1 min read
مع انحسار جهود الإنقاذ ومشارفتها على النهاية، يواجه الناجون السوريون التمييز والتفرقة وسط الخراب والدمار في تركيا

مع انحسار جهود الإنقاذ ومشارفتها على النهاية، يواجه الناجون السوريون التمييز والتفرقة وسط الخراب والدمار في تركيا

لم تبدأ فعليًّا الجهود الرامية إلى تلبية الاحتياجات الملحّة للناجين بشكل جِدّي إلّا مع إعلان هيئة إدارة الكوارث التركية (AFAD) أن نهاية عمليات الإنقاذ باتت على الأبواب عقب سلسلة الزلازل المميتة التي ضربت البلاد. فقد أعلنت السلطات المحلية عن نقص في المستلزمات الأساسية التي تُمِدّ ما يقدر بـ 13.5 مليون شخص يعيشون في المناطق المتضررة. وعندما يشتمل هذا العددُ على ما يناهز مليوني لاجئ يشكّلُ غالبيّتهم السوريون، ستتطلّب الإغاثة الإنسانية الفعّالة والمُجدية توزيعًا عادلًا للمساعدات على جميع الناجين،  ومن ضمنهم أولئك الذين كانوا يواجهون أصلًا وضعًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا متزعزعًا وغير مستقر. إلّا أن الاستجابة التي تتطبّع بالتفرقة والتمييز في توزيع المساعدات، كما عليه الحال الآن، إنما تدفع بأشد المستضعفين في تركيا شيئًا فشيئًا إلى شفا الهاوية.

كانت سماء المشهد الاجتماعي - السياسي تتلبّد بالغيوم المشحونة بمعاداة اللاجئين قبل وقوع الزلازل الأخيرة بوقت طويل. فإلى جانب دعوة الرئيس أردوغان بشكل صريح في عام 2019 إلى ترحيل السوريين المشتبه في ارتكابهم جرائم، انتشرت تقاريرٌ عن عمليات ترحيل إلى سوريا تحت تهديد السلاح والضرب المطّرد الذي مارسه حرس الحدود. وفضلًا عن ذلك، وفي مواجهة انكماشٍ اقتصاديٍّ مستمرٍّ وفي ظل حملةٍ انتخابيةٍ تُحدّدُ معالمَها بشكل متزايد علاماتُ الاستفهام التي تحوم حول قضية اللاجئين، كشف أردوغان عن خطة كبرى لإعادة توطين ما يصل إلى مليون لاجئ سوري قسرًا عبر الحدود. وفي هذا السياق، احتكرت هيئة إدارة الكوارث التركية المساعدات المقدمة بخصوص الزلازل واستأثرت بها لنفسها، إذ أهاب وزير الداخلية في البلاد عن طريق تحذيرٍ قاطعٍ بأن سلطة إدارة الكوارث لن تتسامح مع أي منافسة محلية في تنسيق المساعدات. وبالتالي، فإن السوريين في تركيا - والذين يمثلون نحو 20% من الوفيات وفقًا للتقارير - باتوا يعتمدون الآن بشكل شبه بَحْتٍ على الدولة التركية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

ورغم ذلك، ثبت أن استجابة الدولة للكارثة تتسم بالتمييز والتفرقة البالغَين. فقد اقترنت تقارير منتشرة عن الحرمان من المساعدات ومصادرتها بالتقييد الخانق المفروض على حركة الناجين السوريين. وبالنسبة لمن لا حصر لهم من اللاجئين الذين دُفنت بطاقاتُ هوياتهم ووثائقُهم الرسميةُ في دَرْكٍ طمرته طبقاتٌ من الحطام، فهناك مخاوف متزايدة من أن السلطات التركية قد تعارض إصدار وثائق بديلة، مما سيقيّد الحركة وكذلك الوصول إلى المساعدات والخدمات الرئيسية. واضطرت إحدى مصادر المركز السوري للعدالة والمساءلة والتي كانت في غازي عنتاب وقت وقوع الزلزال إلى النوم عدة أيام في سيارة مع أفراد عائلتها الصغار قبل أن تخفف السلطات التركية القيود في وقت متأخر، مما مكن السوريين الذين يحملون بطاقات هوية تركية من الانتقال مؤقتًا خارج المحافظات المتضررة من الزلزال. ورغم بعض التسهيلات، فقد وطّدت الحكومة أركان التفرقة والتمييز في عمليات المساعدات، إذ نظّمت خدمات نقل خصّيصًا للمواطنين الأتراك، بينما أرغمت اللاجئين على ركوب حافلات إلى وجهات مجهولة. وفي أماكن أخرى، أكّد الذين أجرى معهم المركز السوري للعدالة والمساءلة مقابلاتٍ تقاريرَ تفيد بأن عُمّال الإغاثة التابعين للدولة نهبوا الإمدادات ورفضوا أن يوزعوا على السوريين المواد الحيوية كالأدوية والخيام. وبحُكم ظروف الشتاء القاسية، وانعدام المأوى الملائم، ومنعهم من التنقل بحرية داخل الحدود التركية، لم يبق أمام الآلاف خيار سوى العودة إلى سوريا المجاورة وإلى العنف المدني الذي كانوا قد فرّوا منه. وعلى الرغم من أن السلطات التركية قدمت تأكيدات بأنها ستسمح لهم برجوع آمن إذا عادوا في الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة، إلا أن كثيرين يشتبهون في أن هذه قد تكون حيلة لينفذ أردوغان مخططاته الكبرى لترحيل اللاجئين وَلِيهَبَ آمالَه في إعادة انتخابه رئيسًا في أيار / مايو دفعة فَيصليّة.

يُؤجّج الزلزالُ لهيبَ نيرانٍ جديدةٍ من مشاعر الكراهية المعادية للسوريين، والتي يَنفخُ كيرَها زعماء سياسيون يسعون إلى تسخير الكارثة لتحقيق مكاسبَ سياسيةٍ في الفترة التي تسبق الانتخابات في البلاد في أيار / مايو 2023. أحدهم يدعى أوميت أوزداج، زعيم حزب النصر اليميني المتطرف. إذ شجّع أوميت بحرارة على طرد السوريين ونَشَرَ معلومات كاذبة ومضللة (حُذفت لاحقًا) يتهم فيها السوريين بالسرقة من عمال الإنقاذ. ورغم أن العديد من المدنيين وعمال الإغاثة الأتراك اتخذوا موقفًا ضد الخطاب العنصري، إلا أن هذه اللهجة المثيرة للشّقاق والانقسام قد انتشرت بشكل تعذّر تجنُّبُه على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فظهرت في أعقاب الزلازل وسومٌ على تويتر مثل "لا نريد السوريين" و "يجب ترحيل المهاجرين". وبعد أن طفح خطاب الكراهية على الإنترنت، دَفَق إلى الشوارع مع ورود تقاريرعن طرد السوريين من ملاجئ الطوارئ واستهدافهم لأنهم يتحدثون باللغة العربية. وفي العديد من الحالات ، زادت حِدّة الشَّحناء المناهضة للاجئين حتى أضحت عنفًا بواحًا، مع ورود تقارير عن تعرّض متطوعين سوريين للهجوم وعن مجموعة من المحرضين على الفتنة الذين يرددون هتافاتمن مثل "هيّا نطلق النار على السوريين في هاتاي ، هيّا نطلق النار على الأفغان في كهرمان مرعش". ومن جهة أخرى في غازي عنتاب، جُرح سوري كان ينقل إمدادات المساعدات بطلق ناري لاتهامه بالاصطدام بسيارة مجاورة. وفي هذا السياق، فضّلت بعض العائلات السورية العودة إلى حطام وأنقاض المباني السكنية المنهارة في محافظة هاتاي، عوضًا عن أن يعرضوا أنفسهم للخطر في أماكن أخرى.

وكي تتصدّى الحكومة التركية لاستشراء العنف وخطاب الكراهية، ينبغي أن تتخذ تدابير على وجه السرعة لطمس الهجوم والخطاب المعاديَين للاجئين وتضييق الخناق عليهما. وبالمثل، يجب على الحكومة التركية أن تضمن حدوث توزيع عادل للمساعدات على جميع الناجين من الزلزال، أيًّا كان أصلهم القومي، امتثالا لالتزاماتها الدولية، ومنها بيان التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لعام 2016. ويجب عليها أن تدرك بأن التلاعب بالمساعدات - أو حرمانها - واستخدامها كأداة سياسية لتحريض اللاجئين على العودة يتناقض مع مبدأ عدم الإعادة القسرية، ويشكل انتهاكًا للقانون الدولي. وعلى نحو مماثل، يجب السماح للاجئين السوريين الذين عادوا إلى بلدهم الأصلي في إثر الكارثة بالرجوع إلى تركيا بغض النظر عن تاريخ العودة، بينما ينبغي أن تتخذ السلطات تدابير استباقية لتيسير استبدال الوثائق الرسمية المفقودة أثناء الزلزال بشكل سريع، لكي تضمن أن تصل الخدماتُ الحيويةُ للمستضعفين الأشد تضررًا في البلاد. ومن جانبه، ينبغي أن يزيد المجتمع الدولي إسهاماته في جهود المعونة والمساعدات وأن يضغط على الحكومة التركية لتتبنى إجراءات واضحة للتغطية الإعلامية والمساءلة من أجل ضمان أن تحصل مجتمعات اللاجئين على حصة عادلة من المعونة والمساعدات. أخيرًا ، وتقديرًا لما قدمته تركيا لأزمة اللاجئين من إسهامات غير متناسبة، يجب على المجتمع الدولي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، أن يأخذ بعين الاعتبار زيادة استيعاب اللاجئين من المنطقة لتخفيف مخاطر جسيمة لكارثة إنسانية مضاعفة في أعقاب تلك الزلازل.

_______________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.