2 min read
أدلة موثّقة تكشف إنتهاكات حقوق الإنسان في السويداء

أدلة موثّقة تكشف إنتهاكات حقوق الإنسان في السويداء

أوقفت قوّات الأمن الداخلي التابعة للحكومة السورية، في 13 تموز/يوليو 2025، حركة المرور على طريق دمشق–السويداء، بعد اختطاف سائق شاحنة من الطائفة الدرزية، وقوبل هذا الفعل على الفور بهجمات انتقامية. تصاعد العنف بحلول مساء اليوم نفسه، وأفادت التقارير بمقتل عشرات الأشخاص، مع نشر قوات الأمن العام على الحدود الإدارية لمحافظة السويداء. وخلال الساعات الأربع والعشرين التالية، تطورت الاشتباكات التي بدأت محلية إلى نزاعٍ أوسع. بعدها شنّت إسرائيل غاراتٍ جوية استهدفت قرى مختلفة، وبدأت وزارة الدفاع السورية بالدخول إلى عدة بلدات في المحافظة. وبعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، أعلنت قيادة العشائر العربية في سوريا انطلاق حملتها المسلّحة ضد السويداء، بدعوى حماية العائلات البدوية القاطنة حولها. هاجم المحافظة ما يُقدَّر بأكثر من5 عشرات الآلاف مقاتل على مدى ثلاثة أيام متتالية. وتشير التقديرات إلى مقتل مئات المدنيين، غير أن المركز السوري للعدالة والمساءلة لم يتحقّق بشكل مستقل من جميع هذه الروايات. وبقي اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أُبرم بوساطة إقليمية وبرعاية دولية، ساريًا منذ ذلك الحين، مع تهجير قسري لعشرات العائلات البدوية.

لا تزال تفاصيل وشهادات أحداث السويداء قيد الكشف والتحقيق، وممّا يُصعِّب التحقّق من صحتها الانقطاع الكامل للإنترنت في المحافظة، وخوف بعض الناجين من الإدلاء بشهاداتهم، بالإضافة إلى كثرة المعلومات المضلّلة المتداولة عبر الإنترنت، خصوصًا من أفراد خارج سوريا، ممّا زاد من تأجيج العنف. ومع ذلك، حلّل المركز السوري للعدالة والمساءلة بعض الأدلة المتعلقة بأبرز الانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي وقعت في السويداء، ويؤكّد المركز مجددًا ضرورة اعتماد آليات العدالة والمساءلة التي تشمل جميع فئات المجتمع السوري كوسيلة للوقاية من العنف في المستقبل.

السياق

تقع مدينة السويداء، وهي مركز محافظة السويداء، في جنوب سوريا قرب الحدود الأردنية. ويشكِّل أبناء الطائفة الدرزية الغالبية العظمى من سكان المدينة، في حين تقيم آلاف العائلات البدوية في أطرافها ومحيطها. وأبقى قادةٌ من مجتمعها على قنواتِ اتصالٍ مع الحكومة السورية الانتقالية منذ سقوط نظام الأسد، بهدف تحديد طبيعة العلاقة التي ستربط المجتمع الدرزي بالحكومة الجديدة. فعلى سبيل المثال، التقى الرئيس أحمد الشرع بشخصيات درزية بارزة في شباط/فبراير، وتوصّل معهم إلى مذكرة تفاهم في آذار/مارس.

خلال فترة العنف المتصاعد في تموز/يوليو، انتشرت عبر الإنترنت مجموعةٌ واسعة من الصور ومقاطع الفيديو التي وثَّقت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ارتكبها عددٌ من الأطراف في السويداء.
ورغم أن هذه المادة لا تُمثّل عرضًا شاملًا لجميع الأحداث التي وقعت، فإنّ الانتهاكات الواردة فيها تُقدّم فهمًا إضافيًّا لسير الأحداث، وطبيعة هذه الانتهاكات ونطاقها.

انتهاكات حقوق الإنسان الموثَّقة خلال اشتباكات تموز/يوليو

بعد تحليل بيانات المصادر المفتوحة، حدّد المركز السوري للعدالة والمساءلة العديد من جرائم الحرب التي ارتُكبت خلال فترة العنف المتصاعد في السويداء في تموز/يوليو. وتحظر المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الأفعال التالية في النزاعات المسلحة غير الدولية:(1) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب؛(2) أخذ الرهائن؛(3) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة؛ و(4) تنفيذ الإعدامات دون حكم سابق صادر عن محكمة نظامية (أي عمليات القتل خارج نطاق القضاء).

وثّق المركز السوري للعدالة والمساءلة في هذا التقرير أدلةً على كلّ من هذه الانتهاكات خلال ذروة العنف في السويداء، وفي حال ثبوتها، فإنها تشكّل أيضًا جرائم محلية بموجب القانون السوري.

القتل خارج نطاق القضاء

بدأ المركز السوري للعدالة والمساءلة بتحليل وثائق المصادر المفتوحة التي تؤكد مقتل مدنيين بإجراءات موجزة، بما في ذلك حالة واحدة تم فيها إعدام ثلاثة أشخاص أقرباء في وقت واحد: الأخوين معاذ بشار عرنوس وبراء بشار عرنوس، بالإضافة إلى ابن عمهما أسامة معضاد عرنوس (الصورة من اليسار إلى اليمين).


اللقطات متاحة على الإنترنت وتم تداولها على نطاق واسع، بما في ذلك على فيسبوك، وتم تحديد موقع الحادث بدقة بواسطة منصة "تأكّد" عند الإحداثيات 32°42'45.33" شمالًا، 36°33'53.45" شرقًا. ويدعم هذا التحديد الجغرافي تأكيد وقوع الجريمة في السويداء ويعزّز مصداقية اللقطات التي توثّق الإعدام

يُظهر مقطع الفيديو الذي يُوثّق الجريمة الرجال الثلاثة، وأحدهم ينزف بوضوح، وهم يُقتادون إلى شُرفة في مبنى متعدد الطوابق، حيث يحيط بهم عدد من المسلحين الذين يأمرونهم بالقفز. وبينما يتردد الضحايا في الامتثال لأمر القفز من حافة الشُرفة، يبدأ الجناة بالصراخ عليهم وإهانتهم بألفاظ نابية. وما إن يتقدم الأفراد الثلاثة نحو الحافة، حتى يُطلق المسلحون النار عليهم قبل أن يقفزوا. وقد تمّ تحديد هوية الضحايا. وتُعتبر هذه الانتهاكات جريمة قتل بموجب قانون العقوبات السوري، فضلاً عن كونها جريمة حرب تتمثل في عمليات القتل خارج نطاق القضاء.

كان أربعة على الأقل من الجناة يرتدون زيًا مموّهًا بدون أي شعارات أو علامات تعريف واضحة، في حين ارتدى آخرون ملابس مدنية. ويُعد غياب علامات التعريف على الزي نمطًا مقلقًا يتكرر كثيرًا في أنحاء سوريا، مما يثير مخاوف جديّة بشأن المساءلة والتستر المتعمّد على الانتماءات من قِبل الجهات المسلحة، إذ قد يشير هذا الأسلوب في ارتداء ملابس بلا علامات إلى نوايا جرمية ومحاولة للتهرّب من تحديد الهوية أو الملاحقة القانونية.

تحقّق المركز السوري للعدالة والمساءلة في حالات أخرى، من أن تنفيذ الإعدام يتم فقط بعد أن يؤكّد الجاني طائفة الضحية. على سبيل المثال، تُظهر إحدى عمليات الإعدام الموثقة بالفيديو رجلًا أعزل جالسًا على الأرض، محاطًا بمسلحين يوجهون له أسئلة بشكل عدواني حول هويته الدينية، ويسألونه تحديدًا عمّا إذا كان مسلمًا أم درزيًا. في البداية، يرد الرجل بأنه سوري، لكن هذا الجواب يبدو أنه يزيد من إلحاح المحققين معه. ويلحّ أحد الجناة أكثر، ويسأل: "ماذا تقصد بسوري؟ هل أنت مسلم أم درزي؟" وبينما يتردد الرجل بالإجابة، يؤكّد صوت خارج الكاميرا مرارًا أن الرجل الجالس هو من الطائفة الدرزية. وعندما يسأله أحد المسلحين مباشرة: "هل أنت درزي أم لا؟" يجيب الرجل: "أخي، أنا درزي." فيُقتل بالرصاص على الفور.

وقد تم تحديد هوية الضحية لاحقًا على أنه منير الرجمة.

تُشير الدلائل البصرية إلى أنّ الإعدام نُفِّذ في باحة مبنى مدرسة، كما يتّضح من تصميم الدرج والمدخل والنوافذ وغيرها من السمات المعمارية النموذجية للمرافق المدرسية في سوريا. في إحدى اللقطات، تتحرّك الكاميرا لتُظهر مشهدًا للشارع والمباني المجاورة خارج المدرسة. وبناءً على هذه اللقطات، تم التحقّق من الموقع على أنه "مدرسة الشهيد محمد صالح نصر" في قرية الثعلة، عند الإحداثيات 32°42'42.08" شمالًا، 36°27'13.09" شرقًا.

 بخلاف الحادثة السابقة، التي ظهر فيها عدد من الجناة يرتدون زيًّا مموّهًا متطابقًا ومن دون علامات تعريف، كان المسلحون في هذه الحالة يرتدون أنواعًا مختلفة من الزيّ المموّه، مما يشير إلى احتمال انعدام التنسيق والتنظيم. إضافةً إلى ذلك، لم يحمل أي من الرجال شارات أو علامات تعريف، إلا أنّ وجه أحد الجناة يظهر بوضوح في مقطع الفيديو، الأمر الذي من شأنه أن يُسهِّل على الجهات المعنية التعرّف عليه وعلى شركائه ومحاسبتهم على ما يُعتبر قتلًا خارج نطاق القضاء.

استخدام الرهائن

بالإضافة إلى عمليات القتل خارج نطاق القضاء، وثّق المركز السوري للعدالة والمساءلة أيضًا قيام الجناة باحتجاز أفراد كرهائن. فعلى سبيل المثال، يُوثّق أحد مقاطع الفيديو حادثة في قرية أم الزيتون في ريف السويداء، حيث يبدو أن مقاتلين دروزًا يستخدمون مدنيين من البدو كرهائن. يُظهر المقطع عددًا من الرجال البدو جالسين بينما يقوم أحد المقاتلين الدروز بتصويرهم، مُعلنًا أنه سيرسل الفيديو إلى أقربائهم، ويؤكد المصوّر أنهم في قرية أم الزيتون.

وبعد أن قدّم المصوّر للرجال البدو تطمينات بشأن سلامتهم وحمايتهم، عاد ليقوّض تلك التطمينات فيما يتعلق بالنساء والأطفال، حيث يُسمَع وهو يقول للأفراد الموجودين في الغرفة إنه إذا جاء أقرباؤهم إلى أم الزيتون، « فلن تنتهي الأمور على خير. هذا ليس مجرد تهديد، بل تهديد وسنفعل ما نقوله... سنحميكم، ولكن إن وصلوا، فستُعاملون أنتم وهم بالطريقة نفسها.«

أتاحت التفاصيل البصرية في المقطع، إلى جانب الإشارات اللفظية، تأكيد موقع الحادث عند الإحداثيات 32°54'24.17" شمالًا، 36°35'54.24" شرقًا في قرية أم الزيتون. وتثير الحالة التي وثقتها الكاميرا مخاوف جدية بشأن الاستخدام غير القانوني للمدنيين كرهائن والتهديدات الموجهة ضد الأشخاص المحميين.

المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة

أخيرًا، تكررت انتهاكات موثّقة في عدة مقاطع فيديو تتعلق بحلق شوارب الرجال الدروز قسرًا، وهو فعل يُقصَد به بوضوح إذلال أفراد المجتمع الدرزي. ويرتبط الشارب ارتباطًا وثيقًا بالهوية الثقافية والدينية لدى الدروز، ويُعتبَر رمزًا للرجولة والشرف، وللرجال المتدينين علامة على الكرامة والاحترام.

يُظهر أحد هذه المقاطع مسلحين يحلّقون شارب رجل مسنّ قسرًا، وهو الذي تم تحديد هويته، بحسب المصادر المفتوحة، بأنه مرهج شاهين من قرية الثعلة. وأثناء حلق شاربه، يسأل الجناة الرجل المسنّ عن أماكن الأسلحة، فيقسم بأنه لا يملك أي أسلحة.

 في عدّة مقاطع فيديو أخرى، يظهر الجناة، الذين تم تحديد هويتهم بأنّهم الشيخ أبو مصعب ورجل آخر يُعرَف بلقب "أبو عبيدة"، وهم يستخدمون آلة حلاقة كهربائية لحلق شوارب رجال دروز من كبار السن والشباب. في أحد المقاطع، يحاول رجل مسنّ التفاهم مع أبو مصعب قبل أن يُحلَق شاربه، لكنه يُجبَر في النهاية على الامتثال. ثم يقوم أبو مصعب بحلق شارب رجل آخر قائلًا بسخرية: "هذه شوارب بني معروف"، مستخدمًا الاسم الذي يُطلقه أبناء الطائفة الدرزية على أنفسهم – في إشارة واضحة إلى استهداف أفراد المجتمع الدرزي. وفي مقطع آخر، يظهر الشيخ أبو مصعب إلى جانب أشخاص من بينهم أبو عبيدة وآخرون، وهم يحلقون شوارب رجال آخرين وهم يضحكون.

في إحدى الحالات، قام أبو مصعب والجناة الآخرون بحلق شارب أحد العاملين في الهلال الأحمر قسراً. وخلال الحادثة، قال الشيخ أبو مصعب للعامل: "لن نفعل بك شيئًا من أجل العجوز"، في إشارة إلى امرأة مسنّة كانت تقف بصمت بالقرب منهم. ثم أضاف: "سنحلق شاربك فقط"، وبدأ بذلك. وعندما أعاد المسلحون وصف الفعل ساخرين بأنّه "حلق شوارب بني معروف"، ردّ عامل الهلال الأحمر: "لكنني لست من بني معروف"، مما دفع المصور إلى أمره بالصمت.

تشكل هذه المقاطع – وهي عينة صغيرة فقط – دليلًا على نمط ممنهج من الانتهاكات التي تستهدف بشكل خاص كرامة الرجال الدروز وهويتهم الثقافية. فحلق الشوارب بالقوة، ولا سيما شوارب كبار السن والعاملين في المجال الإنساني، لا يُعدّ فعلًا مهينًا فحسب، بل يهدف أيضًا إلى توجيه رسالة بالخضوع والسخرية.

 ضعف آليات العدالة الانتقالية يُفاقم العنف

يُعزى جزء من الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وأعمال العنف التي اندلعت في سوريا منذ سقوط نظام الأسد، إلى الغياب المستمر للشفافية فيما يتعلّق بعمليات العدالة الانتقالية، التي من شأنها أن تُعالج قضايا المساءلة والعفو والمصالحة، مما يمنع تكرار العنف في المستقبل. فعلى سبيل المثال، لم تنشر لجنة تقصّي الحقائق المكلّفة بالتحقيق في أحداث الساحل تقريرها المُفصّل الذي يُفترض أن يتضمّن نتائج التحقيق في أحداث شهر آذار/مارس، وهو ما أثّر سلبًا على مستوى ثقة المجتمعات بالحكومة. وبالتالي، وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الشرع في خطابه على أهمية تحقيق العدالة، وحماية الأقليات، ومحاسبة جميع المرتكبين بعد أحداث السويداء، لا يزال كثير من السوريين يشكّكون في قدرة الحكومة أو استعدادها للتحقيق مع المُتهمين بارتكاب انتهاكات ومحاكمتهم.

تقع على عاتق الحكومة مسؤولية حماية المواطنين السوريين من خلال معالجة الانتهاكات السابقة ومنع تكرارها. وللقيام بهذه المسؤولية في المرحلة المقبلة، يجب على الحكومة السورية فتح تحقيق في أعمال العنف التي وقعت في السويداء على يد جميع الأطراف، بما في ذلك أيّ جناة مرتبطين بالحكومة السورية نفسها. وينبغي للحكومة أن تُحيل الجناة إلى محاكمات علنية ومحايدة، وأن تُطلق حوارًا وطنيًّا حقيقيًّا يشمل جميع مكونات المجتمع السوري. وفي الوقت نفسه، يجب على الحكومة السورية أن تسمح لجهة رقابية مستقلة، مثل لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، بدخول السويداء دون قيد أو شرط بهدف توثيق أحداث تموز/يوليو. إن التباطؤ في تلبية هذه المطالب والفشل في معالجة أنماط العنف المستمرة في سوريا، لن يؤديا إلا إلى مزيد من العنف وتقويض شرعية الحكومة السورية .

 _______________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.