التملّص من المسؤوليات وإلقاؤها على عاتق الآخرين لماذا يقوّض مخطط المملكة المتحدة مع رواندا المثير للجدل القانون الدولي
المقدمة
بموجب قانون الجنسية والحدود الذي تم تقديمه في نيسان / أبريل 2022، تخطط الحكومة البريطانية لنقل طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة "بطرق غير شرعية" إلى "بلد ثالث آمن"، وتَقرَّر في بادئ الأمر أن تكون عمليات الترحيل الأولى بموجب اتفاق شراكة اللجوء بين المملكة المتحدة ورواندا في 14 حزيران / يونيو. تم إيقاف الرحلة في وقت متأخر من الليل يوم الثلاثاء، بعدما أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكمًا في اللحظات الأخيرة، في أعقاب أحكام سابقة من المحاكم البريطانية كانت ستسمح ببدء عمليات الترحيل. وبدأت الطعون القانونية التي تقدمت بها جمعياتٌ خيريةٌ وممثلو أكثر من مائة طالب لجوء، بدعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في عملية مقاومة هذه السياسة المثيرة للجدل، والتي سمّاها النقاد "تحايلًا دعائيًّا". ومن المتوقع أن تنظر المحكمة العليا في طلب للمراجعة القضائية في تموز / يوليو للفصل في مدى مشروعية اتفاق الشراكة.
تم إخطار ما يصل إلى 130 طالب لجوء بإمكانية إرسالهم إلى رواندا بموجب الاتفاق، وفي حين أن المملكة المتحدة لم تنشر البيانات الديمغرافية للأشخاص المقرر ترحيلهم، إلّا أنه أُفيد أن هناك ما لا يقل عن 15 سوريا مدرجٌ في هذه القائمة. في بادئ الأمر، تم إخبار سبعة وثلاثين شخصًا، بواسطة مذكرات ترحيل اقتصر محتواها على اللغة الإنجليزية فقط، بأنه سيتم ترحيلهم على متن رحلة يوم الثلاثاء، ممّا يجعله قرارًا غير قابلٍ للاستئناف. وتدّعي سلطات المملكة المتحدة أن جميع من تم اختيارهم للترحيل من المهاجرين هم رجالٌ غير متزوجين. وتفيد منظمة Care4Calais أنه من بين أكثر من مائةٍ من طالبي اللجوء المحتجزين الذين يعملون معهم والذين تلقوا إخطارات، هناك 55 متزوجون ولدى 17 أطفالٌ صغار. وهناك تقارير تفيد بأن وزارة الداخلية تصنف القاصرين - ممن أعمارهم موضع خلاف - كبالغين باستخدام أساليب غير دقيقة.
تقوّض هذه السياسات كلًّا من القانون الدولي وقانون المملكة المتحدة وتحدّ ظلمًا من حقوقَ اللاجئين في نَيل إجراءات لجوء عادلة. يجب على المملكة المتحدة أن تلغي هذه السياسات وأن تواصل معالجة جميع طلبات اللجوء داخل المملكة المتحدة.
الخطر المُحدِق في رواندا
صرّحت وزارة الداخلية في المملكة المتحدة أن "رواندا سوف تنظر في المطالب وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، والقوانين الوطنية والدولية لحقوق الإنسان، وسوف تضمن حمايتهم من المعاملة اللاإنسانية والمهينة أو من إعادتهم إلى المكان الذي فرّوا منه بادئ الأمر". غير أن التجارب السابقة والسجلات الحالية لحقوق الإنسان تُنذر بخلاف ذلك.
في عام 2014 ، نقلت إسرائيل آلاف اللاجئين إلى رواندا وأوغندا كجزء من صفقة سرية لإعادة التوطين. ورغم أنه كان يُفترض بهذا المخطط أن يكون "طوعيًّا"، تم في الواقع أخذ موافقة اللاجئين بالإكراه. واجه أولئك الذين وصلوا إلى رواندا انتهاكات لحقوقهم، وافتقارًا إلى فرص كسب الرزق، وضغوطات من الحكومة الرواندية لمغادرة البلاد. دأبت السلطات الرواندية بانتظام على مصادرة وثائق هوية طالبي اللجوء، وحُرم اللاجئون من فرصة التقدم بطلبٍ للجوء. وسرعان ما اتضح أنه تم تهريب معظم اللاجئين فيما بعد من كيجالي إلى البلدان المجاورة، وانتهى بهم المطاف إلى رحلة العودة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا.
آلت الاتفاقية في نهاية الأمر إلى الانهيار في مواجهة الرقابة العامة. بَيد أن رواندا لا تزال غير مجهزة لاستقبال اللاجئين وضمان تدابير الحماية الملائمة لهم. وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش حالات جمّة من انتهاكات حقوق الإنسان ضد اللاجئين في رواندا، مناقضة بذلك تقريرًا صادرًا عن المملكة المتحدة يسعى إلى تبييض صفحة سجل حقوق الإنسان في رواندا من أجل تبرير الشراكة. أفاد اللاجئون المقيمون حاليًّا في رواندا بأنهم يعيشون في "وضعٍ ’مروّعٍ‘ من التيه والإهمال المنكوب بالفقر" وأنهم "في خوف دائم من قوات الأمن الوحشية في البلاد". يكافح الكثيرون للعثور على عمل وسط معدل بطالة يبلغ 16.5٪. وقد أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن مخاوفها من أن الشراكة تخاطر بتحميل نظام اللجوء الوطني الرواندي ما لا يطيق، "مما يزعزع قدرته على توفير الحماية لجميع طالبي اللجوء".
وبموجب هذا المخطط، وريثما تنظر الحكومة الرواندية في طلبات ملتمسي اللجوء للإقامة في رواندا، سيتم منحهم أماكن إقامة - من غير تعيين لطبيعتها، أستكون في مخيمات أو مراكز مؤقتة أو نُزل مُوائمة حول كيجالي - وغيرها من أشكال الدعم المبهمة. في حال تكلّلت طلباتهم بالنجاح، سيُقدَّم إليهم التعليم والدعم لمدة تصل إلى خمس سنوات؛ وإذا باءت بالفشل، فقد يواجهون الترحيل. فالاتفاق بشكله الحالي "يدع قدرا كبيرا من الغموض" فيما يتعلق بتوفير الحقوق المرتقبة للاجئين الذين يحصلون على اللجوء في رواندا والعمل على حمايتها.
المخاوف القانونية التي تحوم حول مخطط رواندا
في الحين الذي تدّعي فيه وزارة الداخلية في المملكة المتحدة أنه "لا يوجد في اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين ما يمنع الترحيل إلى بلد آمن"، عارض مفوض المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو جراندي، هذه الخطة بشدة، ورأى أن المخطط الحالي لا يفي بمعايير "الشرعية والملاءمة".
عندما كانت المملكة المتحدة عضوًا في الاتحاد الأوروبي، أنشأت لائحةُ دبلن سُبلًا لترحيل طالبي اللجوء إلى بلدان ثالثة داخل الاتحاد الأوروبي إذا سبق لطالب اللجوء أن دخل أحد تلك البلدان. وبعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، لم تعد المملكة المتحدة طرفًا في هذه اللائحة، وقد سعت المملكة المتحدة إلى إيجاد وسائل بديلة لجعل إجراءات اللجوء والبتّ فيها عمليةً تتم خارج أراضيها. ويشكل هذا جزءًا من منحًى مقلقٍ تنفض البلدان الأوروبية فيه عن عاتقها مسؤوليتها عن حماية اللاجئين بموجب القانون الدولي والقانون الأوروبي. وتتجاهل هذه الممارسات الجديدة التي تعمل على التفرقة استنادًا إلى طريقة الوصولِ، المعاييرَ الدوليةَ التي تمنح ’وضع لاجئ‘ على أساس التهديد بالاضطهاد والأذى الجسيم.
لاتزال المملكة المتحدة ملتزمة بعدد من الصكوك الدولية الأخرى لحقوق الإنسان ، ومن ضمنها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، مما يجعل المخطط غير متّسق مع التزامات المملكة المتحدة بموجب القانون الدولي والقانون المحلي على السواء. فعلى سبيل المثال، تعفي المادة 31 (1) من "اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين" من معاقبتهم على الدخول غير الشرعي. وفي واقع الأمر، فإن ما يدفع اللاجئين إلى سَلْك طرق غير شرعية ومحفوفة بالمخاطر للحصول على اللجوء، ويزيد بالتالي الطلب على المهربين وتجار البشر، هو الافتقار إلى إمكانية الوصول الآمن والقانوني إلى سُبل الهجرة والحماية، على نحو ما تُكرّسه شراكة اللجوء بين المملكة المتحدة ورواندا.
عِلاوة على ذلك، صادقت المملكة المتحدة على الميثاق العالمي بشأن اللاجئين والميثاق العالمي بشأن الهجرة الآمنة والمنظمة والنظاميةفي عام 2018. وفي حين أنهما غير مُلزِمَيْن، فإن ممارسات المملكة المتحدة تخلّ بمبادئ الميثاقَيْن من خلال النأي عن نفسها بعدم تحمّل مبادئ تقاسم المسؤولية تجاه اللاجئين وتصديرها إلى الخارج، وعن طريق وجود رغبة متزايدة لإحداث ضرر في عملية طلب اللجوء.
الخاتمة
رغم أن قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أوقف آنيًّا عمليات الترحيل الوشيكة، إلّا أن ممارسات المملكة المتحدة شكّلت سابقة خطيرة لا سيما وأن بلدانًا أوروبية أخرى، مثل الدنمارك، تجري محادثات مع رواندا لإبرام اتفاقات مماثلة. يجب على المملكة المتحدة أن تكفّ عن عمليات الترحيل بموجب اتفاق الشراكة وأن توفي بالتزاماتها الدولية والمحلية تجاه طالبي اللجوء. يجب على المملكة المتحدة أن تفي بالتزامها كطرف مشارك في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان باحترام قرار المحكمة، فضلا عن التزاماتها تجاه المعايير والآليات الدولية لحقوق الإنسان. يجب على المملكة المتحدة أن توفّر سُبلًا آمنة وقانونية لطالبي اللجوء عوضًا عن نبذ سياساتها الخاصة بالهجرة والتنصل منها بتصديرها إلى الخارج، والتملّص من مسؤولياتها بموجب القانون الدولي وإلقائها على عاتق الآخرين، وتعريض سلامة طالبي اللجوء للخطر.
__________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.