1 min read
لم ينتهِ عمل التحالف الأمريكي في شمال شرق سوريا بعد
By Photo by Spc. Jensen Guillory

لم ينتهِ عمل التحالف الأمريكي في شمال شرق سوريا بعد

هناك تخوّف متفهّم من حروب أمريكا اللامنتهية على الإرهاب بسبب مرونة التفويض الذي صدر بهذا الشأن بعد أحداث 11/9 والاستخدام الواسع للصلاحيات التي منحها الكونغرس في عدد من السياقات والنزاعات المرتبطة بالتفويضات الأصلية، ولو من بعيد . ولكن تبقى الحقيقة أن استمرار وجود التحالف التي تقوده الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا ضروري للحفاظ على السلام ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يحاول معاودة الظهور، ولدرء خطر الأطراف المخالفة الأخرى مثل روسيا وتركيا.

هروب أفراد داعش من السجن

يفيد التقرير الأخير للمفتش العام حول "عملية العزم الصلب" أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال يمثل "تهديدًا كبيرًا" في سوريا. وتُقدر الأمم المتحدة أن هناك ما بين 6,000 إلى 10,000مقاتل ناشطٍ في سوريا والعراق. وتُقدر وزارة الخزينة الأمريكية أن تنظيم داعش يملك أموالًا نقدية تصل لعشرات الملايين من الدولارات في المنطقة، تُصرف على رواتب المقاتلين والنشاطات التشغيلية، كما أن مدخول التنظيم من شبكات تهريب النفط في شرق سوريا لا يزال مستمرًا. يخطط تنظيم داعش وينفذ هجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف والبنى التحتية ويسعى لبناء قواته عن طريق تهريب مقاتليه من السجون التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، والتي هي شريك الولايات المتحدة الأساسي في سوريا.

وقع الحدث الأهم في 20/1/2022 حيث هاجم تنظيم داعش سجن الغويران في الحسكة باستخدام شاحنة مفخخةٍ أدت إلى مقتل أكثر من 500 شخص وهروب ما يقدر بأنهم مئات من مقاتلي داعش. استمرت معركة السجن مدة 10 أيام وأُجبرت قوات التحالف الأمريكية على التدخل بقواتها الجوية لإخماد التمرد الذي اندلع في السجن. وبعدها نجحت قوات سوريا الديمقراطية بالقبض على عدد من المتمردين، ولكن يبقى عدد الذين نجحوا فعليًا في الفرار غير معروف. وتتوقع قوات التحالف الأمريكية أن يستمر تنظيم داعش في استهداف السجون لإعادة بناء قواته القتالية، مما يعني أن سجون قوات سوريا الديمقراطية في منطقة شمال شرق سوريا التي لا تزال تحتجز 10,000 مقاتل من مقاتلي داعش في السجون أصبحت أهدافًا مهمةً للتنظيم.

كذلك، لا تزال هناك حوالي 56,000 امرأة وطفل – معظمهم من عائلات مقاتلي داعش – في مخيم الهول. يضم المخيم مزيجًا من أتباع داعش ونساء وأطفال نبذوا إيمانهم بدولة خلافة متطرفة – أو أنهم لم يؤمنوا بها أصلًا. يعاني المخيم من ظروف إنسانية مزرية ويشعر عمال الإغاثة الإنسانية أن توفير الخدمات هناك يصبح أكثر فأكثر أمرًا لا يطاق. فالعنف لا يزال متغلغلًا في المخيم، حيث شهد شهر نيسان/أبريل وحده مقتل9  أشخاص من سكانه. وتفيد تقاريرٌ بأن تنظيم داعش يستخدم المخيم كقاعدةٍ لتجنيد واستقطاب الأطفال. تم تسليم بعض سكان المخيم إلى العشائر المحلية مقابل تأكيداتٍ بعدم السماح لهؤلاء الأشخاص بمعاودة الانضمام إلى داعش، وتم إرجاع عددٍ آخر منهم إلى العراق. ولكن إن استمرت عملية إعادة سكان مخيم الهول إلى بلادهم بنفس المعدل الحالي فسيبقى فيه عدد لا بأس به من السكان لخمسة عشر سنة على الأقل.

ويجب الاعتراف هنا بأن خطر عودة ظهور داعش يوصف حاليًا "بالمتدني"، وأن التنظيم لا يملك الآن القدرات التشغيلية اللازمة للمشاركة في هجمات على الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن بالرغم من ذلك، تشبه الظروف الحالية في شمال شرق سوريا الظروف التي أدت في البداية إلى نشوء تنظيم داعش في مخيم البوكا بعد الحرب على العراق.

سجن البوكا 2.0

استُخدم سجن البوكا في جنوب العراق كمعتقلٍ لاحتجاز الأشخاص الذين اعتقلتهم قوات التحالف التي اجتاحت العراق بقيادة الولايات المتحدة وأطاحت بحكم صدام حسين. تم احتجاز حوالي 25,000 شخص في معتقلي بوكا وكروبر. وبعد أن خفّضت الولايات الأمريكية من مستوى وجودها في العراق، سلّمت المعتقلين للسلطات العراقية. وتم الإفراج عن معظمهم لاحقًا، ومن ضمنهم أبو بكر البغدادي، الذي أصبح لاحقًا زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. وأفاد أحد المعتقلين لاحقًا أن سجن البوكا كان يستخدم عمليًا لتدريب العديد من مقاتلي التنظيم وزعمائه:

وأضاف: "كان لدينا الكثير من الوقت لنفكر ونخطط، كانت بيئة مواتية واتفقنا جميعا على أن نجتمع لاحقا بعد الإفراج عنا. وكان من السهل علينا أن نجد بعضا البعض. حيث كتبنا عناوين رفاقنا على سراويلنا الداخلية. كان لدينا أرقام هواتفهم وأسماء قراهم. وبحلول 2009 عاودنا مزاولة نشاطنا كما كنا قبل إلقاء القبض علينا، ولكنا في هذه المرة كان أداؤنا أفضل بكثير."

تضم كلّ من سجون قوات سوريا الديمقراطية التي تحتجز مقاتلي داعش ومخيم الهول نفس المزيج من المكونات التي كانت موجودة في سجن بوكا. أي أنها تتيح مكانا لتدريب واستقطاب أو تشريب مقاتلين مستقبليين بمعتقدات ومبادئ التنظيم. وبالرغم من أن معظم سكان المخيم من السوريين والعراقيين، إلا أن معظم المقاتلين المتشددين هم من الأجانب، يقبع 2000 منهم في سجون قوات سوريا الديمقراطية و8000 آخرون في مخيم الهول. وتُعد كلتا الحالتين حالة طوارئ إنسانية وأمنية قومية سيصعب التصدي لها في حال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من شمال شرق سوريا.  وقد يؤدي الفشل في معالجة هذه القضايا إلى نسخة جديدة من داعش.

الأخطار التي تمثلها تركيا

قد يفسح الانسحاب المبكر للقوات الأمريكية المجال لعودة داعش. فقد قررالرئيس ترامب على عجل سنة 2019 سحب القوات الأمريكية، وقامت تركيا بدورها باجتياح المنطقة، مهاجِمة مرافق قوات سوريا الديمقراطية هناك، ومن ضمنها الأماكن التي كانت مستخدمة لاحتجاز مقاتلي داعش. سعت الولايات المتحدة لنقل حوالي 60 من سجناء داعش المهمين لمواقع أكثر أمنًا، ولكنها لم تنجح سوى في نقل اثنين من هؤلاء إلى عهدتها: يُعرفون باسم ’بيتلز داعش‘. بينما نجح عدد غير محدد من مقاتلي داعش في الفرار من السجون إثر أحداث العنف التي تلت انسحاب القوات الأمريكية. ولذلك اضطر الرئيس ترامب إلى استخدام مبرر جديد، ألا وهو حماية حقول النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية للتراجع عن قراره.

ستشجع مغادرة القوات الأمريكية تركيا، التي لا تزال تهدد باجتياح واحتلال المزيد من الأراضي في شمال سوريا على التقدم، في الوقت الذي لها فيه تاريخ طويل في انتهاك حقوق الإنسان في أراضيها المحتلة. وكما أفاد الجنرال ماكنزي للجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ: "تصاعد النزاع ما بين قوات سوريا الديمقراطية ونظام الأسد أو تركيا [....] يمكن أن يعطي داعش المهلة التي تحتاجها لتتعافى من خسائرها الأخيرة وبسط نفوذها".

وبناء على تهديدات تركيا، فإنه من المنطقي أن تضيع المنطقة الوحيدة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في سوريا إذا ما انسحبت القوات الأمريكية، والتي هي حاليًا المنطقة الوحيدة في البلاد التي تستطيع فيها منظمات حقوق الإنسان أن تعمل بشكل مباشر وتنفذ مشاريع إعادة الإعمار وبرامج بناء السلام، التي قد تذهب كلها هباءً لو انسحبت القوات الأمريكية.

روسيا – لم تتمكن من / لا تستطيع ملء الفجوة

ذكر مقالٌ مُفصّل لتيس بريدجمان وبريانا روزين نُشر في منتدى جاست سيكيوريتي (الأمن العادل) أن المبرر القانوني للحرب ضد داعش لم يقم على أساس صلب من البداية، وأنه أصبح أضعف بعد هزيمة داعش الميدانية. وبالرغم أن العديد من النقاط التي ذكرها المؤلفان تقوم على أسس سليمة، إلا أن هناك نقطة تستحقّ إعادة النظر.

يرى بريدجمان وروزين أن التدخل الروسي سنة 2015 لمساعدة الحكومة السورية في إحكام سيطرتها على معظم أراضيها، ألغى الحاجة للعمليات الأمريكية التي لم تعد ضرورية أو متناسبة للتصدي للتهديدات التي يمثلها تنظيم داعش. ولكن في المقابل، لم تثبت الحكومة السورية أنها قادرة أو حتى راغبة في وضع حد لتهديدات داعش – حتى بوجود الدعم الروسي. حيث قامت الحكومة السورية في الماضي بمساعدة داعش بشكل جليّ عن طريق إطلاق سراح مسلحين من سجونها لمحاربة قوات المعارضة. ومؤخرًا، تكبدت الحكومة السورية خسائر فادحة بسبب داعش، بعد أن تباعدت مصالحهما. ولم ينجح التدخل الروسي في النزاع السوري إلا في زيادة معاناة المدنيين بسبب القصف العشوائي، والهجمات التي استهدفت المستشفيات وغيرها من الأهداف المحمية. كما أن هناك تقاريرتفيد بأن روسيا بدأت بسحب بعض قواتها من سوريا لتعيد نشرها لمساندة عملياتها الحربية في أوكرانيا. وخلاصة القول أن الحكومة السورية - حتى بوجود الدعم الروسي – ليست في موقع يتيح لها وضع حد لتهديدات داعش.

تراجع اهتمام الكونغرس بالنزاع في سوريا

بالرغم من أن الكونغرس أصبح الآن منشغلًا بسبب العدد الكبير من جلسات الاستماع وأوامر الصرف المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، إلا أنه تلقى بصمت إحاطات دورية حول النزاع السوري وبعض الشكاوى حول استمرار وجود القوات الأمريكية والعمليات هناك. كما سنحت للكونغرس فرصة مثالية للاستفادة من مقترح الرئيس أوباما لاستصدار تفويض لاستخدام القوة العسكرية خاص بداعش. ويعكس هدف التفويض المقترح، والذي هو إضعاف وهزيمة داعش، مهمة عملية العزم الصلب. ولكن عدم العمل على الاستفادة من هذا التفويض المقترح يخدم بطبيعة الحال مصلحة الكونغرس، الذي لو اختار عدم التصرف فلن يكون ممكنًا عندها تحميله مسؤولية فشل أية عمليات عسكرية.

التوصيات

بالرغم من أن الولايات المتحدة تغنّت كثيرًا بهزيمتها لتنظيم داعش منذ سنة 2018، إلا أنه من الواضح أن التنظيم لا يزال يمثل تهديدًا. وإن غادرت الولايات المتحدة شمال شرق سوريا، فسيُحدِث هذا الانسحاب فجوةً يتسابق على ملئها تنظيم داعش والحكومة السورية والميليشيات المدعومة من إيران وتركيا، بحيث تنشأ بيئة تزدهر وتنتشر فيها انتهاكات حقوق الإنسان. وإن كان الكونغرس قلقًا حول الحاجة لوجود تفويض صريح للحفاظ على وجود القوات الأمريكية في سوريا فعليه أن يشجع الرئيس بايدن على السعي لاستصدار تفويض خاص لاستخدام القوة العسكرية يتوافق مع ما اقترحه الرئيس أوباما سنة 2015. حيث يمكن أن يوضّح هذا التفويض مهمة وقف داعش، وينشّط في ذات الوقت دور الكونغرس في ممارسة سلطات الحرب.

أما بالنسبة لتهديد داعش الأوسع، يجب على الدول أن تعمل على إعادة مواطنيها الموجودين في سجون قوات سوريا الديمقراطية، وتشكيل محكمة خاصة قبل عودتهم للبلاد تجهيزًا لمحاكمتهم. كما أن على الدول المعنية أن تعمل على إعادة النساء والأطفال الموجودين في مخيم الهول ومعاودة دمجهم في المجتمع. ويجب أن تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في دعم قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها حليفًا في تحقيق جميع هذه الأهداف، خاصة وأنه ليس من الواضح كيف يمكندون وجود الولايات المتحدة، منع عودة ظهور داعش.

__________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.