
داخل محاكمة مجدي ن. #4: شهادة الشاهد المختص بالسياق، ميشيل دوكلو، W2، حول المصالحة بين فرنسا وحكومة الأسد قبل الثورة
محاكمة مجدي ن.
محكمة الجنايات – باريس، فرنسا
الملخص مراقبة المحاكمة الرابع
تاريخ الجلسة: 5 أيار/مايو 2025
تحذير: قد تتضمن بعض الشهادات توصيفاتٍ حيّةً للتعذيب أو الاغتصاب أو صورٍ أخرى من العنف.
يُرجى ملاحظة أن هذا الموجز ليس نسخة حرفية لمحضر المحاكمة؛ بل مجرّد ملخّص غير رسميٍّ لإجراءات المحاكمة.
في هذا الموجز، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقبينا في المحكمة] و«المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود أو القضاة أو المحامون». وحُجبت أسماء الشهود والمعلومات التي قد تحدّد هويتهم.
[ملحوظة: يقدّم المركز السوري للعدالة والمساءلة موجزا للإجراءات مع حجب بعض التفاصيل حمايةً لخصوصية الشهود وصَونًا لنزاهة المحاكمة.]
[ملاحظة: رتّب المركز السوري للعدالة والمساءلة تقارير محاكمة مجدي ن. بحسب المواضيع وعلى نحو متّسق بناءً على محتوى الجلسات بدلًا من نشرها حسب التسلسل الزمني، ليسهّل الوصول إلى المواد بتسليط الضوء على القضايا الرئيسية والروابط بين مجريات الجلسات.]
يسرد تقرير مراقبة المحاكمة الرابع الخاص بالمركز السوري للعدالة والمساءلة تفاصيل اليوم الثالث من محاكمة مجدي ن. في باريس، فرنسا. في يوم المحاكمة هذا، قدّم شاهد السياق ميشيل دوكلو، السفير الفرنسي السابق في سوريا بين عامي 2006 و2008، وصفًا للانقسامات الطائفية في سوريا خلال حقبة الأسد، ووصف بالتفصيل الروابط بين نظام الأسد والطائفة العلوية. ووصف ميشيل دوكلو الدور المهم الذي أدّاه في إعادة بناء الحوار بين باريس ودمشق. وفي إطار مهامه، مهّد الطريق لدعوة الرئيس بشار الأسد لزيارة فرنسا في تموز/يوليو 2008. وسرد دوكلو الدوافع وراء تلك الدعوة، مؤكدًا أنه شخصيّا ظلّ شديد الانتقاد لحكومة الأسد.
اليوم الثالث – 5 أيار/مايو 2025
الجلسة الصباحية
بدأت الجلسة الساعة 9:47 صباحًا.
قال الشاهد ميشيل دوكلو إنه وُلِد عام 1949، وهو الآن متقاعد. وإنه لا يعرف المتهم ولا تربطه به علاقات مهنية، ولا يعرف الأطراف المدنية ولا تربطه بهم علاقات مهنية.
أدى السيد دوكلو اليمين القانونية.
قدّم السيد دوكلو شهادته مؤكدًا أن سوريا بلد عزيز على قلبه رغم أنه لا يجيد اللغة العربية. شغل السيد دوكلو منصب نائب الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة في نيويورك من عام 2002 إلى عام 2006. وخلال تلك الفترة، وبعد اغتيال [رئيس الوزراء اللبناني] رفيق الحريري، ساهم في المفاوضات المتعلقة بإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وانسحاب القوات الأجنبية، وخاصة السورية، المتمركزة في البلد.
في عام 2006، عُيّن سفيرًا لدى سوريا في وقت كان فيه الحوار السياسي بين سوريا وفرنسا شبه معدوم. ومنحه هذا وقتًا للسفر على نطاق واسع في جميع أنحاء البلد في الأشهر الأولى. ولاحظ ما أسماه بنية اجتماعية عثمانية، تتميز بتركيبة معقدة من الأقليات. في مثل هذه البيئة، كان الناس بحاجة إلى وقت للانفتاح، بحسب ما قاله السيد دوكلو. بَيْد أنه سرعان ما تمكن من الوصول إلى أفراد داخل الدائرة المقرّبة من بشار الأسد.
وبعد انتخاب الرئيس الفرنسي ساركوزي، أدّى السيد دوكلو دورًا مهمًا في إعادة بناء الحوار بين باريس ودمشق. ومهدت مساهماته الطريق للدعوة الرمزية الموجّهة للرئيس الأسد لزيارة فرنسا في احتفالات يوم الباستيل في 14 تموز/يوليو 2008.
أصبح السيد دوكلو على دراية جيدة بالسلطات السورية، وخاصة أجهزة المخابرات. لم يكن للجيش دور مهم. من وجهة نظر السيد دوكلو، اعتمد النظام السوري على شرعية مزدوجة. فمن ناحية، كان نظامًا شموليّا مستوحى من الاتحاد السوفيتي، إذ حاكت مؤسساته الهياكلَ الديمقراطية، ولكن أدارها حزبٌ حاكم واحد. ومن ناحية أخرى، اعتمد النظام على مصفوفة سلطة عشائرية: كان النظام في الواقع خاضعًا لسيطرة عائلة الأسد، واعتمد على الطائفة العلوية، مع توسيع نطاق تقاسم السلطة ليشمل بعض العائلات السُنّية. كان مجلس الوزراء يتألف فعليًا من الرئيس وشقيقه وصهره، وكلهم تحت أنظار زوجاتهم.
وقال السيد دوكلو إنه كان يوجد ما لا يقل عن سبع وكالات مخابرات رئيسية، أدار إحداها شقيق الرئيس، وأدار أخرى علي مملوك، وهو شخصية بارزة في المخابرات السورية [كان قد أُدين في فرنسا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في أيار/مايو 2024، يرجى الاطلاع على تقارير المحاكمة الصادرة عن المركز السوري للعدالة والمساءلة هنا]. واعتمد النظام على رجال أعمال أقوياء. وشملت دائرة ثالثة أبعد من السلطة كبارَ الموظفين المدنيين والجيش والشخصيات الدينية.
وبالحديث عن الدين، كان انطباع السيد دوكلو على أرض الواقع أن سوريا ليست علمانية جدا. وأشار إلى صوت الأذان الذي كان مرتفعًا للغاية، وإلى حقيقة أن مظاهر الدين كانت حاضرة في كل مكان. وأضاف السيد دوكلو أن الرئيس السوري أمضى وقتًا طويلًا في الكنائس وأماكن العبادة الأخرى لإدارة علاقة النظام بالجماعات الدينية.
قال السيد دوكلو إنه غادر دمشق عام 2008. وفي عام 2011، صدمته الصور المذهلة لمظاهرة جرت في الجامع الأموي. ووصف رد فعل النظام بأنه يتماشى تمامًا مع طبعه المتأصل: وحشي وقاسٍ بشكل غير مسبوق. وأفاد السيد دوكلو أنه حاول إيصال رسالة إلى أعضاء الدائرة الداخلية مفادها أن الشعب ليس معارضًا للأسد بطبيعته، وأنه لا داعي للقمع. فأجابوا: "إذا أتيحت لهم الفرصة، فسوف ينقلبون علينا".
سلّط السيد دوكلو الضوء على وجود نخبة في سوريا تلقّت تعليمها في فرنسا. وفي أولى الاحتجاجات التي شهدها البلد، شدّد الناس على أهمية الوحدة. وانتشرت الثورة على نطاق واسع كردّ فعل على القمع العنيف الذي مارسه النظام. ومنذ المظاهرات الأولى، اختار الأسد الردّ بالقوة، سعيًا لتجنب سيناريو مشابه لما شهدته مصر أو غيرها خلال الربيع العربي.
وإن ما أنقذ النظام في نهاية المطاف، من وجهة نظر السيد دوكلو، هو مزيج من تدخل حزب الله وإيران، وغياب الدعم الغربي للمعارضة، ثم الغارات الجوية الروسية لاحقًا. وأضاف السيد دوكلو أن تزايد هيمنة الفصائل الإسلامية يُفسّر سبب تراجع الدعم الأوروبي للمعارضة في النهاية. فبعد الانسحاب الأمريكي عام 2013، اتّجه جزء كبير من المعارضة نحو الجماعات الإسلامية.
أسئلة القاضي لافيغن لميشيل دوكلو
تساءل رئيس المحكمة القاضي لافيغن عمّا إذا كان للانتماء الديني دور في استراتيجية النظام للاحتفاظ بالسلطة. بالنسبة للسيد دوكلو، استُخدم هذا الأمر محليّا ودوليًا. على الصعيد الدولي، صوّر النظام نفسه حاميًا للمسيحيين والأقليات عمومًا. إذ نظرت فرنسا إلى البلد إلى حدٍ كبير من خلال عدسة الطوائف المسيحية، والعلويين، والأكراد، ومؤخرًا، الجهاديين. لكن عندما تعيش هناك، كما أكد السيد دوكلو، فإن الواقع الاجتماعي السائد هو الواقع السُنّي.
يرى السيد دوكلو أنه كان ينبغي أن تكون البرجوازية السنية الحضرية في قلب السلطة السياسية. ولكن، وفقًا لتقاليد راسخة، كانت التجارة والشؤون الخاصة أكثر ما يهمّهم؛ ولم ينخرطوا في السياسة. وبالنسبة للعديد من السُنّة، لم يمنعهم الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد من مواصلة العمل في تلك المجالات. وبحسب تحليل السيد دوكلو، فإن أحد التحديات الرئيسية لتنظيم المعارضة نبع من حقيقة أن النخبة الطبيعية في البلد افتقرت إلى ثقافة القيادة السياسية.
على الصعيد المحلي، أشار السيد دوكلو إلى أن الحرب الأهلية في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات – وخاصةً الصراع مع الإخوان المسلمين – قد تركت أثرًا عميقًا على البلد. فقد هيمن شعور الهزيمة الحاسمة بين أتباع السُنّة عقب مجزرة حماة، وعزّزت المجزرة من اعتقاد العلويين بأن وقتهم قد حان لحكم البلد. وقد صاحب هذا الاعتقاد لدى العلويين شعور غريب بعدم الشرعية، وخوف دائم من أن يسعى المهزومون للانتقام يومًا ما. أما بالنسبة للسُنّة، فقد لاحظ السيد دوكلو نهضة دينية، ناجمة جزئيًا عن نفوذ دول الخليج، ولكن أيضًا عن التأثير النفسي لهزيمتهم. وأوضح السيد دوكلو أن الحكومة المركزية عاملت الأكراد معاملة سيئة، وأن الآلاف منهم لا يملكون وثائق هوية رسمية. وكان من المتوقع أن يكون الأسد أكثر تصالحًا مع الأكراد والسُنّة المهزومين في حماة، لكن السيد دوكلو أشار إلى أن ذلك لم يحدث قط.
وأضاف السيد دوكلو أن النظام استخدم باستمرار حجة "التهديد الإسلامي". فإذا ضُبط شباب وهم يشاهدون مقاطع فيديو تحمل طابعًا إسلاميّا ولو من بعيد، فسيُقبض عليهم ويعُذّبون على الفور.
وبعد رحيل السيد دوكلو عام 2008، كان انطباعه العام عن البلد أن كل شيء تحت السيطرة. ومع ذلك، أضاف أنه كانت هناك مخاوف متزايدة من اندلاع أعمال شغب بسبب الغذاء في ضواحي المدن الكبرى.
وتساءل رئيس المحكمة القاضي لافيغن عمّا إذا كانت بعض الطوائف الدينية قد أُخذت رهائن، وما إذا كان هناك أيضًا معارضون علويون للنظام. فأكّد السيد دوكلو الافتراض الأخير، واصفًا اللعبة المعقدة لإدارة الولاء التي يمارسها نظام الأسد مع الطائفة العلوية. وكانت الفكرة هي ألا يصبح العلويون أثرياء للغاية، لأنهم كانوا جنود القمع في الميدان. ولو كانوا يتمتعون بكثير من الرخاء، لربما فضّلوا فتح أعمال تجارية على فرض إرادة النظام. ونتيجةً لذلك، بمجرد أن وصل النظام إلى حدٍّ معين من العنف الجماعي ضد السكان، لم يكن أمام العلويين خيارٌ حقيقي سوى الاصطفاف مع النظام، إذ كانوا يدركون تمامًا أن أي انتقامٍ مستقبلي سيكون على الأرجح وحشيّا.
روى السيد دوكلو للمحكمة حكايةً توضح العلاقات بين الطوائف الدينية في سوريا الأسد مفادها أن وفدًا برلمانيّا فرنسيّا زار دمشق لدراسة الانقسامات الطائفية. وفي هذه المناسبة، استضاف ممثلٌ شيعيٌّ مأدبة عشاءٍ لحوالي 250 ضيفًا، من بينهم مسيحيون وسُنّة ودروز وأكراد، إلى جانب علويين. وقد زعموا جميعًا علنًا عدم وجود انقسامات طائفية في سوريا. وبعد العشاء، وخلال زيارةٍ إلى مقام السيدة زينب الشيعي، علّق السُنّة بأن الشيعة لديهم ذوقٌ سيئ، وقال المسيحيون إن المكان يبدو فظيعًا، وتمتم آخرون بأنهم ببساطة عليهم التعايش معهم. ومن وجهة نظر السيد دوكلو، فإن النفاق أخفى توتراتٍ عميقة الجذور. وخلص إلى أن الاستراتيجية الأساسية للأسد تتمثل في استغلال المخاوف المتبادلة بين الطوائف الدينية.
استفسر القاضي لافيغن عن سير عمل نظام العدالة، فردّ عليه السيد دوكلو بحكاية من المحاكم المدنية والتجارية: قال أحد القضاة ذات مرة إنه يعلم أن الشخص على حق، لكن كان عليه قبول عرض الطرف الآخر على أي حال. علاوة على ذلك، ادعى السيد دوكلو أن العدالة الجنائية كانت تحت سيطرة النظام بالكامل. وأثناء وجود السيد دوكلو في منصبه، أعرب وزير العدل الفرنسي عن طموحه بالسفر إلى دمشق، لكن السيد دوكلو نصح بعدم القيام بذلك، لأن فرنسا لا تستطيع إضفاء الشرعية على نظام سوريا القضائي.
وفي إشارة إلى ما يمكن تسميته "خذلان" الغرب في عام 2013، سأل القاضي لافيغن السيد دوكلو عمّا إذا كان سيصف ذلك بأنه نقطة تحول في الثورة السورية. فأكّد دوكلو ذلك وأوضح أن الأسد استخدم الأسلحة الكيميائية لأول مرة في عام 2013 لأنه فقد السيطرة على الغوطة الشرقية. وبعد انسحاب البريطانيين من تنفيذ ما يُسمى بالخط الأحمر [الذي عبّر عنه الرئيس أوباما بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية]، عرض الروس على الأمريكيين مخرجًا بالتظاهر بأن النظام السوري سيتخلى عن أسلحته الكيميائية، حتى لا تضطر أمريكا إلى توجيه ضربة. وعلّق السيد دوكلو قائلًا: لم يصدّق أحد هذا العرض حقًا، إلّا أنه قُبل.
وعندما سُئل عمّا إذا كان التدخل الغربي سيغيّر مجرى الأحداث، شرح السيد دوكلو الحجتين المتعارضتين. فمن ناحية، لم يكن للضربة الفرنسية الأمريكية بعد تجدّد استخدام النظام للأسلحة الكيميائية أي تأثير حقيقي [وبالتالي، لم يكن للتدخل الغربي أي تأثير أيضًا]. ومن ناحية أخرى، أدّى الفشل الغربي في التحرّك عام 2013 إلى تغيير طبيعة المعارضة، إذ منح الإسلاميين اليد العليا وأقنع روسيا بالالتزام بالتدخل العسكري. وهكذا، عزّز انسحاب عام 2013 داعمي النظام، سياسيًا وعسكريًا. لذا، نعم، كانت تلك نقطة تحول حاسمة، كما اعتقد السيد دوكلو.
أشار رئيس المحكمة القاضي لافيغن إلى أن القوة الوحيدة التي كانت قائمة [بعد ذلك] هي الحركات الإسلامية. وافق السيد دوكلو على ذلك، لكنه قال إنه لم يعتبر المعارضة الإسلامية قوة سياسية حقيقية قط، لأن "السوريين ليسوا متعصبين". وأفضل مثال على ذلك، في نظره، هو أحمد الشرع الذي كان يبني شكلًا من أشكال الإسلاموية القومية التي تُجسد العقلية السورية.
وعندما سُئل عن تقديم النظام نفسه على أنه حصن منيع ضد الإسلاميين، أجاب السيد دوكلو بأن النظام [على العكس] استهدف منهجيّا الشباب المتعلمين من المدن الكبرى، الذين كانوا يُعتبرون الأكثر "تأثرًا بالغرب" وذوي خلفية دينية محدودة. ويعتقد السيد دوكلو أن هذه الاستراتيجية نُفذت بناءً على نصيحة روسيا. ونتيجة لذلك، ضعفت المعارضة بشكل كبير، ودُفع الكثير من أعضائها إلى العودة إلى ردود أفعال دينية تقليدية. وأضاف السيد دوكلو أنه في الوقت نفسه، أطلق النظام سراح الجهاديين من السجون.
وتساءل رئيس المحكمة القاضي لافيغن عن موقف النظام من داعش. فقال السيد دوكلو إن النظام لم يطلق رصاصة واحدة على الأراضي السورية التي سيطر عليها داعش. زعم الروس أنهم تحرّكوا ضد داعش، لكنهم لم يستهدفوهم فعليّا، وتركوا تلك المهمة للقوات الغربية. وفي غضون ذلك، ركّز الروس على قمع الثورة.
طلب رئيس المحكمة القاضي لافيغن من السيد دوكلو أن يصف محاولة المعارضة توحيد الفصائل المسلحة المختلفة التي ظهرت بعد عام 2011. فقال السيد دوكلو إن هذه المحاولة لم تنجح قط، ويعود ذلك جزئيّا إلى طبيعة البلد الاجتماعية: فالسوريون عادةً ما يحملون السلاح للدفاع عن قراهم أو أحيائهم، لذا كان من الصعب ترسيخ فكرة التنظيم الإقليمي أو الوطني. علاوة على ذلك، من خلال تحديد مناطق القتال ومناطق عدم القتال من خلال اتفاقيات وقف إطلاق النار، تمكّن النظام والروس من تقسيم المعارضة. ثم ذكر السيد دوكلو أسباب سقوط النظام، ومن بينها الحرب في أوكرانيا والأحداث في إسرائيل، التي قلصت الموارد التي خصصتها روسيا وإيران لدعم سوريا.
سأل رئيس المحكمة القاضي لافيغن عن الجهات الدولية الفاعلة الرئيسية والدور الذي لعبته في سوريا. أجاب السيد دوكلو بأن الروس عملوا مع الأتراك والإيرانيين. ومن خلال اتفاق مع روسيا وإيران، ضمن الأتراك سيطرتهم على منطقتهم. وأفاد السيد دوكلو أن الرئيس ماكرون حاول التدخل، من خلال التحدث مع الروس ودول الخليج. وكان السيد دوكلو نفسه يسافر بانتظام إلى موسكو، لكنه اعتقد أن الروس لم يكونوا مهتمين حقًا بمسار تسوية سياسية. فقد كانت سوريا تُدار فعليّا من قِبل الثالوث الروسي التركي الإيراني. وأوضح السيد دوكلو أن بعض الدول كانت تأمل في تطبيع العلاقات مع الأسد، ولكن حتى في ظل ضعفه الشديد، لم يقدّم الأسد أي تنازل. ودارت العملية في حلقة مفرغة، وفي النهاية سئم الروس منها، وفكّروا على الأرجح في استبدال الأسد، لكنهم أدركوا أنه وعائلته يسيطرون على كل شيء.
أسئلة محاميي الأطراف المدنية لميشيل دوكلو
سأل المحامي بودْوا السيدَ دوكلو إن كان بإمكانه مشاركة آرائه حول الجماعات الجهادية خلال سنوات خدمته في دمشق، وتساءل عمّا كانت تمثله الشريعة الإسلامية في سوريا. رأى السيد دوكلو أن المعارضة الإسلامية لم تكن القوة المحرّكة للثورة في البداية، لكنها مع مرور الوقت أصبحت روح الثورة. أما بالنسبة لمفهوم الجهاد، اكتفى السيد دوكلو بالقول إن بعض الأشخاص في الغوطة الشرقية تصرّفوا بشكل سيء للغاية باسم الإسلام.
وأضاف السيد دوكلو أن أحمد الشرع وضع أجندة سياسية وطنية، وأضاف أنه لا يمكن لأحد أن يجزم حقا ما إذا كان، "في قرارة نفسه"، لا يزال يحمل نزعة جهادية. وتساءل السيد دوكلو عمّا إذا كان [الرئيس الفرنسي الأسبق] الجنرال ديغول، في نهاية المطاف، ديمقراطيّا في قرارة نفسه. وأكد أن المهم هو قدرة أحمد الشرع على تقبّل مسؤولية سياسية أوسع.
تدخّل رئيس المحكمة القاضي لافيغن مشيرًا إلى أنه ربما كان من المهم للفصائل المسلحة المختلفة تقديم صورة تتوافق مع العلمانية والحريات الفردية والقيم الديمقراطية لتلقّي الدعم. لم يكن السيد دوكلو على دراية بالمعايير التي تستخدمها المديرية العامة للأمن الخارجي بفرنسا (DGSE) لتحديد أي الجماعات ينبغي أن تدعم أو لا تدعم، لكن الديمقراطية لم تكن معيارًا رئيسيّا، إذ إنها ليست مفهومًا شائعًا في هذه البلدان.
في بعض المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بدأ المواطنون السوريون العاديون يعيدون اكتشاف الممارسات الديمقراطية ويشكلون لجانًا محلية، لكن السيد دوكلو أعرب عن أسفه لأن هذه التجربة لم تدم طويلًا. ورأى السيد دوكلو أنه من الصعب القول بوجود "ديمقراطيين" في سوريا، نظرًا لقلة الخبرة التاريخية بالديمقراطية. لكنه أكّد على وجود تطلعات ديمقراطية، مثل الرغبة في الدفاع عن حقوق ومكاسب معينة، والمشاركة في صنع القرار.
عندما سأله المحامي بودْوا عن الشريعة الإسلامية، ذكر السيد دوكلو الدستور الذي يُزعم أنه علماني في عهد الأسد، والذي تضمّن بالفعل إشارة إلى الشريعة. في الدستور المؤقت، تعززت هذه الإشارة بالفعل، ولكنها خُفِّفت في أجزاء أخرى من النص. ولم يبدُ للسيد دوكلو أن تطبيق الشريعة الإسلامية من الأولويات الرئيسية للسيد الشرع.
أسئلة الادعاء لميشيل دوكلو
تساءلت المدعية العامة تْوُو عمّا إذا كانت هناك معارضة قبل عام 2011، وماذا كانت أجندتها السياسية. أجاب السيد دوكلو أن الأشخاص الساخطين شكلوا أساس المعارضة. فقد كانوا شبانًا عاطلين عن العمل في ضواحي المدن الكبرى ولم يمثلوا معارضة سياسية. وكما هو الحال في أي مكان آخر، حاول المعارضون في السجون أو المفرج عنهم مؤخرًا التجمّع أيضًا. وفي السفارة [الفرنسية] [في دمشق]، كان أحد الموظفين الناطقين بالعربية مسؤولًا عن التواصل مع هذه الشخصيات المعارضة. وعلّق السيد دوكلو قائلًا: "لم نكن نعتقد أنهم قادرون على تحقيق أي شيء"، لكنهم استمروا في هذا التواصل. وخلص السيد دوكلو إلى أنه غالبًا ما كانت شخصيات المعارضة منقسمة فيما بينها – نظرًا لغياب الحياة السياسية الحقيقية، كان التشرذم أمرًا لا مفر منه. سألت المدعية العامة تْوُو عن دور هذه الشخصيات في الحشد والتعبئة في آذار/مارس 2011. بالنسبة للسيد دوكلو، كان هذا الدور ضعيفًا نوعًا ما، لأن الثورة كانت عفوية.
وعندما سُئل عن تشكيل الجيش السوري الحر وعلاقته بالجماعات الإسلامية، قال السيد دوكلو إن تركيا استخدمت بعض الفصائل أدوات فور توقف القوى الغربية عن الانخراط في القتال. ولم تكن لديه تفاصيل محددة حول أصول الجيش السوري الحر، لكنه أكّد أنه منذ آب/أغسطس 2013 فصاعدًا، فقدت الجماعات العلمانية نفوذها لصالح الإسلاميين.
ذكرت المدعية العامة تْوُو تشكيل جبهة تحرير سوريا الإسلامية في أيلول/سبتمبر 2012 والتي جمعت فصائل مختلفة، من ضمنها جيش الإسلام، ثم أصبحت الجبهة الإسلامية السورية في كانون الأول/ديسمبر 2012 (يرجى الاطلاع على تقرير المحاكمة #5). وأكدت المدعية العامة تْوُو أن الجبهة أصبحت التحالف الأكثر أهمية للمعارضة السورية، في حين أن الجيش السوري الحر كان تحالفًا من الفصائل العسكرية غير السياسية التي فقدت نفوذها لاحقًا بسبب التشرذم وانعدام التنسيق. وأكّد السيد دوكلو هذا التوصيف وقال إنه ليس لديه أي معلومات عن جيش الإسلام.
وسألت المدعية العامة تْوُو السيد دوكلو عن أهمية الغوطة الشرقية للنظام. فأجاب السيد دوكلو أنه بالإضافة إلى موقعها الجغرافي [قربها من دمشق]، فإن التوجه المتطرف للغاية لجيش الإسلام [الذي سيطر على هذه المنطقة] ربما شكّل مصدر قلق خاص للنظام السوري. طلبت المدعية العامة تْوُو تفاصيل حول أحداث درعا التي أشعلت شرارة الانتفاضة الشعبية. قال السيد دوكلو إن الأمر بدأ بمظاهرات في المسجد، لكن الشرارة الحقيقية كانت الرسوم [الجرافيتي] التي خطّها أطفال على الجدران. إذ اعتقلتهم أجهزة الأمن ونزعت أظافرهم. وبعد ذلك، توجهت بعض العائلات إلى دمشق لرؤية الأسد. رفض الرئيس استقبالهم في البداية. ولكنه غيّر رأيه في اليوم التالي وقال إنه سيستقبلهم، لكن قيل له: "للأسف، لم يعودوا لائقين للاستقبال – فقد تعرّضوا للتعذيب طوال الليل". تذكّر السيد دوكلو أن أصدقاءه السوريين لم يكن لديهم وعي سياسي قوي في البداية، ولكن عندما رأوا الناس يُقتلون بالرصاص، أصبحوا معارضين.
وتطرّقت المدعية العامة تْوُو إلى التكتيك الذي اتّبعه النظام السوري والمتمثل في منح العفو وإطلاق سراح الجهاديين الذين أصبحوا فيما بعد أمراء حرب. واستشهدت بمقال للصحفي السويدي [آرون لوند]، ذكر فيه الحملة الأمنية التي قادتها أجهزة مخابرات الأسد ضد الأصوليين السُنّة حوالي عام 2008 واعتقال زهران علوش في عام 2009، بدعوى معتقداته السلفية. وأضاف لوند أن مئات الجهاديين العنيفين مُنحوا عفوًا في أعقاب الربيع العربي، وأن زهران علوش عاد إلى منزله في الوقت المناسب للانضمام إلى المعارضة الناشئة في دوما.
وعلّق السيد دوكلو بأن سياسة الأسد تجاه الدين قد تباينت على مر السنين. [أثناء عمله سفيرا]، روى السيد دوكلو أنه التقى بوزير علوي أعرب عن خوفه من تفوّق الإسلاميين. وابتداءً من عام 2008، اتخذ النظام موقفًا أكثر تشددًا، وتوقف بعض الزعماء الدينيين عن مقابلته. ثم فقد النظام السيطرة فعليّا. وأضاف دوكلو: "عندما ترى قائدًا تحترمه يجرؤ على معارضة النظام، سترغب بطبيعة الحال في الانضمام إليه".
أشارت المدعية العامة تْوُو إلى مقال بتاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر 2016 [لم تتمكن مراقبة المحاكمة من التحقق من صحة هذا التاريخ] للصحفي السويدي نفسه الذي تطرّق فيه إلى تفجير 18 تموز/يوليو 2012 الذي استهدف خلية الأزمة التابعة للنظام وخلص إلى أن لواء الإسلام استخدم الهجوم لتعزيز سلطته. طلبت المدعية العامة تْوُو من السيد دوكلو التعليق على نتائج هذا المقال. اقترح السيد دوكلو أنه من المحتمل أن يكون النظام نفسه وراء الهجوم، إذ كان الأفراد الذين قُتلوا قد فقدوا حظوتهم لدى النظام، وفيهم آصف شوكت [صهر بشار الأسد ومدير المخابرات العسكرية]. وربما كان أحد أسباب فقدان شوكت لحظوته هو ظهوره البارز على الصعيد الدولي.
بدت تقديرات أكثر من 600,000 قتيل وعشرات الآلاف المفقودين خلال الصراع السوري متسقة في نظر السيد دوكلو. استفسرت المدعية العامة تْوُو عن الوضع الحالي في سوريا. رأى السيد دوكلو أن تشكيل الحكومة الجديدة جلب شعورًا عامّا بالارتياح، وحتى الطائفة العلوية لم تشعر بأي ندم حقيقي. حظي السيد الشرع بدعم واسع وتمكن من اختيار الكلمات والإيماءات المناسبة لإقناع أغلبية كبيرة من السوريين.
أما الآن، فيعتمد السيد الشرع على قوة مسلحة لا يتجاوز قوامها 30 ألف رجل، من بينهم عناصر لا يسيطر عليهم بالكامل. وأكد السيد دوكلو أن هيكل سلطته لا يزال هشّا للغاية. وتابع أنه من المقلق للغاية أن الولايات المتحدة رفضت حتى الآن رفع العقوبات. علاوة على ذلك، اتخذت الحكومة الإسرائيلية موقفًا يهدف إلى زرع الفوضى: فقد قصفت دمشق بعد توسيع المنطقة العسكرية الإسرائيلية لتمتد إلى ما بعد الجولان [وهي منطقة في سوريا تحتلها إسرائيل منذ عام 1967]. وقال السيد دوكلو إن الحكومة السورية لا تريد حربًا مع إسرائيل، وأن الشعب السوري نفسه لم تعد لديه الإرادة للقتال. ثم أكد السيد دوكلو أن الحكومة الحالية لا تمثل التنوع السوري جيدا، إذ لا يوجد سوى امرأة واحدة وكردي واحد في السلطة. ولخّص الوضع واصفًا إياه بأنه هش للغاية.
استفسرت المدعية العامة تْوُو عن رأي السيد دوكلو في الجهود التي تبذلها السلطات الفرنسية لتعزيز انتقال سلمي للسلطة. فقال السيد دوكلو إن فرنسا أرسلت دبلوماسيّا على وجه السرعة بعد سقوط الأسد، تلاه وزير الخارجية الفرنسي ونظيره الألماني. ورأى السيد دوكلو أنه لم يكن من الأفضل للوفد الفرنسي زيارة البطريرك المسيحي أولًا؛ وكان سينصح بزيارة الجامع الأموي بدلًا من ذلك. ثم ذكر السيد دوكلو الضمانات التي طلبها الاتحاد الأوروبي قبل رفع العقوبات، وأشاد بجهود الرئاسة الفرنسية في التواصل مع أحمد الشرع وإعادة بناء العلاقات مع سوريا.
وخاطب محامي الدفاع غْويز المحكمةَ موضحًا أن المتهم يقف بشكل متكرر للمشي في قفص الاتهام بسبب مشاكل بدنية، وأنه لا ينبغي تفسير ذلك على أنه عدم اهتمام بمجريات المحاكمة.
[استراحة 15 دقيقة]
أسئلة محامي الدفاع لميشيل دوكلو
تساءل المحامي غْويز عمّا إذا كان بإمكان السيد دوكلو تقديم تعريف للجماعة الجهادية. قال السيد دوكلو إنه لا يوجد تعريف، ولكن بالنسبة له، الجهادي هو من يشن حربًا دينية لنشر الإسلام. أما الجانب الثاني فهو استخدام العنف، وهو ما يُميّز الجهاديين عن الجماعات الإسلامية. وعندما سُئل عن صفة "أصولي"، قال دوكلو إنها تنطبق على جميع الأديان. وتساءل المحامي غْويز عمّا إذا كان بشار الأسد استخدم مصطلح "إرهابي" لتعريف نوع معين من المعارضين، أم أن المصطلح استُخدم للإشارة إلى الجميع. فأوضح السيد دوكلو أن قلة قليلة من المعارضين لم تُوصف بالإرهابيين.
سأل المحامي غْويز عمّا إذا كان السيد دوكلو، بصفته سفيرًا، قد تلقّى تدريبًا على قوانين الحرب، وهو ما نفاه السيد دوكلو. ومع ذلك، فقد تناول هذا المفهوم كثيرًا، لا سيما أثناء عمله نائبًا للممثل الدائم لفرنسا في نيويورك. أوضح المحامي غْويز أن الحق في القتل، في قوانين الحرب، مُنظّم بموجب الاتفاقيات الدولية. وتساءل عمّا إذا كانت هذه المفاهيم معروفة ومقبولة داخل سوريا. أجاب السيد دوكلو بأن الحكومة السورية لا تحترم أي نوع من القوانين، وبالتأكيد لا تحترم قوانين الحرب. وأما بالنسبة للمعارضة، فقد كان ذلك تحديدًا أحد الأمور التي حاولت السفارة ترسيخها، على حد قوله.
وأشار المحامي غْويز إلى مقال للسيد دوكلو يعود تاريخه إلى عام 2018، أوضح فيه أن مقاتلي الغوطة ينتمون إلى تيارات دينية محافظة. وسأل المحامي غْويز عمّا إذا كانت هناك سمات تميّز سكان الغوطة الشرقية، وما هو الدور الذي أدّوه في الثورة السورية. كرّر السيد دوكلو أنهم محافظون دينيّا، "لكن هذا لا يجعلهم إسلاميين"، كما قال. وتساءل المحامي غْويز عمّا إذا كان السيد دوكلو يُفرّق بين الحركات المستوحاة من الإسلاميين والحركات الإسلامية. أجاب السيد دوكلو بأنه، بصفته دبلوماسيّا، يختار كلماته بعناية.
أشار المحامي غْويز إلى مقال كتبه [الباحث الفرنسي] جيل دورونسورو، وصف فيه أسبابًا مختلفة لانخراط الناس في الحركات الإسلامية، وطلب من السيد دوكلو التعليق. رأى السيد دوكلو أن الناس انجذبوا إلى الإسلاموية بعد الخداع الذي سببه انسحاب الغرب عام 2013، وأضاف أنها وصلت حتى إلى الشباب الذين لم يكونوا بالضرورة منسجمين مع تلك الأيديولوجية.
وتساءل المحامي غْويز عمّا إذا كانت حركة من هذا النوع يمكن أن تكون متعددة الطوائف أيضًا. فأجاب السيد دوكلو: "هذا ما قلناه". وأكّد المحامي غْويز أنه سمح لنفسه باستخدام هذا التوصيف التقريبي [استخدام مصطلح متعدد الطوائف] لأنه كانت هناك بالفعل كثيرٌ من التوصيفات المماثلة منذ بداية المحاكمة. وأضاف السيد دوكلو أنه في بادئ الأمر، كانت الثورة متعددة الطوائف فعلًا. ولم يكن حاضرًا عندما اشتد القتال، لكنه اعتقد أن هذه السمة لم تستمر طويلًا.
عند سؤاله عن وجود إسلام سياسي أو إسلام ديني صرف في سوريا، أجاب السيد دوكلو أن القادة الدينيين بدأوا في التعبير عن معارضتهم للإسلام الشيعي [أي، العلويين] بعد فترة من الزمن. أما بالنسبة للإسلام الرسمي السوري، فقد ذكر السيد دوكلو أنه كان معتدلًا. غير أنه ختم بالقول إنه كان من الصعب تقييم ما كان يحدث داخل المساجد.
وأشار المحامي غْويز إلى كتاب السيد دورونسورو [سوريا: تشريح حرب أهلية] حيث أكّد أنه منذ سبعينيات القرن الماضي، أصبح الإسلام لغة الاحتجاج، وتساءل عمّا إذا كان السيد دوكلو يوافق على ذلك. أجاب السيد دوكلو، أنه بعد حماة، تحوّل السُنّة نحو الدين، وأكّد أن الثورة السورية اتّبعت هذا الاتجاه. وزعم المحامي غْويز أن بعض الباحثين قالوا إن الإسلام كان لغة مشتركة في الاحتجاجات حيث تعايشت تيارات مختلفة، وهو ما أكّده السيد دوكلو.
أصر المحامي غْويز على أن الباحثين لا يشكّكون في الفرضية القائلة بأن الإسلام يمنح الناس إحساسًا بالوحدة. واستشهد بمقابلة مع أحد الثوار في عام 2013 [المصدر غير معروف]، إذ أوضح الشخص أنه ليس مسلمًا ملتزمًا، لكن الإسلام منح الناس شعورًا بالوحدة. وأضاف الشخص أن استخدام الراية التي تحمل عبارة الشهادة بأحرف بيضاء على خلفية سوداء، وهي راية لا تقتصر على الجماعات المتطرفة بالضرورة، يُظهر قوة الرمزية الجهادية. وأضاف ذلك الشخص أن الاستعانة بالله يشكّل مصدر طمأنينة للمقاتلين في مواجهة العنف. وتساءل المحامي غْويز عمّا إذا كان الالتزام بالإسلام يمكن أن يساعد على تبديد الخوف من الموت. فأجاب السيد دوكلو بأن هذا السؤال يتخطى مجال خبرته.
وسأل المحامي غْويز عمّا إذا كانت الثورة السورية، قبل كل شيء، شكلًا من أشكال الانتقام من قبل المهزومين، أم أنها حركة سياسية ذات مكونات طائفية. فأجاب السيد دوكلو أن النظام اعتبر الثورة انتقامًا لمن هُزموا بالأمس. غير أنه رأى أنها كانت ثورة شعبية، مع ما رافقها بالفعل من مشاعر وأهداف متباينة.
قال المحامي غْويز إنّ الروس والحكومة السورية لم يقاتلا تنظيم داعش، وتساءل عمّن فعل ذلك. أجاب السيد دوكلو: الأمريكيون. وتابع المحامي غْويز وسأل عمّا إذا كانت جماعات مثل جيش الإسلام قد قاتلت داعش أيضًا. أجاب السيد دوكلو أنهم قاتلوا داعش محليّا، لكن داعش هُزمت بفضل التحالف الدولي.
سأل المحامي غْويز عمّا إذا كانت الحرب بين داعش وجيش الإسلام مجرد حرب مناطق، أم يمكن تفسيرها أيضًا بحقيقة أن جيش الإسلام لم يشارك داعش رؤيته القائمة على الموت. فأجاب السيد دوكلو مجددًا أن الأمر يتجاوز نطاق خبرته، ويمكنه أن يتخيل وجود فارق بسيط بين جيش الإسلام وداعش، ولكنه ليس فارقًا جوهريّا. غير أن المحامي غْويز أكّد على وجود فارق؛ إذ يُعدّ داعش تنظيمًا إرهابيّا، بينما جيش الإسلام ليس كذلك.
تساءل المحامي غْويز عمّا إذا كان الشعور بالخذلان قد غرس انطباعًا بأن الشعب السوري وحيد وأن الجماعات المسلحة وحدها قادرة على هزيمة بشار الأسد. قال السيد دوكلو: بالتأكيد، مضيفًا أن الشعب السوري قد اتّخذ نزعة راديكالية جزئيّا بسبب حالة اليأس. وعندما سُئل عمّا يعنيه بـ"الراديكالية"، أشار السيد دوكلو إلى تبنّي مواقف متشددة وعنيفة، وعدم التفكير في أي طريق للمضي قُدمًا سوى الكفاح المسلح. وأشار المحامي غْويز إلى أن ذلك قد يكون رد فعل منطقيّا عندما يتعرض المرء لقصف بالغازات السامة ولا يفعل المجتمع الدولي شيئًا لوقف ذلك، وهو ما وافق عليه السيد دوكلو.
قال المحامي غْويز إن السيد دوكلو كان من بين الذين دعوا بشار الأسد لزيارة فرنسا في 14 تموز/يوليو 2008، على الرغم من أن حقيقته كانت قد اتّضحت آنذاك. وتساءل المحامي غْويز: "هل كانت دعوته فكرة سيئة للغاية؟". أوضح السيد دوكلو أنه لم يكن متحمسًا للفكرة. ما كانت فرنسا تنوي تحقيقه هو استقرار لبنان، لأن السياسة الفرنسية في بلاد الشام لطالما أعطت لبنان الأولوية. اعتقد [الرئيس آنذاك] ساركوزي و[وزير الخارجية] كوشنر أنه من أجل مساعدة لبنان، كانت هناك حاجة للدخول في حوار مع دمشق. وبعد ذلك، جرى التوصل إلى اتفاق بشأن لبنان مع دمشق، وبدا من الطبيعي دعوة الأسد لزيارة باريس في تموز/يوليو 2008. أشار السيد دوكلو إلى أنه كان متشككًا، لكنه في النهاية، أدّى المسؤوليات الموكلة إليه وحاول ضمان عدم وجود حماس كبير لهذا التطبيع. ولكن "نعم، كنتُ جزءًا من تلك العملية،" بحسب اعتراف السيد دوكلو. لاحقًا، كان السيد دوكلو يدّعي دائمًا أنه لا ينبغي [لفرنسا] إعادة التواصل مع بشار الأسد لأنه خان أكثر من مرة.
أشار المحامي غْويز إلى الفيلم الوثائقي الذي عُرض في المحكمة الأسبوع الماضي، حيث قال كلود غيان [الأمين العام السابق لقصر الإليزيه] إنه لو كان يعرف من هو بشار الأسد حقّا، لما دعاه. وسأل المحامي غْويز: "هل يسخر منا؟" روى السيد دوكلو أنه بعد تعيينه [سفيرًا لفرنسا في سوريا] في صيف عام 2006، أخذه [الرئيس آنذاك] جاك شيراك جانبًا في مؤتمر السفراء وأخبره أن سوريا نظام قاتل، وأنه لن يسامحهم أبدًا [على مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري]. وأضاف الرئيس شيراك: "لكن عاجلا أم آجلا، سيتعين علينا التصالح معهم. دورك هو البدء في إعادة بناء تلك العلاقات". وفي وقت لاحق، أخبر مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط السيد دوكلو أنه طالما بقي شيراك رئيسًا، فلن يكون هناك تطبيع، ولكن قد تحدث المصالحة بعد مغادرة شيراك منصبه. لذا، بدأ السيد دوكلو في إعادة بناء العلاقات. أما بالنسبة لكلود غيان، فقد زار بشار الأسد في عدة مناسبات. وتساءل السيد دوكلو: "هل كان يعتقد حقّا أن الأسد شخص مختلف؟"
أكد السيد دوكلو أنه غيّر سياسته، لكنه لم يُغيّر تحليله، وهو ما يُتوقع تحديدًا من موظف حكومي. وأكد أنه ساهم في عملية التطبيع، لكنه شدّد على محدوديّتها. على سبيل المثال، لم يؤيد السيد دوكلو قط التعاون القضائي، مُعتبرًا أن الفساد مستشرٍ في القضاء السوري. واعتبر السيد دوكلو أن منح بشار الأسد فرصة التغيير أمرٌ مشروع، مُشيرًا إلى أن الأسد كان لديه أسبابٌ عديدة للنأي بنفسه عن حزب الله، لكنه اختار ألّا يفعل ذلك.
وتساءل المحامي كيمبف عمّا إذا كان وضع السجناء السياسيين قد نوقش في الاجتماعات التحضيرية التي عقدتها فرنسا مع الرئيس الأسد. فأكّد السيد دوكلو أنهم فعلوا ذلك، لا سيما خلال الاجتماع في قصر الإليزيه في 12 تموز/يوليو 2008. إذ أجرى ساركوزي في البداية لقاء منفردًا مع الأسد، وعند عودتهما، قال ساركوزي إنهما اتفقا على أربع نقاط: كانت النقطة الثالثة هي حقوق الإنسان. وأكّد السيد دوكلو أنها كانت جزءًا من شروط استئناف العلاقات.
أثار المحامي كيمبف مجزرة سجن صيدنايا التي وقعت قبل أسبوع من 12 تموز/يوليو، وطلب من السيد دوكلو أن يشرح للمحكمة ماهيتها. قال السيد دوكلو إن عصيانًا حدث في ذلك السجن، وإن السفر إلى باريس كان وسيلة لبشار الأسد للعودة إلى الساحة الدولية. ولذلك، أرجأ الهجوم وأمر بقمع العصيان فور عودته. وأكّد المحامي كيمبف أن لديه جدولًا زمنيًا مختلفًا، إذ أشارت منظمة العفو الدولية إلى مجزرة قُتِل فيها 27 سجينًا حتى تاريخ 7 تموز/يوليو. أجاب السيد دوكلو أن الأمر ليس متناقضًا، معتبرًا أن الجزء الأكبر من الهجوم وقع بعد ذلك.
وعندما سُئل عن الضمانات التي حصلت عليها فرنسا بشأن حقوق الإنسان، أعلن السيد دوكلو أن السيد ساركوزي وافق على أن الأسد لن يتحدث عن حقوق الإنسان خلال المؤتمر الصحفي. أما بالنسبة لنتائج الاجتماع على أرض الواقع، فقد أقرّ السيد دوكلو بأنه لم يؤدّ إلا إلى إطلاق سراح عدد قليل من سجناء صيدنايا.
أشار المحامي كيمبف إلى كتاب السيد دوكلو، الذي ذكر أنه بعد المصالحة الكبرى في تموز/يوليو 2008، بذل السيد دوكلو جهودًا لإعادة إحياء العلاقات الاقتصادية. وأوضح السيد دوكلو أن زيارة بشار الأسد إلى فرنسا سمحت بالكاد للشركات الفرنسية بالحصول على عقود في سوريا. وكان السيد دوكلو يعتقد أن النفوذ الحقيقي هو التجارة، لأنه على الرغم من طابع النظام العشائري واستبداده، إلا أن التجارة لا تزال مهمة – فقد "كانوا من أهل الشام"، كما أشار السيد دوكلو. ورأى السيد دوكلو أن تطوير العلاقات الاقتصادية يمكن أن يؤدي إلى تحسين سيادة القانون، لأن ازدهار الأعمال التجارية، يتطلب احترام قواعد اللعبة. تساءل المحامي كيمبف عمّا إذا كان بإمكانه تأمين إطلاق سراح سجناء صيدنايا مقابل جلب شركة النفط الفرنسية توتال إلى سوريا. قال السيد دوكلو "لا، ليس بشكل مباشر" مجادلًا بأن الفكرة كانت جعل النخب المحلية تعتاد على التبادل الاقتصادي، من أجل إحراز تقدم تدريجي. ولكن في نهاية المطاف كان المحاوِر الرئيسي [لفرنسا] هو ابن عم الرئيس، وهو ما حمل رسالة واضحة للغاية. وقال السيد دوكلو إن جميع العقود لم تكلّل بالنجاح في النهاية، وبحلول عام 2011، بات واضحًا أن محاولة إحياء العلاقات قد باءت بالفشل.
تساءل المحامي كيمبف عمّا إذا كان يمكن اعتبار السجناء الإسلاميين ضحايا "لأرخبيل" السجون. فأقرّ السيد دوكلو بذلك، وأضاف أن هؤلاء الإسلاميين المسجونين سابقًا كانوا في الأساس من قادة المعارضة وأنهم لم يتعرضوا لإساءة معاملة بشكل خاص في السجون السورية، لأنهم خرجوا منها بحالة جيدة. ردّ المحامي كيمبف بأنهم أيضًا لم يُعامَلوا باحترام خاص، وهو ما لم يستطع السيد دوكلو أن ينكره. غير أن السيد دوكلو رأى أنهم لم يكونوا في حالة سيئة جدًا، بدليل أنهم عادوا إلى القتال بعد إطلاق سراحهم مباشرة. وأوضح السيد دوكلو أنه ربما تكون الانتهاكات قد توقفت في الأشهر التي سبقت الإفراج عنهم، ولكن ربما تعرّضوا للتعذيب قبل سنوات. وفي ردّه على المحامي كيمبف، قال السيد دوكلو إنه من غير المرجح أن يكون هؤلاء السجناء قد حظوا بمحاكمة عادلة، إن كانوا قد حوكموا أساسًا.
استفسر المحامي كيمبف عن المقارنة التي عُقدت بين الحرب في سوريا والحرب الإسبانية [التي يُفترض أن السيد دوكلو طرحها في كتابه]. أوضح السيد دوكلو أن نقص الدعم للجمهوريين سمح للقوميين بالسيطرة على زمام الأمور [في إسبانيا]. وفي سوريا، أدّى فشل الغرب في دعم بعض عناصر المعارضة إلى السماح لروسيا وإيران وحزب الله بمساعدة النظام على تحقيق النصر. وفي كلتا الحالتين، كان ذلك بمثابة إعطاء ضوء أخضر للمنتصرين في النهاية. سأل المحامي كيمبف من هم "الجمهوريون" في الحرب الأهلية السورية. أجاب السيد دوكلو أن فرنسا واجهت صعوبة في تحديد الجماعات ذات القيم المشتركة، لأن النظام قد قضى بالفعل على شباب المدن الذين ربما كانوا حلفاءه الطبيعيين. وتساءل السيد دوكلو إلى أي مدى وُجِدت أصلًا مثل هذه التيارات المعارضة ذات القيم المشتركة.
ردًا على المحامي كيمبف، لم يكن السيد دوكلو متأكدًا مما إذا كانت هناك عقيدة واضحة المعالم في الدبلوماسية الفرنسية، ولكن من وجهة نظره، كان من المشروع استخدام القوة المسلحة ضد بشار الأسد. لم يكن السيد دوكلو يعلم ما إذا كان ذلك قانونيًا من منظور القانون الدولي.
اقتبس المحامي كيمبف فقرة من كتاب سميرة الخليل، F22، [إحدى الأربعة الذين اختطفهم جيش الإسلام في دوما] يصف حصار دوما في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث ذكرت الكاتبة فتاة صغيرة كانت تهمّ بمغادرة المدرسة، وبعد سقوط قذيفة، غادرت هذا العالم قبل أن تصل إلى الصف السابع. وكتبت سميرة: "لعن الله جائزة نوبل، وكل جائزة في العالم". وأوضح المحامي كيمبف أن الكاتبة أشارت إلى جائزة نوبل التي حصلت عليها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) عام 2013، وطلب من السيد دوكلو التعليق. اعتبر السيد دوكلو فوز منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالجائزة قرارًا سخيفًا. إذ أقنع الروس الأمريكيين بأنهم ضمنوا تخلي سوريا عن الأسلحة الكيميائية، لكن هذا في نظره كان ساذجًا للغاية، لأنه كان من الواضح أن النظام كان يحتال.
سأل المحامي كيمبف لماذا لم يشكّل استهداف المشافي والمدارس خطًا أحمر؟ فأكّد السيد دوكلو أن فكرة "الخط الأحمر" برمتها أمريكية بامتياز. إذ لم يستخدم الفرنسيون ولا الألمان هذا المصطلح قط. واعتبر السيد دوكلو أنه من العار رسم خط أحمر على استخدام الأسلحة الكيميائية، ولكن ليس على القصف اليومي، واعتقد أن [الرئيس الأمريكي آنذاك] باراك أوباما لم يكترث حقًا بشأن سوريا.
وأشار المحامي كيمبف إلى ناهد بدوي، التي ذكرت في سياق منفصل أنها كانت تخشى الجماعات الإسلامية المتطرفة، لكنها اعتقد أنها وفرت الحماية للناس من قمع الدولة الوحشي. وسأل المحامي كيمبف عمّا إذا كانت بعض الجماعات الإسلامية المسلحة قد ساهمت في حماية المدنيين السوريين. قال السيد دوكلو إنه لن يذهب إلى حد القول إنهم حموا السكان. لقد كان أول من أدان تقاعس [الغرب]، لكنه يعتقد أن ما حدث لم يكن خطأ أوباما و[الرئيس الفرنسي آنذاك] أولاند فقط.
ردًا على المحامي كيمبف، أكد السيد دوكلو أنه يعرف الدبلوماسيين الفرنسيين فرانك جيليه، وهنري داراغون، وماتيلد ميشيل، وبيير لو غوف، الذين قدّموا جميعًا بطاقات عملهم لمجدي ن. اعتبر السيد دوكلو أنهم ربما كانوا مهتمين بعلاقة مع المتهم، وأضاف أن السعي للتواصل مع شخص منخرط في الوضع السوري كان جزءًا من عملهم. وأضاف أن هذا لا يعني بالضرورة الدعم أو التعاطف. لذلك، وجد بعض الدبلوماسيين أنه من المفيد البقاء على اتصال مع مجدي ن.، كما أكد المحامي كيمبف. حتى أن السفير فرانك جيليه كتب بيده رقم هاتفه المحمول الشخصي – وهو ما قد يوحي بوجود رغبة في فتح خط اتصال أوثق أو مباشر أكثر، كما أشار المحامي كيمبف.
تدخّل محامي الأطراف المدنية، بالي، مؤكدًا أن سميرة الخليل F22، كان تنتمي إلى مجموعة النشطاء الذين اختطفهم جيش الإسلام، وانتقد محاولة محامي الدفاع تبرير جرائم جيش الإسلام بتسليط الضوء على الفظائع التي ارتكبها نظام بشار الأسد. وردّ المحامي غْويز بأنه لا يريد أن يُسخَّف عملُ محامي الدفاع.
رُفِعَت الجلسة الساعة 1:42 بعد الظهر.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.