1 min read
غرق قارب المهاجرين قبالة "بيلوس" من منظور سوري
Hellenic Coast Guard

غرق قارب المهاجرين قبالة "بيلوس" من منظور سوري

في 14 حزيران/يونيو 2023، أصبحت مدينة"بيلوس"الساحلية في اليونان مرادفًا لثاني أسوأ حادثة غرق لقارب مهاجرين تم تسجيلها في البحر الأبيض المتوسط، حيث كان القارب يحمل نحو 750 راكبًا، تم إنقاذ 104 منهم فقط. وكان الركاب الذين أبحروا من ليبيا في الغالب من باكستان ومصر وأفغانستان وسوريا. وبحسب إفادات الناجين، كان ما يقارب 150 من الركاب سوريين، معظمهم من درعا، ونجا 35 راكبًا منهم كما قيل. ولكن جمع المعلومات كان صعبًا لأن السلطات اليونانية فرضت قيودًا على وصول الصحفيين إلى الناجين. ويؤدّي هذا الافتقار إلى الشفافية والروايات المتضاربة حول استجابة خفر السواحل اليوناني للحادث، إلى إثارة قلق كبير، ويبرّر الدعوات إلى المُساءلة. ينضمّ المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى عائلات الضحايا في مطالبهم بإجراء تحقيق مستقل لتحديد ما حدث بالفعل.

‌أ.      خلفية: من محافظة درعا في سوريا إلى طبرق في ليبيا:

أدّت الظروف المتدهورة في درعا بسوريا إلى الضغط على السكان المحليين للفرار، حيث سيطرت الحكومة السورية على درعا عام 2018، ونفّذت عدة إجراءات مصالحة تسمح للسكان بتسوية أوضاعهم مع النظام، وأتاح أحد هذه الإجراءات للشباب تأجيل الخدمة العسكرية لمدة تصل إلى 6 أشهر، في حين قدّم إجراء حديث آخر وثائق رسمية وتصاريح سفر لأولئك الذين قاموا بتسوية وضعهم فيما يتعلق بالتزامهم بالخدمة العسكرية. غير أنه مع استمرار انتشار التجنيد الإلزامي في سوريا، قام عدد كبير من الشباب بتسوية أوضاعهم من أجل الحصول على وثائق ومغادرة البلد. ووفقًا لمصدر تابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة، فقد كانت هذه إستراتيجية مُتعمَّدة ومحسوبة لتطهير درعا من السكان المعارضين للنظام.

كما يقوم "حزب الله" بعمليات تجنيد في درعا، ويقدم مزايا مثل الأمن ورواتب شهرية تتراوح بين 150-300 دولار شهريًا لمن لم يشارك في الثورة. ولا تقتصر هذه الإستراتيجية على استغلال الاقتصاد والبنية التحتية المتدهورَين في درعا، بل تخلق أيضًا مخاطر أمنية لمؤيّدي المعارضة وأولئك الذين عارضوا المصالحة مع النظام، ما يجعلهم هدفًا محتملًا لمجنّدي حزب الله الجدد. كما شهدت محافظة درعا تزايدًا في وتيرة العنف مع وقوع سلسلة اغتيالات غير مبررة واشتباكات متفرقة بين الجيش المحلي وفصائل المعارضة، ما أدى إلى خلق وضع يتّصف إلى درجة كبيرة بعدم الاستقرار.

‌ب.  من ليبيا إلى أوروبا: أخطر مسار للهجرة في العالم:

لم يكن لدى سكان درعا الذين أُجبروا على الفرار من سوريا خيار سوى اتخاذ مسارات غير نظامية وغير آمنة، حيث لا يزال الاتحاد الأوروبي يفشل في توفير مسارات آمنة للجوء. فمن أخطر المسارات التي سلكها ضحايا القارب الذي غرق قبالة شواطئ "بيلوس"، هو السفر إلى ليبيا ومحاولة عبور البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا بحرًا. وإن طالبي اللجوء في ليبيا معرّضون بشدة لسوء المعاملة والابتزاز من قبل المهرّبين وموظفي مراقبة الحدود، وقد أدى عبور البحر المهدِّد للحياة بالفعل إلى ما يسمّيه كثيرون "مقبرة" و"مسرح جريمة" في البحر الأبيض المتوسط. حيث سجّل مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة أكثر من 27,000 حالة وفاة أو اختفاء في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014. وفي المقابل، فرض الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء إستراتيجية ردعمتعمّدة، باستخدام عمليات صد واسعة النطاق لمنع دخول طالبي اللجوء على السواحل والحدود الأوروبية. وتعتبر عمليات الصد انتهاكًا واضحًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية والحق في الانتصاف الفعّال.

‌ج.   روايات متضاربة:

كان الموقف الرسمي للسلطات اليونانية وخفر السواحل هو أنهم عرضوا المساعدة عدة مرات، ولكن الركاب رفضوا وقالوا إنهم يريدون الوصول إلى إيطاليا. كما أكد خفر السواحل أن القارب كان يُبحر بسرعة ومسار ثابتين نحو وجهته. وقد تم الطعن في هذه الرواية بشدة من قبل عدة مصادر؛ حيث وجد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) فحص الرسوم الخاصة بحركة المرور البحرية، أن العديد من السفن اقتربت من القارب في نفس الموقع تقريبًا على مدار اليوم، ما يتعارض مع الادّعاء بأن القارب كان يُبحر بسرعة ثابتة. واتصل الأشخاص على متن القارب على الأقل ست مرات على مدار اليوم بهاتف الإنذار (AlarmPhone) – وهو خط ساخن للسفن التي تتطلب المساعدة. حيث وردت المكالمة الأولى في الساعة 14:17 بتوقيت وسط أوروبا الصيفي (CEST)، وفي غضون ساعتين، حدد هاتف الإنذار إحداثيات القارب وأبلغ السلطات اليونانية والوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس). وكان آخر اتصال للقارب مع هاتف الإنذار في الساعة 00:46 CEST، ولكن المكالمة انقطعت بسرعة. وذكر خفر السواحل اليوناني أن القارب غرق في الساعة 02:00 بتوقيت وسط أوروبا.

وأفادالناجون من غرق القارب أن خفر السواحل اليوناني ربط حبلًا بالقارب ثم سحبه ذهابًا وإيابًا بسرعة عالية، ما تسبب في انقلابه. وذكر مصدر تابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة على تواصل مع الناجين، أن خفر السواحل قام بإلقاء حبل وحاول سحب القارب مرتين. وفي المحاولة الثانية، تم سحب القارب بزاوية 90 درجة، ما أدى إلى انقلابه. علاوة على ذلك، أشار تقرير استقصائي إلى أن روايات الناجين التي أُعطيت للسلطات اليونانية بعد غرق القارب، تمّ تعديلها على الأرجح لإزالة اتهامات خفر السواحل بارتكاب مخالفات، ما دفع الناجين إلى الشك بأنه سيتم إجراء أي تحقيق شرعي.

وبموجب القانون الدولي العرفي، تم إضفاء الطابع الرسمي على واجب تقديم المساعدة للسفن المعرضة للخطر في العديد من المعاهدات والاتفاقيات، ومن ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، والاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار (SOLAS) التابعة للمنظمة البحرية الدولية (IMO)، واتفاقية جنيف لأعالي البحار لعام 1958. حيث تُلزِم المادة 98 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، الدول بضمان تقديم جميع السفن الخاضعة لسلطتها المساعدة لأي شخص يُعثر عليه وهو مُعرّض لخطر في البحر، وأن تَشرع بأقصى سرعة ممكنة لإنقاذ الأشخاص المعرضين للخطر، طالما لا يوجد خطر كبير على المركب الذي يقدّم المساعدة. غير أن خفر السواحل اليوناني اعتاد نسق إهمال هذا الواجب وزيادة الأخطار التي يواجهها المهاجرون في البحر من خلال ممارسته الموثقة لربط الحبال بالقوارب لسحبها باتجاه تركياأو المياه الدولية. كما اتُّهمت وكالة فرونتكس بالمشاركة بشكل مباشرفي عمليات الصد بالبحر، وكثيراً ما قامت بتحديد القوارب في حالة استغاثة لكنها رفضت تقديم المساعدة.

تُعرِّف الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ التابعة للمنظمة البحرية الدولية "مرحلة الاستغاثة" بأنها "حالة تتّسم بقسط معقول من اليقين بأن شخصاً أو سفينة أو مركباً آخر ما، مهدّد بخطر شديد ومُحدق، وأنه بحاجة إلى عون فوري". وقد تشمل مؤشرات الاستغاثة الاكتظاظ أو إشارات استغاثة من قبل الركاب. وأقر البيان الرسمي لوكالة فرونتكسبأن الوكالة رصدت القارب في الصباح نحو الساعة 10:00 بتوقيت وسط أوروبا، وأشار إلى أنه كان يتحرك ببطء، وبأنه كان مزدحمًا للغاية. وأشارت وكالة فرونتكس إلى أنها أبلغت السلطات اليونانية والإيطالية على الفور بموقع القارب وحالته. وإلى جانب التنبيهات التي أرسلها هاتف الإنذار، كان خفر السواحل اليوناني على علم بأن القارب كان في حالة استغاثة في منطقة البحث والإنقاذ اليونانية لعدة ساعات قبل أن يغرق. وحتى بعد انقلاب القارب، تُرك الناجون ينتظرون في الماء لمدة ساعة على الأقل قبل أن يتم إنقاذهم، بينما تُرك الناجون في المستويات السفلى من القارب – ومعظمهم من النساء والأطفال والباكستانيين – ليغرقوا.

‌د.     ملاحظات ختامية:

عمد الاتحاد الأوروبي لسنوات طويلة إلى تجاهل الدعوات لتحسين سياساته تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء، وواصل ممارسة سياسات رجعية وممارسات مُسيئة تجاه اللاجئين، ويشمل ذلك عدم خلق مسارات آمنة للجوء في أوروبا، وفي عدم وضع حدّ لعمليات الصدّ العنيفة والمهدِّدة للحياة. حيث سيستمر أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إلى الأمان في محاولة الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي من خلال مسارات غير مُنتظِمة، طالما لا تتوفّر لديهم خيارات أخرى متاحة. وينضمّ المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى عائلات الضحايا في الدعوة إلى إجراء تحقيق شرعي يتّسم بالشفافية بشأن غرق القارب ومحاسبة المسؤولين عن فقدان مئات الأرواح. وقامت منظمات حقوق الإنسان بالفعل بتقديم عدة شكاوى إلى آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ضد اليونان بسبب قيامها بعمليات صدّ وانتهاكات واسعة النطاق لطالبي اللجوء، إلا أن هذه الممارسات لا تزال قائمة. وبالتالي، يجب على الاتحاد الأوروبي استنفاد جميع الإجراءات الدبلوماسية والقانونية الممكنة للشروع في إجراء تحقيق محايد ومختص.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.