
التوسع الإسرائيلي في مرتفعات الجولان
منذ سقوط بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، لا تزال سوريا تواجه عددا من الجهات المزعزعة للاستقرار، من بينها إسرائيل. فبالإضافة إلى الغارات الجوية العديدة التي شنتها إسرائيل على سوريا بين كانون الأول/ديسمبر 2024 وأيار/مايو 2025، اتخذت إسرائيل أيضًا خطوات لتوسيع احتلالها في مرتفعات الجولان. وكانت إسرائيل قد استولت على هذه المنطقة الاستراتيجية للغاية خلال حرب الأيام الستة عام 1967، ومن ثم أقامت عليها عشرات المستوطنات غير القانونية، منتهكةً بذلك الحماية التي يجب أن تُوفّر للسوريين المقيمين هناك. كما تُهدّد التحركات الإسرائيلية بجرّ سوريا إلى صراع لا تقوى على تحمّله، في وقت تسعى فيه إلى إعادة الإعمار بعد أكثر من عقد من النزاع، مما يؤدي إلى تأخير تحقيق السلام والعدالة للشعب السوري.
مرتفعات الجولان أرض محتلة
تقع مرتفعات الجولان في جنوب غرب سوريا، على بُعد نحو 60 كيلومترًا من العاصمة دمشق، وتخضع حاليًا لاحتلال إسرائيلي يشكّل انتهاكًا للقانون الدولي. ووفقًا للقانون الدولي الإنساني، تُعتبر الأراضي محتلة عندما توضع تحت سلطة جيش معادٍ. وقد استولت إسرائيل بالقوة على هذه الأرض السورية خلال حرب الأيام الستة عام 1967، في مخالفة للمادة 2(4) من الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر على الدول الأعضاء استخدام القوة لتقويض وحدة أراضي أي دولة. وبعد انتهاء الحرب، أقامت إسرائيل وسوريا خط وقف إطلاق النار، وسيطرت إسرائيل على مرتفعات الجولان، وباشرت فورًا بإنشاء مستوطنات في المنطقة وطردت العديد من السوريين منها.
حاولت سوريا، بعد ست سنوات من إنشاء خط الهدنة، استعادة مرتفعات الجولان في عام 1973 خلال الحرب العربية-الإسرائيلية، لكنها لم تنجح في استعادتها. وواصلت إسرائيل، عقب فشل المحاولة السورية، رفضها الانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان، خلافًا لما نصّت عليه قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 (1967) و338 (1973). ووقّعت سوريا في عام 1974 اتفاقية فض الاشتباك مع إسرائيل، والتي نصّت على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي سيطرت عليها في المناطق الواقعة خارج خطوط وقف إطلاق النار المتفق عليها في عام 1967، مع إنشاء منطقة عازلة تُحدَّد بخطي فصل. ويمثل هذان الخطان الحدود الفعلية (بحكم الأمر الواقع) بين البلدين.

ضمّت إسرائيل مرتفعات الجولان بشكل غير قانوني في كانون الأول/ديسمبر1981، وأقرّت قانون مرتفعات الجولان الذي نصّ على أن إسرائيل ستقوم ب "تطبيق القانون والولاية القضائية والإدارة" على أراضي مرتفعات الجولان. والذي يُعد انتهاكًا لاتفاقيات جنيف التي تقتضي تطبيق القانون السوري في الأراضي المحتلة. ردًا على هذا الإجراء، صوّت جميع أعضاء مجلس الأمن، بمن فيهم الولايات المتحدة، لصالح القرار رقم 497 الصادر عن الأمم المتحدة، والذي أعلن أن فرض إسرائيل لقوانينها على المنطقة هو "لاغٍ وباطل وليس له أثر قانوني دولي"، وطالب إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، بإلغاء قرارها بتطبيق القانون الإسرائيلي على المنطقة. وتماشيًا مع هذا القرار، لم يُعترف دوليًا بضم إسرائيل للجولان، حتى أقدمت إدارة ترامب على الاعتراف بالمنطقة كجزء من إسرائيل في آذار/مارس 2019. وعلى الرغم من هذا الاعتراف، لا تزال مرتفعات الجولان خاضعة لسلطة إسرائيل، وبالتالي تُعتبر أرضًا محتلة بموجب القانون الدولي. ومما يثير القلق أن إسرائيل استغلّت مؤخرًا هشاشة الوضع الأمني في سوريا لتوسيع احتلالها للجولان، حتى خارج الحدود التي اعترفت بها إدارة ترامب في عام 2019.
سياسة الضم الزاحف
سارعت الحكومة الإسرائيلية، عقب سقوط بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر، بتنفيذ سياستها القائمة على الضم التدريجي لمرتفعات الجولان، حيث دفعت بقوات من جيش الدفاع الإسرائيلي إلى داخل المنطقة العازلة منزوعة السلاح. وحاولت إسرائيل تبرير هذا التحرك بالادعاء أن الاستيلاء على المنطقة العازلة يندرج ضمن خطوات دفاعية، وأنه سيكون مؤقتًا إلى حين ضمان الأمن على طول الحدود السورية-الإسرائيلية. لكن، بعد أقل من أسبوع على دخول القوات، اتّضح من خلال تصرفات إسرائيل أن نيتها تتجه نحو ضم طويل الأمد. حيث أقرّت الحكومة الإسرائيلية خطة بقيمة 11 مليون دولار تهدف إلى مضاعفة عدد المستوطنين في الجولان، والذي يُقدَّر عددهم حاليا بـ31 ألف مستوطن إسرائيلي إلى جانب نحو 24 ألف من دروز سوريا في المنطقة.
منذ ذلك الحين، أكّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تعتزم الاستيلاء على الأرض بشكل دائم، مصرحًا بشكل واضح: "أن إسرائيل ستواصل التمسك بالجولان، والعمل على ازدهاره، والاستيطان فيه". وأنشأت إسرائيل أيضًا ما لا يقل عن ست قواعد عسكرية داخل المنطقة العازلة منزوعة السلاح مع سوريا، وادّعى نتنياهو أن اتفاقية عام 1974، التي حددت المنطقة العازلة، لم تعد سارية المفعول لأنها أُبرمت مع الحكومة السابقة لبشار الأسد. إلا أن الاتفاقية أُبرمت بين دولتين وليس بين أفراد، وبالتالي فإن الحكومة السورية الحالية تُعتبر طرفًا فيها وتبقى الاتفاقية سارية.
وشهد مؤخرًا سكان مدينة القنيطرة، الواقعة في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان، قيام جيش الدفاع الإسرائيلي بهدم منازل، واعتقال واحتجاز مدنيين، إضافة إلى إقامة حواجز عسكرية. ظلت الحكومة السورية، من جانبها، ملتزمة باتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 بين البلدين. وصرّح الرئيس الشرع في مقابلة صحفية، أن السلام مع إسرائيل مسألة حساسة وصعبة، مشيرًا بشكل خاص إلى أن احتلال مرتفعات الجولان سبب حساسية العلاقة بين الدولتين.
استخدام غير مشروع للقوة
يُعد استخدام إسرائيل للقوة بهدف توسيع وجودها في مرتفعات الجولان، وادعائها بأن ذلك جاء بدافع الدفاع عن النفس، أمرين غير مشروعين. وكما ورد في المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة: "يمتنع جميع الأعضاء في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو على أي نحو لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة." ويُجيز الحظر المفروض على استخدام القوة استثناءات محدودة للغاية. ومع ذلك، فإن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تُجيز استخدام القوة في حال وقوع هجوم مسلح ضد أحد أعضاء الأمم المتحدة، على أن يكون الرد ضروريًا ومتناسبًا مع الهجوم المسلح الأولي.
وبما أن حق الدفاع عن النفس في المادة 51 يُصاغ كإجراء ردّ فعل على هجوم مسلح، فإن الدفاع الوقائي أو الاستباقي لا يُعتبر، في الغالب، ضمن نطاق هذه المادة. ومع ذلك، وحتى في حال قبول الرأي المثير للجدل الذي يُجيز الدفاع الاستباقي، لم تُقدّم إسرائيل أي دليل موثوق يُثبت أن توسّعها داخل المنطقة العازلة جاء ردًّا على هجوم وشيك. ففي آذار/مارس 2025، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى "تهديد أمني عام" يواجهه سكان مرتفعات الجولان، موضحًا أن جيش الدفاع الإسرائيلي مستعدٌ للبقاء في سوريا إلى أجل غير مسمّى من أجل "التمسّك بالمنطقة الأمنية في جبل الشيخ وضمان أن تكون المنطقة الأمنية في جنوب سوريا منزوعة السلاح وخالية من الأسلحة والتهديدات"، و"لحماية سكان الجولان والجليل من تهديدات [الشرع] وأصدقائه الجهاديين".
ويُعدّ استناد إسرائيل إلى مبرر الدفاع عن النفس غير مشروع: إذ إن التهديدات الأمنية العامة المُتصوَّرة، وليست الهجمات المسلحة الوشيكة، لا تُشكّل أساسًا كافيًا لتطبيقه. علاوة على ذلك، فإن مضي إسرائيل قُدمًا في خططها لمضاعفة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان وبناءِ مستوطنات في أراضٍ جديدة، يُعزّز من الدلائل على أن ادعاءاتها بالدفاع عن النفس تفتقر إلى أساس واقعي، وأن الدافع الحقيقي لهذه الأفعال هو توسيع السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة.
فضلًا عن الاستخدام غير المشروع للقوة في مرتفعات الجولان، فإن سياسة الضم الزاحف التدريجي التي تنتهجها إسرائيل هناك تُشكّل بحد ذاتها عملًا عدوانيًا ينتهك وحدة أراضي سوريا، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي. وكما أشار عدد من الباحثين، فإن الحظر المفروض على الضم، كما ورد في إعلان مبادئ العلاقات الودية، يجب أن يُفهم على أنه حظر مطلق، أي أن الضم في حد ذاته يُعتبر غير مشروع. وبالتالي، لا يقتصر انتهاك إسرائيل للقانون الدولي على استخدام القوة فحسب، بل إن توسّعها في ضم مرتفعات الجولان يُعد أيضًا انتهاكًا صريحًا لهذا القانون.
التزامات إسرائيل بحماية الأشخاص في الأراضي التي تحتلها
تتحمّل إسرائيل، بصفتها قوة احتلال في مرتفعات الجولان، مسؤولية توفير الحماية لجميع المدنيين، وفقًا لما تنص عليه اتفاقية جنيف الرابعة. إلا أن إسرائيل قد انتهكت هذه الالتزامات بطرق متعددة. فعلى سبيل المثال، تنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على حظر "النقل القسري الفردي أو الجماعي... من الأراضي المحتلة"، بالإضافة إلى حظر نقل "أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها". وبالمثل، تحظر المادة 53 على إسرائيل تدمير منازل وممتلكات السكان الشخصية. كما تُلزم أحكام أخرى إسرائيل بضمان توفير ما يكفي من الغذاء والإمدادات الطبية، والسماح بحرية ممارسة الشعائر الدينية، وضمان عمل المؤسسات المعنية برعاية الأطفال وتعليمهم.
تسعى إسرائيل حاليًا إلى زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان، بالتوازي مع توسعها نحو الجنوب السوري. وبالإضافة إلى إعلان الحكومة عن نيتها مضاعفة عدد المستوطنين في الأراضي المحتلة، أفاد سكان في جنوب سوريا أن القوات الإسرائيلية تقدمت عدة كيلومترات داخل جنوب سوريا طوال شهر حزيران/يونيو، وقامت بتدمير منازل وتجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية. وفي محافظة القنيطرة تحديدًا، تقدّم الجنود الإسرائيليون نحو 1.5 كيلومتر، وقاموا بهدم 15 منزلًا. وبينما ادعى الجيش الإسرائيلي أن المنازل كانت تعيق الرؤية العسكرية، فقد أعرب السكان عن خشيتهم من أن يكون الهدم ذريعة للتهجير القسري، وهو ما يُعدّ انتهاكًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة.
الخاتمة
تقف سوريا عند مفترق طرق هشّ وغير مستقر بينما تحاول التعافي بعد عقود من النزاع. وتُعدّ التوغلات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان، خلال هذه الفترة الحرجة والحاسمة، انتهاكًا للقانون الدولي وتساهم في زعزعة استقرار سوريا. وإذا لم تُواجَه هذه الانتهاكات الاسرائيلية في سوريا من قبل المجتمع الدولي، فإنها ستُشكّل عائقًا أمام تحقيق الشعب السوري للعدالة والسلام، وهما استحقاقان طال انتظارهما.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.