المساءلة عن الجرائم الروسية المرتكبة في سوريا وأوكرانيا
يجب محاسبة أولئك الذين يرتكبون جرائم فظيعة – سواء في سوريا أو أوكرانيا أو في أي مكان آخر من العالم. ,لكن في خضم رحى الحرب، من الصعب معرفة كيفية السعي لتحقيق العدالة. وفي هذا المقام، تُعتبر التجربة السورية مفيدة.
منذ اندلاع النزاع السوري، التقطت الهواتف الذكية ملايين مقاطع الفيديو التي تُصوّر انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان وجرائم حرب. وسرعان ما أصبح واضحاً أن هذا التوثيق يمكن أن يكون في النهاية بمثابة دليل قيّم على ارتكاب مخالفات جنائية في عمليات مساءلة مستقبلية. لذلك بدأ المركز السوري للعدالة والمساءلة عملية تجميع هذه المواد وأرشفتها وحفظها قبل أن تخضع لعمليات حذف من قبل شركات وسائل التواصل الاجتماعي. واحتجنا أيضاً إلى طريقة لتحديد العلاقات بين البيانات بهدف بناء ملفات قضايا ضد الجناة.
وبما أن البرمجيات التجارية باهظة الثمن، وكانت الخيارات الأخرى تفتقر إلى الخصائص الوظيفية الكافية، أنشأنا برمجية خاصة بنا لإدارة البيانات أطلقنا عليها اسم Bayanat (بيانات). وحتى تاريخه، قمنا بحفظ 1.4 مليون مقطع فيديو، وقمنا بتحليل 450,000 منها بناءً على منهجيتنا التي تسترشد بالقانون الدولي الإنساني. حيث حدّد المركز السوري للعدالة والمساءلة سلسلة من المصطلحات بناءً على اتفاقيات جنيف للسماح للمحللين بتحديد الانتهاكات الموضّحة في مقاطع الفيديو والشهادات والوثائق الأخرى ووسمها بشكل دقيق ومتسق. ويسمح هذا بدوره بالبحث عن الكلمات عبر كميات كبيرة من البيانات ويسمح لنا برؤية الأنماط ومساعدة المدّعين العامين والمحققين في بناء القضايا. وتم رفع بعض هذه القضايا ضد مسؤولين حكوميين سابقين ومقاتلين خارج سوريا بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية. ولقد جعلنا هذه التقنية مفتوحة المصدر ومتاحةً للجميع لتنزيلها مجانا وقابلةً للتخصيص مما يجعلها مناسبة للاستخدام في سياقات أخرى.
وعلى الرغم من اختلاف طبيعة النزاعَين، يمكن أن ينطبق عدد من الدروس على أوكرانيا حيث يبدو أن روسيا تطبّق نفس كتاب قواعد اللعبالذي اعتمدته في سوريا. ويتمثل أحد الأنماط في ممارسة استهداف أعيان مدنية، مثل المستشفيات. في سوريا، أنشأت الأمم المتحدة آلية لمنع الاستهداف لتحديد مواقع المستشفيات التي يجب عدم استهدافها وفقاً لمبادئ راسخة في القانون الدولي. ثم استُهدفت هذه المستشفيات نفسها بقصف روسي كما هو موضّح في سلسلة تحقيقات أجرتها صحيفة نيويورك تايمز حلّلت فيها أنماط الرحلات الجوية وحركة مرور الاتصالات اللاسلكية الروسية وأدلة تظهر في مقاطع الفيديو. ويُشتبه مرة أخرى في ضلوع روسيا باستهداف المستشفيات في أوكرانيا بشكل مباشر، وهو ما يمكن تجنّبه بأقل جهد ممكن. ويشير هذا النمط من السلوك إلى أن هذه الهجمات تستهدف عمداً الأعيان والأشخاص الذين يتمتعون بالحماية.
وتشمل الأنماط الأخرى التي رأيناها استخدام الأسلحة والتكتيكات التي تنتهك القانون الدولي على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف. وهناك العديد من التقارير التي تشير إلى استخدام روسيا للذخائر العنقودية بشكل عشوائي ضد السكان المدنيين. ولاحظ محللونا وجود العشرات من مقاطع الفيديو من سوريا تُظهر تماما هذا النوع من السلوك ونحن نشهد الآن عدة تقارير مماثلة في أوكرانيا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الغدر يعني استخدام وسائل غادرة، مثل الإيهام بالاستسلام لشن حرب. وهذا هو نفس السلوك الذي يُشتبه في أن الروس يرتكبونه في أوكرانيا، حيث وردت تقارير عن قيام جنود روس بالتلويح بالأعلام بيضاء للاقتراب من المقاتلين الأوكرانيين ومباغتتهم بإطلاق النار عليهم. وعلاوة على ذلك، تسبّبت تكتيكات الحصار في خسائر بشرية مدمِّرة في حلب، وقد بذلت روسيا جهودًا كبيرة للحد من الممرات الإنسانية في سوريا من خلال استخدام حق النقض ضد الجهود الساعية إلى السماح بأعمال الإغاثة. وارتكبت روسيا المزيد من جرائم الحرب في سوريا من خلال استهداف الإغاثة الإنسانية بضربات جوية مباشرة. وتستخدم روسيا الآن تكتيكات حصار مماثلة في أوكرانيا.
ولقد تفاوض الاتحاد السوفيتي على اتفاقيات جنيف ووافق عليها لتكون بمثابة كتاب قواعد يقيّد سلوك الجيوش لتقليل المعاناة الإنسانية. وتشير أنماط الانتهاكات التي ارتكبتها روسيا في سوريا والآن في أوكرانيا إلى أن روسيا تستخدم اتفاقيات جنيف لتحديد السلوك المحظور، ومن ثم الانخراط في هذا السلوك تحديدًا. حيث أنه لا يوجد إغراق في التطرف – ولا يوجد مبدأ مقدّس في القانون الدولي – في نظر روسيا.
وللحفاظ على النظام القانوني الدولي ولضمان محاسبة الجناة، يجب أن يبدأ العمل الجاد للحفاظ على الأدلة الآن. وإن المركز السوري على استعداد لتقديم يد العون، وقد ترجم برمجيته المجانية إلى اللغة الأوكرانية تضامناً مع شعب أوكرانيا. ونأمل أن يساعد ذلك في بدء عملية المساءلة التي يستحقها الأوكرانيون.
______________________________________________
لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والملاحظات، يُرجى التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected] ومتابعتنا على الفيسبوك وتويتر. ويرجى الاشتراك في النشرة الإخبارية الصادرة عن المركز السوري للحصول على تحديثات حول عملنا.