1 min read
محاكمة علاء م – التحديات التي تواجه محاكمة علنيّة عادلة
علاء م - DPA/Pool Lead

محاكمة علاء م – التحديات التي تواجه محاكمة علنيّة عادلة

تُعد محاكمة كوبلنتس ومحاكمة علاء م. في فرانكفورت المرة الأولى التي يشهد فيها السوريون محاسبة أشخاص منتمين للحكومة السورية، والتي هي المجرم الأكبر في النزاع القائم في سوريا. وبسبب طول انتظار بدء مثل هذه المحاكمات وعددها المحدود، فإنها تشهد اهتمامًا كبيرًا من السوريين الذين يتابعون تطوراتها.

ولكن وبالرغم من ذلك، وبناء على طلب المحكمة، أُجبر المركز السوري للعدالة والمساءلة على سحب تقاريره المُفصّلة عن محاكمة علاء م. ونشر ملخصات عن كل يوم من أيام المحاكمة بدلًا منها. يسلط هذا الطلب الضوء على التنافر ما بين مبدئين مهمين: ألا وهما الشفافية ومصداقية المحاكمة. فبينما تدرك المحاكم الحاجة لضمان عدم التأثير بشكل غير ملائم على الشهود قبل إدلائهم بشهادتهم، يجب عليها في ذات الوقت أن تضمن الحق في محاكمة علنية وإعطاء الصحفيين في المحكمة إرشادات كافية ومتسقة عن القيود التي عليهم الالتزام بها والأسس القانونية التي فُرضت هذه القيود على أساسها.

آخر المستجدات

طُلب من الصحفيين مرارًا في جلسة الاستماع في قضية علاء م. في فرانكفورت الامتناع عن نشر معلومات عن إجراءات المحاكمة. وحتى قبل بداية المحاكمة، قررت المحكمة أن الصحفيين المعتمدين والأشخاص الذين لديهم اهتمام أكاديمي مبرهن بالمحاكمة هم فقط من يحق لهم تسجيل الملاحظات خلال الجلسات. بينما يستطيع الآخرون حضور المحاكمة فقط دون إدخال أية أجهزة إلكترونية أو أوراق أو أقلام لتسجيل الملاحظات. انتُقد القرار، الذي يقيّد الحق بمحاكمة علنية، بسبب عدم وجود أسباب كافية لتبريره.

ولدى انعقاد المحكمة خاطب رئيس القضاة الصحفيين الحاضرين في القاعة مُذّكرًا الصحفيين بضرورة عدم نشر أية تفاصيل إضافية عن القضية غير تلك المتداولة أصلًا في الإعلام. وأفاد بأن كل من يُسجل الملاحظات سيُستدعى كشاهد خلال المحاكمة في حال تم نشر أي معلومات عنها.

وبمجرد أن تواصل المركز السوري للعدالة والمساءلة مع المحكمة طلبًا للتوضيح، اتصلت به مسؤولة المحكمة الإعلامية نيابة عن رئيس القضاة، وطلبت منه إزالة التقارير المُفصّلة عن المحاكمة من موقعه الإلكتروني لحماية مصداقية إجراءاتها. استجاب المركز السوري لهذا الطلب وأزال التقارير المفصلة من الموقع، بالرغم من أنه كان قد نشر تقارير مشابهة خلال محكمة كوبلنتس ضد أنور رسلان. ولن تُنشر التقارير المفصلة إلا بعد انتهاء إجراءات محاكمة علاء م، ولحين ذلك الوقت سيكون على المركز السوري للعدالة والمساءلة أن يكتفي بنشر ملخصات عن مجريات كل يوم من أيام المحاكمة.

بالرغم من ذلك، أعلم فريق الدفاع عن علاء م. المحكمة أن هناك تقارير أخرى باللغة العربية مُفصّلة عن الأيام الأولى من المحاكمة لا تزال منشورة على شبكة الإنترنت. كما أفاد فريق الدفاع أن علاء م. ليس مستعدًا للإجابة عن أي سؤال في موضوع القضية طالما لا تتوفر شفافية بشأن الجهات التي تستطيع الاطلاع على إفادته. وأفاد رئيس القضاة أنه يأخذ على محمل الجد أية مخاوف تتعلق بأي تدخل في الشهادات المستقبلية والمخاطر التي يمكن أن تترتب على سلامة الشهود، وأنه قد يمنع الصحفيين من استخدام أجهزة الهاتف والحاسوب المحمول في قاعة المحكمة لمنع تسجيل مجريات الجلسة.

تثير هذه المستجدات تساؤلات حول كيفية الموازنة ما بين الحق في ’محاكمة علنية‘ وضمان الشفافية، وكلاهما مهم في محاكمات الولاية القضائية العالمية والعدالة الانتقالية، في مقابل المخاوف المعقولة المتعلقة بأمن الشهود ونزاهة مجريات المحاكمة.

الحق في محاكمة علنية وحماية نزاهة المحاكمة

بحسب لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن الحق في محاكمة علنية صُمم ليحمي من المحاكمات السرية والعدالة الجائرة وضمان الرقابة على القضاء. إلا أن الحق في محاكمة علنية ليس حقا مطلقا ويمكن تقييده حيث تستوجب ذلك الأخلاق أو النظام العام أو الأمن الوطني أو الحياة الخاصة لأطراف القضية، أو إن استجوبه تحقيق صالح العدالة. ويتم اتخاذ هذا القرار بحسب ظروف كل حالة على حدة، ويجب على المحكمة أن توازن بحرص ما بين العوامل التي تستوجب تقييد هذا الحق وما بين المصلحة العامة وشفافية المحاكمات، بحسب ما أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وبالتالي يكون إجراء محاكمة غير علنية هو خيار المحكمة الأخير، ولا يُطبق إلا في حالات محاكمة القاصرين. ويمكن للمحكمة أن تلجأ لتدابير أخرى في حالات معينة، مثل استبعاد الحضور من جلسات فردية والتحقق من خلفية الحضور الأمنية أو حجب هوية الشهود.

وبما أن الحكومة السورية وأطرافًا أخرى لا تزال تسيطر على مناطق معينة في سوريا، تصبح سلامة الشهود (وعائلاتهم) في مثل هذه المحاكمات هي الأكثر أهمية. ولذا يمكن أن يدلوا بشهاداتهم دون الكشف عن هويتهم حتى لا تُدرج أسماؤهم في الوسط العام. كذلك يستخدم الصحفيون عادة أسماء مستعارة عند الإشارة للشهود خلال تغطيتهم العامة، إلا إذا وافق الشهود على الإفصاح عن أسمائهم. وخلال إعداده لتقارير المحاكمة، حجب المركز السوري للعدالة والمساءلة جميع المعلومات التي تُعرّف عن هوية الشهود والأشخاص الآخرين الذين تُذكر أسماؤهم في المحكمة.

ومن الأهداف الأساسية الأخرى للمحاكمات الجنائية إثبات الحقيقة من أجل تقييم المسؤولية الفردية للمتهم. ولذا يعتبر كل ما يمكن أن يؤثر على الحقيقة مثل الترهيب أو التأثير بأي شكل كان على الشهود خرقا لنزاهة المحاكمات. ولهذا المبدأ تأثير خاص على محاكم الجرائم الدولية الأساسية لأنها تجلب الإنصاف للمتضررين مباشرة من الجرائم التي تنظر فيها المحكمة وللمجتمع الكلي الذي عانى من فظاعة هذه الجرائم. ولتحقيق هذه المصالح، تضمن المحاكم وهيئات التحكيمالدولية الشفافية بشكل عام عن طريق بث جلسات المحاكمة وتجميع كافة المعلومات والمستجدات المتعلقة في القضايا الفردية ونشرها على مواقعها الإلكترونية.

ولا تستطيع محاكمات الولاية القضائية العالمية أن تسهم في تحقيق العدالة الانتقالية بفعالية ما لم تحقق الشفافية وما لم تكن متاحة للسوريين. ولذا يجب أن تُغلَّب الأهمية المعطاة للمصلحة العامة التي تحققها هذه المحاكمات على القيود التي يمكن أن تُفرض على جعلها علنيّة، الأمر الذي يؤدي لتبني قيود أقل صرامة واللجوء إلى أدوات أخرى لضمان نزاهة المحاكمة والسلامة الجسدية للشهود.

التوصيات

على المحاكم المحلية في ألمانيا وغيرها من الدول أن تتعلم من ممارسات المحاكم الدولية في الموازنة ما بين علنيّة المحاكمة ونزاهة إجراءاتها وسلامة الشهود لضمان الشفافية في محاكمات الولاية القضائية العالمية.

وتقع مسؤولية الموازنة ما بين علنيّة المحاكمة ونزاهة إجراءاتها والسلامة الجسدية للمشاركين في المحاكمة على عاتق المحكمة والمدعي العام. ولكن القانون الألماني لا يتضمن سوى إرشادات محدودة عن كيفية ممارسة هذه الصلاحية التقديرية. وفي المقابل تتضمن لوائح العمل الصحفي في ألمانيا إرشادات غير ملزمة في هذا الصدد يمكن أن تُعد نقطة بداية. حيث تنص اللوائح أن منع الصحافة من الدخول أمر غير مقبول، ولكن يمكن التوصل إلى اتفاقيات ما بين الصحفيين والسلطات العامة لحماية حياة أو صحة الضحايا والناجين. وتنص اللوائح كذلك على أن الصحافة يجب أن تلتزم بطلب المدعي العام بوقف أو تعليق التغطية لوقت محدد من الزمن لتجنب تعطيل جهود الادعاء طالما أن هناك "أسباب مقنعة" تبرر هذا الطلب. ولكن هذه البنود تترك سلطة تقديرية كبيرة للمحاكم. كذلك، يجب أن تتيح المحاكم إمكانية الطعن في قراراتها المتعلقة بالحد من قدرة الجمهور على الوصول إليها، لضمان المزيد من التيقن القانوني لأي شخص يغطي محاكم الولاية القضائية العالمية.

يجب على القضاء والصحفيين العمل سويًا للخروج بحلول عملية لضمان حرية الصحافة والشفافية، مع الأخذ بعين الاعتبار في ذات الوقت التأثير السلبي المحدد للتغطية الإعلامية على المحاكمات الجنائية. ففي النهاية نحن نعمل جميعا من أجل تحقيق ذات الهدف: ألا وهو محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية الرئيسية من خلال محاكمات عادلة وحيادية تثبت حقيقة الأفعال الفردية التي ارتكبها المتهمون. وعندها فقط سيكون بمقدور المحاكمات الجنائية أن تلقي الضوء على جوانب النزاع السوري المختلفة وأن تساهم بشكل فاعل في تحقيق العدالة الانتقالية.

__________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.