1 min read
داخل محاكمة مزيّك ضد سوريا #1: ذكرياتُ ناجٍ عن تعذيبٍ بإشراف الدولة

داخل محاكمة مزيّك ضد سوريا #1: ذكرياتُ ناجٍ عن تعذيبٍ بإشراف الدولة

مزيّك ضد الجمهورية العربية السورية

محكمة المقاطعة الأمريكية – مقاطعة كولومبيا – واشنطن العاصمة

ملخص مراقبة المحاكمة الأول

تاريخ الجلسة: 7 آب/أغسطس 2025

 

تحذير: قد تتضمن بعض الشهادات توصيفاتٍ حيّةً للتعذيب أو الاغتصاب أو صورٍ أخرى من العنف.

يُرجى ملاحظة أن هذا الموجز ليس نسخة حرفية لمحضر المحاكمة؛ بل مجرّد ملخّص غير رسميٍّ لإجراءات المحاكمة.

في هذا الموجز، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقبينا في المحكمة] و«المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود أو القضاة أو المحامون». وحُجبت أسماء الشهود والمعلومات التي قد تحدّد هويتهم.

[ملحوظة: يقدّم المركز السوري للعدالة والمساءلة موجزا للإجراءات مع حجب بعض التفاصيل حمايةً لخصوصية الشهود وصَونًا لنزاهة المحاكمة. في هذه القضية، وافق المدّعي وجميع الشهود على نشر المعلومات الواردة في التقرير.]

يسرد تقرير مراقبة المحاكمة الصادر عن المركز السوري للعدالة والمساءلة تفاصيل محاكمة عبادة مزيّك ضد الجمهورية العربية السورية في واشنطن العاصمة. مثّل المدّعي، السيدَ مزيّك، مركزُ العدالة والمساءلة (CJA) وشركةُ فريشفيلدز يو إس إل بي، بينما لم يحضر الجلسة ممثلٌ عن الجمهورية العربية السورية. يحمل السيد مزيّك الجنسيتين السورية والأمريكية، واعتُقل في مطار المزة العسكري بدمشق عام 2012، حيث تعرّض لتعذيب جسدي ونفسي. يُعدّ التعذيب الذي تعرّض له السيد مزيّك جزءًا من نمط تعذيبٍ موثقٍ مارسته حكومة الأسد، وقد رفع السيد مزيّك هذه القضية بموجب قانون الحصانات السيادية الأجنبية (FSIA) بهدف إنشاء سجل تاريخي وإرساء سابقة لجهود المساءلة المستقبلية.

استمعت المحكمة على مدار اليوم إلى شهادة المدّعي حول التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرّض له في فرع المخابرات الجوية بمطار المزة العسكري. وأعقبت شهادةَ المدّعي شهاداتٌ داعمة من أربعة شهود آخرين: طبيب نفسي قيّم ادعاءات الضحية بالتعرّض للتعذيب، وثلاثة ناجين تعرّضوا للتعذيب أيضًا، في فرع المخابرات الجوية بمطار المزة العسكري وفي عدة مراكز اعتقال أخرى في سوريا.

اليوم الأول – 7 آب/أغسطس 2025 

[رفع المدّعي عبادة مزيّك، الذي يحمل الجنسيتين السورية والأمريكية، دعوى مدنية ضد الدولة السورية بموجب قانون الحصانات السيادية الأجنبية (FSIA) بسبب الاعتقال والتعذيب الذي تعرّض له عام 2012. وينص قانون الحصانات السيادية الأجنبية على استثناءات من الحصانة التي يتمتع بها موظفو الدول الأجنبية عندما ترقى الانتهاكات إلى مستوى الإرهاب الذي تقوده الدولة. وتُعدّ هذه المحاكمة دعوى مدنية تسمح بالمطالبة بتعويضات عن الأضرار بدلًا من إثبات المسؤولية الجنائية الفردية. وفي جلسة اليوم، روى المدّعي والشهود التعذيبَ الذي تعرّضوا له على أيدي عناصر الدولة السورية. لمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على البيان الصحفي الصادر عن المركز السوري للعدالة والمساءلة والأسئلة والأجوبة التي أعدّها مركز العدالة والمساءلة (CJA)]. 

بدأت الجلسة بطلب المدّعي لاعتماد مسبق لخمسة مستندات [إذ تُقبل المستنداتُ أدلةً قبل عرضها رسميًا خلال المحاكمة]. وهذه المستندات هي تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية؛ وبيان صحفي صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية؛ وثلاثة تقارير صادرة عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة؛ وتقرير أعدته الآلية الدولية المحايدة والمستقلة؛ ومقتطفات من جواز سفر المدّعي. قبلت القاضية جميع المستندات، غير أنها أشارت إلى أن المستند الأول قد يحتوي على أقوال منقولة عن شهادة أخرى. ثم طلب محامي المدّعي إقرارًا قضائيًا ببعض الوقائع [أي، اعتبارها صحيحة دون تقديم أدلة رسمية]. قدّمت القاضية إقرارًا قضائيًا يفيد بأن الولايات المتحدة تَعُدّ سوريا دولةً راعية للإرهاب، وأن جميل حسن [المدير السابق لإدارة المخابرات الجوية السورية، التي أشرفت على مركز الاعتقال في مطار المزة العسكري] كان مدرجًا على قائمة العقوبات الأمريكية في عام 2012. غير أن القاضية رفضت الإقرار القضائي بأن إدارة المخابرات الجوية السورية تُعدّ ذراعًا للدولة، وأشار محامي المدّعي إلى أنه سيقدم أدلة لإثبات هذه الحقيقة. 

ثم قدّم محامي المدّعي مرافعة افتتاحية، موضحًا أن السيد عبادة مزيّك يحمل الجنسيتين السورية والأمريكية، وقد اعتُقل وعُذّب في فرع المخابرات الجوية السورية مرتين، مع تركيز القضية بشكل رئيسي على التعذيب الذي تعرّض له عام 2012 في مطار المزة العسكري. وقد تعرّض المدّعي، الذي كان يبلغ من العمر 21 عامًا آنذاك، لتعذيب جسدي ونفسي أثناء اعتقاله. وأكّد محامي المدّعي أن تجربة السيد عبادة مزيّك كانت جزءًا من نمط اعتقال وتعذيب نشأ على مدى عقود من نظام اعتقال وحشي، وتوسّع خلال الربيع العربي. ولإثبات هذا النمط، ذكر محامي المدّعي أن شهادة المدّعي ستُدعم بثلاثة شهود تعرّضوا أيضًا للتعذيب في مركز اعتقال مطار المزة العسكري. 

ثم أوضح محامي المدّعي أن للمحكمة اختصاصًا شخصيًا وموضوعيًا، وأن القضية استوفت الشروط الأربعة المنصوص عليها في قانون حصانات السيادة الأجنبية، كما هو منصوص عليه في قانون حماية ضحايا التعذيب: أن تكون الدولة الأجنبية مُصنّفة في الولايات المتحدة دولةً راعية للإرهاب؛ وأن يكون المدّعي مواطنًا أمريكيًا وقت ارتكاب الفعل؛ وأن يكون المدّعي قد منح المدّعى عليه فرصة معقولة للجوء إلى التحكيم؛ وأن يكون هناك إطار قانوني لتحميل المسؤولية. وبناءً على ذلك، طلب محامي المدّعي من المحكمة إصدار حكم يقضي بأن سوريا مسؤولة عن تعذيب موكّله، بهدف ضمان عدم معاناة الشعب السوري من نفس الجرائم حتى في ظل الحكومة الحالية. 

ثم أدّى المدّعي اليمين القانونية واستجوبه محاميه. وشهد السيد مزيّك بأنه مواطن أمريكي منذ الولادة. فقد وُلِد في أوهايو عام 1990 وانتقل إلى سوريا عندما كان في الرابعة من عمره. وهو يقيم حاليًا في أوهايو. واعتُقل السيد مزيّك في سوريا أول مرة في جامعة دمشق أواخر حزيران/يونيو 2011. 

قبل اعتقاله، كان السيد مزيّك يراقب مظاهرةً عن بُعد عندما بدأت قوات الأمن بضرب المتظاهرين. أشار المدّعي إلى أنه شاهد شخصًا يضرب شخصًا آخر على رأسه بقضيب معدني. بكى المدّعي أثناء استحضاره لهذه الذكرى. وتورط السيد مزيّك عندما طلب منه طالب قُيّد جسده مساعدةً في فكّ قيوده. وبعد أن ساعد المدّعي في إطلاق سراح الطالب، هاجمته قوات الأمن باستخدام عصيّ خشبية وبلاستيكية، واقتادته إلى مركز اعتقال الفرع 215 [فرع مخابرات عسكرية] لمدة 35 يومًا. خلال هذه الفترة، أفاد المدّعي أنه وباقي المعتقلين تعرّضوا للضرب والصفع يوميًا، وكان مقيدًا بالسلاسل مع المعتقلين الآخرين، ومعتقلا في غرفة مع 60 شخصًا آخر. 

بعد إطلاق سراحه، سافر السيد مزيّك إلى الولايات المتحدة بعد أن اكتشف أن الفرع السياسي قد بدأ بالسؤال عنه [ملاحظة: كانت أجهزة المخابرات في سوريا مقسمة إلى أربع إدارات/شُعَب. كانت إحداها شعبة الأمن السياسي التي تتبع لوزارة الداخلية]. وانضم المدّعي في الولايات المتحدة إلى "رسائل الحرية السورية"، وهي مجموعة مصممة لإرسال رسائل دعم للسوريين في مظاهراتهم السلمية. وأشار المدّعي إلى أنه استخدم اسمًا مستعارًا لإخفاء هويته، ولا يعرف اسمه الحقيقي سوى ثلاثة أشخاص. 

وبعد أربعة أشهر، في 3 كانون الثاني/يناير 2012، أوضح السيد مزيّك أنه عاد إلى سوريا لسببين: لرؤية عائلته ولإكمال الفصل الدراسي الوحيد الذي تبقّى له قبل التخرّج. وقبل عودته إلى سوريا، تحقّقت عائلة السيد مزيّك مما إذا كان مطلوبًا من قبل الحكومة، وتحقّق المدّعي نفسه من ذلك في الأردن أيضًا. وعلى الرغم من عمليات التحقّق هذه، اعتُقل المدّعي في نهاية المطاف عند وصوله إلى مطار دمشق. إذ أبرز لموظفي الجوازات في المطار جواز سفره الأمريكي، ولكن طُلب منه لاحقًا إبراز هويته السورية. وعند إبرازها، احتُجز فورًا، وصودرت متعلقاته وفُتش حاسوبه المحمول. وذكر المدّعي أنه أثناء تفتيش الحاسوب، عثر الضباط على صورة من فترة اعتقاله الأولى. اعتُقل في المطار يومًا واحدًا واقتيد بعد ذلك صباحًا إلى فرع الأمن الجنائي [يتبع هذا الفرع لوزارة الداخلية مثل الأمن السياسي، وكان مسؤولًا عن اعتقال المتظاهرين خلال الثورة]، حيث استُجوب مجددًا حتى حلول الليل. 

ونُقِل المدّعي مرة أخرى في الليل، ولكنه نُقِل هذه المرة مع ستة معتقلين آخرين إلى الفرع السياسي الجنائي [اسم الفرع كما سُمع خلال المحاكمة]. وأثناء عملية النقل، كان المدّعي مُكبّل اليدين ومعصوب العينين وكان يُضرَب إذا تحرك خارج نطاق الوضعية المحددة له. وفي الفرع السياسي الجنائي، استجوبه مدير مكتب التحقيق عدنان الحريري، وسأله عن علاقته بـ"رسائل الحرية السورية". خضع المدّعي للتحقيق مرتين يوميًا، صباحًا ومساءً. واستغرقت كل جلسة تحقيق ساعتين. وأشار المدّعي إلى أن مساحة الغرفة كانت مترا في مترين ونصف فقط، وكانت قذرة، وبلا إضاءة. وفي إحدى المرات، نُقل المدّعي إلى غرفة أخرى، حيث التقى بعدنان الحريري مرة أخرى ورأى معتقلًا عاريًا. 

وفي اليوم السادس، أُبلِغ المدّعي أن التحقيق معه قد انتهى وأنه سيُنقل إلى فرع المخابرات الجوية. وبسبب معرفة السوريين لمدى المعاناة التي وقعت في ذلك الفرع، حاول المدّعي إقناع نفسه بأنه لن يُقتاد إلى فرع المخابرات الجوية. 

وأشار المدّعي إلى أنه عند وصوله إلى فرع المخابرات الجوية في مطار المزة العسكري، عُصبت عيناه وكُبِّلت يداه، وسُئل عن سبب اعتقاله. فأجاب بأنه اعتُقِل قبل هذه المرة. فخنقه ضابط، ورفع جسده إلى حائط. وقال المدّعي إنه ظن أنه سيموت. 

ووصف المدّعي التعذيبَ الجسدي والنفسي الذي تعرّض له في فرع المخابرات الجوية خلال جلسات التحقيق المتكررة. فمن الناحية الجسدية، رُكِل وجُرِّد من ملابسه وفُتِّش وضُرِب. وفي إحدى المرات، قال جنديان يلبسان ملابس عسكرية - رغم أن ملابسهما لم تظهر عليها رتبة عسكرية - إن هذا "صبي جديد لنلعب به"، وذكر المدّعي أن هذه كانت "لحظة مرعبة" بالنسبة له عندما أدرك أنهم من عناصر النظام. وأوضح المدّعي أيضًا: "في كل يوم وليلة، كنت أسمع جلسات التحقيق وكيف كانوا يعاقبون المعتقلين الآخرين"، ورغم أنني "لم أستطع رؤية ما يحدث خارج غرفتي، لكنني كنت أستطيع السمع". وفي إحدى الحالات، اعتقد المدّعي أنه سمع طفلًا يُعذَّب، ينادي على عمّه وعائلته. 

وفي جلسة تحقيق أخرى، تذكّر المدّعي أنه وُضع في نفس الغرفة مع ابن عمّه. وفي غرفة التحقيق، أبلغه المحققون أن ابن عمه أفاد بأن المدّعيَ شارك في مظاهرة. ولتجنّب إيقاع ابن عمه في مشكلة، اعترف المدّعي بذلك. ووفقا للسيد مزيّك، تبيّن لاحقًا أن هذا كان فخّا. إذ أخبر السجانون ابنَ عمه الشيء نفسه: أخبروه أنّ المدّعيَ قال لهم إنّ ابنَ  عمه شارك في مظاهرة. ثم استخدم المحققون أسلوب تعذيب يُعرف باسم "الشّبْح"، يُقيّدون فيه الشخصَ من يديه ويُجبرونه على الوقوف على أصابع قدميه لمدة ساعة أو ساعتين أو أكثر مع رفع يديه [ملاحظة: الشّبْح أسلوب تعذيب شائع في سوريا، ويُطبَّق بصور مختلفة]. وضع المحققون ابن عم المدّعي في هذه الوضعية أمامه، ويداه مرفوعتان خلف ظهره. 

أشار المدّعي إلى أنه كان معتقلا في زنزانة مساحتها مترٌ في مترين ونصف، وفيها نافذة صغيرة، إضافة إلى خمسة أو ستة معتقلين آخرين. وكانت البطانية مليئة بالقمل والحشرات، وقد أصيب المدّعي بالقمل في ساقيه وظهره. ولم يكن أمام المدّعي سوى 30 ثانية لاستخدام الحمام، وإلا فسيتعرّض إلى "الفلقة"، وهي وضعية يُجبر فيها على الاستلقاء على الأرض، ورفع ساقيه، ثم يُضرب بأنبوب بلاستيكي أخضر إلى أن تسخن ساقاه وقدماه. وبسبب ذلك، لم يستطع الوقوف لأيام. ولم تُقدّم له أي رعاية طبية، ولم يُسمح له بالصلاة، وكان يحصل على النّزر اليسير من الطعام والماء. 

وتمكنت عائلة المدّعي من تأمين إطلاق سراحه في 25 كانون الثاني/يناير 2012. وبعد إطلاق سراحه، اكتشف المدّعي أنه مصاب بالتهاب الكبد الوبائي. وأوضح أمام المحكمة أنه لا يزال يعاني من آثار التعذيب الذي تعرّض له حتى اليوم وأن ابنَ عمه لا يزال مختفيًا. 

وبعد أن سألت القاضيةُ المدّعيَ عدة أسئلة تتعلق بحياته الشخصية، أدّى الشاهد الخبير، الدكتور باو بيريز ساليس، مدير مؤسسة الشبكة السورية لمناهضة التعذيب ومقرّها في مدريد، اليمينَ القانونية وبدأ الإدلاء بشهادته. قال إنه أعدّ تقريرًا لهذه القضية بعد مكالمة فيديو استمرت ساعتين مع المدّعي. ووصف الخبير تأثير مفهوم "التعذيب النفسي" على المدّعي، وكيف استُخدم في سوريا. وفقًا للخبير، استُخدم التعذيب النفسي في سوريا مقترنًا مع التعذيب الجسدي بهدف تحطيم هوية الشخص، والتسبب في معاناة نفسية وعاطفية شديدة، وفقدان الذات. وأوضح الدكتور بيريز ساليس أن التعذيب النفسي يمنع الضحايا من "رؤية العالم بنفس الطريقة مرة أخرى"، وأنهم قد "ينسون الألم لكنهم لا ينسون أبدًا الشعور بالذنب والإذلال". 

ووصف الدكتور بيريز ساليس "بيئة التعذيب"، التي عرّفها بأنها كيفية استخدام كل عنصر من عناصر الحياة اليومية لتعذيب الشخص. ووصف كيف خلقت السجونُ في سوريا "بيئةَ تعذيب". 

قال الدكتور بيريز ساليس إنه بعد أن أنهى تقييمَه للمدّعي، وجد اتساقًا كبيرًا بين رواية المدّعي للطريقة التي عومل بها وأدلة التعذيب الجسدي والنفسي. وأكّد أن المدّعي تعرّض للتعذيب، وأن جميع أركان "بيئة التعذيب" قد استُوفيت، من ضمنها التعذيب الجسدي (أي، الضرب) والتعذيب النفسي (أي، الحرمان الحسي، والحرمان من الحق في ممارسة الشعائر الدينية، والحرمان من العلاج الطبي، والتهديد بالاعتداء الجنسي، وغيرها). وأضاف أن المدّعي عانى على المدى القصير من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، إلا أنه أظهر مع مرور الوقت قدرة على الصمود. وأضاف الدكتور بيريز ساليس أن المدّعي فقد إيمانه بوجود الخير في الناس وقدرته على الثقة بهم. وبعد تقييم المدّعي للكشف عمّا إذا كان مصابًا بالاكتئاب، خلص الدكتور بيريز ساليس إلى أن السيد مزيّك أظهر "فقدانًا للقدرة على الاستمتاع بالحياة". كما عانى من أعراض قلق شديد. 

وبعد أن صُرِف الدكتور بيريز ساليس، استُدعيت السيدة يمان القادري، وهي اختصاصية علم النفس السريري، للإدلاء بشهادتها عبر تطبيق "زوم" بصفتها شاهدة ناجية. تحدثت القادري عن ماضيها وكيف انخرطت في الحركة الثورية في سوريا، وتحديدًا في جامعتها بدمشق حيث كانت تدْرس الطب. ووصفت العمل الاحتجاجي السلمي الذي أدّى إلى اعتقالها، وهو إلقاء منشورات تحمل شعارات مناهضة للحكومة في جميع أنحاء حرم جامعتها. وروت القادري كيف اعتُقلت من 3 إلى 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، لمدة 23 يومًا. وكانت تبلغ من العمر 18 عامًا وقت اعتقالها. 

وأضافت السيدة القادري أنها غادرت الحرم الجامعي بعد أن ألقت المنشورات من الشرفة مع مجموعة من الطلبة الآخرين. ثم علمت من أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة سوريا [طلبة جامعيون تعاونوا مع الحكومة السورية لتعقّب وتعذيب واعتقال الطلبة الذين يُعتقد أنهم يشاركون في مظاهرات مناهضة للنظام] أنهم كانوا يبحثون عن الطلبة المسؤولين عن هذا العمل. واعتُقل عمّار، أحد أصدقائها الذين شاركوا في العملية. وقالت السيدة قادري إنها تلقت اتصالًا من رقم هاتفه عندما كانت في منزل قريبتها. بدا عمار قلقًا وتصرّف كما لو أن أحدًا ما بجانبه. وسألها إن كان بإمكانها مقابلته للتحدث، وعندها أغلق والد قريبتها الهاتف، وأخذ شريحة الهاتف، وأمرها بمغادرة دمشق. 

وبعد أن واجهت السيدة القادري ضغوطًا شديدة للعودة إلى حياتها الطبيعية، عادت إلى الحرم الجامعي، حيث اعتُقلت في نهاية المطاف عند نقطة الحراسة عند مدخل الحرم الجامعي. ثم ضربها وهدّدها طالبُ طب في السنة الرابعة، كان عضوًا في الاتحاد الوطني للطلبة، وامرأتان تعملان في إدارة الجامعة. أُجبِرت على الجلوس من غير بكاء أو كلام بصوت عالٍ لتجنب لفت انتباه الطلبة الآخرين. انتظرت ساعةً قبل أن توضع في سيارة مدنية نقلتها إلى مكان آخر؛ وكان الرجال في السيارة التي نقلتها مسلحين. قالت السيدة القادري إنها لم تكن تعلم بمكان وجودها، وأُجبِرت على توقيع ورقة. ثم خضعت لجلسة تحقيق، وتعرّضت خلالها للصعق بالكهرباء في أنحاء جسدها وهُدّدت بالاعتداء الجنسي. لاحقًا، وبعد أن خضعت لمزيد من التحقيقات والمحادثات، أدركت السيدة القادري أنها في فرع المخابرات الجوية بحرستا. 

وأفادت السيدة القادري بأنها نُقلت بعد ذلك إلى مكان ثالث، وهو مركز اعتقال مطار المزة العسكري، حيث مكثت طوال الفترة المتبقية من اعتقالها. وكانت معتقلةً بين غرفتي تحقيق، وأفادت أنها كانت تسمع أصوات المعتقلين وهم يتعرّضون للتعذيب والتهديد كل ليلة. وتذكّرت تعرّضها للتحقيق والتعذيب عدة مرات في المزة. وأضافت أن السجّانين أحضروا أيضًا صديقها، الذي شارك في واقعة إلقاء المنشورات نفسها، وأجبروه على الادعاء بأنه شارك بدافع حُبّه لها. 

وأفادت السيدة القادري أن خبر اعتقالها كان له أثر سلبي بالغ على عائلتها، وأنه عندما سمعت والدتها الخبر، حاولت إلقاء نفسها من سيارة متحركة. وقالت السيدة القادري في شهادتها إن قضيتها حظيت باهتمام كبير لأن اعتقال النساء لفترات طويلة لم يكن شائعًا في ذلك الوقت. وقد أنشأ زملاؤها صفحة على فيسبوك، وتعتقد أن طبيعة التحقيق معها تغيرت بسبب الضغط الإعلامي. وأفادت بأنها التقت بأصلان محمود [الاسم غير واضح] مرتين أو ثلاث مرات، وأن جلسات التحقيق هذه اتسمت بنبرة فضولية، إذ سألها المحققون عن دورها بصفتها ناشطة. 

واختتمت السيدة القادري شهادتها موضحةً أنها أرادت المساهمة في توثيق جرائم حكومة الأسد، وأن ما منحها الأمل أثناء احتجازها في المزة هو اعتقادها بأن أماكن مثل المزة ستكون خالية يومًا ما وستتحول إلى متاحف. غير أن السيدة القادري أشارت إلى استمرار وقوع الانتهاكات على مدى الأشهر السبعة أو الثمانية الماضية، وأن الطريق نحو تحقيق سيادة القانون طويل. 

سألت القاضية السيدة القادري عدة أسئلة، منها ما إذا كانت تشعر بالندم لمشاركتها في واقعة المنشورات، فأجابت بالنفي. وسألت القاضية السيدة القادري عمّا إذا كان بإمكانها تضمين اسمها وقصتها في القرار الذي ستصدره، وهو ما أكدته السيدة القادري. وأضافت السيدة القادري أيضًا أنها نسيت التركيز على تأثير اعتقالها على عائلتها، وكيف كان لذلك أثر بالغ على والديها. وقبل أن تختتم شهادتها، أشارت إلى أنها اضطرت لمغادرة سوريا حفاظًا على سلامتها، لأنها فقدت عائلتها وأصدقاءها ومسارها التعليمي ومنزلها بعد اعتقالها. 

أدّى الشاهد التالي، السيد محمود حمود، اليمينَ القانونية عبر تطبيق زوم وشرع في الإدلاء بشهادته. بصفته ناجيا من التعذيب أيضًا، ركز السيد حمود على تجاربه في الاعتقال في سوريا لأكثر من سبع سنوات. وأشار إلى مغادرته سوريا لفترة وجيزة لأقل من ثلاثة أشهر عام 2012 بسبب تعرّض مدينته للقصف، و​​لكنه عاد في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2012 لاستئناف دراسته. وعندما وصل الحدود، سأله أحد حرس الحدود عن مسقط رأسه، وبمجرّد سماع إجابته، اعتُقِل السيد حمود على الفور. وقال السيد حمود إنه عندما كان أفراد من مدينته يمرون عبر نقاط التفتيش، كانوا يُعتقَلون لأنهم ثاروا ضد حكومة الأسد. 

وروى السيد حمود أنه اقتيد إلى فرع المخابرات الجوية في السويداء من 15 إلى 18 تشرين الأول/أكتوبر 2012، قبل أن يُنقل إلى فرع المخابرات الجوية في المزة، حيث اعتُقل لمدة 25 شهرًا. وتذكّر أنه كان يبلغ من العمر 17 عامًا آنذاك، ولم يُسمح له بالاتصال بعائلته أو بمحامٍ طوال فترة احتجازه. 

وصف السيد حمود تصميم سجن المزة، بالإضافة إلى ظروف سجنه. فقال إن الزنازين كانت مكتظة للغاية لدرجة أنه لم يكن هناك مكان للاستلقاء من أجل النوم، ولم يُسمح لهم باستخدام الحمام إلا مرتين يوميًا. وأضاف أنه لم تكن هناك تدفئة في الشتاء، وهو ما أدّى إلى انخفاض درجات الحرارة بشكل حاد. وتذكّر أنه كتب "لا تحزن 😊" باللغة الإنجليزية على الحائط، في محاولة للبحث عن "مساعدة في الظلام" وعلى "أمل العودة حرًا يومًا ما". وأفاد أنه خضع للتحقيق لثلاثة أشهر وعُذّب مرات لا تُحصى، من ضمنها ضربُه بأنبوب بلاستيكي أخضر وهو مستلقٍ على الثلج بملابسه الداخلية، وتعرّض للصعق بالكهرباء والشّبْح. ووصف كيف أُجبِر على الاعتراف زورًا بجرائم لم يرتكبها تحت التهديد بالتعذيب، وكيف كان الحراس يأخذون أصغر السجناء لتنظيف الممرات وتنظيم الطعام لتقديمه للمعتقلين الآخرين، وقال إنه سمع صوت نساء خلف الأبواب. 

ثم قال السيد حمود إنه في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، نُقل إلى محكمة عسكرية، ثم إلى سجن صيدنايا، حيث اعتُقل من 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2014 حتى 3 نيسان/أبريل 2015. وأفاد بأنه رأى معتقلين يموتون يوميًا أثناء اعتقاله في صيدنايا. ثم نُقل إلى سجن البالونة في حمص، حيث تمكّن من الاتصال بعائلته لأول مرة. وبعد نقله إلى سجن مدني في دمشق، ومكث فيه لمدة ثلاث سنوات ونصف، أُطلق سراحه في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. أي أنه قضى في المجمل أكثر من سبع سنوات محتجزًا. 

وفيما يتعلق بتأثير ذلك على عائلته، بيّن السيد حمود أنه كان من الواضح أن عائلته اعتقدت أنه قد تُوفي. وبعد إطلاق سراحه، مكث شهرًا في سوريا قبل أن يفرّ إلى لبنان ثم إلى فرنسا. 

وعقب هذه الشهادة، قدّم محامي المدّعي اقتراحين للقاضية. أولًا، قدّم المحامي مراجع تُبيّن أن إدارة المخابرات الجوية كانت فرعًا من فروع الحكومة، مستشهدًا بتقرير يصف دور جميل حسن بصفته مديرًا لإدارة المخابرات الجوية [للاطلاع على المحاكمة الغيابية ضد جميل حسن وعلي مملوك وعبد السلام محمود في فرنسا، انظر تقارير المحاكمة الصادرة عن المركز السوري للعدالة والمساءلة في قضية الدباغ]. واستشهد محامي المدّعي بالمستند رقم 4 في المحاكمة، وهو تقرير أصدرته لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بعنوان "شبكة عذاب"، والذي يُحلل إدارة المخابرات الجوية ومسؤولياتها في جمع المعلومات الاستخبارية بشكل معمّق، مُحاججا بأن دورها كان جزءًا لا يتجزأ من بُنية الدولة. 

ثم أدّى الشاهد الأخير، مازن درويش، وهو أيضًا ناجٍ من التعذيب، اليمينَ القانونية عبر تطبيق زوم. قدّم السيد درويش نفسه بأنه مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، الذي أسسه عام 2004. وقال إن المركز منظمة غير ربحية تُعنى بحقوق الإنسان، وإنه لطالما دافع عن التغيير والديمقراطية في سوريا، وخاصة منذ عام 2011، مع انطلاق الثورة السورية. 

أفاد السيد درويش أنه في 16 شباط/فبراير 2012، كان في مكتبه مع زميل له عندما فُتح الباب واقتاد الجنود حوالي 15 من زملائه، وفيهم زوجته، إلى فرع المخابرات الجوية بمطار المزة العسكري، حيث فُصل الرجال عن النساء. وأشار السيد درويش إلى تعرّضه للتحقيق والتعذيب والتهديد لمدة 64 يومًا في مطار المزة العسكري. ووصف معاناته بسبب الشّبْح، بالإضافة إلى تعرّضه للضرب ليلًا في الثلج عاريًا. وروى كيف أُجبر على النوم في الرّدهة، مكبّل اليدين ومعصوب العينين، بالقرب من المرحاض. وأفاد بأنه لم يُسمح له باستخدام الحمام إلا مرتين يوميًا. وقال إنه كان يسمع آخرين يُعذَّبون، وأن هذا "في حدّ ذاته نوع من التعذيب". وأضاف أن الزنازين كانت مكتظة للغاية، وتفشّت الأمراض الجلدية. وقال إنه لم يُسمح له أن يتصل بعائلته أو يتحدث إلى محامٍ قطّ. 

قال السيد درويش في شهادته إنه نُقل لاحقًا إلى سجن الفرقة الرابعة [وحدة عسكرية]، الذي وصفه بأنه مخصص حصريًا لتعذيب السجناء. وتعرّض هو وجميع المعتقلين الآخرين للتعذيب مرتين يوميًا، وتضمّن ذلك ضربا بالعصي الكهربائية. ومكث هناك ستةَ أشهر، ثم نُقل إلى مقر إدارة المخابرات الجوية في ساحة التحرير. واعتُقل هناك وتعرّض للتعذيب لمدة شهرين قبل أن يُعاد إلى مطار المزة العسكري. وذكر أنه أُرسِل بعد ذلك إلى سجن القابون العسكري، ثم أُفرج عنه من المعتقل في 10 آب/أغسطس 2015. 

لاحقًا، وصف السيد درويش الأثر الجسدي الذي خلّفه السجن على جسده: إذ خسر أكثر من 60 كيلوغرامًا من وزنه، ولديه ندوب كثيرة، وفقد خمسة من أظافر قدميه. وأضاف أنه على الصعيد النفسي، كان يعاني مشاكل في النوم، ولم يكن يستطيع النظر في أعين الناس، ولم يكن يشعر بالراحة لمقابلة الناس. 

عند هذه اللحظة من الشهادة، توقّف رابط زوم عن العمل، وواصل الشاهد شهادته عبر مكالمة هاتفية، إذ وصف كيف تمكّن من المغادرة إلى بيروت، وبرلين، وأخيرًا إلى باريس، حيث يقيم حاليًا ويعمل على العدالة والمساءلة لسوريا. شكرت القاضية الشاهدَ وسمحت له بالانصراف. 

ثم ذكّرت القاضية محاميَ المدّعي بأن المدّعيَ لم يقترح تعويضات في الدعوى الأولية. واقترح محامي المدّعي أن يحدّد مبلغا الآن أو يفعل ذلك في النتائج المقترحة. فقبلت القاضية الخيار الأخير قبل اختتام جلسة اليوم. 

اختُتمت الجلسة حوالي الساعة 5:15 مساءً بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة (EST). وأكّدت القاضية أنه سيتم الانتهاء من محضر الجلسة قريبًا، يعقبه صدور قراراها الكامل.***

 [ملاحظة: في 8 آب/أغسطس 2025، أي بعد يوم واحد من الجلسة، أصدرت القاضية الحكم، مؤكدةً أن نظام الأسد الذي حكم سوريا مسؤول عن تعذيب المدّعي عبادة مزيّك. وسيصدر تعليل الحكم وحيثياته وتحديد قيمة التعويضات بشكل منفصل. وسينشر المركز السوري للعدالة والمساءلة تقريرًا مفصلًا حول ذلك.]

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.