهم من قبل الأمن العام. يجب أن تكون الخطوات المتخذة لضمان المحاسبة شفافة، ويجب أن تكون التهم والمحاكمات علنية.
كما يوصي المركز السوري للعدالة والمساءلة بأن تسمح الحكومة الانتقالية لمراقبين لمستقلين بالدخول إلى اللاذقية وطرطوس للتحقيق في الفظائع. إن السماح لجسم تحقيق مستقل، مثل لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة أو مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر، سيكون خطوة تدل على حسن نية من الحكومة للتحقيق في الفظائع ومحاسبة الجناة. أخيرًا، يطالب المركز السوري للعدالة والمساءلة من الحكومة الانتقالية أن تعمل بشكل عاجل على إنشاء عملية عدالة انتقالية رسمية وفعالة تكسب ثقة السوريين. بدون مثل هذه الآلية، ستستمر الهجمات الانتقامية في الحدوث، حيث قد يشعر الناس بأنهم مضطرون للاستمرار في أخذ الأمور بين أيديهم.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.