أسئلة وأجوبة: رفع دعوى ضد سوريا أمام محكمة العدل الدولية
أصدرت محكمة العدل الدولية بياناً صحفياً بتاريخ 12 حزيران/ يونيو 2023، أعلنت فيه أن هولندا وكندا قد قدّمتا طلباً مشتركاً لتحريك دعوى ضد سوريا، على خلفية ادعاءات متعلقة بممارسة التعذيب. وفي سياق إبراز حجم القتل والمعاناة التي جلبها بشار الأسد وحكومته على المدنيين من خلال ممارسة التعذيب بحقهم، أورد تقرير إخباري في هذا السياق أن هولندا وكندا قدّمتا الطلب سعياً لإلزام سوريا بالتوقف عن ارتكاب تلك الانتهاكات ومنعها. كما جاء في تقرير إخباري آخر أن رفع القضية ضد سوريا جاء عقب أن عطّلت روسيا جهوداً كثيرة بذلها مجلس الأمن من أجل إحالة ملف انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC).
وفي ضوء تداخل الكثير من المسائل، وحرصاً على تفادي حصول خلط مُحتمل بشأن القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية (ICJ)، أعدّ المركز السوري للعدالة والمساءلة قائمة بالأسئلة التي يتكرر طرحها في هذا السياق.
1) لماذا تتم مقاضاة سوريا حالياً؟
مخالفة الالتزامات القانونية الدولية
رُفعت الدعوى ضد سوريا جراء مخالفتها للالتزامات القانونية الناشئة بموجب قانون المعاهدات، وانتهاك أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الصادرة عام 1984 (اتفاقية مناهضة التعذيب، اختصاراً). وتعهّدت سوريا بمجرد أن أصبحت دولة طرفاً في الاتفاقية عام 2004، باحترام كامل الالتزامات القانونية الواردة في الاتفاقية. وتشكّل مخالفة تلك الالتزامات أو عدم الامتثال لأحكام الاتفاقية أفعالاً غير مشروعة دولياً تجعل من الدولة التي ارتكبتها عرضة للمساءلة القانونية. وتعوّل الدعوى على حجج من قبيل "إقدام سوريا على انتهاك عدد لا يُحصى من مبادئ وأحكام القانون الدولي"، ومن ذلك ممارسة التعذيب، وهو ما يشكّل خرقاً للالتزامات المترتّبة على سوريا بموجب أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب.
2) من هي الجهة التي تتم مقاضاتها على وجه التحديد؟
الجمهورية العربية السورية
رُفعت الدعوى ضد الدولة السورية ممثَّلةً بحكومتها ومؤسساتها، وليس ضد رئيسها بصفته الشخصية (ولا ضد غيره من الأشخاص). والهدف من إجراءات الدعوى في هذه الحالة هو طلب إصدار حكم يثبت مسؤولية الدولة السورية عن مخالفة التزاماتها الناشئة بموجب أحكام القانون الدولي، وتحديداً مخالفة الالتزامات الواردة في اتفاقية مناهضة التعذيب، وليس الهدف في هذا السياق أن يتم إثبات المسؤولية الجنائية للأفراد الذين ارتكبوا تلك الانتهاكات، أو أصدروا الأوامر بارتكابها.
3) ما هو الرابط الذي يجمع بين كندا، وهولندا، وسوريا؟
سوريا، كندا، هولندا، هي من الدول الأطراف في نفس الاتفاقية، ألا وهي اتفاقية مناهضة التعذيب.
بموجب أحكام القانون الدولي، تَدين الدولة الطرف لغيرها من الدول الأطراف في الاتفاقية نفسها بواجب احترام، أو ضمان احترام، التزاماتها الواردة في الاتفاقية. وإذا نشب نزاع أو حصل انتهاك لأحكام الاتفاقية من إحدى الدول الأطراف فيها، تصبح الدول الأطراف الأخرى مُخوّلة قانوناً بموجب أحكام المادة 30 (1) من الاتفاقية بالطعن في سلوك الدولة الطرف المخالفة، وإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية كي تتولى الفصل فيه. وبما أن كلاً من هولندا وكندا من الدول الأطراف في نفس الاتفاقية، أي اتفاقية مناهضة التعذيب، فيحق لهما أن تُحيلا نزاعهما مع سوريا إلى تلك المحكمة.
وفي يوم الخميس، الموافق 8 حزيران/ يونيو 2023، وعقب التحقق من استيفاء جميع شروط انعقاد الولاية والاختصاص للمحكمة، تقدمت هولندا وكندا رسمياً بطلب مشترك لرفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية، إيذاناً بتحريك الإجراءات القانونية في هذا السياق.
4) ما هي المحكمة التي ستنظر في القضية؟
محكمة العدل الدولية (ICJ) في لاهاي
أكدت محكمة العدل الدولية مباشرة إجراءات القضية في بيان صحفي صادر عنها في 12 حزيران/ يونيو 2023.
ولا ينبغي في هذا المقام أن يتم الخلط بين محكمة العدل الدولية (ICJ)، والمحكمة الجنائية الدولية( (ICC، حيث تُعدّ هذه الأخيرة (أي المحكمة الجنائية الدولية) هيئة تعاهدية (منشأة بموجب المعاهدات)، وتختص في إثبات المسؤولية الجنائية للأفراد وإقامة الحجة عليهم فيما ارتكبوه من جرائم خطيرة. وأما محكمة العدل الدولية، فهي المحكمة المَعنيّة بفض المنازعات بين الدول عن طريق الفصل فيها من أجل تحديد مسؤولية الدولة، وليس الأفراد، عن الأفعال المرتكبة.
5) ماذا سيحصل تالياً؟
جلسات علنية لطلب إصدار تدابير تحفّظية مؤقتة، أو ما يُعرف بالأوامر المؤقتة.
حرّكت محكمة العدل الدولية إجراءات القضية بمجرد استلامها الطلب المشترك بهذا الخصوص، والذي قدّمه صاحبا الطلب مشفوعاً بمطلب آخر لإصدار تدابير مؤقتة حفاظاً على حقوقهما وحمايةً لها بموجب أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب. وتجدر الإشارة إلى أن التدابير التحفّظية المؤقتة هي عبارة عن أوامر مؤقتة تصبح مُلزِمة قانونياً لأحد طرفي القضية بمجرد صدورها. وعلى سبيل المثال، سبق لمحكمة العدل الدولية أن قضت بإصدار أوامر مؤقتة في قضية ميانمار حفاظاً على الأدلة، ومن أجل وقف ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية. وعليه، فقد حدّدت المحكمة يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 موعداً للجلسة المخصصة للنظر في هذا المطلب تحديداً.
وعقب انتهاء جلسة البتّ في إصدار الأوامر المؤقتة، يقتضي نسق سير الإجراءات المعتاد المرور بمرحلتين. تشمل المرحلة الأولى مُرافَعة خطّية (الإجراء الكتابي)، فيما تنطوي المرحلة الثانية على مرافعة شفوية (الإجراء الشفوي). وتقدّم أطراف القضية في المرافعة الخطية "المرافعات وتتبادلها، بالإضافة إلى تقديم بيان مفصّل بالوقائع، والمحاور القانونية التي يَعتمد عليها كل طرف من أطراف القضية"، فيما يتولى وكلاء الطرفين ومحاموهم في الجزء الشفوي مخاطبة هيئة المحكمة في الجلسات العلنية. وعقب انتهاء جميع خطوات مرحلتي الإجراءات، تقوم محكمة العدل الدولية بإصدار حكمها النهائي (القطعي)، وذلك وفقاً لما تنص عليه لائحة المحكمة، ونظامها الأساسي.
6) هل يجوز للأفراد من السوريين أن يُبرزوا أدلّة أمام المحكمة؟
فقط إذا تم استدعاؤهم من قِبل المحكمة أو إحدى الدول الأطراف في القضية
بشكل عام، وعملاً بأحكام مواد لائحة محكمة العدل الدولية ونظامها الأساسي، لا يجوز للأفراد أن يقصدوا المحكمة للتدخل في سير إجراءات القضية، أو من أجل تزويدها بالأدلة من تلقاء أنفسهم. ومع ذلك، فثمة خيارات متاحة أمام السوريين الأفراد قد تُتيح لهم المشاركة في الإجراءات أو الجلسات دعماً للمحكمة، أو من أجل مساندة الدولة الطرف في القضية. ويجوز للمحكمة أن تستدعي الأفراد للمثول أمامها، كما يجوز أن توجّه الدولة الطرف في القضية دعوة إلى الضحايا والشهود السوريين لحضور الجلسات من أجل تقديم الأدلة/ الإفادات (الشهادات)، لتأييد الادعاء الموجّه ضد سوريا على خلفية ممارسة التعذيب.
7) ماذا يمكن أن يحصل إذا أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً يُدين سوريا؟
سيتحتم على سوريا أن تمتثل لحكم المحكمة الصادر حينها، وبخلاف ذلك فسوف تتم إحالتها إلى مجلس الأمن.
من المحتمل أيضاً أن تُصدر المحكمة أمراً يُلزم سوريا باتخاذ تدابير معينة (الأوامر المؤقتة) من قبيل التوقف عن ارتكاب الأفعال غير المشروعة دولياً، وبما يكفل حماية حقوق أو قيم دولية معينة بهذا الصدد، وقد تُلزَم سوريا بدفع التعويضات للمتضررين من تلك الأفعال.
وتكون الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية نهائية (قطعية) وغير قابلة للاستئناف. وبما أنه قد سبق لسوريا أن وقّعت على ميثاق الأمم المتحدة، فتُعتبر أنها قد تعهّدت سلفاً بالنزول على حكم محكمة العدل الدولية في أي قضية تكون سوريا طرفاً فيها. وإذا لم تُذعن سوريا لحكم المحكمة أو تمتثل لمقتضياته، فيجوز لهولندا وكندا حينها إحالة القضية إلى مجلس الأمن لاتخاذ تدابير أو إجراءات أخرى تكفل إنفاذ مفاعيل الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية.
8. إذا كان عدم امتثال سوريا لمفاعيل الحكم الصادر عن المحكمة سوف يؤدي إلى إحالة المسألة إلى مجلس الأمن الذي وصلت فيه الأمور إلى طريق مسدود أصلا، فما هي جدوى الدعوى المقامة أمام محكمة العدل الدولية حاليا؟
"لا تكمن أهمية الدعوى المقامة أمام محكمة العدل الدولية في نتيجتها فحسب، وإنما في إجراءاتها أيضا"
إذا أصدرت محكمة العدل الدولية (ICJ) حكماً ضد سوريا في هذه القضية، فسوف يساهم ذلك في التأكيد على عدم شرعية الحكومة. وتكتسب الدعوى المرفوعة حالياً أهمية فائقة على الرغم من أنه من غير المرجّح أن تمتثل سوريا لأحكام القرار الصادر ضدها (حال صدوره)، ولا سيما في ضوء غياب التوافق (السياسي) بين أعضاء مجلس الأمن، وهو ما قد يحول دون إحالة ملف الأوضاع في سوريا إلى المحكمة الأخرى، وهي: المحكمة الجنائية الدولية (ICC).
وسوف تُتيح هذه القضية الاستماع لصوت الضحايا السوريين أخيراً، كما قد يعني ذلك أيضاً أنّ أعلى محكمة في العالم قد اعترفت بمعاناتهم وآلامهم رسمياً في نهاية المطاف. كما قد تساعد الدعوى المقامة حالياً في فضح منظومة السلوك الإجرامي الذي تهندسه الدولة السورية وتداوم على اتباعه، فضلاً عن أن حكم المحكمة قد يُسجَّل سابقة (تاريخية وقانونية) توثّق حجم الضرر الخطير الذي لحق بالضحايا وذويهم.
وبصرف النظر عن مدى إمكانية التنفيذ (الفوري والمباشر) لمفاعيل الحكم حال صدوره، فمن شأن تثبيت مسؤولية الدولة السورية عن الانتهاكات المرتكَبة بما يخالف أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب، أن يؤكد على توصيف من تضرّروا وعانوا جراء تلك الانتهاكات على أنهم ضحايا، وتوثيق التعريف القانوني لهم على هذا النحو، ويفتح الباب أمام الملاحقة الجنائية لمرتكبي تلك الانتهاكات في المستقبل. كما من شأن الحكم في حال صدوره ضد سوريا أن يكون له تداعيات سياسية أو دبلوماسية نابعة من إدانة الدولة السورية من قِبل أعلى المحاكم درجة في العالم، وهو ما سيشكّل بدوره أساساً لتدابير (ناعمة) أحادية الجانب، أو جماعية بحق الدولة السورية من طرف الدول الأخرى المعنية بالمسألة. وعلى سبيل المثال، قد ترفع الدول المعنية من مستوى عزلة الحكومة السورية، وتمارس ضغوطاً على دول وأطراف ثالثة تحاول تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية. وختاماً، قد توعز المحكمة بفتح ملف برامج للتعويض وجبر الضرر ستكون لها أهمية قصوى لا غنى عنها في سياق جهود تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا مستقبلاً.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.