الصحفيون السوريون يواجهون القمع والترحيل في تركيا
يواجه الصحفيون والناشطون السوريين في تركيا وضعاً خطيراً يتزايد مع تغير العوامل والقوى السياسية والتشديد الأمني من قبل السلطات التركية، إذ يتعرض الصحفيون السوريون إلى تهديدات تؤثر على أمنهم وحريتهم. وتتضمن الحملة التركية المتزايدة اعتقالَ الكثير من الصحفيين وإساءةَ معاملتهم وتهديدَهم بالترحيل إلى سوريا، وهو ما يعيق بشدة عملَهم وحياتَهم. ويتوجب على الاتحاد الأوروبي أن يردّ على ذلك بزيادة طرق منح التأشيرة للصحفيين والناشطين السوريين المقيمين في تركيا.
أخبر الكثير من الصحفيين منظمةَ "مراسلون بلا حدود" بأن جو الخوف السائد قد أثر سلباً على حياة السوريين اليومية، وقال أحد المصادر للمنظمة، إنهم يعيشون في الخفاء وعاجزون عن السير في الشارع أو الذهاب إلى العمل ". وذكر أحد الصحفيين أنه فقد وظيفته في وسيلة إعلامية سورية لأنه لا يستطيع الذهاب إلى عمله. وأوضح الصحفي، "إذا خرجت من المنزل سأخاطر بأن أُرحَّل إلى سوريا. لا أعلم ما الذي عليّ فعله." ويُخشى احتمالُ أن يؤدّيَ أي تعليق ينتقد السلطات التركية أو مصالحَها إلى عواقب وخيمة، من ضمنها الترحيل إلى سوريا.
وتُعَدُّ مسألةُ الإعادة القسرية على وجه الخصوص واحدةً من أكثر المسائل المقلقة التي يعيشها الصحفيون السوريين، إذ يواجهون خطر السجن أو الاختطاف أو حتى الإعدام بعد ترحيلهم إلى سوريا. ومن المقلق أن السلطات التركية كثفت من جهودها عام 2023 في حملات ترحيل اللاجئين السوريين. وتُعَدُّ حالة اعتقال الصحفي السوري، خالد عبيد، في كانون الثاني عام 2023 بحجة انتهاء مدة إقامته، إحدى الحالات التي تظهر سرعة تغير مفهوم افتراض السلامة والأمان في مكان ما. ورغم أن عبيد كان لديه موعد لتسوية أوراق إقامته في تركيا قبل أيام من اعتقاله، إلا أن السلطات التركية استغلت مسألةَ انتهاء مدة إقامته كذريعة لإجباره على التوقيع على ورقة "العودة الطوعية"، وإرساله إلى سوريا. وتخلق هذه الأفعال مناخاً من الخوف يحدّ ممارسةَ الناشطين لحرية تعبيرهم، ويكبت آرائهم حول القضايا المهمة التي تؤثر على المواطنين الأتراك واللاجئين السوريين.
يبيّن اعتقالُ الصحفي السوري، خالد الحمصي، ازدياد المخاطر المتعلقة بسلامة الصحفيين، إذ إنّ الحمصي الذي أُوقف عند نقطة تفتيش للشرطة التركية أثناء سفره داخل تركيا، كان قد مر سابقاً عبر نقطة تفتيش أخرى وهو يحمل بطاقة الإقامة ذاتها دون توقيفه، ولكن في المرة الثانية حاول ضباط الشرطة إقناعه بتوقيع أوراق "العودة الطوعية" إلى سوريا "للتصالح مع النظام السوري". ولمّا رفض الحمصي ذلك، أُرسل إلى مخيم للاجئين السوريين في العثمانية ريثما تُحَلُّ مشكلةُ أوراقه. ولم ترد تقارير حول ما إذا كان الحمصي لا يزال في المخيم، ولكن السلطات التركية لم تكن ترغب في الإفراج عنه حين احتجزته، بحسب محاميه الذي يرى أن هناك أملا ضئيلا في إطلاق سراحه.
تتزايد مشاعر الخوف لدى الصحفيين السوريين بسبب قوى وعوامل السياسة التركية الواسعة النطاق على الصعيدين المحلي والدولي. وعلى الرغم من أن الحكومة التركية تبرر اعتقال الصحفيين، مثل عبيد والحمصي، بعدم امتلاكهم لوثائق إقامة سارية، إلا أن هذه الحالات تعكس استراتيجية تركيا الأكبر للتحكم بروايتها محلياً. فرضت الحكومة التركية على الصعيد المحلي قيودًا صارمة على حرية التعبير عن طريق حملات قمعية شنّتها في قطاع الإعلام بشكل خاص، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016. واستخدمت السلطات التركية تكتيكات متنوعة لإسكات المنتقدين، مثل إغلاق وسائل الإعلام إلى جانب اعتقال الصحفيين بتهم غامضة مثل الإرهاب أو نشر مشاعر مناهضة للدولة. ورغم أنهم معرضون للخطر أصلا لكونهم لاجئين، يجد الصحفيون السوريون أنفسهم في هذا المناخ العدائي محاصرين بين مطرقة تهديدات القمع التركي وسندان المخاطر التي فروا بسببها من سوريا.
وتستغل تركيا دورها على الصعيد الدولي بصفتها مضيفا لملايين اللاجئين السوريين لتضع نفسها كلاعب رئيسي في مفاوضات الاتحاد الأوروبي والسياسة المتعلقة باللاجئين. ومن خلال التهديد بالترحيل وتقييد حقوق الصحفيين السوريين، ترسل الحكومة رسالة للجماهير المحلية والأجنبية بأنه لن يتم التسامح مع المعارضة، وبأن تركيا ستتحكم في السرد المتعلق بكيفية معاملتها للسوريين. ويطمح التلاعب بوضع اللاجئ إلى تحقيق مكاسب سياسية ويزيد من تهميش الصحفيين السوريين الذين لوجودهم في تركيا آثارٌ جيوسياسية كبيرة.
وتثير ممارسات الحكومة التركية المتعلقة بترحيل السوريين مخاوفَ جديةً بموجب مبدأ القانون الدولي المتعلق بعدم إعادة اللاجئين في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 بخصوص اللاجئين والذي يُعَدُّ جزءا من القانون الدولي العرفي. ويضمن هذا المبدأ أنه لا ينبغي إعادة أي شخص إلى بلد يواجه فيه خطرَ التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو أي ضرر لا يمكن إصلاحه. ورغم أنّ تركيا تحافظ على التقييد الجغرافي في اتفاقية اللاجئين، يتطلب القانون الدولي العرفي من تركيا تطبيق مبدأ عدم الإعادة القسرية دون التمييز بين اللاجئين بغض النظر عن أصلهم، ويُعَدُّ هذا المبدأ من المواد القلائل التي لا يمكن إجراء تحفظات عليها.
إن الاعتراف بأهمية حرية التعبير للمعايير الديمقراطية وشيوع سوء معاملة تركيا للصحفيين السوريين يوجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات، كأن يعمل الاتحاد الأوروبي وشركاؤه العالميون معاً لزيادة برامج اللجوء ومنح التأشيرات المصممة خصيصاً للصحفيين والناشطين الذين يواجهون تهديدات لسبل عيشهم وحريتهم. وستسمح هذه التأشيرات للسوريين بالعيش في بيئات ترعاهم وتحترم حريتهم في التعبير، مع تمكينهم من ممارسة مهنتهم بأمان والتعبير عن آرائهم دون عقاب. ويتعين على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان أن تضغط على تركيا لوقف ممارسات الترحيل الخطيرة والغير قانونية، ولاسيما ما يتعلق بالاضطهاد الذي يستهدف الصحفيين وبضرورة حظر العودة القسرية. ويجب على الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية قوية بتركيا، مثل بعض دول الاتحاد الأوروبي أن تربط مساهماتها الاقتصادية واستمرارية علاقاتها الدبلوماسية بحماية الصحفيين واللاجئين السوريين بشكل عام في تركيا.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.