لاجئون شهود في ألمانيا
ترابط فريد
أدى النزاع السوري إلى نزوح وهجرة أكثر من 12مليون شخص سواء في داخل سوريا أو إلى دول الجوار ودول أخرى. فوفقًا للمفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، تستضيف الدول الأوروبية ما يقرب من مليون طالب لجوء ولاجئ سوري. ويعيش أكثر من نصف مليون نسمة حاليًا في ألمانيا، مما يجعلها واحدة من أكبر مراكز الشتات السوري في جميع أنحاء العالم.
وليس من الصدفة أن ألمانيا قد أصبحت واحدة من الدول الرائدة التي تقاضي جرائم متعلقة بسوريا في محاكمات جنائية محليّة. حيث يعتمد نجاح هذه الملاحقات القضائية بشكل حاسم على شهود سوريين رئيسيين على استعداد للإدلاء بشهادتهم ضد أعضاء سابقين في تنظيم داعش، أو مسؤولين حكوميين، أو غيرهم من المواليين للنظام. ويقيم غالبية هؤلاء الشهود في ألمانيا أو في دول أخرى في الاتحاد الأوروبي ويتعاونون مع سلطات التحقيق على الرغم من مخاوفهم المستمرة من قمع الحكومة السورية لهم.
وتعدّ إحدى السّمات البارزة لهذه المحاكمات هي أن معظم الشهود جاؤوا في الأصل إلى أوروبا طالبين للجوء وشاركوا في مقابلات مسجّلة كجزء من عملية تقديم الطلبات. غير أن هذه المقابلات تُستخدم الآن لاختبار مصداقية شهادات الشهود في المحاكمة. ويثير هذ الأسلوب العديد من الأسئلة الهامة، من بينها ما إذا كان لجودة مقابلة طلب اللجوء تأثيرٌ على جدواها في تقييم مصداقية الشهود.
المصداقية في إجراءات طلب اللجوء في أوروبا
على الرغم من ضرورة أن تتّبع مقابلة طلب اللجوء الحد الأدنى من المعايير مع ضمانات إجرائية، يختلف التنفيذ اختلافًا كبيرًا بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. حيث تؤدي الممارسات غير المتّسقة إلى معدلات عشوائية من الحصول على حق اللجوء، بل وفي البلد نفسه. ففي 16 ولاية ألمانية، تُعد ممارسة اتخاذ القرار غير المتكافئة في صميم ذلك الموضوع. ونظرًا للاختلافات الإقليمية الشديدة، يُشار إلى هذا النظام اللامركزي باسم "مقامرة اللجوء". حيث إن عددًا مقلقًا من القرارات المتعلقة باللجوء تعدّ ذات جودة منخفضة، وتحتوي على أخطاء جسيمة في الترجمة، وتستند إلى حجج مشكوك فيها لرفض مصداقية مقدم الطلب. وبسبب الافتقار إلى الشفافية، نادرًا ما يتم التدقيق في قرارات اللجوء هذه. ولكن في الربع الأول من عام 2017، قامت المحاكم الإدارية الألمانية بإلغاء 22% من القرارات التي اتخذها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين. حيث توصّل الباحثون إلى استنتاجات مماثلة في فنلندا والمملكة المتحدة فيما يتعلق بأوجه القصور والقرارات الخاطئة في قضايا اللجوء.
غالبًا ما تكون الأدلة الثبوتية لطالبي اللجوء غير متوفرة بسبب فرارهم من القمع. وبالتالي، فإن أساس تحديد حالة الحماية يتأثر بشكل كبير بالرواية الشفوية لمقدم الطلب والمعلومات المتعلقة ببلد المنشأ.ووجدت دراسة حديثة أن تقييم المصداقية الذي يجريه القضاة عرضة للآراء الشخصية ولعوامل تؤدي إلى اللبس – مثل الأخطاء التي يرتكبها المترجم الشفوي والافتقار إلى الفهم الثقافي – والتي نادرًا ما يتم أخذها في عين الاعتبار. وخير مثال على ذلك هو إعطاء الغرب أهمية للتواريخ والأوقات، بينما لا يَعُدُّ صانعُ القرار للتفاصيلِ الأخرى علاقةً بالموضوع، بل ولا يتم تضمينها في مَحضر المقابلة. ويمكن أن يؤدي هذا التدوين الانتقائي للمعلومات بلا ريب إلى سوء تفسير رواية مقدم الطلب. ووجدت الدراسة أيضًا أن القيام بواجب مواجهة مقدم الطلب بشأن حالات التناقضات المحتملة غالبًا ما يتم تجاهله مما يعيق تقرير الوقائع بالشكل الكامل.
وهناك عدة أوجه لمدى أهمية هذه الأخطاء. ففي البداية، في عام 2012، أدت الأعداد الكبيرة الوافدة من سوريا إلى إرباك سلطات الاتحاد الأوروبي. حيث قامت السلطات الألمانية بتسريع العملية من خلال تتبّع سريع للطلبات السورية وتم منح معظم السوريين وضع اللجوء بناء على مقابلة مكتوبة مع التنازل عن الحق في الاستماع إليهم شخصيًا. فأدى ذلك في البداية إلى اتخاذ قرارات سريعة بالنسبة للسوريين، فضلًا عن انخفاض كبير في عبء العمل على كاهل السلطات. غير أنه في أواخر عام 2015، تم إعادة فرض إجراء المقابلات الشخصية. وفي الوقت نفسه، وفقًا للمكتب الإحصائي للجماعات الأوروبية (يوروستات)، تم تقديم أكثر من 300 ألف طلب سوري في دول الاتحاد الأوروبي في الربع الأول من عام 2016، وكان 60% من تلك الطلبات في ألمانيا. حيث أجرى العديد من الموظفين المختصين ثلاث مقابلات على الأقل في اليوم الواحد. وبالتالي، انخفضت مدة المقابلة وجودتها. كما أدى عدم وجود مترجمين شفويين مؤهلين إلى أخطاء في المقابلات ومَحاضرها. ولأن السوريين تلقوا الحماية بمعدل يقارب 100%، لم تُعدّ تفاصيل رواية مقدم الطلب ذات صلة بالموضوع طالما تم التأكد من هويته. ونتيجة لذلك، فمن غير المحتمل أن تعكس مَحاضر المقابلات التي تم إعدادها في السنوات التي تلت 2015 الرواية الكاملة لمقدم الطلب. وفي الوقت نفسه، من الخطأ اعتبار مستوى التفاصيل في الرواية أحد أهم العوامل في تحديد المصداقية: بمعنى أنه كلما زاد مستوى التفاصيل، زادت احتمالية أن يكون مقدم الطلب ذا مصداقية.
وقد حظيت هذه التحديات باهتمام أكبر في المحاكمات الجنائية. فمن المعتاد في المحاكم الجنائية الدولية أن يتم الاعتراف بالحواجز الثقافية واللغوية، وتأثير التجارب الصادمة، وتحديات أخرى في تقييم موضوعية ومصداقية الشهود. وبينما لا يزال هناك مجال لتحسين الأوضاع، إلّا أن استجواب الشهود يتم بعناية، ويستمر أحيانًا لأسابيع، وتُؤخذ ظروفهم الشخصية وجنسهم وتعليمهم وتنشئتهم الاجتماعية في الاعتبار. وتطبّق المحاكم الجنائية الوطنية معايير مماثلة. وعلى النقيض من ذلك، يبدو أنه يتم تجاهل هذه العوامل في حالات طلب اللجوء. ولهذا تداعيات خطيرة على المحاكمات الجارية في ألمانيا فيما يتعلق بسوريا.
رواية طالب اللجوء وشهادة الشهود في المحاكمات الجنائية: هل هي قصة واحدة؟
في معظم الحالات، يجب أن تستند شهادة الشهود إلى معرفة شخصية، فمن الشائع أن تتغير الذكريات، خاصة عندما تكون الأحداث قد وقعت منذ سنوات أو بعد التعرّض لصدمة شديدة. وبالإضافة إلى ذلك، فمن الشائع أن يتذكر الشهود المزيد من التفاصيل مع مرور الوقت. فهذه حقيقة لا تقتصر على القضايا الجنائية، بل وتشمل أيضًا قضايا اللجوء.
وفي حين أن المحكمة قد تواجه شاهدًا بما أدلى به من إفادات وأقوال قبل المحاكمة لتحديد مصداقيته، فمن المهم ألا تولي المحكمة اهتمامًا كبيرًا للتناقضات عندما تشير الظروف الشخصية للشاهد إلى تفسيرات معقولة – حتى لو كان الشاهد غير قادر على تقديم هذه الأسباب. فعلى سبيل المثال، تراعي المحكمة الجنائية الدولية "عدم الدقة أو اللامعقولية أو التناقضات" في الإفادات والأقوال قبل المحاكمة (لوبانغا، 2012، الفقرة 103) بناءً على السياق والظروف الفردية.
عادة ما تكون الإفاداتُ والأقوالُ قبل المحاكمة في هذا السياق مقابلاتٍ مع منظمات غير حكومية ومحققي الشرطة ولجان التحقيق. وعادة ما يتم عقد المحاكمات المتعلقة بسوريا في ألمانيا أمام مجلس قضاء أمن الدولة أو ما يسمى بالألمانية (Staatsschutzsenat) التابع للمحكمة الإقليمية العليا ويتم التحقيق فيها من قبل مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية الألمانية (BKA). حيث يجمع مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية الألمانية في العادة الإفادات والأقوال قبل المحاكمة والتي يواجَه بها الشهود في المحاكمة. كما تُستخدم لاستجواب الشاهدِ إفاداتُ وأقوالُ الشهود الأخرى، كتلك التي يتم جمعها من قبل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) والمنظمات غير الحكومية.
أصبحت مقابلات طلب اللجوء – مع أوجه القصور المذكورة أعلاه – ذات أهمية متزايدة في هذه العملية مع وجود أخطاء مزعومة في المقابلات المسجّلة التي تخضع للفحص من خلال استدعاء الشهود، والمترجم الشفوي للمقابلة التي تم إجراؤها مع طالب اللجوء، وحتى القاضي الذي اتخذ قرارًا بشأن طلبات اللجوء. وبسبب عدد القضايا الكبير، نادرًا ما يسفر استدعاء هؤلاء الشهود عن أي توضيحات، ولكنه يطيل مدة شهادة الشاهد. وبالتالي، فإن الاحتجاج بمحضر طلب اللجوء في إجراء جنائي قد يسبب شكوكًا لا يستهان بها. ويعزى السبب في ذلك بصفة خاصة إلى أن الشاهد لا يستطيع حل تلك الأمور بأثر رجعي. فلا يمكن للشاهد أن يحكم على ما إذا كانت الترجمة قد تمت بدقة، أو ما إذا قد تم تصحيح أي تناقضات أثناء إعادة الترجمة، أو ما إذا كان الموظف المختص قد أساء فهم أقوال أو سلوكيات ناتجة عن أسباب ثقافية.
وبالنظر إلى عوامل الخلل والجودة الرديئة للعديد من مقابلات طلب اللجوء، ينبغي أن تؤخذ العوامل المذكورة أعلاه في الاعتبار عند تقييم القيمة الإثباتية لمَحضر طلب اللجوء – وخاصة في السياق السوري.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.