الولايات المتحدة توسّع نطاق احتمالات رفع قضايا ضد جرائم الحرب
صادق الرئيس جو بايدن في 5 كانون الثاني/يناير، 2023، على قانون العدالة لضحايا جرائم الحرب، الذي يوسع قدرة المدعين العامين على توجيه تُهَمً ضد مرتكبي جرائم الحرب في الولايات المتحدة. حيث يسمح القانون بمحاكمة أولئك الموجودين في الولايات المتحدة، حتى لو لم يكن مرتكب الجريمة أو الضحية مواطنًا أمريكيًا أو من أفراد القوات المسلحة الأمريكية. كما أنه يُبطل السقوط بالتقادم الذي كان يمنع في السابق إجراء محاكمة على الجرائم المرتكبة قبل أكثر من خمس سنوات. ويُعد القانون الجديد خطوة إيجابية، غير أنه لا تزال هناك قيود قانونية وعملية مهمة تعترض سبيل رفع أي قضية ضد جرائم حرب في الولايات المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في سوريا.
ويفي القانون الجديد بوعد قطعته الولايات المتحدة من خلال التوقيع والتصديق على اتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تنص على محاكمة أي شخص يُشتبه في ارتكابه انتهاكات جسيمة (أي جرائم حرب خطيرة). ومن شأن القانون الجديد، الذي كان الحافز وراء إصداره بشكل خاص الرغبة في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في أوكرانيا، أن يحول دون أن تصبح الولايات المتحدة ملاذًا آمنًا لمنتهكي حقوق الإنسان ويمنح المدعين العامين وسيلة أخرى لمحاكمة مرتكبي الجرائم الفظيعة.
غير أن هناك بعض المحاذير الهامة. حيث يضيف القانون متطلبًا جديدًا يقضي بالحصول على موافقة مسؤول في وزارة العدل على إجراء أي محاكمة لجرائم الحرب. وبالنسبة للجرائم التي يكون فيها مرتكب الجريمة أو الضحية مواطنًا أمريكيًا أو أحد أفراد القوات المسلحة الأمريكية، يجب أن يكون وزير العدل أو نائبه/نائبته أو مساعديهما هو المسؤول الذي يصادق على إجراء المحاكمة. وبالنسبة لمرتكبي الجرائم الموجودين فقط في الولايات المتحدة (من غير الأميركيين)، فيجب أن يكون المسؤول الذي يصادق على إجراء المحاكمة هو وزير العدل أو نائبه/نائبته. ومن أجل اتّخاذ ذلك القرار، يجب على هذا المسؤول النظر في العواقب والتبعات السلبية المحتملة على مواطني الولايات المتحدة أو أفراد القوات المسلحة الأمريكية أو موظفي الحكومة الأمريكية وما إذا كان هناك سبيل آخر متاح لإجراء المحاكمة. ولا يمكن تفويض شخص آخر بإصدار هذه المصادقة. وعلى الرغم من أن بعض الدول، مثل السويد، لديها اشتراطات مماثلة، إلا أن هذا يضيف عنصرًا سياسيًا لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان يجب رفع قضية ضد جرائم الحرب لأنه يسحب من المدعين العامين الاعتياديين صلاحية اتخاذ القرار بشأن رفع القضية من عدمه. فخلافًا للقضايا الجنائية الأخرى، لن يقتصر اتخاذ قرار بشأن الأسس الموضوعية وحيثيات رفع قضية ضد جرائم الحرب بناءً على الأدلة المتاحة والقانون الموضوعي.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يُعد القانون نافذا بأثر رجعي، مما يعني أن جرائم الحرب التي ارتُكبت قبل توقيع القانون في عام 2023 لا يمكن محاكمتها بموجب هذا القانون. ولمزيد من التوضيح، لا يمكن بموجب القانون الجديد محاكمة أي جرائم ارتُكبت في سوريا في الفترة من 2011 إلى 2023، إن لم يكن الضحية ومرتكب الجريمة مواطنين أمريكيين أو من أفراد القوات المسلحة الأمريكية. وما يحدّ من أهمية هذا القانون من الناحية العملية حقيقة أن قلة من السوريين سافروا إلى الولايات المتحدة نظرًا لبعد المسافة الجغرافية والقيود المفروضة على التأشيرات.
كما تمثل الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول والحصانة الموضوعية/الوظيفية حاجزًا أمام المحاكمات المستقبلية لمرتكبي جرائم الحرب في الولايات المتحدة (فضلًا عن دول أخرى). فعلى سبيل المثال، لا يمكن اعتقال رؤساء الدول والدبلوماسيين الأجانب أثناء حضورهم الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنهم يتمتعون بالحماية من الملاحقة الجنائية. ومع ذلك، يمكن محاكمة رؤساء الدول على جرائم الحرب في حال لم يعودوا في مناصبهم، وهناك سابقة متنامية تشير إلى أن جميع الانتهاكات الجسيمة تقع خارج نطاق الحصانة الموضوعية/الوظيفية. (علاوة على ذلك، فإن الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول لا تنطبق في الهيئات القضائية الدولية).
وهناك عقبة رئيسية أخرى أمام تحريك القضايا وهي إحجام المسؤولين الأمريكيين عن رفع مثل هذه الدعاوى. حيث لم ترفع الولايات المتحدة حتى تاريخه دعوى قضائية ضد جرائم الحرب أو إبادة جماعية أو تجنيد أطفال، على الرغم من توفر القوانين التي تنص على ذلك. وبدلًا من ذلك، اعتمدت على انتهاكات الهجرة كحل بديل لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب بسبب كذبهم بشأن سلوكهم في الماضي.
ومع ذلك، توفر التعديلات التي جرى إدخالها على قانون جرائم الحرب أملًا جديدًا للناجين من جرائم الحرب. حيث إنه اعتراف مهم ذو دلالة رمزية بأهمية محاكمة الجرائم الفظيعة والتزامات الولايات المتحدة بالملاحقة القضائية لمثل هذه الجرائم. كما أنه قد يسمح للولايات المتحدة بتقديم لوائح اتهام ضد منتهكي حقوق الإنسان غير الموجودين في الولايات المتحدة لاحتمال وقوعهم رهن الاعتقال من قبل الولايات المتحدة. وباختصار، لن يكون نجاح القانون واضحًا إلا عندما تحتج السلطات الأمريكية بالقانون الجديد وتنجح في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب.
_____________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.