1 min read
استمرار ممارسات تجنيد الأطفال في سوريا قبل وبعد سقوط الأسد

استمرار ممارسات تجنيد الأطفال في سوريا قبل وبعد سقوط الأسد

نشر المركز السوري للعدالة والمساءلة في نيسان/أبريل ٢٠٢٤ تقريرًا بعنوان "إنها لا تزال طفلة"، استند إلى مقابلات مع ٢٢ عائلة ووثّق ٢٣ حالة لتجنيد الأطفال بين آب/أغسطس ٢٠٢٢ وحزيران/يونيو ٢٠٢٣. وكشفت المقابلات عن نمطٍ واضح لتجنيد الأطفال في شمال شرق سوريا من قِبل "الشبيبة الثورية"، وهي جهة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. وثّق التقرير كيف قامت الشبيبة الثورية بتجاوز موافقة الأهل من أجل تجنيد القُصّر- غالبًا بالإكراه- ونقلهم إلى مجموعات عسكرية وأمنية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية، مثل وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) لتلقّي التدريب العسكري.

بعد نشر التقرير، شهد السياق السوري تغيّرًا كبيرًا مع سقوط حكومة الأسد في ٨ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٤ وتسلُّم حكومة مؤقّتة بقيادة الرئيس أحمد الشرع للسلطة. وفي آذار/مارس ٢٠٢٥، وقّعت قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية اتفاقًا مع الحكومة المؤقّتة يقضي بدمج المؤسسات العسكرية والمدنية التابعة لهم مع الحكومة المؤقتة بحلول نهاية عام ٢٠٢٥.

واصل المركز السوري للعدالة والمساءلة توثيق حالات تجنيد الأطفال، في ظل هذا التحوّل السريع في الواقع السوري، ورصد زيادة ملحوظة في عدد الحالات منذ التقرير الأخير الصادر في نيسان/أبريل ٢٠٢٤. يقدّم هذا التحديث لمحة عامة عن عشرات الحالات التي تحقق منها المركز بين نيسان/أبريل ٢٠٢٤ ونيسان/أبريل ٢٠٢٥، بما يشمل تحليلًا للأنماط حسب العمر والجنس والمواقع التي تمت فيها عمليات التجنيد. ويأمل المركز السوري للعدالة والمساءلة أن تساهم هذه التحليلات في دعم جهود المساءلة المستقبلية وحماية الأطفال من التجنيد مستقبلًا.

المنهجية

قام موثّقو المركز السوري للعدالة والمساءلة في توثيق حالات تجنيد الأطفال التي تم الإبلاغ عنها عبر الإنترنت أو من خلال التواصل المباشر مع العائلات. وفي الحالات التي تم تتبعها عبر الانترنت، استند المركز إلى مصدرين مستقلين على الأقل لتأكيد أن الطفل قد تمّ تجنيده. ومع أن موثّقي المركز على اطلاع دائم على الحالات ويتابعون وسائل الإعلام المحلية، إلا أن العديد من حالات التجنيد قد لا تكون معروفة بعد للمركز، مما يعني أن العدد الفعلي للأطفال المجنّدين قد يكون أكبر من العدد المذكور هنا، ومع ذلك، فإن الأرقام الواردة تشير إلى أن تجنيد الأطفال لا يزال ممارسة شائعة، بل وازداد خلال العام الفائت، ربما كرد فعل على الأحداث الجارية.

 ارتفاع حالات تجنيد الأطفال بين نيسان/أبريل ٢٠٢٤ ونيسان/أبريل ٢٠٢٥

تحقّق المركز من ٤٩ حالة جديدة لتجنيد الأطفال ما بين نيسان/أبريل ٢٠٢٤ ونيسان/أبريل ٢٠٢٥، مع ارتفاع ملحوظ في بعض الأشهر. وبالتحديد تم تسجيل أعلى معدّلات بعدد الحالات في تموز/يوليو ٢٠٢٤ وآذار/مارس ونيسان/أبريل ٢٠٢٥.

 لاحظ المركز سابقًا أن وتيرة تجنيد الأطفال تزداد عندما تشعر قوات قسد بوجود تهديد أمني، وقد يكون ذلك سبباً في الذروتين الموثّقتين. فتحديدا، في حزيران/يونيو ٢٠٢٤، كانت الإدارة الذاتية تخطط لإجراء انتخابات محلية، لكنها أرجأتها إلى آب/أغسطس من العام ذاته، مما تسبب في توتر بين مجموعات كردية وتركيا. قد يكون ذلك أدى إلى زيادة التجنيد تحسّبًا لهجوم تركي محتمل. وقد تم تجنيد ١٣ طفلاً في شهر تموز/يوليو ٢٠٢٤ وحده، أي ما يعادل تقريباً ٢٦٪ من إجمالي الحالات المسجلة خلال السنة.

سُجل ارتفاع آخر في حالات تجنيد الأطفال في السنة التالية في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل ٢٠٢٥، حيث تم توثيق ١٧ حالة خلال هذين الشهرين مقارنة بـ٣٢ حالة فقط في الأشهر العشرة السابقة. والملاحظ أن الزيادة بحالات التجنيد حدثت في الوقت الذي وصلت فيه الحكومة السورية المؤقّتة وقسد الى اتفاق جديد. حيث يُحتمل أن تكون هذه الزيادة ردة فعل من قسد والإدارة الذاتية على التهديدات المحتملة لاستقلاليتها مع قرب تنفيذ اتفاق الدمج، مما أدى إلى تكثيف جهود "الشبيبة الثورية" في التجنيد.

الانتهاكات حسب العمر والجنس

تراوحت أعمار الأطفال المجنّدين بين ١٢ إلى ١٧ عامًا، وكانت النسبة الأكبر بينهم من صغار المراهقين؛ اذ كان حوالي ٦٩٪ من الأطفال دون سن ال ١٥ عاما وقت التجنيد، ويعد العدد المرتفع للأطفال الأصغر سناً أمراً يستدعي الانتباه، إذ أن تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة كمقاتلين محظورٌ بموجب القانون الدولي الإنساني واتفاقية حقوق الطفل، كما انه يُعتبر جريمة حرب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

من حيث جنس الأطفال المجنّدين، ٦٣٪ من الحالات كانت لأطفال ذكور (٣١ حالة)، مقابل ٣٧٪ لأطفال إناث (١٨ حالة).

تُظهر اتجاهات البيانات القائمة على الجنس، أنّ الفتيان والفتيات القاصرين جرى تجنيدهم بوتيرةٍ متفاوتة، مع ارتفاع في تجنيد الفتيات خلال عام ٢٠٢٥. فمثلا وثّق المركز السوري للعدالة والمساءلة زيادة كبيرة في تجنيد الذكور في تموز/يوليو ٢٠٢٤، حيث تمّ تجنيد ١٢ فتى في شهر واحد مقابل تجنيد فتاة واحدة فقط خلال الفترة ذاتها. في المقابل شهد شهرا آذار/مارس ونيسان/أبريل ٢٠٢٥ ارتفاعا ملحوظا في تجنيد الفتيات، حيث تمّ تجنيد ٧ فتيات في اذار/مارس و٥ فتيات في نيسان/أبريل. وقبل التوصل الى الاتفاق بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية، لم تسجل سوى ٦ حالات لتجنيد فتيات في الفترة بين نيسان/أبريل ٢٠٢٤ ونهاية شباط/فبراير ٢٠٢٥، ما يعكس تصاعداً حاداً في وتيرة تجنيد الفتيات بعد الاتفاق.

أماكن التجنيد

نُسبت جميع الحالات إلى حركة الشبيبة الثورية، وعلى الرغم أنهم جنّدوا الأطفال على امتداد عدة محافظات في سوريا، إلا أنه تم تسجيل أعلى عدد من الحالات في محافظة حلب (٢٨ حالة أو ٥٧٪)، تليها الحسكة (١٥ حالة أو ٣١٪) وثمّ الرقة (٦ حالات أو ١٢٪). و لا يزال المركز السوري للعدالة والمساءلة يحقّق في سبب هذا التفاوت الجغرافي.

 في محافظة حلب، سُجلت الحالات في: كوباني (١٢ حالة)، مدينة حلب (٧)، منبج (٧)، وتل رفعت (٢). أما في الحسكة، فكانت في مدينة الحسكة (٧)، القامشلي (٦)، والدرباسية (١). أما في محافظة الرقة، فجميع الحالات كانت في مدينة الرقة. بعد التجنيد، غالباً ما يتم نقل الأطفال إلى معسكرات تدريب في مناطق أخرى، مما يجعل من الصعب عليهم العودة إلى محافظاتهم الأصلية.

الخلاصة

وثّق المركز السوري للعدالة والمساءلة أن عمليات تجنيد الأطفال استمرت حتى بعد سقوط الأسد، حيث تم تسجيل ٤٩ حالة جديدة من نيسان/أبريل ٢٠٢٤ إلى نيسان/أبريل ٢٠٢٥. أكثر من ثلث هذه الحالات وقعت في آذار/مارس ونيسان/أبريل ٢٠٢٥، بالتزامن مع توقيع اتفاق الدمج بين قسد والحكومة الانتقالية. وقد يشير هذا الارتفاع المفاجئ إلى نمط أوسع من تجنيد الأطفال مدفوعاً بعدم الاستقرار في سوريا. ونظراً لأن دمج قوات قسد العسكرية لم يُحسم حتى وقت النشر، فإن ذلك يترك مجموعات مثل "الشبيبة الثورية" تعمل ضمن إطار هش وغير منضبط، مما يعني أن تجنيد الأطفال قد يستمر إذا لم تتخذ السلطات إجراءات عاجلة.

يجب اتخاذ خطوات لمنع تجنيد المزيد من الأطفال، وتسهيل عودة الأطفال المجندين بسرعة. وفي ضوء هذه النتائج، يقدم المركز السوري للعدالة والمساءلة التوصيات التالية:

إلى قوات سوريا الديمقراطية والجهات التابعة لها:

  • وقف جميع أنشطة تجنيد الأطفال فوراً. يجب إعادة الأطفال المجندين إلى أسرهم بأمان، سواء قبل أو أثناء عملية دمج قسد في مؤسسات الحكومة السورية العسكرية والمدنية.
  • يتعين على قيادة قسد عند دمج قواتها في المؤسسات العسكرية والمدنية للدولة السورية، التنسيق مع الحكومة السورية لمتابعة تحديد هوية الأطفال المتبقين وضمان عودتهم الآمنة الى عائلاتهم، وذلك من خلال تزويد السلطات بمعلومات عن معسكرات التدريب العسكري التي يُحتجز فيها الأطفال، وكافة معلومات الأطفال الذين يعتقد أنهم قد جُندوا. 
  • مشاركة أسماء المتورطين في عمليات تجنيد وانتهاك حقوق الأطفال مع الحكومة السورية للمباشرة بعملية العدالة والمساءلة.

 إلى الحكومة السورية:

  • حل "حركة الشبيبة الثورية" ضمن عملية دمج القوات العسكرية، بسبب نمطها المتكرر في تجنيد الأطفال، كما يجب توقيف الأفراد المسؤولين عن عمليات التجنيد ومحاكمتهم.
  • الالتزام بتطبيق اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها سوريا، من خلال إدانة ممارسات تجنيد الأطفال التي تواصلها الشبيبة الثورية واتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لمنع أي نشاط يتعلق بتجنيد الأطفال.
  • ضمان ملاحقة مرتكبي جرائم تجنيد الأطفال ومرتكبي أعمال العنف ضد الأطفال باستخدام قوة السلاح وفقا للمادة ٤٦ من القانون رقم (٢١) الذي يجرّم استخدام الأطفال وتجنيدهم في الأعمال القتالية. وأن يخضع الافراد المشتبه بارتكابهم لهذه الجرائم ضد الأطفال للمساءلة ضمن آليات العدالة الانتقالية بموجب القانون الدولي، وألا يتم منحهم العفو.
  • وضع خطة لمنع تجنيد الأطفال، تشمل: تحديد الأطفال المجنّدين وإطلاق سراحهم قبل وأثناء اتفاق الدمج مع قسد، وتدريب القوات العسكرية على القوانين المحلية والدولية التي تجّرم تجنيد الأطفال، إضافة إلى إدراج حماية الطفل في العقيدة العسكرية والإجراءات، وتحديد جهة رسمية آمنة للعائلات للإبلاغ عن حالات تجنيد الأطفال.
  • تسهيل عملية تحديد الأطفال المجندين من خلال تعيين مختصين بحماية الطفل ضمن القوى الأمنية، قادرين على التعرف على الأطفال المجندين، وتوفير وصول غير مقيد للجهات المعنية بحماية الطفل الى مراكز التدريب العسكرية للتحقق من عدم تواجد الأطفال فيها.
  • عند إعادة تفعيل سجلات الأحوال المدنية، يجب ان تقترن إجراءات التحقق من السن بالتسجيل الشامل للولادات، بما يتيح التحقق من أعمار الأطفال المحتمل استهدافهم للتجنيد، بما في ذلك اللاجئون العائدون الى سوريا، والأطفال النازحون داخليا، او من المجتمعات المنتمية الى أقليات، ممن هم أكثر عرضة لخطر التجنيد.

إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي:

  • في إطار التواصل الثنائي، حثّ الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (والقوات التابعة لها) على التحقيق في تجنيد الأطفال في شمال شرق سوريا ومحاسبة المسؤولين عنها. وعلى أصحاب القرار في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التأكيد على محاكمة الجناة وحلّ حركة "الشبيبة الثورية" كجزء من محادثات الاندماج مع قسد.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.