1 min read
خارطة طريق للعدالة الانتقالية في سوريا – أيلول/سبتمبر 2025

خارطة طريق للعدالة الانتقالية في سوريا – أيلول/سبتمبر 2025

 أعلن الرئيس الشرع في 17 أيار/مايو عن إنشاء لجنتين مستقلتين جديدتين، إحداهما معنية بالعدالة الانتقالية (لكنها تقتصر على الجرائم التي ارتكبتها حكومة الأسد)، والأخرى مكرّسة للكشف عن مصير وأماكن وجود المفقودين. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، قدّم المركز السوري للعدالة والمساءلة مجموعة من التوصيات بشأن الخطوات الأولية التي ينبغي على كل لجنة القيام بها. واليوم، بعد مرور أربعة أشهر على إنشائهما، يعيد المركز النظر في هذه التوصيات استنادًا إلى التقدم المحرز من قبل كل لجنة، وكذلك استنادًا إلى المستجدات الأوسع المتصلة بمسار العدالة الانتقالية، وذلك عبر إصدار خارطة طريق محدّثة.

بوجه عام، ورغم أن الهيئة الوطنية للمفقودين حققت بعض التقدّم الملحوظ، إلا أن هذا التقدّم كان استثناءً. فقد كانت الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية بطيئة في اتخاذ إجراءاتها بشكل واضح. وعلى الرغم من أنّ الحكومة أصدرت مذكرات توقيف بحق أربعة من المسؤولين السابقين في نظام الأسد وفتحت تحقيقات مع 87 قاضيًا سابقًا في محكمة مكافحة الإرهاب، إلا أن هذه الجهود تبدو في معظمها رمزية وغير مرتبطة فعليًا بعمل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية.

إنّ تداعيات إهمال مسار العدالة الانتقالية باتت واضحة بالفعل، إذ يشهد البلد اندلاع موجات متكرّرة من النزاع، فضلًا عن أعمال انتقام فردية ضدّ من يُشتبه بارتباطهم السابق بنظام الأسد. إنّ الشروع في عملية شاملة للعدالة الانتقالية من شأنه أن يمكّن الحكومة من معالجة الكثير من المظالم الكامنة التي تغذّي العنف المستمر، ويُرسي الأساس لمستقبل يسوده السلام.

الهيئة الوطنية للمفقودين

تُعَدّ الهيئة الوطنية للمفقودين الكيان الأكثر نشاطًا في مجال العدالة حتى الآن، حيث اتخذت خطوات لوضع الأسس للتحقيقات الوطنية في قضايا المفقودين. وقد قامت الهيئة بتعيين مجلس استشاري يضمّ مجموعة من الخبراء المؤهّلين، وبدأت عقد اجتماعات مع عائلات الضحايا ومنظمات المجتمع المدني. وخلال فعالية خُصِّصت لإحياء اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري بتاريخ 30 آب/أغسطس، ، وقّعت الهيئة مذكرة تفاهم مع ست منظمات مجتمع مدني (من بينها المركز السوري للعدالة والمساءلة) التزمت بدعم عملية البحث الوطنية عن المفقودين.

ورغم هذه النجاحات، ما تزال توصيات المركز السوري للعدالة والمساءلة القصيرة الأمد غير منفَّذة إلى حدّ كبير، ويُعاد طرحها أدناه مع بعض التعديلات الطفيفة. ينبغي أن تركّز الهيئة على الحفاظ على مواقع المقابر الجماعية (حيث جرت نقاشات أولية حول تجريم العبث بهذه المواقع، على الرغم من عدم إصدار أي قانون حتى الآن)، إضافةً إلى اتخاذ خطوات ملموسة نحو إطلاق عملية تسجيل وطنية. 

التوصيات

  • الحفاظ على مواقع القبور الجماعية:  منذ سقوط نظام الأسد، قامت عائلات الضحايا والصحفيون ومنظمات المجتمع المدني بعمليات نبش عشوائية للمقابر على أمل تحديد هوية الرفات. وتُلحق هذه الممارسات الضرر بأدلة حيوية أساسية وتُعقّد عمليات تحديد الهوية في المستقبل. على الهيئة الوطنية للمفقودين وضع خطة والبدء في تنفيذها لحماية مواقع المقابر الجماعية.
    • تنظيم عمليات استخراج الجثث: إعداد قانون يُعرض على البرلمان لتجريم التلاعب بمواقع القبور، وتحديد جهة مركزية داخل وزارة العدل مُفوّضة بعمليات استخراج الرفات. وريثما يتم وضع استراتيجية شاملة، يجب ألّا تتم الموافقة على استخراج الجثث إلا في حالات الطوارئ، مثل ظهور الرفات على السطح، أو الحاجة لإزالتها بسبب إعادة إعمار عاجلة. 
    • حملة توعية: إطلاق حملة عامة تحث المجتمعات على حماية مواقع القبور، وتوعيتهم بأهميتها في عمليات تحديد الهوية. يجب أن يقوم أعضاء الهيئة بإجراء حملات تثقيفية عبر القنوات التلفزيونية والإذاعية المحلية، والتنسيق أيضًا مع عائلات المفقودين لدعم الحملات والمشاركة فيها. 
  • عملية التسجيل: يجب أن تتاح للأُسر السورية في جميع أنحاء البلاد فرصة تسجيل مفقوديهم شخصيًا في المكاتب أو العيادات المتنقلة، ويجب على الهيئة الوطنية للمفقودين اقتراح خطة لهذه العملية، تتضمن: 
    • نموذج التسجيل: تطوير نموذج موحّد لتسجيل حالات المفقودين، بالإضافة إلى مواد تدريبية للموظفين الذين سيجرون المقابلات مع العائلات. وينبغي أن تتم عملية التسجيل عبر مقابلات مع موظفين مُدرّبين بدلًا من النموذج الإلكتروني. وتُخزّن جميع الحالات في قاعدة بيانات مركزية. 
    • خطة التواصل: وضع خطة لإجراء عملية تسجيل للمفقودين والمختفين قسريًا على مستوى البلاد، مصحوبة بتواصل مكثف مع العائلات لحثّهم على المشاركة وتثقيفهم بشأن خيارات التحقيق في حالات المفقودين، وتطمينهم بعدم تعرضهم لأي أعمال انتقامية نتيجة مناقشتهم علنًا أمر أحبائهم المفقودين. ينبغي على الهيئة الوطنية للمفقودين وضع خطط مخصصة لتحديد مواقع مكاتب التسجيل والعيادات المتنقلة وعدد الموظفين المطلوب في كل منطقة، ويمكن للهيئة الوطنية للمفقودين اقتراح تعيين وتدريب كادر من الموظفين، أو التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات المجتمع المدني والاستعانة بموظفيهم في هذا الصدد.
    • الوضع القانوني: إعداد قانون يُعرض على البرلمان لإنشاء وضع قانوني خاص بالمفقودين المُسجّلين، كي يسمح لعائلاتهم التي أكملت عملية التسجيل بتسوية الميراث وحضانة الأطفال وغيرها من المسائل القانونية، أثناء انتظار معرفة مصيرهم.

الهيئة الوطنية للعدالة الانتقاليةحقّقت الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية تقدّمًا أقل، وربما يعود ذلك إلى ضعف الدعم من الحكومة المركزية. وقد أصدرت الهيئة تقريرها الأوّل في 13 آب/أغسطس، أي بعد ستين يومًا من موعده المحدَّد، كما نشرت أسماء أعضائها في 28 آب/أغسطس بموجب المرسوم الرئاسي رقم 149. وتضمّ اللجنة السيد عبد الباسط عبد اللطيف رئيسًا (كان قد عيّنه الرئيس الشرع سابقًا)، وعددًا من أعضاء المجتمع المدني، من بينهم السيدة زهرة نجيب البرازي نائبة لرئيس الهيئة (وكانت سابقًا مديرة البحوث في البرنامج السوري للتطوير القانوني)، وكذلك السيدة جومانة سيف (مستشارة قانونية في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان) كعضو في اللجنة. ويُعتبر إدراج أعضاء سابقين من المجتمع المدني إلى الهيئة خطوة إيجابية، ولا سيما إذا كان الهدف من ذلك هو ضمان تمثيل مختلف وجهات النظر.

التقرير الأوّلي يقدّم مخططًا عامًا لعمل الهيئة، يتّسم بالطموح. فهو يحدّد أهداف الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، بما في ذلك كشف الحقيقة، وتوثيق الانتهاكات، وتحقيق العدالة والمساءلة، والمصالحة الوطنية، وحفظ الذاكرة الوطنية، وضمان عدم التكرار. كما ينصّ على إنشاء قائمة طويلة من اللجان والمكاتب المتخصّصة داخل الهيئة، من دون أي إشارة إلى الأشخاص الذين سيتولّون هذه المناصب، أو أماكن عملهم، أو كيفية تأمين الموارد اللازمة لهذا العدد الكبير من الوظائف. ويشير التقرير إلى وجود مسودة للأنظمة الداخلية والهيكل التنظيمي، إضافةً إلى مدوّنة سلوك، ولكن لم يُكشف عن أيٍّ منها بعد. كما يُشير إلى العديد من المشاريع الجارية، من بينها صياغة قانون للعدالة الانتقالية بالتعاون مع كلية الحقوق في جامعة دمشق، وكذلك عمليات التوظيف الخاصة بكوادر الهيئة، وإنشاء صندوق للضحايا، وتنفيذ أنشطة للتواصل مع محافظات سوريا. غير أنّ التقرير لا يقدّم تفاصيل كافية تتيح تقييم هذا البرنامج بصورة شاملة، غير أنّ اتساع نطاقه يوحي بوجود إخفاق في تحديد الأولويات الأساسية، وعدم وضع خطة عمل قابلة للتنفيذ ضمن إطار زمني معقول.

أعادت الحكومة تفعيل نظام المحاكم الجنائية، الذي تم تعليقه لعدّة أشهر بعد 8 كانون الأوّل/ديسمبر. وفي 8 تموز/يوليو، أعلنت وزارة العدل اكتمال الإصلاحات القضائية، وأنّ المدعي العام الوطني يتابع تهم جرائم الحرب الموجّهة إلى أربعة مسؤولين سابقين في نظام الأسد. ولم يتم الإعلان عن طبيعة الإصلاحات المشار إليها. وبالنظر إلى قِصر الفترة الزمنية، فمن غير الممكن أن تكون الإصلاحات قد بلغت المستوى اللازم لضمان توافق النظام القضائي السوري مع معايير المحاكمة العادلة. وحتى في حال جرى تنفيذ إصلاحات جادّة، فإنها لن تكون فعّالة ما لم تُنشر علنًا ويفهمها الشعب السوري، الذي يتعيّن عليه أن يقبل بأحكام المحاكم.

علاوةً على ذلك، لم يُقدَّم أي توضيح حول كيفية اختيار أوامر الاعتقال الأربعة الأولى. وكون هذا الإعلان لم يصدر عن الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية أو بالتعاون معها يزيد من الالتباس بشأن الدور الذي تضطلع به الهيئة في تصميم عمليات المساءلة وغيرها من عمليات العدالة. إنّ وضع استراتيجية شاملة تحدّد من سيُعطى الأولوية للمساءلة والأسباب الكامنة وراء ذلك يجب أن يكون من الأدوار الرئيسة للهيئة. وفي الوضع الراهن، يتّسم النظام بالغموض، وذلك يهدّد بإبقاء السوريين بعيدين عن أي مسارات للعدالة.

كما ذُكر أعلاه، لا تزال توصيات المركز السوري للعدالة والمساءلة غير مُطبّقة إلى حدّ كبير، وبالتالي لم يطرأ عليها أي تغيير:

  • بناء قدرات النظام القضائي السوري: أبدت الحكومة السورية تفضيلًا واضحًا لإجراء عمليات العدالة بقيادة سورية. ومع ذلك، سيتطلّب هذا قيام سوريا بإصلاحات واسعة في نظامها الحالي، بالإضافة إلى الاستثمار في قدرات الخبراء القانونيين في البلاد. ويجب على وزارة العدل اتخاذ الخطوات التالية:

    • حصر الكوادر القانونية: إجراء إحصاء لحجم الكفاءات القانونية داخل البلاد، ويمكن أن يتم جزئيًا عن طريق استبيانات تتم في نقابات المحامين، ويتم تقييم عدد المحامين المؤهلين المتواجدين داخل البلاد، بمن فيهم المختصّون في الادعاء الجنائي والدفاع. كما يجب على الوزارة إنشاء سجلّ للقضاة الحاليين.

 

    • الغربلة والتطهير: إعداد خطة لتقييم مدى أهلية القضاة الحاليين لمواصلة مهامهم، تتضمن عملية تدقيق وعزل. كما ينبغي على وزارة العدل تعيين فريق من الخبراء القانونيين لصياغة "دليل عمل" للقضاة السوريين ليوضح التفاصيل العملية والاجتهادات ذات الصلة التي لا تتضمنها قوانين الإجراءات. ومن شأن ذلك أن يُسهم في توحيد الإجراءات داخل البلاد، ويوضّح أيضًا أي أحكام جديدة متعلقة بالجرائم الدولية. كما يجب إلزام جميع القضاة الذين يجتازون عملية التدقيق ويختارون الاستمرار، بحضور تدريب تمهيدي على هذا الدليل قبل عودتهم لمناصبهم.

 

    • ضمانات المحاكمة العادلة: ينصّ الإعلان الدستوري على أنّ "جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق أو الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية، تعتبر جزءًا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري". وبما أنّ سوريا دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يجب على وزارة العدل مراجعة قانون العقوبات السوري لضمان توافق أحكامه مع العهد الدولي، خاصة المادة 14 المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة. كما يجب تعديل قانون العقوبات لتجريم الجرائم الدولية.

تُعدّ هذه المهام مخصّصة للمرحلة الحالية على المدى القريب، أمّا على المدى المتوسط، فينبغي على الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية ووزارة العدل معالجة هواجس العدالة الأخرى، بما في ذلك:

  • إعداد مقترحات لمعالجة استرداد الممتلكات وإيجاد أشكال أخرى من التعويضات، بالإضافة إلى الإصلاحات المؤسساتية (بما في ذلك عملية الغربلة والتطهير لمسؤولي النظام السابق العاملين خارج نطاق القضاء والسجون).
  • الحفاظ على السجل المدني وتعيين مسؤول لتحديثه وفق معايير متفق عليها.
  • إنشاء نظام موحّد للبطاقات الشخصية، مع إمكانية إصدار بطاقات جديدة عند الحاجة.
  • الحفاظ على صكوك الملكية وإيجاد نظام للمحاكم العقارية للنظر في النزاعات حول الملكية.

وأخيرًا، ومع ظهور مزاعم عن انتهاكات في نظام للسجون للحكومة الحالية ، لا تزال توصيات المركز السوري للعدالة والمساءلة بإنهاء حالات الاختفاء القسري، وتحسين ظروف السجون، وإصلاح نظام السجون، غير مسموعة. وتتكرّر هذه التوصيات أدناه:

  • إنهاء حالات الاختفاء القسري وتحسين الظروف الحالية: هناك تقارير تفيد بأنّ المعتقلين الجدد، بما في ذلك مسؤولون سابقون في حكومة الأسد، بمعزل عن العالم الخارجي. يجب على الحكومة السورية التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لضمان مراقبة ظروف المعتقلين الحاليين، وتمكينهم من التواصل مع عائلاتهم. وتُعدّ زيارات العائلات والمحامين من الحقوق الأساسية لجميع المعتقلين. وينبغي لوزارة العدل الاحتفاظ بقوائم بأسماء المعتقلين وإتاحتها للعامة.
  • الغربلة والتطهير: ينبغي على وزارة العدل إنشاء سجلّ مُحدّث لجميع السجون والعاملين فيها. ويجب إغلاق السجون المرتبطة بالجرائم الخطيرة التي ارتكبتها حكومة الأسد بشكل دائم، مع الحفاظ على سجن صيدنايا لتحويله إلى متحف عام. كما ينبغي على الوزارة اقتراح إجراءات شفافة للغربلة والتطهير لجميع موظفي السجون المستمرّين في عملهم، بالإضافة إلى وضع مجموعة موحّدة من الإجراءات التشغيلية للسجون، مع تدريب إلزامي لجميع العاملين الجدد على هذه الإجراءات.

بينما العديد من مسارات العدالة التي يدعمها المركز السوري للعدالة والمساءلة ستتطلّب سنواتٍ من الجهد لتنفيذها، هناك خطوات ملموسة يمكن للحكومة، ولا سيما الهيئة الوطنية للمفقودين والهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، أن تتخذها اليوم. وسيواصل المركز السوري للعدالة والمساءلة متابعة تقدّم عمل هذه الهيئات، وعمل الحكومة بشكل عام، خلال الأشهر والسنوات المقبلة مع مضيّ عمليات العدالة الانتقالية قُدمًا.

 ________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.