1 min read
داخل محاكمة مجدي ن. #1: افتتاح المحاكمة والطعن في شرعية المحكمة

داخل محاكمة مجدي ن. #1: افتتاح المحاكمة والطعن في شرعية المحكمة

محاكمة مجدي ن. 

محكمة الجنايات – باريس، فرنسا 

موجز مراقبة المحاكمة الأول  

تاريخ الجلسات: 29 و30 نيسان/أبريل 2025 

تحذير: قد تتضمن بعض الشهادات توصيفاتٍ حيّةً للتعذيب أو الاغتصاب أو صورٍ أخرى من العنف. 

يُرجى ملاحظة أن هذا الموجز ليس نسخة حرفية لمحضر المحاكمة؛ بل مجرّد ملخّص غير رسميٍّ لإجراءات المحاكمة.  

في هذا الموجز، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقبينا في المحكمة] و«المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود أو القضاة أو المحامون». وحُجبت أسماء الشهود والمعلومات التي قد تحدّد هويتهم.  

[ملحوظة: يقدّم المركز السوري للعدالة والمساءلة موجزا للإجراءات مع حجب بعض التفاصيل حمايةً لخصوصية الشهود وصَونًا لنزاهة المحاكمة.] 

[ملاحظة: رتّب المركز السوري للعدالة والمساءلة تقارير محاكمة مجدي ن. بحسب المواضيع وعلى نحو متّسق بناءً على محتوى الجلسات بدلًا من نشرها حسب التسلسل الزمني، ليسهّل الوصول إلى المواد بتسليط الضوء على القضايا الرئيسية والروابط بين مجريات الجلسات.] 

يسرد تقرير المحاكمة الأول الخاص بالمركز السوري للعدالة والمساءلة تفاصيل اليوم الأول وأجزاءً من اليوم الثاني من محاكمة مجدي ن. في باريس، فرنسا. في اليوم الأول للمحاكمة، قدّم القاضي لافيغن، رئيسُ المحكمة، معلومات عامة عن أطراف القضية والتهم الموجهة ضد مجدي، المعروف باسم إسلام علوش. بعد ذلك، أدى المترجمون الشفويون اليمين القانونية، واختيرت هيئة المحلفين، وأكد أطراف الادعاء المدني مشاركتهم في المحاكمة. ثم شرعت المحكمة في التحقق من أسماء الشهود المتوقع إدلاؤهم بشهاداتهم خلال المحاكمة. وبناء على طلب تقدّم به الدفاع، قدّم جميع الأطراف مرافعاتهم بشأن اختصاص المحكمة للنظر في هذه القضية. وفي نهاية اليوم، أدلى مجدي بإفادته الأولى، وأعرب عن رغبته في التحدث باللغة الإنجليزية، قبل أن يؤكد براءته، ووصف قضيته بأنها "استعمار قضائي"، وأشار إلى حالته الصحية. 

بعد افتتاح اليوم الثاني، أكدت المحكمة اختصاصها للنظر في القضية، مؤكدةً استيفاء الشروط الأربعة للمادة 689-11 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي. وقضت المحكمة بمعيار التبعية الذي يُلزم الادعاء العام بالتحقق من عدم وجود إجراءات قضائية شرعت فيها المحكمةُ الجنائية الدولية أو محاكمُ دولية أخرى أو دولةٌ أخرى. وقد خلصت المحكمة إلى أن هذا التحقق لا يلزَم إلّا في بداية الإجراءات القضائية. 

 معلومات عامة عن القضية 

تألفت المحكمة من ثلاثة قضاة محترفين، يساعدهم ستة من المحلّفين، برئاسة القاضي جون مارك لافيغن. 

وحضرت المدعيتان العامتان صوفي أفاغ وكلير تْوُو من مكتب المدعي العام الوطني الفرنسي لمكافحة الإرهاب (PNAT). 

وسُجِّل بصفتهم أطرافًا مدنيةً خمسةُ أشخاص سوريين وثلاثةُ كيانات قانونية، هي الاتحادُ الدولي لحقوق الإنسان (IFHR)، والمركزُ السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، والرابطةُ الفرنسية لحقوق الإنسان (FHRL). ومثّلهم كلٌّ من مارك بالي، وباتريك بودْوا، وأليس زاغكا، وكْلُوي باسمونتييه. [يُشير مصطلح "الأطراف المدنية" إلى المدعين. في فرنسا، يُسمّى الشخص الذي وقع ضحية جريمة وقدّم شكوى طرفا مدنيا. وبصفته طرفًا مدنيّا، يُعرب عن نيته في طلب تعويض عن الأضرار الناجمة عن الجريمة المرتكبة بحقه.] 

مثَّل المتهمَ مجدي ن. محامو الدفاع غومان غْويز، وغافائيل كيمبف، ولِيو بوكْسِليه.  

أُحيل مجدي ن. إلى محكمة الجنايات بموجب لائحة اتهام مؤرخة في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، عقب استئنافٍ من الأطراف المدنية رفضته محكمة النقض في 14 شباط/فبراير 2024، بالتهم التالية المرتكبة بين عامي 2013 و2016 في سوريا وتركيا: 

  • المشاركة في جرائم حرب ارتكبها أعضاء جماعة لواء الإسلام المسلحة، التي أصبحت فيما بعد جيش الإسلام، خلال نزاع مسلح غير دولي، وفيما يتعلق بهذا النزاع، في انتهاك لقوانين وأعراف الحرب أو الاتفاقيات الدولية التي تسري على النزاعات المسلحة، ضد أشخاص محميين بموجب القانون الإنساني الدولي، وفي هذه الحالة، تجنيد قاصرين قسرًا أو طوعًا في جماعة مسلحة، عن طريق مساعدة مرتكبي هذه الأعمال عن علم في تسهيل إعدادها أو تنفيذها، ولا سيما عن طريق المساهمة في التجنيد أو التدريب، والمشاركة في نشر الدعاية الرامية إلى تجنيد القاصرين وتلقينهم أفكارًا لمشاركتهم في الأعمال المسلحة للجماعة.  
  • بما له صلةٌ بنزاع مسلح، المشاركة في جماعة تشكلت أو اتفاق أُبرِم [...] بنيّة الإعداد والتحضير لارتكاب جرائم حرب، من بينها، محاولة القتل العمد أو الاعتداء على السلامة الجسدية أو النفسية، وتجنيد القاصرين قسرًا أو طوعًا في جماعة مسلحة، والهجمات المتعمدة ضد المدنيين غير المشاركين بشكل مباشر في الأعمال العدائية (لا سيما في مدينة دمشق)، وذلك عن طريق فعل مادي واحد أو أكثر، وتحديدًا في الأدوار التي أدّاها بصفة المتحدث الرسمي باسم جيش الإسلام، وضابط استخبارات، ومستشار استراتيجي لقيادة جيش الإسلام. 

يواجه المتهم عقوبة بالسجن لمدة 20 عامًا لقاء هذه التهم. 

 الافتتاح 

أداء المترجمين الشفويين لليمين 

أدى المترجمون الشفويون اليمين. وأعرب مجدي ن. عن رغبته في استخدام اللغة الإنجليزية بدلًا من العربية، وحاجج محامو الدفاع بأنه يتمتع بإلمام أفضل بالمصطلحات القانونية والسياسية باللغة الإنجليزية. رفض رئيس المحكمة لافيغن هذا الطلب رفضًا قاطعًا. بدأ مجدي ن. بتقديم نفسه باللغة الإنجليزية، موضحًا أنه لا يوجد دليل ضده. أوقفه رئيس المحكمة لافيغن، موضحًا أنه سيكون لديه متسع من الوقت للتعبير عن آرائه بشأن موضوع القضية. 

أبلغ رئيس المحكمة لافيغن مجدي ن. بحقه في الإدلاء بأقواله، والإجابة عن الأسئلة، أو التزام الصمت وفقًا للمادة 328 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي.  

النداء على الأسماء، واختيار هيئة المحلفين، وأداء المحلفين لليمين 

وفقًا للمادة 296 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، وقع الاختيار بالقرعة على ستة محلفين من أصل 27 محلفًا عاديّا. اعترض الدفاع على أربعة محلفين، بينما اعترض الادعاء العام على ثلاثة. اختيرت أربعُ نساء ورجلان بصفتهم محلفين رئيسيين، بينما اختير ستةٌ آخرون بصفتهم محلفين بدلاء. 

تسجيل المحاكمة 

أعلن رئيس المحكمة القاضي لافيغن أنّ المحاكمة ستُسجَّل لأغراض تاريخية. 

تأكيد الأطراف المدنية 

أكد المحامي بالي أن الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (IFHR)، والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (FHRL)، ما زالوا أطرافًا مدنية في القضية، إلى جانب ثلاثة ضحايا سوريين. أما بالنسبة للأخوين [حُجب الاسم]، W9 وW10، اللذين كانا مسجلين سابقًا طرفين مدنيين في القضية، فقد رغب أحدهما في أن يصبح شاهدًا، بينما لم يعد يرغب الآخرُ في المشاركة في المحاكمة. ومن بين الأطراف المدنية الستة المتبقية، كان من المتوقع أن يدلي أربعة أفراد بشهاداتهم في المحكمة، من بينهم مازن درويش، W23، ممثّلًا عن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير. 

استدعاء الشهود 

ناقشت المحكمة ملفات الشهود. من بينهم: 

  • [وفقًا لحسابات المركز السوري للعدالة والمساءلة]، رُفِض مباشرةً 14 شاهدًا استدعتهم الأطرافُ المدنية أو الادعاءُ العام أو الدفاع: 

أفاد محامي الأطراف المدنية، بالي، أن بعض الشهود الموجودين في فرنسا أو تركيا أو سوريا واجهوا تهديدات وضغوطًا، وقرروا عدم الحضور إلى المحكمة خوفًا من تعريض مستقبلهم وعائلاتهم للخطر، وخاصةً أولئك الذين ما زالوا في سوريا. أعدّ المحامي بالي رسالةً تتضمن جميع أسماء الأطراف المدنية والشهود الذين تلقوا تهديدات. وفيما يتعلق بالشهود، عَدَّ الادعاءُ العام إجبارَهم على المثول أمام المحكمة مستحيلا، وطلب استبعادهم نظرًا للمخاوف التي أعربوا عنها. 

أكد الدفاع أن الادعاء العام هو من بادر بالتغطية الإعلامية الأولية للقضية، وأن الرسالة المذكورة أعلاه لم تكن جزءًا من المرافعة. قرر القاضي لافيغن، رئيسُ المحكمة، إضافة الرسالة إلى ملف القضية. ثم ناقش المحامون غْويز وكيمبف وبالي محتوى الرسائل المذكورة في الرسالة وما إذا كانت تُمثّل تهديدات أم لا. 

  • لم تتوفر لدى المحكمة معلومات كافية لاتخاذ قرار بشأن استدعاء أو استبعاد ثمانية شهود معيّنين لم يؤكدوا حضورهم أمام المحكمة. لذلك، قررت المحكمة تأجيل هذا القرار إلى يوم لاحق من المحاكمة. وفي ذلك اليوم، قررت المحكمة أخيرًا استبعادهم. 

استمع محقق المكتب المركزي لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب (OCLCH) إلى الشاهد [حُجب الاسم]، F13، ومُنح الشاهد الحق في الإدلاء بشهادته في المحكمة دون الكشف عن هويته، لكنه لم يحصل على تأشيرة في الوقت المحدد. وبالتالي، خسرت الأطراف المدنية والادعاء العام شاهدًا رئيسيّا، إذ ذكر F13 أن جيش الإسلام جنّده عندما كان دون سن الخامسة عشرة. 

جادل الدفاع حول أهمية الشاهدين باتريك آني، F14، الباحث في شؤون سوريا، وسيلين مورغان، F15، عضو منظمة نداء جنيف. غير أن سيلين مورغان قالت إنه يستحيل عليها الحضور بسبب التزامات الحياد المتعلقة بمهامها المهنية. وأثناء المحاكمة، لم يرد باتريك آني على رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلها له رئيس المحكمة. ونتيجة لذلك، ظل تحديد مكانه مستحيلا، ولم يكن ممكنا إصدار طلب للمساعدة المتبادلة لاستدعائه للإدلاء بشهادته في المحكمة. جادل  الادعاء العام بأن المحكمة لا يمكنها إجبار سيلين مورغان على الإدلاء بشهادتها أيضًا لأنها كانت في سويسرا وأن المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية للمساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجنائية لعام 1959 لا تسمح باستدعاء الشهود بالقوة. في يوم المحاكمة هذا، أرجأت المحكمة القرار. وقررت المحكمة في النهاية استبعادهما في يوم لاحق من جلسات المحاكمة. 

طلب محامو الدفاع أيضًا الاستماع إلى خمسة شهود موجودين في تركيا ([حُجب الاسم]، F5، و[حُجب الاسم]، F16) وسوريا ([حُجب الاسم]، F17، و[حُجب الاسم]، F18، و[حُجب الاسم]، F19). أرسلت المحكمة طلبًا للمساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجنائية لاستدعاء الشهود الثلاثة المقيمين في تركيا للإدلاء بشهادتهم في فرنسا. غير أن السلطات التركية لم تبادر بالرد أثناء سير المحاكمة. ونظرا إلى وجود الشاهدين الآخرين في سوريا، فقد قدّم الدفاع رقمي هاتفهما فقط. وأرسلت المحكمة طلبات استدعاء عبر قنوات دبلوماسية، لكنها لم تُكلّل بالنجاح، إذ أشارت وزارة الخارجية الفرنسية إلى أنها لا تملك وسائل لتسليم الوثائق القضائية، مثل مذكرات الاستدعاء، إلى سوريا. ونتيجة لذلك، وبعد مزيد من المداولات، استبعدت المحكمة جميع الشهود الخمسة الموجودين في تركيا وسوريا في يوم لاحق من جلسات المحاكمة.  

وحاجج الدفاع بأن هؤلاء الشهود الخمسة لم يتمكنوا من تمويل رحلتهم إلى فرنسا مقدَّمًا وكان ينبغي على القضاء الفرنسي ضمان الدفع المسبق. وعَدَّ الادعاء العام أنّ مناقشة هذه المسألة خلال الاجتماعات التحضيرية كان ممكنا، وهو ما لم يحدث. 

  • [وفقًا لحسابات المركز السوري للعدالة والمساءلة]، كان من المتوقع أن يدلي 16 شخصًا بشهاداتهم في المحكمة، من بينهم أربعة شهود بشأن السياق و12 شخصًا سوريًا: ستيفان فالتر، W1، ميشيل دوكلو، W2، توماس بييريه، W3، روبرت بيتي، W7، [حُجب الاسم]، W8، [حُجب الاسم]، W9، [حُجب الاسم]، W10، [حُجب الاسم]، W11، [حُجب الاسم]، W12، [حُجب الاسم]، W13، [حُجب الاسم]، W14، [حُجب الاسم]، W15، [حُجب الاسم]، W16، [حُجب الاسم]، F20، [حُجب الاسم]، W17، و[حُجب الاسم]، W18.  

[بموجب القانون الفرنسي، تختلف القيمة الإثباتية للشهادات تبعًا لما إذا كان الشخص يَمثُل أمام المحكمة مكشوفَ الوجه أو يدلي بشهادته دون الكشف عن هوية، أو يُستمع إليه بصفته شاهدا أو مجرد مخبر، أو إذا كانت شهادته تُقرأ علنًا فقط.] 

في محاكمة مجدي ن.، لم يَمثل أربعة أشخاص سوريين (W10، وW11، وW15 وF20) أمام المحكمة لأسباب مختلفة، لذا قُرئت شهادتهم أمام قاضي التحقيق أو عُرض فيديو الإفادة في المحكمة. واستُمع إلى ثلاثة أشخاص سوريين آخرين (W9، وW14 وW17) وفقًا للسلطة التقديرية للقاضي الذي يرأس المحكمة. [وفقًا للمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، يجوز للقاضي الذي يرأس المحكمة، أثناء سير الإجراءات القضائية، استدعاء وسماع أي شخص تُعدّ شهادته مفيدة في إثبات الحقيقة. ولأنهم لم يؤدوا اليمين القانونية، تُعدّ إفاداتهم معرفيّةً فحسب، ولا تحمل نفس القيمة الإثباتية التي تحملها شهادات الشهود النظاميين.] 

[ونتيجةً لذلك، كانت شهادات سبعة أشخاص سوريين (W10، وW11، وW15، وF20، وW9، وW14 وW17) أقل قيمة من شهادات الشهود النظاميين التسعة الآخرين، ولم تتمكن المحكمة من إدانة المتهم بناءً عليها وحدها. وعُدَّ الأشخاص التسعة الآخرون شهودًا، وكانت لشهاداتهم قيمة إثباتية كاملة.] طلب الادعاء العام إجراء جلسة استماع مغلقة لـ [حُجب الاسم]، W11، الذي كان قد مُنح بالفعل حق الإدلاء بشهادته دون الكشف عن هويته. وفي 6 أيار/مايو 2025، أصدرت المحكمة حكمًا إيجابيًا بشأن طلب تدابير الحماية، بحجة أن W11 اضطر إلى مغادرة سوريا، حيث لا تزال عائلته تقيم، ومُنح وضع لاجئ، وينتمي إلى أقلية لا تزال متأثرة بأحداث العنف الأخيرة في سوريا. غير أن المحكمة رفضت طلب إخفاء الوجه أو تشويش الصوت أثناء الجلسة، وهو ما دفع W11 إلى رفض المثول أمام المحكمة خوفًا من أن يتعرف عليه الدفاع. ونتيجةً لذلك، لم يدلِ W11 بشهادته في المحكمة، ولكن قُرئت إفادته أمام قاضي التحقيق في المحكمة. 

  • حُددت جلسة استماع لثلاثة خبراء مُعيّنين من قِبل المحكمة. 

 جدال حول اختصاص المحكمة 

مرافعة الدفاع بشأن عدم اختصاص المحكمة 

لدعم طلبهم، حاجج الدفاع أولًا بعدم شرعية المحكمة للحكم في هذه القضية. خاطب محامي الدفاع غْويز هيئةَ المحلفين، مؤكدًا أن القضية تتعلق بحرب شعواء، وأن بشار الأسد كان يكره شعبه بشدة لدرجة أنه ارتكب مجازر بحقهم، فلم يكن أمامهم خيار سوى حمل السلاح، كما فعل مجدي ن. وحاجج المحامي غْويز بأن هيئة المحلفين لن تتمكن من فهم ما كابده مجدي ن. لأن أعضاء هيئة المحلفين ليسوا سوريين ولم يختبروا الحرب. وأضاف أن مجدي ن. لا يريد أن تُحاكمه فرنسا، وطُلب منه التحدث باللغة العربية، رغم أن هيئة المحلفين لا تفهمها. وأكد المحامي غْويز أن محاولة تحقيق العدالة نيابةً عن الشعب السوري ستكون ضربًا من الحماقة وستعرّض سمعة المحكمة للخطر، إذ ستضطر هيئة المحلفين إلى الخوض في جزء من التاريخ السوري لا يمكن فهمه. ودعا هيئةَ المحلفين إلى أن يتأمّلوا كيف ستكون العدالة في رأيهم إذا ما أُلقي القبض على أعضاء هيئة المحلفين، كما حدث مع مجدي ن.، عند مشاركتهم في برنامج إيراسموس [برنامج الاتحاد الأوروبي للتبادل التعليمي]، وتعرّضوا للضرب على أيدي ضباط الشرطة، وأُجبروا على المثول أمام محكمة دولة أجنبية. 

وأضاف المحامي غْويز أنه سيتعيّن على هيئة المحلفين تطبيق أساليب التفكير الغربية لتحليل ردود الفعل السورية التي تختلف اختلافًا جوهريّا. علاوة على ذلك، أشار المحامي غْويز إلى أن العديد من التحليلات المتعلقة بسوريا أوضحت أنه ينبغي تحقيق العدالة الانتقالية للضحايا المتضررين بأقرب وقت ممكن. وحاجج بأن ما يجري يصل لحدّ الاستعمار القضائي، ثم أشار إلى ماضي فرنسا الاستعماري في سوريا. وسأل هيئة المحلفين عمّا إذا كانوا سيشعرون بالارتياح للمساهمة فيما أسماه تلميع صورة الادعاء العام على المستوى الدولي.  

بالنسبة للمحامي غْويز، كانت مهمة محاكمة مجدي ن. محفوفة بمخاطر بالغة، لأن التحقيق لم يتم في سوريا، وستفتقر العناصر المقدمة إلى المحكمة إلى إثبات صحتها. نتيجةً لذلك، يُطلب من هيئة المحلفين أداء دور سياسي في سوريا الجديدة، وقد دعاهم المحامي غْويز إلى التمرّد على هذا الأمر.  

وادّعى المحامي غْويز أيضًا أن الولاية القضائية العالمية أداة ضعيفة، ويتسم تاريخها بالتطبيق غير المتسق. وأعرب عن أسفه لعدم محاكمة بشار الأسد في فرنسا، حتى أن نظراءه البلجيكيين وصفوا سياسة فرنسا بشأن الولاية القضائية العالمية بأنها سياسة "الأسماك الصغيرة [أي، لا أهمية لها]". وعندما اصطيدت الأسماكُ الكبيرة [أي، الشخصيات المهمة]، لم تفلح هذه السياسة؛ ففي عام 2011، أُلقي القبض على ندينجوي [رئيس الشرطة السابق في الكونغو برازافيل] ثم أُفرج عنه [بسبب الحصانة السياسية]. وفي عام 2000، أُلقي القبض على مسؤول موريتاني، ثم أُفرج عنه بعد تهديدات من الحكومة الموريتانية. وأكد المحامي غْويز أن إطلاق سراحهما جاء بناءً على طلب دولتيهما. وبالنسبة للمحامي غْويز، طُلب من هيئة المحلفين أن تكون الجناح المسلح لسياسة قمعية، وإذا كان لا بد من تطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية، فقد طَلب من المحلفين مراعاة الخلفية السياسية لهذه القضية. 

وذكّر المحامي غْويز هيئةَ المحلفين بأنه منذ اعتقال مجدي ن. وعقب القرارات التي اتخذتها محكمة النقض، عُدِّل القانون في عامي 2019 و2023 للسماح لفرنسا بمحاكمته. وأشار المحامي غْويز إلى المرافعات في الجمعية العامة [لمحكمة النقض] في عام 2023، ونوّه بتصريح مدير وحدة الجرائم ضد الإنسانية بأنه إذا ظلّت السوابق القضائية دون تغيير، لكان من الضروري إغلاق أكثر من 80 تحقيقًا جاريًا دون اتخاذ أي إجراء آخر. وأشار غْويز إلى أن محكمة النقض كانت تضع في اعتبارها قضايا أخرى عند توسيع نطاق الولاية القضائية العالمية للمحاكم الفرنسية، [ملمّحا إلى أن قضية مجدي ن. استُخدمت أداةً لخدمة أهداف قانونية أوسع].  

وحثّ المحامي غْويز هيئةَ المحلفين على النظر في شعور مجدي ن. عندما يرى المحكمة تناقش مفاهيم كبيرة بلغة لا يفقهها. كما تثير الولاية القضائية العالمية مشكلة ثانية بالنسبة للمحامي غْويز، وهي نسيان الشخص الذي أمامك. [ثم أشار إلى الطابع العمودي للقانون الجنائي الذي أُهمل لصالح الطابع الأفقي بعبارات غير واضحة، ربما بسبب ثغرات في ملاحظات مراقب المحاكمة]. 

ثم أكد المحامي غْويز أن المحكمة ستكون مسؤولة أمام هيئة المحلفين وأمام التاريخ عن قرارها بشأن اختصاصها. وأشار إلى الطابع الفرعي للاختصاص القضائي الفرنسي [في القانون الجنائي الدولي، ينص مبدأ التبعية على وجوب محاكمة الجرائم أمام محكمة البلد التي ارتُكبت فيها، وأنه لا يجوز لمحكمة أعلى أو محكمة أجنبية أن تتدخل إلا إذا لم تُحاكَم الجرائم على المستوى المحلي]، وأشار إلى أن العدالة ستأخذ مجراها على نحو أفضل في سوريا نظرا لأن نظام الأسد قد سقط.  

ذكر المحامي غْويز أن محاميَي الدفاع سافرا إلى دمشق في شباط/فبراير، حيث كانت كلمة "العدالة" تتردد على ألسنة الجميع. وأكّد أن أحد المطالب الرئيسية للشعب هو القدرة على محاكمة أبناء جلدتهم، ويُقال إن الشعب لم يفهم السبب وراء محاكمة مجدي ن. في فرنسا. 

وعارض المحامي غْويز الدعوى بأنه لا يمكن تحقيق العدالة [أي محاكمة الجناة من جميع أطراف النزاع السوري] في سوريا. وأشار إلى وجود أدلة دامغة [أُضيف اثنان منها إلى ملف القضية] تُظهر أن هيئة مستقلة تشكلت في آذار/مارس 2025. وأضاف أنه منذ 11 آذار/مارس، أُحرِز تقدم في مجال المساءلة، وفي 28 نيسان/أبريل 2025، أُلقي القبض على قائد جيش الإسلام عصام البويضاني وسيَمثُل أمام قضاة سوريين. ورغم أن النظام القضائي السوري قد لا يزال بحاجة إلى تحسين، إلا أن المحامي غْويز أكّد أنه قائم ويؤدي مهامه ويتمتع بالاستقلالية.  

في أعقاب الاعتقال الأخير للقائد السابق لجيش الإسلام، ينبغي وضع الحماية التي يُفترض أن السلطات السورية منحتها لأعضاء سابقين في جيش الإسلام في سياقها الصحيح. أكد المحامي غْويز جازمًا أن العدالة تتمتع بالاستقلالية في سوريا، مؤكدًا عدم تقديم أي دليل على أي افتقار مزعوم للاستقلالية. ورفض هذه الادعاءات باعتبارها مجرد وهم من قِبَل الأطراف المدنية والنيابة العامة. ووفقًا للمحامي غْويز، لا يمكن للمحكمة أن تعتبر أنه لا توجد عدالة مستقلة في سوريا اليوم. 

وأخيرًا، حاجج المحامي غْويز بأن الضحايا الأجانب لن يحصلوا على تعويضات في فرنسا. وادّعى أن الطرفَين المدنيَّين الفرنسيَّين الوحيدَين، وهُما الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (FHRL) والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (IFHR)، سيكونان قادرَين على الحصول على تعويضات، مؤكدًا أن فرنسا تسعى إلى تحقيق مكاسب دعائية دولية بحتة. 

ثم خاطب محامي الدفاع كيمبف المحكمة، وذكر أنه عندما كان طالبًا، بدت له الولاية القضائية العالمية فكرة عظيمة ونبيلة؛ وأن مفهوم استخدام العدالة لمكافحة الجرائم المرتكبة حول العالم أمرٌ مثير للإعجاب. لكنه عبّر عن أسفه لأن الولاية القضائية العالمية تخضع لاعتبارات سياسية على أرض الواقع. وأثار تساؤلًا حول كيفية تفسير قرار فرنسا بعدم استخدام الولاية القضائية العالمية لمحاكمة الجرائم المرتكبة في غزة، رغم التوثيق الجيد لتلك الجرائم. 

قال المحامي كيمبف بأن السؤال الذي سيتعين على المحكمة الإجابة عنه أمام الكاميرات – نظرا لأن هذه المحاكمة تُسجَّل للتاريخ – هو ما إذا كانت هذه القضية هي بمثابة عدالة استعمارية. وأشار إلى أن فرنسا مارست سلطة استعمارية في سوريا. وبعد أن مُنحت فرنسا الانتداب لحكم سوريا ولبنان، عُيّن القضاة من قِبل مندوب سامٍ للجمهورية الفرنسية. وكان في محكمة التمييز السورية أربعة قضاة فرنسيين وثلاثة سوريين، وهو ما وصفه المحامي كيمبف بأنه وضع من الهيمنة الاستعمارية. وأشار إلى المادة 6 من الانتداب، التي تنص على أن على فرنسا تكفل "ضمان كامل لحقوق" السكان الأصليين. وأشار المحامي كيمبف إلى أنه كان من المفترض أن تساعد فرنسا سوريا ولبنان حتى تتمكنا في النهاية من الحكم بنفسَيهما، وهو أمر يُزعم أنهما غير قادرتَين على القيام به، وفقًا لفرنسا. 

ثم أكد المحامي كيمبف على أهمية فهم تاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. وقال إن رد الفعل الأول على سقوط الأسد كان الفرح، وقارنه بشهر آب/أغسطس 1944 في باريس [أي، تحرير باريس من ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية]. وأشار إلى أن الحكومة الانتقالية السورية قد اعتمدت دستورًا يضمن استقلال القضاء وألغى المحاكم الخاصة، والتي أشار إلى أنها كانت أفضل حتى من فرنسا. [في فرنسا، يخضع الادعاء العام لسلطة وزارة العدل، وتتخصص العديد من المحاكم الوطنية في جرائم معينة، مثل مكتب الادعاء العام الوطني لمكافحة الإرهاب.] وذكر أيضًا أن سوريا قررت إنشاء هيئة عدالة انتقالية تسمح بمحاكمة الأفراد داخل سوريا.  

وأبلغ المحكمةَ أن المادة 689-11 من قانون الإجراءات الجنائية تُلزِم مكتبَ المدعي العام بالتحقق مما إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية أو أي دولة أخرى قد سعت إلى مقاضاة المتهم. وتساءل عمّا إذا كان الادعاء العام قد اتخذ خطوات لتحديد ما إذا كانت سوريا تنوي محاكمة مجدي ن. 

وأقرّ المحامي كيمبف بانعدام العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، لكنه أكد أنها في طور الاستعادة. وأشار إلى أن رئيس الوزراء الفرنسي زار دمشق، وأن الرئيس الفرنسي اتصل هاتفيا مع أحمد الشرع. وذكر أن سوريا أعلنت عن إنشاء هيئة العدالة الانتقالية المنصوص عليها في المادة 49 من الإعلان الدستوري الصادر في آذار/مارس. 

وأكد المحامي كيمبف على أهمية أن تكون عملية العدالة أقرب ما يمكن إلى الشعب [السوري]، وخاصة الضحايا. وطلب تفسيرًا دقيقًا للمادة 689-11 من قانون الإجراءات الجنائية [أي، على فرنسا التخلي عن ولايتها القضائية والاعتراف بالولاية القضائية لسوريا]، مجادلًا بأنه "ليس بوسعنا تحقيق عدالة أنجع من تلك التي يمكن أن تحققها سوريا".  

وأشار المحامي كيمبف إلى وصف ياسين الحاج صالح لجحيم السجون [الحاج صالح هو مفكر سوري مشهور، يُعرف أيضًا بأنه زوج إحدى الناشطات الأربع اللواتي يُزعم أن جيش الإسلام اختطفهن]. وذكر أنه في أحد كتبه، روى الحاج صالح كيف كان بشار الأسد يجتمع بوزرائه وهو ثمل، قائلًا: "دعونا نذهب ونعذب السجناء على سبيل التسلية". وأشار المحامي كيمبف إلى أن الحاج صالح عاد إلى سوريا الشهر الماضي، وقال: "سيكون بمثابة علاج نفسي سماع قاضٍ سوري يصف ما فعله، والسماح للسوريين بسرد ما فُعل بهم". أشار المحامي كيمبف إلى أن الحاج صالح كان يأمل أن تتولى سوريا زمام هذه العملية، بدلًا من الاعتماد على العدالة الدولية، مؤكدًا على الانفصال القانوني والسياسي عن الاختصاصات القضائية الدولية. 

خلال اجتماع دبلوماسي في باريس حضره السيد درويش، W19، استذكر المحامي كيمبف سؤالًا بسيطًا للغاية طرحه المحامي غْويز: "هل تريد أن تجري محاكمة مجدي ن. في سوريا؟" فأجاب السيد درويش: "نعم، نحن شخصيًا نرى بأن جميع القضايا التي يتم البت فيها حاليًا في أوروبا ينبغي أن تُنقل إلى سوريا ليتم البت فيها هناك". وحثّ المحامي كيمبف المحكمةَ على إرسال رسالة تعبّر عن التواضع ودعم لمسار العدالة الانتقالية في سوريا [من خلال رفضها لاختصاصها القضائي]. 

مرافعة الأطراف المدنية لصالح اختصاص المحكمة 

أوضح المحامي بودْوا أن كلًا من الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (FHRL) والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (IFHR) ملتزمان التزامًا عميقًا بالعدالة الشاملة. وذكر أن الجرائم الدولية غالبًا ما تكون الأكثر إفلاتًا من العقاب، وأشار إلى أنه لم تكن هناك عدالة حيثما ارتُكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لأن مرتكبيها لم يُحاكموا من قِبل بلدانهم. وأكد على أن محاكم خاصة أنشئت لرواندا ويوغوسلافيا السابقة، وهو ما شكّل بداية العدالة الدولية. وأشار إلى أنه في عام 2002، أُنشئت المحكمة الجنائية الدولية. غير أن المحامي بودْوا أشار إلى أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لا ينطبق إلا على مواطني الدول أو الأقاليم التي صادقت على الاتفاقية، واصفًا ذلك بأنه ثغرة. وأعرب المحامي بودْوا عن أن العدالة الدولية تضمن عدم إفلات الجناة من العقاب. ثم أشار إلى محاكمة الدباغ في أيار/مايو 2024 في باريس [محاكمة ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة السورية أدينوا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وقد راقب المركزُ السوري للعدالة والمساءلة هذه المحاكمة، والتقارير متاحة هنا]، والتي اعتبرها خطوة نحو تحقيق العدالة الدولية. واتفق مع زميله الذي أشار إلى أن ذلك لم يكن كافيًا، إذ لا يزال العديد من الجناة دون عقاب. وأشار المحامي بودْوا، الذي كان أيضًا محاميًا سابقًا في المحكمة الجنائية الدولية، أنه لفترة طويلة، كانت إحدى الحجج ضد العدالة الدولية هي أن المحكمة لا تتعامل إلا مع "الفقراء". وأشار إلى أنه سُئل عن سبب عدم محاكمة المسؤولين الروس أو الأمريكيين، وأنه كان يرد دائمًا: "هل من المشروع والمبرر محاكمة الأفراد القادمين من أفريقيا؟" وذكر أن تقدمًا أُحرِز في توسيع نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، مشيرًا إلى مذكرات التوقيف – وإن لم تُنفذ – ضد فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو ويوآف غالانت. وأكد على ضرورة التوقف عن القول بأن الولاية القضائية العالمية مستحيلة لمجرد عدم توفر الشهود، مع الاعتراف بأنه كان من الصعب دائمًا الحصول على الشهود المأمولين. 

ذكّر المحامي بودْوا المحكمةَ بأن المطلوب منها هو التركيز على فترة محددة من مسيرة المتهم، ارتُكبت خلالها جرائم. وأوضح أنه طُلب من المحكمة البتّ في تهم محددة. ثم عارض المحامي بودْوا اقتراح الدفاع بأن قضية مجدي ن. قد ألغت شرط الإقامة المعتادة [لكي تكون للمحكمة الفرنسية ولاية قضائية على الجرائم الدولية، يتعين عليها إثبات الإقامة المعتادة للجاني في فرنسا. وفي قضية مجدي ن.، اعتبر القضاء الفرنسي أن هذا الشرط قد استُوفي على الرغم من أن مجدي ن. كان في فرنسا لمدة "ثلاثة أشهر" فقط]. ووفقًا للمحامي بودْوا، فقد جرى تأييد هذا الشرط، وكان المعيار الرئيسي هو وجود الشخص على الأراضي الفرنسية. وأكد أن ما تغير هو معيار التجريم المزدوج: فقد قضت محكمة النقض بأن جرائم الحرب، كما هو مُعرّف بموجب القانون الجنائي الفرنسي، مُجرّمة أيضًا في القانون الجنائي السوري، وهو ما يعني أن القضاء الفرنسي يتمتع بالاختصاص.  

وأعرب المحامي بودْوا عن اتفاقه مع الدفاع على وجود عيوب في هذا النظام. غير أنه حاجج بأن هذا دليل على أن العدالة الدولية لا يمكن تحقيقها بين عشية وضحاها. وأكد أن الهدف هو أن تتمتع المحكمة بأكبر قدر ممكن من الوضوح بشأن المتهمين حتى يتمكن المحلفون من إصدار حكم مستقل بجميع الأركان اللازمة. 

وأعرب المحامي بودْوا عن صدمته من تصريح الدفاع الذي أشار إلى أن العدالة تتحقق بشكل أفضل في سوريا اليوم مما هي عليه في فرنسا. وذكر أنه لم يسمع قط بفظائع مثل تلك التي وُصفت في السجون السورية، حيث استُخدم ما يصل إلى 27 شكلًا من أشكال التعذيب، وتساءل كيف يمكن للإنسان أن يتعافى من مثل هذه التجارب. وأشار المحامي بودْوا أيضًا إلى أن هيئة تحرير الشام، التي تولت السلطة في سوريا، كانت هي نفسها مذنبة بارتكاب العديد من الفظائع الموثقة على نطاق واسع. وأشار إلى حالة عدم الاستقرار الحالية والانتقام الذي لا نهاية له، وأكد أن سوريا نظام في طور إعادة البناء. على الرغم من أن الجميع كان يأمل في أن تتمكن سوريا في نهاية المطاف من محاكمة هذه الجرائم، إلا أنها لم تكن في وضع يسمح لها بذلك بعد. 

أوضح المحامي بودْوا أن للعدالة الانتقالية محدّدات، وأنه لا سلام دون عدالة [جنائية]. وجادل بأن العدالة الانتقالية قد تكون مفيدة، لكنها غالبًا ما تتجنب الملاحقة الجنائية، تاركة كبار الجناة دون عقاب. وبحسب رأيه، فإن لهذا الإفلات من العقاب عواقب وخيمة على المدى الطويل. 

وأشاد المحامي بودْوا بالمركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM) والسيد درويش لإجراء تحقيقات في شأن طرفَي الحرب. وخاطب أعضاءَ هيئة المحلفين، مذكرًا إياهم بأنهم موجودون لضمان العدالة ورفض الانتقائية. وأكد أنهم مدافعون عن العدالة الدولية، بعيدًا عن كونهم مستعمرين قضائيين جددا. وأكّد أن أعضاء هيئة المحلفين يدعمون الكفاح الحقيقي ضد الإفلات من العقاب، وطمأنهم بأن فرنسا هي المكان الذي يمكن أن تُجرى فيه أعدل المحاكمات. 

وأضاف المحامي بالي أنه سيرد أولًا على الدفاع من وجهة نظر قانونية ثم يتناول العدالة الانتقالية بعناصر ملموسة للغاية. وبدأ بالإشارة إلى محاكمة مرتكبي مجزرة سربرنيتشا [إبادة جماعية ضد أكثر من 8,000 رجل وفتى بوسني في تموز/يوليو 1995، أثناء حرب البوسنة]، التي جرت في لاهاي، مع قضاة لم يكونوا صربيين وإنما كانوا مالطيين أو هولنديين. وعلى الرغم من ذلك، أشار إلى أنهم أصدروا حكمًا في القضية. 

وأكد أن "القواعد الآمرة" [وهي مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي يقبله المجتمعُ الدولي قاعدةً لا يمكن تجاوزها] هي القواعد والمعايير الأكثر حماية والتي تحظى بإجماع عالمي لمعاقبة الانتهاكات. وفي هذا الصدد، دافع المحامي بالي عن عالمية الضحايا والقواعد والملاحقات القضائية والأحكام [عندما يتعلق الأمر بالجرائم الدولية]. وأشار إلى أن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير عمل على جمع الأدلة على الأرض، وكذلك قضاةُ التحقيق ومحكمةُ النقض وآخرون. وفقًا للمحامي بالي، وفّرت كل هذه الأعمال أدلة كافية لتوجيه الاتهام إلى مجدي ن. 

وذكر المحامي بالي أن الجمعيات التي مثّلها قدّمت شكاوى أخرى، لا سيما ضد مسؤولي النظام. ثم أشار إلى جذور هذه القضية، موضحًا أن رزان زيتونة، F21، وهي محامية ناشطة [تعاونت مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير]، قد اختُطفت وعُذّبت [على الأرجح على يد جيش الإسلام]. وكانت الشكوى الأولى التي قدّمها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في فرنسا في حزيران/يونيو 2019 تهدف بشكل رئيسي إلى تسليط الضوء على جريمة الاختفاء القسري ضد رزان وثلاثة ناشطين سوريين آخرين]. وأوضح المحامي بالي أن عرضَ القضية على قضاة فرنسيين لم يكن قراره، بل قرارَ سوريين طلبوا منهم ذلك نيابةً عنهم. وأشار المحامي بالي إلى أن الدفاع قد ذكر الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (IFHR)، لكنه لم يُقرّ بوجود المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، الذي أكّد بأنه معني في القضية. 

بالانتقال إلى الحجج القانونية، تناول المحامي بالي ذِكر الدفاع للمادة 29 من القانون المدني المتعلقة بجنسية المتهم. وأشار إلى أن السوابق القضائية التي أشار إليها الدفاع تتعلق بملفات جرت بوضوح قبل وجود الولاية القضائية العالمية في عام 2010. وأوضح أنه يتعين على النيابة العامة التأكد من عدم تقديم أي طلب تسليم بحق المتهم، وأكد أنه وفقًا للمجلس الدستوري والقانون الفرنسي، فإن هذا التحقق مطلوب فقط قبل تنفيذ الدعوى العامة، وليس في مراحل لاحقة. 

ثم تناول المحامي بالي مسألة التسليم، مشيرًا إلى أن القانون الجنائي السوري لا يزال ينص على عقوبة الإعدام [لا تسمح فرنسا بالتسليم إلى الدول التي لا تزال عقوبة الإعدام سارية فيها]. وأقر بتحديات العدالة الانتقالية، وأشار إلى أنه لم يكن أمام رئيس سوريا خيار سوى العمل مع الجماعات التي أدّت دورًا في الإطاحة بنظام بشار الأسد. واستشهد بمثال جيش الإسلام، الذي أُدمج الآن في وزارة الدفاع ضمن حكومة هيئة تحرير الشام، وذكر مجزرة العلويين [التي يُزعم] أن كُلًّا من قوات الأمن العام لهيئة تحرير الشام ووزير الدفاع السوري متورطون فيها. وأضاف أن شادي الويسي، وزير العدل السوري، شوهد قبل أربعة أيام فقط وهو يشرف على إعدام امرأتين بتهمة الدعارة والتعرّي، مؤكدًا أن هذا هو القانون الذي تسعى الحكومة السورية إلى إنفاذه اليوم. 

وأشار المحامي بالي أن هيئة العدالة الانتقالية لا تمثل جميع أطياف المجتمع السوري، وأنه لا يوجد دليل اليوم على فصل السلطات في سوريا. وقال بالي إنه رغم أنه قد تكون هناك علاقات دبلوماسية بين سوريا ودول أخرى، إلّا أنه لا يوجد تعاون قضائي. وأكد بالي أنه في هذه المحاكمة يُمثّل الضحايا والأطراف المدنية الذين تعرضوا للتعذيب على يد النظام وجيش الإسلام على حدّ سواء.  

واختتم كلمته مخاطبًا هيئةَ المحلفين مباشرةً، ومُشيرًا إلى أن جميع المحلفين كانوا قضاةً لمدة شهر، لا أكثر ولا أقل من أولئك الذين حاكموا مرتكبي مجزرة سربرنيتشا. وأعرب المحامي بالي عن ثقته بهيئة المحلفين، مُشيرًا إلى أن الأطراف المدنية والسوريين، والأهم من ذلك، السلطة التشريعية، قد وضعوا ثقتهم بهم. 

مرافعة الادعاء العام بشأن اختصاص المحكمة 

صرحت المدعية العامة أفاغ بأن ما سعت إليه هيئة الدفاع هو إطلاق سراح مجدي ن. وإفلاته من المسؤولية، وعدم إجراء المحاكمة، وعدم إجراء المرافعات. وأكدت أن القضاء الفرنسي مختصٌّ بمحاكمة مجدي ن. على الجرائم المرتكبة في سوريا وتركيا بين عامي 2013 و2016. وقد أكدت محكمة النقض هذا الاختصاص في حكمها رقم 22-82.468 الصادر في 12 أيار/مايو 2023، وذلك بعد طلب تقدّم به الدفاع يطعن فيه بعدم اختصاص السلطات القضائية الفرنسية. 

وأوضحت أن مبدأ الولاية القضائية العالمية يُتيح مقاضاة الجرائم المرتكبة على أراضٍ أجنبية، من قِبل أشخاص أجانب أو ضدهم، إذا كانت هناك صلة ولو ضئيلة بفرنسا. والمعيار المُحدِّد لذلك، بحسب نص المادة 689-11 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، هو مكان الإقامة المُعتادة. 

ثم أشارت المدعية العامة أفاغ إلى الأحكام السابقة الصادرة عن محكمة النقض بشأن مسألة الولاية القضائية العالمية المتعلقة بسوريا: إذ أشارت المحكمة بأن المدعي العام غير مُلزَم بالتحقق من عدم اختصاص المحكمة نظرالأن سوريا ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية. 

وأوضحت أنه عندما بدأ التحقيق في عام 2020، كان من المستحيل على مكتب المدعي العام الوطني الفرنسي لمكافحة الإرهاب (PNAT) الاستفسار من الدولة السورية عن أي ملاحقات قضائية جارية. وبالتالي، باشر الادعاء العام الوطني الإجراءات القضائية وفقًا للمادة 689-11 المذكورة آنفًا. وانتقدت المدعية العامة أفاغ دعوى الدفاع بأنه ينبغي على الادعاء العام إعادة التحقق من نية سوريا في الملاحقة القضائية. وأكدت أن عمليات التحقق هذه لا تُجرى إلا في مرحلة الشروع بالإجراءات القضائية، وليس أثناء المحاكمة، وأنه لا يوجد أي إلزام بتحيين ذلك التقييم. 

وأشارت المدعية العامة أفاغ إلى أنه كان بإمكان السلطات القضائية السورية الجديدة إصدار مذكرة توقيف. ولكن أحكام العدالة الانتقالية لا تطال فيما يبدو سوى الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد، وليس تلك التي ارتكبتها الجماعات المسلحة مثل جيش الإسلام. 

وأوضحت أن مكتب المدعي العام الوطني الفرنسي لمكافحة الإرهاب (PNAT) لا يسعه إلا أن يأمل في أن تتمكن سوريا يومًا ما من مقاضاة الجرائم المرتكبة في عام 2013، لكن الظروف اللازمة لذلك غير متوافرة حاليًا. وأشارت المدعية العامة أفاغ إلى أن سوريا تخرج من حرب أهلية و54 عامًا من الدكتاتورية، وأن البلاد تواجه تحديات هائلة. ويجب إعادة بناء كل شيء، ومن ضمن ذلك الأنظمة القضائية. ووصفت كيف أجّجت جميع الجماعات المسلحة، وكذلك الحكومة، الانقسامات الطائفية. ورغم خطاب الحكومة الجديدة المطمئن، إلّا أنها أكدت ارتكاب جرائم خطيرة، من ضمنها مجزرة راح ضحيتها 1,600 مدني في غرب سوريا في آذار/مارس، وأكدت أن سوريا لا تزال غير قادرة على ضمان الأمن أو إجراء محاكمة عادلة. 

وأشارت المدعية العامة أفاغ إلى أن السوريين يريدون أيضًا تحقيق العدالة في ظل ظروف مناسبة، وأكدت أن المحكمة ستتاح لها الفرصة لاستجواب الضحايا السوريين. 

وبالتطرق إلى الجانب القانوني، أكدت المدعية العامة أفاغ أن محكمة النقض قد قضت باستيفاء شرطي التجريم المزدوج والإقامة المعتادة [لكي تتم محاكمة مجدي ن. في فرنسا]. وحاججت بالتالي بأن المحكمة تتمتع بالولاية القضائية للفصل في هذه الجرائم.  

ثم استشهدت بالتزام فرنسا التاريخي بالعدالة الدولية، مشيرة إلى أنه في عام 1949، صادقت فرنسا على اتفاقيات جنيف، إذ التزمت الدول الأطراف بمقاضاة مرتكبي الجرائم التي تؤثر على البشرية جمعاء على أساس الولاية القضائية العالمية. وذكرت المدعية العامة أفاغ أن رفض الولاية القضائية العالمية هو بمثابة إنكار أن هذه الجرائم قد أثرت على الإنسانية جمعاء وأنها ضربت صميم الضمير الإنساني. 

وأوضحت كذلك أنه منذ عام 2012، يعمل مكتب المدعي العام الوطني الفرنسي لمكافحة الإرهاب (PNAT) على الكثير من الإجراءات القضائية المتعلقة بالنظام السوري السابق والجماعات المسلحة في سوريا، وأن هناك ما يقرب من أربعين إجراءً قضائيّا جاريًا بشأن بسوريا حاليّا. وأشارت إلى أن هذه الإجراءات القضائية الكثيرة التي اتخذها الادعاء العام الوطنية قد أدت إلى محاكمات، واستشهدت مثالا على ذلك بمواطنين سوريين حُكم عليهم بالسجن المؤبد بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أيار/مايو 2024. وأضافت أن المحاكم الفرنسية كانت أول من أصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد. وردّت المدعية العامة أفاغ على إشارة الدفاع إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، موضحةً أنه على الرغم من سريّة التحقيقات في تلك المنطقة، إلا أنها تجري بالفعل، إلى جانب تحقيقات في 30 منطقة أخرى. 

وأكدت المدعية العامة أفاغ أن مبدأ الولاية القضائية العالمية ينطبق فقط على أخطر الجرائم، لأنها أداة لمكافحة الإفلات من العقاب وضمان عدم تمكن مجرمي الحرب من دخول فرنسا والبقاء دون عقاب. وأوضحت أن الهدف ليس استبدال السلطات القضائية في البلدان التي ارتُكبت فيها الجرائم، وإنما إقامة العدل في غياب أنظمة قضائية فاعلة. 

وأوضحت أن هذه الآلية ليست حكرًا على أوروبا، مستشهدةً بجنوب إفريقيا والسنغال وغانا أمثلةً على دول تُطبّق فيها إجراءات مماثلة. ورفضت فكرة أن الولاية القضائية العالمية شكل من أشكال العدالة الاستعمارية. 

وحاججت النائبة العامة أفاغ بأنه لا يمكن تحقيق أي شكل من أشكال العدالة في سوريا في الوقت الحاضر، وأن القضاء الفرنسي اعتمد على منظمات قادرة على جمع الأدلة على أرض الواقع، بالإضافة إلى شهادات من لاجئين سوريين. وفيما يتعلق بالشهود، أوضحت أن المسألة لم تكن عدم قدرة [المحكمة على الوصول إليهم وتنظيم سفرهم إلى فرنسا للإدلاء بشهادتهم]، بل التهديدات الخطيرة التي يواجهونها في سوريا. 

واختتمت كلامها مؤكدةً أنه في بلد لا تزال فيه عقوبة الإعدام سارية، وخاصةً في حالة إشراك الأطفال في القتال، فلا يمكن إجراء محاكمة عادلة لمجدي ن. في سوريا. وجادلت بأن تسليمه إلى سوريا غير ممكن، إذ إن الأمر يتعلق بوفاء فرنسا بالتزاماتها الدولية [بشأن تطبيق عقوبة الإعدام]. وأشارت إلى أن دعوى عدم إمكانية تحقيق العدالة في فرنسا تُثار بشكل منهجي في المحاكمات القائمة على الولاية القضائية العالمية. وأشارت إلى أن هذه هي المحاكمة العاشرة بموجب الولاية القضائية العالمية التي تُعقد في باريس منذ عام 2011. وذكرت أن فرنسا لا تعمل بمعزل عن غيرها في سعيها لتحقيق المساءلة، إذ اتّخذت ألمانيا وهولندا إجراءات قضائية مماثلة. كما ستلاحق فرنسا قضائيّا الجرائمَ التي ارتكبها مقاتلون فرنسيون في العراق وسوريا. 

وأخيرًا، اتهمت المدعية العامة أفاغ الدفاعَ باستخدام أساليب المماطلة، وطلبت من هيئة المحكمة التكرّم برفض الطلب الذي تقدّم به محامو الدفاع.  

*** 

ردّ محامي الدفاع، بوكْسِليه، على المدعية العامة، مؤكدًا أن السؤال الذي طرحته محكمة النقض عام 2022 يتعلق بما إذا كان قد صدر قرار تسليم في ذلك الوقت، [وجادل بأنه ينبغي طرح السؤال مجددًا اليوم] نظرًا لتطور الوضع. ووفقًا له، لا يوجد ما يشير إلى وجوب إجراء هذا التحقق مرة واحدة ونهائية. وإذا طلبت دولة أخرى تسليم الشخص، فلن يعود هذا المعيار مُستوفًا. [وأشار إلى إمكانية طلب سوريا تسليم مجدي ن.، لكن مراقبة المحاكمة لم يكن لديها أي معلومات تفيد بصدور طلب من هذا القبيل في ذلك الوقت]. وبعد قراءة الفقرة 6 من المادة 689-11 من قانون الإجراءات الجنائية، أكد المحامي بوكْسِليه أن المشرّع الفرنسي لم يُدرج في القانون أي حكم يُشير إلى وجوب تقييم هذه المعايير عند بدء الملاحقة القضائية فقط.  

وأشار المحامي بوكْسِليه إلى اتفاقية الاتّجار غير المشروع عن طريق البحر، التي تطبّق المادة 17 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتّجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، والتي تشترط موافقة دولة العلم مُسبقًا [منذ البداية، دون أثر رجعي] عند ضبط السفينة. وبمجرد منحها، يُعتبر شرط الموافقة مُستوفىً بشكل دائم. لكن المحامي بوكْسِليه شدّد على أن هذا ليس هو الحال بموجب المادة 689-11، إذ لا يوجد مثل هذا الحكم. وتقع على عاتق الادعاء العام مسؤولية ضمان استيفاء هذا الشرط – وهو ما لم يحدث في هذه القضية، على حدّ قوله. 

وبالتطرق إلى الولاية القضائية العالمية في أوكرانيا، جادل المحامي بوكْسِليه بأن الشروط القانونية نفسها تنطبق كما في سوريا. ففي أوكرانيا، يباشر الادعاء العام إجراءاته دون معرفة مُسبقة بالمحكمة التي سيكون لها الاختصاص بالنظر في القضية في النهاية. وهذا يُثبت أنه يُمكن بالفعل الشروع بالإجراءات القضائية، ثم التخلي عن الاختصاص لاحقًا لصالح محكمة مختصة أخرى. وخلص المحامي بوكْسِليه إلى أنه إذا استبدلنا أوكرانيا بسوريا، فسيكون لدينا نفس الوضع الذي تتعامل معه المحكمة اليوم.  

ومن الناحية القانونية، يُعدّ تسليم المجرمين إجراءً بين حكومتين، وفقًا لما ذكره المحامي بوكْسِليه. وأشار إلى وجود اتصالات بين فرنسا وسوريا، وهو ما يُثبت إمكانية تقديم طلب تسليم فعليّا، لافتًا إلى أن السلطات السورية الحالية قد قامت بذلك بالفعل — لا سيما عن طريق طلب تسليم بشار الأسد. 

وردّا على سؤالٍ عما إذا كان بإمكان فرنسا تلقّي طلبات تسليم من دولة لا يوجد بينها وبين فرنسا اتفاق تعاون قضائي، زعم المحامي بوكْسِليه أن الإجابة هي نعم، مُجادلًا بأن من واجب مكتب المدعي العام تقديم ما يثبت عكس ذلك. وضرب مثالًا على ذلك، حين استلمت فرنسا طلب تسليم من روسيا في شباط/فبراير 2024. 

أما فيما يتعلق بعدم إمكانية فرنسا تبليغ أوامر استدعاء قضائية في سوريا، فقد جادل المحامي بوكْسِليه بأن جهود الادعاء العام اقتصرت على التواصل مع وزارة الخارجية الفرنسية، دون أن يجري تواصلًا مع السلطات السورية نفسها مباشرة. 

جادل محامي الدفاع غْويز بأن قضية الدباغ [في عام 2024، التي ذكرها الادعاءُ العام أعلاه] لا تُقارن بالقضية الحالية، لأنها تتعلق بضحايا يحملون الجنسية الفرنسية السورية. وعُقدت المحاكمة غيابيّا، وحُكم على المتهمين بالسجن المؤبد. 

وتابع المحامي غْويز قائلًا إن الأطراف المدنية والادعاء العام جادلوا بأنه إذا حوكم مجدي ن. في دمشق، فسيواجه عقوبة الإعدام. ولكن بعد أن تلا المحامي غْويز الأحكام ذات الصلة من قانون العقوبات السوري، جادل بأن العقوبة التي تنطبق على مجدي ن. هي الأشغال الشاقة والغرامة، وأكد أن عقوبة الإعدام لا تُطبّق إلا إذا كان المتهم مسؤولًا عن وفاة طفل، وهو ما لا ينطبق على هذه القضية. 

وأشار المحامي غْويز إلى أن مجدي ن. كان عضوًا في جيش الإسلام، لكنه طُرد لاحقًا من الجماعة بعد إجرائه مقابلةً مع صحفي إسرائيلي. واعتبر المحامي غْويز أن ذلك يُقوّض الادعاء القائل إنه سيحظى بأي شكل من أشكال الحماية في سوريا. 

وذكرت الأطراف المدنية أن وزير العدل السوري أمر برجم النساء. غير أن المحامي غْويز أكّد أن هذا الشخص لم يعد يشغل منصبه. وفيما يتعلق بحجة الادعاء العام القائلة إنه لا يوجد فصل بين السلطات في سوريا، فقد ادّعى أنها تعكس تراجعًا من جانب الأطراف المدنية. 

وأوضح أن أمام الدفاع مهلة ستة أشهر لتقديم طلبات البطلان. وردّا على زعم الادعاء العام بأن الدفاع دأب منذ عام 2020، أي منذ البداية، على الطعن في الاختصاص القضائي بلا هوادة، أكد المحامي غْويز أن ذلك غير صحيح.وفيما يتعلق بالهجمات على الطائفة العلوية، حاججت الأطراف المدنية بأنه نظرًا لعجز الحكومة السورية عن منع أو إيقاف تلك الهجمات، فإنها بالتالي غير قادرة على محاكمة مجدي ن. وتفاجأ المحامي غْويز بهذه الحجة، إذ لم تمنع فرنسا العديد من الهجمات على أرضها أيضًا – وبالتالي، هل سيحاجج الادعاء العام بأن فرنسا تفتقر إلى القدرة على محاكمة الجناة؟ خلص المحامي غْويز إلى أن الدفاع يطلب محاكمة في دمشق، وليس في أي مكان آخر في سوريا. 

رد محامي الأطراف المدنية، بالي، بأنه لم يكن يشير إلى وزير العدل الحالي، وإنما إلى الوزير السابق، مضيفًا أن الوزير الجديد يوصف بأنه محافظ متشدد وكان سابقًا رئيسًا لمحكمة سابقة. وأشار المحامي بالي إلى أن هذه التصريحات أدلى بها السيد درويش خلال مؤتمر عُقد في 12 شباط/فبراير 2025. وأوضح المحامي بالي أنه رغم أن السيد درويش، حاله حال جميع السوريين، يقرّ بأن العدالة يجب أن تعود في نهاية المطاف إلى سوريا، إلا أنه يذكر بوضوح أن ذلك غير ممكن في ظل الظروف الحالية. أما بالنسبة لهيئة تحرير الشام، فقد يتحملون مسؤولية الجرائم المرتكبة ضد الطائفة العلوية، بحسب المحامي بالي، مستشهدًا بمقال نُشر في صحيفة "لوموند". 

وأفاد محامي الدفاع كيمبف أنه خلال رحلتهم إلى سوريا [في مطلع عام 2025]، لم يرغب أيٌّ من الأشخاص الذين التقوا بهم في أن تُعقد المحاكمة في فرنسا، حتى الأشخاص المعادين لجيش الإسلام. 

الكلمة الافتتاحية لمجدي ن. 

أعرب مجدي ن. عن رغبته في التحدث باللغة الإنجليزية. أصر القاضي لافيغن، رئيسُ المحكمة، أن عليه التحدث باللغة العربية، بحجة أنها لغته الأم، وأشار إلى أن هذا الطلب باستخدام اللغة الإنجليزية جديد وغير مسبوق. أعرب مجدي ن. عن انزعاجه [باللغة الإنجليزية] قائلًا، "هل هذه مزحة؟ حياتي على المحك. أريد أن يفهم الجميع ما أقوله". سأل محامي الدفاع غْويز القاضي لافيغن عن النص الذي استند إليه في حكمه. فأشار رئيس المحكمة لافيغن إلى نص قانوني قديم جدًا صدر في عهد الملك السابق فرانسوا الأول ينص على أن لغة الإجراءات القضائية هي الفرنسية، وأضاف أنه يجب أيضًا احترام حق الدفاع [في فهم الإجراءات القضائية]. 

قال مجدي ن. إنه التزم بالتحدث باللغة العربية [وأُتيحت ترجمةٌ شفويةٌ فوريّة] وبدأ أقواله مخاطبًا كافّةَ المحامين والصحافةَ وهذا "العالمَ الظالم". واعتذر عن طريقة لباسه وأشار إلى أنه مسجون منذ ما يقرب من ست سنوات، موضحًا أنه لا يُسمح للمحتجزين بشراء الملابس. وأكد مجدي ن. أنه كان بإمكان أصدقائه أو أقاربه في الخارج إحضار ملابس له، لكن لا أحد يستطيع فعل ذلك نيابة عنه. وذكر أن ملابسه لم تكن بأي حال من الأحوال علامة على عدم احترام المحكمة [ملحوظة: لبس مجدي قميصا أبيضَ وسروالا طيلة المحاكمة]. 

منذ اعتقاله، أكد مجدي ن. براءته بكل لغة وبكل المفردات الممكنة. لكنه أعرب عن أسفه لأن نظام العدالة رفض الاستماع إليه. وبعد أكثر من أربع سنوات [من الإجراءات التمهيدية للمحاكمة]، وبعد إسقاط عدة تهم، لم تبقَ سوى هاتان التهمتان. وتساءل مجدي ن. عن المدة التي سيستغرقها النظام القضائي ليدرك براءته. 

وبخصوص المحاكمة في سوريا، لم يُرِد مجدي ن. التطرق إلى الجوانب القانونية بصفته غير متخصص، بل رغب في تناول بعض الاعتبارات من منظور سياسي، وهو مجال تخصصه. وأكد مجدي ن. أنه بعد وضع ميثاق الأمم المتحدة، وضع النظام الدولي جميع الدول على قدم المساواة. لكن هذه مجرد كلمات وأوهام، إذ بحسب مجدي، لم يكن هذا مطبّقا في الواقع. 

أكمل مجدي قائلًا: في السياسة، عندما تحاول دولةٌ التأثيرَ على دولة أخرى، فإنها تستعمرها. ويتّخذ ما نسميه الاستعمارَ الجديدَ أشكالًا عديدة: الشكل الأكثر شيوعًا هو الاستعمار العسكري، ولكن هناك أوجه أخرى لهذا الاستعمار – تجاري، وإعلامي، وما قال مجدي إنه اكتشفه هنا – الاستعمار القضائي. 

وقال إن سوريا أصبحت الآن نوعًا مختلفًا من الدول. بالطبع، هناك مقاتلون، وجهاديون، وإسلاميون، لكنه أوضح أن أفعال هذه الجماعات لا تقارن بما فعله النظام السوري. وأشار مجدي ن. إلى أن القوانين في سوريا أشد صرامة من تلك الموجودة في فرنسا. 

وقال مجدي ن. إنه بريء في كل الأحوال – سواء هنا أو هناك. 

واختتم مجدي ن. أقواله بالتطرق إلى حالته الصحية. وقال إنه يعاني آلامًا شديدة ناتجة عن دوالي الأوردة وتجلط الدم الناجم عن قلة النشاط البدني في السجن. وأوضح أنه على مدار السنوات الأربع الماضية، لم يكن قادرًا على الحركة بحرية، وهو حاليًا قيد الحبس الانفرادي. وقال مجدي ن. إن المحكمة على علم بحالته الصحية، وطلب تأجيل هذه المحاكمة حتى تتحسن صحته، لأن حالته الصحية الحالية لا تسمح له بالدفاع عن نفسه بشكل مناسب.  

وأكد رئيس المحكمة القاضي لافيغن أن المحكمة لن تحاكمه بناءً على ملابسه، وأكد أنه كأي متهم، يُفترض فيه البراءة. 

القرار بشأن اختصاص المحكمة 

صدر القرار في وقت مبكر من يوم الأربعاء الموافق 30 نيسان/أبريل 2025. 

وأوضح رئيس المحكمة القاضي لافيغن أن القانون الصادر في 9 آب/أغسطس، 2010 [بشأن تكييف القانون الجنائي مع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية] قد سُنّ لمواءمة التشريعات المحلية مع نظام روما الأساسي. وقد أضيفت المادة 689-11 إلى قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، وهو ما أدى إلى إنشاء قسم جديد للاختصاص القضائي الخارج عن نطاق التشريع المحلي بخصوص الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، إلى جانب معايير محددة عُدلت بموجب قوانين في عامي 2019 و2023. وتابع أنه في الوقت الذي بدأت فيه الملاحقة القضائية، كانت المادة 689-11 بنسختها المعدلة بالقانون 2019-222 مطبَّقة. وقرأ رئيس المحكمة القاضي لافيغن النسخةَ المقابلة من المادة 689-11

أشار رئيس المحكمة بأنه في 4 نيسان/أبريل 2022، أصدرت غرفة التحقيق بمحكمة الاستئناف في باريس حكمها بشأن الإجراءات القضائية المرفوعة ضد مجدي ن. وأكدت استيفاء الشروط الأربعة للمادة 689-11، من ضمنها معيار التبعيّة. وذكر رئيس المحكمة أن معيار التبعيّة ينطبق فقط على الشروع في الإجراءات القضائية من قبل المدعي العام. وبمجرد بدء الملاحقة القضائية، يُصبح معيار التبعيّة غير نافذ ولا يؤثر على اختصاص المحكمة الجنائية. [أشارت المحكمة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تُصدر فيها محكمة فرنسية حكمًا بشأن الطابع الزمني لمعيار التبعيّة]. 

 سيُفصّل تقرير المحاكمة القادم ملخصَ القاضي للقضية والتهم، بالإضافة إلى الخلاف حول تحديد جدولٍ زمني لهيئة المحلفين. 

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.