
إنهاء وضع الحماية المؤقتة للسوريين: دعوة لتمديد الحماية المؤقتة لمدة ستة أشهر في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار
أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية في 19 أيلول/سبتمبر 2025، عن إنهاء العمل بوضع الحماية المؤقتة للمواطنين السوريين، وذلك اعتبارًا من 30 أيلول/سبتمبر 2025. وسيكون أمام حاملي وضع الحماية المؤقتة السوريين مهلة حتى 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 لمغادرة الولايات المتحدة طوعًا أو البحث عن مسارات هجرة بديلة للبقاء فيها. ويؤثّر هذا القرار على أكثر من 6,000 سوري يقيمون في الولايات المتحدة بموجب هذا الوضع، كثيرٌ منهم منذ أكثر من عقد. ويثير هذا التحوّل المفاجئ في السياسة مخاوف، ولا سيما في ظل الأوضاع السائدة في سوريا، التي ما تزال غير آمنة للعودة.
المخاطر الأمنية على العائدين
على الرغم من سقوط نظام الأسد، ما تزال سوريا تواجه تحديات إنسانية واقتصادية وأمنية خطيرة تجعل العودة الآمنة أمرًا مستحيلًا. ولا يزال تصنيف وزارة الخارجية الأميركية بشأن سوريا عند المستوى الرابع: "عدم السفر"، مستندةً إلى مخاطر الإرهاب والاضطرابات المدنية والاختطاف والنزاع المسلّح. وتؤكّد الوزارة صراحةً أن أية منطقة في سوريا ليست بمنأى عن العنف، وأن مخاطر العودة لا تزال جسيمة.
كما أوصت وزارة الخارجية الأميركية مواطنيها الموجودين في سوريا بمغادرتها، في بيانات عامة صدرت مؤخرًا في تموز/يوليو 2025. وأعادت التأكيد على أن عمليات السفارة الأميركية ما تزال معلّقة، محذّرةً من أن الحكومة الأميركية غير قادرة على تقديم الخدمات القنصلية أو المساعدة الطارئة في سوريا بسبب حالة انعدام الأمن السائدة.
قدّمت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية إلى مجلس حقوق الإنسان في آب/أغسطس 2025 تحقيقًا مفصّلًا في الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد المدنيين عقب انهيار نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024. ويوثّق التقرير سلسلة من الهجمات المنسّقة التي بدأت مطلع آذار/مارس 2025، إثر عملية نفّذتها السلطات المؤقتة استهدفت بقايا قوات الحكومة السابقة. وقد أشعل ذلك ردّ فعل عنيفًا أسفر عن مجازر واسعة النطاق، راح ضحيتها ما يقرب من 1,400 شخص، معظمهم من المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال. وشملت هذه الأفعال القتل والتهجير القسري وتدمير الممتلكات والنهب، الأمر الذي ساهم في تكريس حالة من عدم الاستقرار وإشاعة مناخ من الخوف في العديد من المجتمعات.
على الرغم من جهود الحكومة المؤقتة الجديدة لاستعادة السيطرة بحلول منتصف آذار/مارس، استمرّت أعمال الانتقام وحوادث العنف المتفرّقة. وشملت هذه الانتهاكات جرائم خطيرة مثل القتل والاعتقال التعسّفي والتعذيب والعنف الجنسي وعمليات الخطف والهجمات على المرافق الطبية. ومن المرجّح أن تُشكّل هذه الأفعال جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ولا تزال التوتّرات الطائفية قوّة مهيمنة في تشكيل المشهد الأمني في سوريا، فيما يُعدّ العنف الموجّه ضد الأقليات سمةً متكرّرة، كما لا يزال الاعتقال التعسّفي منتشرًا على نطاق واسع. والأهم من ذلك أنّه، رغم عدم تحديد أي خطة موحّدة أو توجيه حكومي لارتكاب هذه الجرائم، فإن نمط الانتهاكات وحجمها يشيران إلى فشل عميق في إرساء السيطرة الفعّالة والمساءلة ضمن قوات الأمن الانتقالية.
وقد أعرب الاتحاد الأوروبي أيضًا عن مخاوفه بشأن سلامة العودة إلى سوريا. وخلص مجلس الاتحاد الأوروبي، بالتوافق مع تقييمات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أنّ "الظروف في سوريا حاليًا لا تسمح بعمليات عودة طوعية واسعة النطاق، نظرًا للأوضاع الإنسانية والاقتصادية والأمنية." ويؤكّد الدمار الشامل للبنية التحتية، بما في ذلك المساكن والمدارس والمستشفيات والمرافق العامة، إلى جانب الانتهاكات المستمرّة لحقوق السكن والأرض والملكية، حجم المخاطر التي يواجهها العائدون.
كما وثّقت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء العوائق المستمرّة أمام العودة المستدامة، بما في ذلك تدهور الأوضاع الاقتصادية، وانتشار البطالة، ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية.
ولا تفي الظروف الراهنة في سوريا بالمعايير الدنيا للعودة الطوعية كما حدّدتها الأطر الدولية. إذ تؤكّد المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن النزوح الداخلي على وجوب أن يتمكّن العائدون من العودة بأمان وكرامة، مع ضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية، والحماية من العنف، واستعادة حقوق السكن والأرض والملكية. وبالمثل، تشترط إرشادات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الخاصة بالعودة الطوعية أن تتمّ عودة اللاجئين بحرّية ومن دون إكراه، مع توفير الحماية القانونية والدعم المادي الكافي لتمكينهم من إعادة الاندماج بشكل مستدام. إنّ الانعدام المستمرّ للأمن في سوريا، والدمار الواسع للبنية التحتية، ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، يجعل من المستحيل تلبية هذه المعايير الجوهرية.
الأوضاع الإنسانية في سوريا ما تزال غير مناسبة للعودة
يُخلّف إنهاء وضع الحماية المؤقّتة للسوريين عواقب بعيدة المدى ومُربكة للأسر المقيمة في الولايات المتحدة. لدى العديد من السوريين الحاصلين على وضع الحماية المؤقّتة أطفالٌ يحملون الجنسية الأمريكية، وقد قضوا سنوات نشأتهم كاملة في المدارس الأميركية. وغالبًا ما يكون هؤلاء الأطفال أكثر ارتياحًا باستخدام اللغة الإنكليزية، مع إلمامٍ محدود — إن وُجد — باللغة العربية. وسيؤدّي الترحيل القسري إلى انقطاعٍ مفاجئ في تعليمهم، ما يجعل إعادة اندماجهم في النظام المدرسي السوري أمرًا بالغ الصعوبة، سواء بسبب عائق اللغة أو الاختلافات العميقة بين المناهج الدراسية في الولايات المتحدة وسوريا. وقد تضرّر النظام التعليمي السوري بشدّة نتيجة سنوات الحرب، فيما تعاني العديد من المدارس من ضعف التمويل، ما يحول دون قدرتها على توفير الموارد أو الدعم الأساسي. تهدّد هذه الخطوة النتائج التعليمية على المدى الطويل، وقد تُسبّب صدمةً نفسيةً شديدة للأطفال الذين يُعرّفون أنفسهم ثقافيًّا واجتماعيًّا كأمريكيين. ويواجه الأهالي قرارات صعبة بشأن ما إذا كانوا سيُفكّكون أسرهم للحفاظ على أطفالهم المولودين في أمريكا في بيئةٍ أكثر أمانًا أو ألفة، أو إخراج الأطفال من الفصول الدراسية في منتصف العام الدراسي وتعطيل تعليمهم، ومواجهة خطر الترحيل كأسرة واحدة.
إلى جانب العقبات التعليمية، فإن عائلات برنامج الحماية المؤقتة معرضة لفقدان وظائفها المستقرة وسكنها، وغالبًا دون وجود وسيلة واقعية لتغيير هذه الأساسيات الحياتية في غضون ستين يومًا فقط. كما أن البنية الاقتصادية في سوريا في أزمة: البطالة مرتفعة للغاية، ومعظم الوظائف إمّا غير رسمية أو غير مستقرة، كما أن انتشار الفقر والتضخم جعل الاحتياجات الأساسية خارج متناول اليد. ولا يمكن للمساعدات الإنسانية تعويض انهيار دعم القطاع العام أو غياب فرص العمل الهادفة للعائدين. يمتلك العديد من السوريين في الولايات المتحدة روابط عميقة مع مجتمعاتهم، وقد شغلوا وظائف لسنوات، وقد يكونون المعيلين الأساسيين الذين يدعمون أفراد أسرهم في الولايات المتحدة وخارجها. إن إنهاء تصريحهم للعمل والإقامة في الولايات المتحدة بشكل مفاجئ سيجعلهم في سباق مع الزمن لحل مسائل الإيجارات، أو بيع الممتلكات، أو إغلاق الأعمال، أو تأمين استمرارية الرعاية. هذه الأعباء اللوجستية تكاد تكون مستحيلة الحل بشكل مسؤول ضمن إطار زمني قصير كهذا.
تتضاعف هذه التحديات بالنسبة لأولئك الذين يعانون من حالات صحية مزمنة. إذ تفتقر سوريا إلى البنية التحتية الصحية اللازمة لدعم الأسر العائدة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 57٪ من المستشفيات و37٪ فقط من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل بكامل طاقتها، بالإضافة إلى نقص الإمدادات الطبية والكوادر والمرافق الحيوية، مما يترك أكثر من 15 مليون سوري بحاجة ماسة للرعاية. وتُشكّل العودة إلى سوريا بالنسبة للأسر الحاصلة على وضع الحماية المؤقتة والتي تعاني من حالات صحية خطيرة أو مزمنة خطر فقدان الوصول إلى الأدوية الأساسية، أو الرعاية المتخصصة، أو العلاج الطارئ. إن النقص الحاد في الإمدادات، وتضرّر المرافق، والفجوة البالغة 81٪ في تمويل الرعاية الصحية الإنسانية تجعل العلاج شبه مستحيل وتعرّض الأرواح للخطر.
في النهاية، يضع هذا التحول في السياسة آلاف الأسر في موقف خطير، مع مخاطر جسيمة على أمن الأطفال ورفاههم، واستمرارية الرعاية، والمستقبل التعليمي والاقتصادي لمجتمعات بأكملها.
أهمية تمديد وضع الحماية المؤقتة لستة أشهر
نظرًا للفجوة بين الظروف غير الآمنة في سوريا والجدول الزمني المفاجئ الذي فرضته الحكومة الأميركية، فإن تمديد وضع الحماية المؤقتة لمدة ستة أشهر من شأنه أن يحقق عدة أهداف عملية. سيتيح ذلك وقتًا للأفراد المتضررين لتقييم الخيارات المتاحة لهم وإعداد الترتيبات اللوجستية المتعلقة بالانتقال أو تغيير مكان الإقامة. كما يمنح الحكومة الأميركية فرصة لمراقبة الأوضاع في سوريا، وإعادة تقييم إمكانية العودة، وضمان استناد القرارات إلى معايير شفافة.
يتماشى التمديد مع السوابق في إدارة وضع الحماية المؤقتة في الولايات المتحدة. ففي حالات سابقة، قامت الحكومة بتمديد فترات الحماية حينما استمرت الظروف في البلاد في تشكيل مخاطر على العائدين. ولا يُعد هذا التمديد مفتوحًا أو ضمانًا للإقامة الدائمة، بل هو فترة انتقالية مصمّمة للتخفيف من الضرر.
التوصيات:
ينبغي على الإدارة الأميركية:
- إصدار تمديد لمدة ستة أشهر لأصحاب الحماية المؤقتة السوريين، مع تقديم إرشادات واضحة وبروتوكولات تنفيذية، بما في ذلك أحكام حماية لتجنب الترحيل الفوري.
- إدراج استثناءات أو إعفاءات لمن يواجهون صعوبات طبية أو تعليمية أو إنسانية، بما في ذلك الأطفال في منتصف الفصل الدراسي والأفراد الذين يتلقون علاجًا طبيًا ضروريًا.
- إعادة النظر في معايير التقييم المستخدمة لتقييم الأوضاع في سوريا، بما في ذلك مواءمة قرارات وضع الحماية المؤقتة مع المصادر الحكومية الأميركية الحالية مثل تحذيرات السفر الصادرة عن وزارة الخارجية والمؤشرات الموثوقة الأخرى المتعلقة بالسلامة والبنية التحتية وإمكانية العودة.
- التعاون مع الوكالات الأميركية والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية لمراقبة الأوضاع الإنسانية والأمنية في سوريا، بما في ذلك عمليات إعادة الإعمار، والوصول إلى الخدمات، وحماية حقوق السكن والأرض والملكية.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم الملاحظات، يرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة عبر البريد الإلكتروني [email protected] ، ومتابعتنا على فيسبوك و منصة X، والاشتراك في النشرة الإخبارية للمركز السوري للعدالة والمساءلة للاطلاع على آخر المستجدات حول عملنا.