1 min read
محنة اللاجئين السوريين في السودان
الخرطوم (CC:Arwa51o)

محنة اللاجئين السوريين في السودان

عقب سنوات من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، اندلعت في 15 أبريل/ نيسان 2023 صدامات مسلحة عنيفة بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.  وأدى استمرار أعمال العنف إلى نزوح ما لا يقل عن 3.3 مليون شخص، بينهم لاجئون ومهاجرون سوريون وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الفرار من مناطق النزاع مجدداً. وتقطعت السبل بالسوريين مع اندلاع النزاع في السودان، وظلوا حبيسي منازلهم محرومين من خدمات الكهرباء والمياه والغذاء.  ووقع من قرر أن يفرّ من السودان ضحية لأعمال النهب. وبالنسبة لتجمعات السوريين التي ظلت تعاني الهشاشة والضعف قبل اندلاع أعمال العنف أصلاً، يشكّل الصراع في السودان خطراً إضافياً عليهم من حيث احتمال اضطرارهم إلى النزوح والتشرد مجدداً، سواء داخل السودان أو خارجه، ولا سيما أن الكثير منهم قد يجد نفسه مُكرهاً على العودة إلى سوريا مجدداً، على الرغم مما يتربص به هناك من مخاطر أمنية وتهديد خطير لسلامته، فضلاً عن توعد الحكومة السورية ذات السجل الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، وتربّصها بالسوريين العائدين عقب فرارهم منها آنفاً.

السوريون في السودان

عقب اندلاع الانتفاضة السورية في عام 2011، أصبح السودان، وبشكل غير متوقّع، ملاذاً لما يُقدّر بنحو 150 ألف لاجئ سوري، حيث أعفى السودان السوريين من تأشيرة الدخول، وسمح لهم بالإقامة والعمل، وذلك حتى العام 2020، الأمر الذي جعل من السودان عموماً، والخرطوم خصوصاً، وجهة مُحبّذة لدى الكثيرين، ولا سيما الشباب السوري الفارّ من الخدمة العسكرية الإلزامية.  ورحّب الشعب والحكومة بالسوريين الذين عوملوا معاملة "الضيف" وليس "اللاجئ" بادئ الأمر، ووصل الأمر في عام 2019 إلى حد اعتبار كل سوري مضى على إقامته في السودان أكثر من ستة أشهر مؤهّلاً لتقديم طلب الحصول على الجنسية السودانية. وسرعان ما تمكن السوريون من الاندماج في الاقتصاد، وفتحوا محالّ تجارية ومطاعم، ونُسب إليهم الفضل في تطوير قطاع المطاعم وازدهاره في الخرطوم. ولكن لم يُعمَّر ذلك النجاح طويلاً عقب انهيار الاقتصاد صبيحة الإطاحة بنظام عمر البشير القمعي في 2019، حيث وُضع السوريون تحت المجهر بالتزامن مع تسلّم الحكومة الانتقالية مقاليد الحكم، وتضييق الخناق على السوريين من خلال اشتراط استيفاء رسم إصدار تصريح عمل لقاء مبلغ قوامه 450 دولاراً أمريكيا، والتراجع عن قرار إعفاء السوريين من تأشيرة الدخول في عام 2020. وسرعان ما بدأت العلاقات المجتمعية السورية السودانية بالتدهور في ظل الأزمة الاقتصادية، والنظر بعين الحسد إلى ما حقّقوه من نجاح اقتصادي نسبي في البلاد. وبالتزامن مع تفاقم صعوبة أوضاع السوريين في السودان، انهارت المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إيذاناً باندلاع القتال في الخرطوم وعموم أنحاء السودان.

عالقون بين مطرقة تبادل إطلاق النار، وسندان مخاطر النزوح مجدداً

تابع السوريون برعب مشاهد اتساع رقعة الصدامات المسلحة العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي سرعان ما طالت عموم أنحاء البلد الذي قصدوه طلباً للأمان. وهال السوريين ما شاهدوه من سرعة انتشار النزاع وفوضويته على نحو فاق ما عهدوه بشأن سرعة تطور النزاع في سوريا وانزلاق الأمور نحو الفوضى هناك. وتُرك العالقون في مناطق القتال في العاصمة الخرطوم، وأم درمان، المدينة التوأم للعاصمة، من دون إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية وضرورات الحياة.  وظلت محاولات مغادرة العاصمة باتجاه دول الجوار مثل مصر، وتشاد، وإثيوبيا، أو حتى السعودية، عبر ميناء بورتسودان، محفوفة بالمخاطر، والتحدّيات التي صعّبت الأمور على السوريين تحديداً.

وعلاوة على استمرار القتال بين القوات شبه العسكرية والقوات الحكومية، تنامت ظاهرة انتشار عصابات قُطّاع الطرق في البلاد التي ارتكبت أعمال النهب، والابتزاز، والعنف، والقتل.  كما أُجبر السوريون والسودانيون ممن سعوا إلى مغادرة الخرطوم باتجاه بورتسودان، على تحمّل تكاليف نقل وصلت أحياناً إلى عشرة أضعاف المبالغ التي كان يتمّ تقاضيها قبيل نشوب النزاع.  وبسبب تدفق أعداد كبيرة من النازحين على مدن مثل بورتسودان، ارتفعت إيجارات المنازل بشكل كبير، الأمر الذي حمَل الكثير من السوريين على افتراش الطرقات والنوم في العراء.

وسرعان ما تبلورت تحدّيات وأخطار إضافية خاصة بالسوريين، تحديداً لدى محاولتهم الفرار من السودان باتجاه دول الجوار. وأما من قصَد مصر عبر الصحراء منهم، فقد تعذّر عليه أن يعثر على الماء أحياناً قبل أن يتم ردّه عند الحدود المصرية بسبب جنسيته السورية.  كما ظلت الخيارات المتاحة أمام السوريين الذين يعانون الأمرّين في بورتسودان المكتظة بقاصديها خيارات محدودة.  ويكاد يكون التوجّه إلى السعودية عبر البحر الأحمر كما فعل الكثير من السودانيين، ضرباً من المستحيل على السوريين الذين لا يحملون تأشيرة دخول أو عمل في المملكة، أو إذا لم تتوفر بحوزتهم دعوة زيارة من أقاربهم أو العائلات المقيمة هناك.  وأما الفرار باتجاه الحدود الإثيوبية فيستدعي من السوريين سرعة التأقلم مع لغة وثقافة جديدة أثناء مرورهم بمنطقة لا تزال هي الأخرى في طور التعافي من تبعات الحرب في إقليم تيغراي، ومحاولة تثبيت دعائم الاستقرار فيها. وعلاوة على كل تلك الإشكاليات، ثمة عدد لا يُحصى من السوريين ليس بحوزته جواز سفر سوري ساري المفعول، وهو ما يجعل إمكانية مغادرة البلاد بشكل قانوني أمراً غير وارد، ولا سيما أن الكثير منهم كان بانتظار تجديد جواز سفره لدى السفارة السورية في الخرطوم قبل أن يُفاجأ بالإعلان عن إخلاء مبنى السفارة لدى اندلاع القتال. وهو ما ينسحب على من كان منهم بانتظار البتّ في طلبه الحصول على تأشيرة دخول إلى بلدان الغرب، حيث تعقدت أوضاعهم عقب بقاء جوازات سفرهم داخل مباني السفارات التي تم إخلاؤها وإغلاق أبوابها. وفي ظل انعدام الخيارات تقريباً، وجد السوريون الذين تقطّعت بهم السبل داخل السودان أنفسهم في مواجهة خيار مغادرة البلاد بشكل غير قانوني، أو العودة إلى سوريا.

العودة إلى سوريا

وبالنسبة للسوريين، فإن أخطر ما يتربص بهم جراء تبعات النزاع السوداني الدائر يتمثل في الاضطرار إلى العودة القسرية إلى سوريا، حيث يعني ذلك فيما يعنيه لهم مجرد استبدال نزاع مسلح بآخر، إذ لا تزال الأوضاع الأمنية في سوريا شديدة التقلب، وتظل السيطرة على الأرض موزعة بين قوات الحكومة السورية، وسلطات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والجيش الوطني السوري المدعوم تركياً، والجماعات المسلحة من غير الدولة من قبيل هيئة تحرير الشام.  وأما من يتم إخلاؤه إلى المناطق الخاضعة لسلطات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فسيجد نفسه عرضة لخطر توغلات قوات الجيش السوري وتركيا، فضلاً عن تبعات القلاقل وعدم الاستقرار والقتال الذي نشب مؤخراً بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والعشائر العربية في دير الزور.  كما إن انهيار الاقتصاد السوري، والدمار الذي خلفه زلزال 2023 شمالي البلاد، قد أتيا على ما تبقى من قدرات محدودة لتوفير الخدمات الأساسية للشعب السوري. وردّت السفارة السورية على من طلب مساعدة الحكومة في عمليات الإخلاء بعدم إمكانية التحرك وتقديم شيء في هذا المجال قبل أن يُصار لاحقاً إلى تسيير رحلتين لإخلاء العالقين جواً إلى دمشق عبر شركة "أجنحة الشام" المملوكة للدولة، وما رافق ذلك من اتهامات لها بطلب دفع رشوات من المسافرين كي يتم حجز مقعد لهم على متن الرحلة المغادرة.

وختاماً، فأن أعظم ما يتربص بالسوريين من خطر لدى عودتهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة هو التعرض للاضطهاد من طرف الحكومة السورية نفسها. وكما ورد آنفاً، غادر الكثير من الشباب السوري إلى السودان فراراً من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وألقى مسؤولو الأجهزة الأمنية السورية القبض على من اضطر إلى العودة منهم بمجرد وصوله مطار دمشق.  وأما من يُعتقد أنه في صفوف المعارضة واضطُر إلى العودة، فقد وجد بانتظاره أوضاعاً أشد سوءاً، والاضطهاد، والتمييز ضده، واستهدافه بانتهاكات حقوق الإنسان، وصولاً إلى حد الإعدام على أيدي النظام.

استنتاجات وتوصيات

يظل الاحتمال قائماً بأن يقع السوريون العالقون في السودان ضحايا بشكل مباشر للنزاع المستعِر بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية. ولا مفر أمام النازحين داخلياً من السوريين سوى التوجّه إلى بورتسودان التي أصبحت تغصّ بقاصديها، وتعاني من سرعة وتوالي الارتفاع الباهظ في تكاليف الإقامة فيها. كما يتعيّن على السوريين الذين أفلحوا في الفرار إلى دول الجوار، أن يبدؤوا مجدداً في تأسيس حياة لهم في بلد آخر لا يتحدثون لغة أهله علاوة على شحّ أشكال الدعم والمساندة الإنسانية المتاحة لهم هناك في معظم الأحيان. وما يبعث على المزيد من القلق حيال السوريين الذين عَدِموا الوسيلة للفرار من النزاع هو الاضطرار إلى العودة مُكرهين إلى سوريا، على الرغم من المخاطر التي تتربص بسلامتهم هناك. ويجب على الدول التي لها حدود مشتركة مع السودان عموماً، والعربية منها، مثل مصر والسعودية خصوصاً، أن تفرض سريعاً، وقفاً طوعياً ومؤقتاً على تنفيذ عمليات ترحيل اللاجئين السوريين الفارّين من السودان.  كما يتعيّن، وبشكل فوري، أن تجمّد جامعة الدول العربية خططها المقترحة بخصوص إعادة اللاجئين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، ريثما تتعهّد حكومة الأسد بضمان عودتهم الآمنة، واحترام حقوق الإنسان الأساسية الخاصة بمواطنيها في الخارج.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.