1 min read
شركة لافارج تمثل أمام العدالة بتهم تمويل الإرهاب

شركة لافارج تمثل أمام العدالة بتهم تمويل الإرهاب

نُشر المقال الأصلي في موقع جاستس إنفو

بقلم كلوي دوبوا

تنطلق يوم الثلاثاء الموافق للرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري جلسات محاكمة شركة الأسمنت الفرنسية "لافارج" بتهمة دفع مبلغ قدره 5 ملايين يورو لجماعات مسلحة في سوريا خلال الفترة ما بين عامي 2013 و2014. ويُنتظر أن يمثل أمام المحكمة ثمانية أشخاص من المسؤولين التنفيذيين، والمديرين، والوسطاء. وقد يشكل الحكم الصادر عن المحكمة في حال إدانتهم خطوة مهمة على طريق إثبات المسؤولية الجنائية للشركات.                                        

عملية تُوصف بأنها "طويلة ومعقدة وضخمة" من دون شك. تلكم هي الكلمات التي غالبًا ما يلجأ إليها البعض لوصف مجريات سير التحقيقات على مدار ثماني سنوات في قضية لافارج. وتنطلق أولى جلسات المحاكمة يوم الثلاثاء في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ولكنها لن تكون الأخيرة بالتأكيد ولن تشكل محطة النهاية في هذه القضية؛ وذلك لأن شركة الأسمنت الفرنسية المعروفة ستجد نفسها ملزمة بالمثول أمام محكمة الجنايات في باريس في جلسات تمتد حتى 16 كانون الأول/ ديسمبر من العام الجاري بتهم تتعلق "بتمويل تنظيمات إرهابية" و"انتهاك العقوبات المالية الدولية". وأما في القضية الأولى، فتواجه لافارج تهمة دفع مبلغ قوامه 5 ملايين يورو لعدد من المنظمات الإرهابية في الفترة ما بين عامي 2013 و2014 عن طريق الشركة السورية التابعة لها في حينه. وقد تم تحويل هذا المبلغ على دفعات بهدف ضمان استمرار نشاط الشركة داخل سوريا.

 ولذلك فهي محاكمة لا سابقة لها؛ لا سيما وأنه لم يسبق وأن أُحيلت شركة دولية متعددة الجنسيات للمثول أمام القضاء بصفتها الاعتبارية لقاء ارتكاب مثل تلك الأفعال الجرمية.

اتفاق تفاوضي لتخفيف العقوبة في الولايات المتحدة (عقب الإقرار بالذنب)

أقرت "لافارج" منذ عام 2022 بعد اندماجها مع مجموعة هولسيم السويسرية بارتكاب تهمة تمويل منظمات إرهابية عقب إبرامها اتفاقًا تفاوضيًّا لتخفيف العقوبة الصادرة بحقها في الولايات المتحدة، والذي تُلزم الشركة بموجبه بدفع غرامة مالية قوامها 778 مليون دولار أمريكي مقابل وقف إجراءات التقاضي ضدها في الولايات المتحدة. ويقتصر الإقرار بارتكاب تلك التهم على تجريم الشركة بصفتها الاعتبارية، ولم يكن للأشخاص الثمانية الذين أحيلوا للمثول أمام القضاء الفرنسي صلة بإجراءات المحاكمة داخل الولايات المتحدة، وإن كان ذلك من شأنه أن يؤثر سلبًا على قرينة البراءة وفقًا لما أفاد به محامي أحد المتهمين.

وشغل أربعة من المتهمين الثمانية مناصب تنفيذية في لافارج الشركة السورية التابعة لها، وسيُحاكم هؤلاء الفرنسيون الأربعة بتهمة "تمويل تنظيمات إرهابية" و"عدم الامتثال لأحكام نظام العقوبات المالية الدولي"، وهم: برونو لافون الذي شغل منصب المدير التنفيذي للمجموعة حتى عام 2015، وكريستيان هيرو الذي كان يشغل منصب نائب مدير العمليات حينها، وبرونو بيشو وفريدريك جوليبوا، المديران السابقان في الشركة السورية التابعة للمجموعة "لافارج سيمنت سوريا LCS". وأما كل من النرويجي ياكوب فيرنيس، والأردني أحمد الجالودي، والسوري فراس طلاس، والسوري-الأمريكي عمرو طالب، الذين كانوا يعملون في سوريا بالنيابة عن شركة لافارج حينها فسيمثلون أمام المحكمة بتهمة "تمويل تنظيمات إرهابية" فقط.

 وبرغم ذلك، فلا تشمل المحاكمة التهم جميعها المسندة إلى لافارج، حيث أسندت إليها أيضًا تهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية"، وهي الجريمة التي كانت جزءًا من التحقيقات الأولية، ولكن سرعان ما تم فصلها عن باقي التهم قضائيًّا في عام 2023، ولا يزال التحقيق جاريًا في هذه الجزئية من القضية.

وكان لقرار فصل القضية إلى اثنتين بتهم منفصلة وطأة ثقيلة على الأطراف المدعية بالحق الشخصي (الأطراف المدنية) في الدعوى بما في ذلك حوالي 200 موظف سابق في مصنع الأسمنت السوري، حيث يدرك هؤلاء أن الفصل بين القضيتين سيؤدي إلى تأخير تحريك إجراءات المحاكمة التي طال انتظارهم لها. وقالت إيليز لوغال محامية بعض الموظفين في هذه القضية إنها تعد تلك الخطوة الأولى بمنزلة "فرصة للحصول على مزيد من المعلومات المفيدة في سير التحقيقات الجارية". وهي كذلك فرصة لها كي تركز على تفاصيل الدوامة المالية لهذه الشركة الدولية متعددة الجنسيات.

"مدفوعات أمنية" لتنظيم الدولة

بدأت الحكاية في مصنع الجلابية للأسمنت الواقع في شمال شرق سوريا، حيث كان قيد الإنشاء لدى استحواذ لافارج عليه عام 2007، وذلك أعقاب استحواذها على شركة أوراسكوم المصرية للأسمنت. وكان استثمارًا فتح أسواقًا جديدة للشركة لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولكنه زاد من حجم الديون المترتبة على الشركة في الوقت نفسه. وعليه، بدأ إنتاج المصنع السوري في 2010 في منطقة كانت تشي بحصول نمو سريع في الطلب على مادة الأسمنت بما يكفل لشركة لافارج تحقيق العائد على استثمارها في هذا المصنع.

ولكن عقب اندلاع الثورة السورية في 2011، سرعان ما انزلقت البلاد عقب أشهر قليلة في أتون الحرب الأهلية. وبرغم انعدام الاستقرار قررت إدارة لافارج الاستمرار في تشغيل خط الإنتاج في المصنع وتولت شركة "لافارج سيمنت سوريا" إدارة العمليات فيه كونها شركة تابعة للمجموعة التي تملك 98.7% من حصصها. ولم تشرع لافارج بوضع خطط لإخلاء موظفيها الأجانب تدريجيًّا إلا في تموز/ يوليو 2012، أي عندما توقفت الشركات الفرنسية جميعها عن العمل داخل سوريا، ولكن استمر موظفوها السوريون في العمل هناك.

ثم خاضت الجماعات المسلحة قتالًا للسيطرة على المنطقة، الأمر الذي دفع لافارج وشركتها السورية التابعة لها إلى الدخول في مفاوضات مع تلك الجماعات بغرض ضمان وصول شاحناتها وموظفيها إلى المصنع، فضلًا عن التفاوض على إخلاء سبيل الموظفين في حال تعرضهم للاختطاف أو الاعتقال. وما بدأ على شكل "مدفوعات أمنية" سددتها لافارج إلى ثوار الجيش السوري الحر والمقاتلين الأكراد بادئ الأمر سرعان ما تحول إلى مصدر تربُّح عاد بالفائدة على عدد من المنظمات المصنفة إرهابية، لتكتسب هذه الأخيرة نفوذًا تدريجيًّا في المنطقة.

ويقدر قضاة التحقيق الفرنسيون أن الفترة ما بين عامي 2013 و2014 شهدت تحويل لافارج نحو 3.1 مليون يورو على شكل "مدفوعات أمنية" إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، وأحرار الشام. كما يقدر القضاة أن الشركة ضخت نحو 1.9 مليون يورو إلى الشركة المحلية لشراء مواد خام (من قبيل البوزلان "مضافات الأسمنت"، والرمل، والهيدروكربونات البترولية) من موردين "تحت سيطرة تنظيم الدولة". وفرض الجهاديون ضريبة 10% على تلك المعاملات، أي ما يعادل حوالي 187 ألف يورو دُفعت للتنظيم بشكل مباشر على هيئة ضرائب.

استئناف نشاط الشركة عقب إعلان الخلافة

أصبح الوضع غير قابل للاستمرار في صيف عام 2014. ووفقًا لما ورد في قرار الإحالة الذي اطلع عليه موقع "جاستيس إنفو" أغلق المصنع أبوابه وتوقف عن الإنتاج قبل أن يستأنف التشغيل في أوائل أيلول/ سبتمبر عقب التوصل إلى اتفاق مالي مع تنظيم الدولة كان من المفترض أن يظل ساريًا "حتى شباط/ فبراير 2015" وفقًا لما أفاد به قضاة التحقيق. وتشير الوثيقة الصادرة عن المحكمة إلى أن المبلغ المسدد حينها دُفع عقب بضعة أسابيع من إعلان التنظيم عن قيام الخلافة يوم 29 حزيران/ يونيو 2014، وإصدار مجلس الأمن قرارًا بتاريخ 15 آب/ أغسطس من العام نفسه يدين فيه "أي أعمال تجارية على نحو مباشر أو غير مباشر بمشاركة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجبهة النصرة، وسائر الأفراد، والجماعات، والمؤسسات، والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة" (القرار رقم 2170).

ولكن التنظيم الجهادي شكّل خطرًا وشيكًا مع احتمال شن هجوم بتاريخ 18 أيلول/ سبتمبر 2014 على المنطقة، بما فيها مجمع المباني الصناعية، وذلك أثناء وجود نحو 30 موظفًا ممن بقوا في المكان لتشغيل المصنع. وبعد بضعة أيام، صرحت لافارج أمام وسائل الإعلام بأن المصنع مغلق وأنه قد تم إخلاء موظفيه. وفي الواقع لم يغادر أحد المكان، حيث قال أحد الموظفين السابقين إنه "لم يخبرنا أحد بأنه علينا أن نغادر" في مقابلة مع جاستين أوغيير نُشرت في كتاب بعنوان "معنويات الأشخاص". وفي ضوء احتمال وقوع الهجوم الوشيك على المصنع، أُجبر الموظفون على الفرار كل على طريقته، وأضاف الموظف الذي أُجريت المقابلة معه قائلًا: "لو تأخرنا ساعة واحدة لقام تنظيم داعش بقطع رؤوسنا (...) ولم تهتم لافارج لذلك الأمر. ولكننا لذنا بالفرار، وشكلت لنا تلك التجربة ذكرى أليمة بمجرد التفكير بها". ثم نشرت الذراع الدعائية للتنظيم الجهادي مقطع فيديو بعد ثلاثة أيام يظهر فيه مصنع الجلابية للأسمنت تحت سيطرة عناصر التنظيم الذين أسروا أربعة من موظفيه واحتجزوهم رهائن لمدة عشرة أيام قبل أن يطلقوا سراحهم لاحقًا.

ثم نشرت الصحف القصة بعد سنتين، حيث أورد موقع "زمان الوصل" الإخباري السوري الخبر في شباط/ فبراير 2016، وفعلت صحيفة "لوموند" الفرنسية الشيء نفسه في حزيران/ يونيو من العام نفسه. وتم تحرير بلاغين بهذا الخصوص، إيذانًا بانطلاق معركة قانونية طويلة.

قرار تاريخي بإدانة شركة لافارج بصفتها الاعتبارية

تقدمت وزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية بالشكوى الأولى في أيلول/ سبتمبر 2016، واتهمت الشركة فيها بانتهاك أحكام الحظر الاقتصادي الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على سوريا، والذي نص على حظر إقامة أي علاقات مالية أو تجارية مع النظام السوري والجماعات التي تشملها عقوبات الاتحاد الأوروبي بما فيها تنظيم الدولة. وبعد شهرين، تقدم بالشكوى الثانية لدى مدعي عام مكافحة الإرهاب أحد عشر موظفًا سوريًّا واثنتين من المنظمات غير الحكومية، وهما: منظمة شيربا (لمكافحة الجريمة المالية) والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان اتهموا فيها مجموعة لافارج وشركتها السورية التابعة لها (لافارج سيمنت سوريا) وعددًا من المسؤولين التنفيذيين فيها "بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية"، "وتمويل تنظيمات إرهابية"، "وتعمد تعريض حياة الآخرين للخطر" وغير ذلك من الجرائم ذات الصلة.

 وفي حزيران/ يونيو 2017، فتُح تحقيق قضائي أفضى إلى توجيه الاتهام رسميًّا إلى المديرين التنفيذيين في شركة الأسمنت الفرنسية. ولكن القضية اتخذت بُعدًا جديدًا بالكامل في حزيران/ يونيو 2018 عندما أدينت شركة لافارج بصفتها الاعتبارية بتهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية". ولعل ذلك القرار التاريخي كان أهم مجال من مجالات مجريات سير القضية بأكملها كما صرحت آنا كيفر مسؤولة التقاضي والمناصرة في منظمة "شيربا". وشهدت القضية صدور قرار من قضاة التحقيق للمرة الأولى على الإطلاق ينص على أن "المسؤولية الجنائية عن الجرائم الدولية لا تقتصر على الأفراد حصرًا" وإنما يمكن أن تقع على عاتق الشركة أيضًا. وشكل القرار سابقة قضائية كما ورد على لسان كانيل لافيت، المدير المشارك لقسم الأعمال وحقوق الإنسان لدى المركز الأوروبي كونه يبرهن "قبل كل شيء على إمكانية تجريم الشركة الأم لقاء الأفعال التي ترتكبها إحدى الشركات التابعة لها في الخارج" كما قالت. وأضافت المحامية أن ذلك يساهم في "تفكيك زعم الإدارة التنفيذية التي غالبًا ما تحاول الاختفاء خلف شركاتها التابعة لها على الرغم من أنها تسيطر عليها وتتحكم برأسمالها وفي بنيتها وهيكليتها التراتبية الإدارية فضلًا عن أنها، أي الشركة الأم، تحقق دخلًا وعوائد لها عن طريق الشركات التابعة لها أيضًا".

وتكررت محاولات الاستئناف والطعن في تلك القرارات الصادرة بخصوص تلك التهم. ولكن بعد سنين من "الشد والجذب والمفاجآت القانونية"، وهي تفاصيل حرص موقع جاستيس إنفو على تغطيتها في 2022، أكدت محكمة التمييز الحكم الصادر بإدانة لافارج بصفتها الاعتبارية في 16 كانون الثاني/ يناير 2024.

نصرٌ مقرون بانتكاسات للأطراف المدنية في الدعوى

بقدر ما يُعد الحكم الصادر عن أعلى محكمة في فرنسا بمنزلة انتصار للأطراف المدنية في القضية، فهو يشكل انتكاسة كبيرة لها في الوقت نفسه؛ وذلك لأن القضاة نقضوا في نص القرار التهم الأخرى المتعلقة "بتعريض حياة الآخرين للخطر". وقضت محكمة التمييز بعدم إمكانية استفادة الموظفين السوريين في الشركة التابعة من أشكال الحماية المنصوص عليها في قانون العمل الفرنسي، واعتبرت المحكمة أن عقود العمل الخاصة بهؤلاء الموظفين تخضع لأحكام القانون السوري؛ نظرًا إلى أن محل العقد أو علاقة العمل التي جمعت الطرفين كانت داخل سوريا.

كما تطال تبعات نقض التهمة الأخرى أكثر من 200 موظف آخر حركوا دعاوى الحق المدني ضد الشركة. وإلى جانب تهمة "التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية"، كانت تهمة "تعريض حياة الآخرين للخطر" الأساس الوحيد الذي قد يتيح للموظفين الحصول على التعويضات لقاء ما تعرضوا له من ضرر. وفي واقع الحال، أصدرت محكمة التمييز قرارًا آخر بتاريخ 20 نيسان/ أبريل 2022 خلص فيه القضاة إلى رد دعوى الحق الشخصي المرفوعة بناء على تهمة تمويل الإرهاب. وعلى غرار ما أشارت إليه لوغال، أوضح المحامي ماثيو باغار التفاصيل قائلًا إن "نص الحكم يفيد بأن هذا الجُرم هو بحكم طبيعته منافٍ للمصلحة العامة ولا يمكن أن يشكل ضررًا مباشرًا وشخصيًّا لأي فرد. ولكن لا يأخذ القرار في الحسبان الطبيعة الخاصة لظروف المدعين بالحق الشخصي، وحجم الضرر الشخصي الذي تعرضوا له جراء عمليات التمويل المخالفة للقانون".

ويمثّل المحاميان حوالي 60 موظفًا من موظفي مصنع الجلابية سابقًا، وهما بصدد الطعن في هذا التأويل أو التفسير القانوني بمجرد أن تنطلق جلسات المحاكمة؛ نظرًا لوجود "رابط" واضح بين الخطر الذي تعرض له الموكلون وعملية تمويل المنظمات الإرهابية وفقًا لما أفادت به المحامية لوغول، والتي أضافت قائلة: "اضطر موظفو (لافارج سيمنت سوريا) إلى التوجه إلى مصنع الجلابية يوميًّا والمرور بحواجز أقامتها جماعات الثوار المسلحة عمومًا، وأخرى تابعة للإرهابيين أيضًا الذين مولتهم لافارج لضمان استمرار حركة عبور المركبات. وشكلت تلك الرحلات اليومية خطرًا دائمًا على حياة أولئك الموظفين لا سيما وأنه كان يتم إيقافهم لدى مرورهم بتلك الحواجز، وكانوا عرضة للاستجواب، أو الاحتجاز، أو الاختطاف في بعض الأحيان. وبعبارة أخرى، كانت حياتهم باستمرار معلقة بكل معنى الكلمة بالمدفوعات التي سددتها الشركة لتلك الجماعات كي تبقى الطرق مفتوحة. وبالتالي، ما كان الموظفون ليتعرضوا لمثل ذلك الخطر لولا وجود تلك المدفوعات، لا سيما وأن جريمة تمويل تنظيم إرهابي خلق بشكل فوري الظروف التي تسببت لهم بالضرر الحاصل."

كما تكتسي قضية الحصول على التعويضات أهمية كبرى بالنسبة لموظفي شركة لافارج سيمنت سوريا تحديدًا. ففي ضوء استمرار اعتبارهم أطرافًا مدنية (مدعية بالحق الشخصي) في التحقيقات بتهمة "التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية"، ليس هناك ما يضمن انطلاق جلسات المحاكمة الثانية أصلًا. ولكن يضيف باغار قائلًا إنه "يمكننا أن نرى أن شركة لافارج قد تمكنت بعد مرور 12 سنة على تلك الأحداث من التعافي جيدًا عقب ما تعرضت له من انتكاسات قانونية، ولكن يظل الكثير من العمال رهن ظروف وأوضاع هشة، وغير قادرين على العثور على فرصة عمل" داخل سوريا أو خارجها.

وتظل المسألة الرئيسية بالنسبة للأطراف المدنية في الدعوى عقب انطلاق جلسات المحاكمة يوم الثلاثاء أمرًا منوطًا بمدى إمكانية الاستماع لشهادات موظفي مصنع الجلابية على ذمة المحاكمة الأولى واحتمال أن تأخذ المحكمة بها قانونيًّا. ويصر لافييت قائلًا: "إن المرافعات والحجج التي يسوقها الدفاع قد تكون أحيانًا فنية في تفاصيلها، ولكن لا ينبغي لها أن تموه على حقيقة الآثار الفعلية التي طالت حياة هؤلاء الأشخاص لا سيما وأنهم لم يحظوا بحماية سليمة".

حول دور السلطات الفرنسية

وبخلاف إثبات المسؤولية الجنائية للمجموعة ومديريها، قد تتيح المحاكمة تسليط الضوء على بعض المناطق الرمادية أو شبه المبهمة، والحديث هنا تحديدًا عن دور السلطات الفرنسية في هذه القضية. فلقد أثبتت التحقيقات في السنوات الأخيرة أن بعضًا من المسؤولين التنفيذيين في لافارج قد مرر معلومات إلى أجهزة الاستخبارات الفرنسية؛ وهنا نتساءل: هل كانت تلك الأجهزة على علم بالمدفوعات المزعومة التي قدمتها هذه المجموعة الدولية للتنظيمات الإرهابية؟

وما من شك في أن المسألة حساسة نوعًا ما، لا سيما في سياق سعي الدبلوماسيات الغربية، بما فيها الفرنسية أيضًا، إلى إعادة العلاقات مع سوريا التي أصبحت الآن تحت قيادة جهادي سابق، وهي مسألة ستكون على الأرجح في صلب مرافعة محامي الدفاع في هذه القضية، وخصوصًا محامية كريستيان هيرو، نائب المدير السابق للعمليات، والذي حرص غير مرة طوال مجريات سير القضية على الزعم بأن السلطات الفرنسية قد "شجعت" مجموعة لافارج من خلال وزارة الخارجية الفرنسية على متابعة نشاطها في سوريا. وهي مزاعم شددت عليها محاميته سولانج دوميك التي تعتقد أن المسألة "تشكل أحد العناصر الرئيسية في هذه القضية".

 ________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.