1 min read
داخل محاكمة حسناء أ. #4: حُكْمُ الْمُحاكمَة النِّهائِيّ

داخل محاكمة حسناء أ. #4: حُكْمُ الْمُحاكمَة النِّهائِيّ

محكمة مقاطعة لاهاي – مجمع سخيبول القضائي، هولندا

التقرير الرابع لمراقبة المحاكمة

تاريخ الجلسة: 11 كانون الأول/ديسمبر، 2024

 تحذير: تتضمن بعض الشهادات أوصافًا للتعذيب.

يُرجى ملاحظة أن هذا التقرير ليس نسخة حرفية لمحضر المحاكمة؛ بل مجرّد ملخّص غير رسميّ لجلسات المحاكمة.

في هذا التقرير، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقبينا في المحكمة] و"المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود أو القضاة أو المحامون". كما حُجِبت أسماء الشهود والمعلومات التي قد تحدّد هويتهم.

يسرد التقرير الرابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة لمراقبة المحاكمة وقائع اليوم الرابع من محاكمة حسناء أ. في مجمع سخيبول القضائي بهولندا.  أصدر القضاةُ في يوم المحاكمة هذا الحكمَ النهائي في محاكمة حسناء أ.

يوم المحاكمة الرابع – 11 كانون الأول/ديسمبر، 2024

في هذا يوم من المحاكمة، بدأت جلسة الحكم النهائي على حسناء أ. في الساعة 10:05 صباحًا في مجمع سخيبول القضائي في بادهويفدورب بهولندا، أمام دائرة الجرائم الدولية في محكمة مقاطعة لاهاي. استطاع الحاضرون أن يجلسوا في مؤخرة قاعة المحكمة بعدد وصل إلى 9 متفرجين و3 صحفيين. كانت حسناء أ. حاضرة عبر بثّ مباشر على الإنترنت. [شوهدت حسناء أ. تضحك في الزنزانة حين سُمح للحضور بولوج قاعة المحكمة.] كان محامو الدفاع والمدعين حاضرين في قاعة المحكمة.

افتتاح يوم المحاكمة الرابع

افتتح رئيس المحكمة القاضي شْنويَه الجلسة مخاطبًا حسناء أ. والمدعيتين على الإنترنت. وأوضح أنّ الحُكم سيصدر هذا الصباح، وسَيَليه لاحقا في ذلك اليوم على الإنترنت حُكمٌ مكتوبُ [يمكن الاطلاع عليه هنا]. بيّن القاضي شْنويَه أنّ القضاة سيرسّخون أولا الوقائع التي استند إليها الحكم بخصوص تنظيم داعش، والاعتداء على الإيزيديين، وسفر حسناء أ.، يعقبُه تقييمُهم للتهم.

الاستنتاجات المستخلصة من الوقائع

أعلنت المحكمة عن الاستنتاجات التي استخلصتها من الوقائع: استهلّت القاضية فيرِنجا بتناول الوقائع المتعلقة بتنظيم داعش، فذكرت أن التنظيم أعلن الخلافة في العراق وسوريا في 29 حزيران / يونيو 2014. وصار تنظيمُ الدولة الإسلامية في العراق والشام تنظيمَ الدولة الإسلامية الجهادي السلفي الذي يدعو إلى الإطاحة بالأنظمة العلمانية بالعنف، في تطلّعٍ إلى أن يعتنق سكانُ دولة الخلافة الإسلام. نصّب أبو بكر البغدادي نفسه خليفة، وطُلب من المسلمين أن يبايعوا الخليفة. اعتمد التنظيم منهجيا على العنف الشديد الذي تضمّن قطعَ الرؤوس والصلبَ والذي كان يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. ووضحت القاضية فيرِنجا أنّ المحاكم الهولندية عدّت التنظيم منظمةً إرهابيةً في عدة قضايا.

واصلت القاضية فيرِنجا حديثها عن الاعتداء على الإيزيديين والعبودية، فذكرت أنّ غالبية السكان الإيزيديين في العراق عام 2014  عاشوا حول جبال سنجار، شمال الموصل، وفي محافظة دهوك الكردية العراقية، حول مدينة شيخان. وأوضحت أنه في 3 آب / أغسطس 2014، هاجم التنظيمُ بمئات من مقاتليه منطقةَ سنجار في العراق. وكان يعيش آنذاك في سنجار نحو 400 ألف إيزيدي. وبعد الهجوم، فرّ كثيرٌ من الإيزيديين إلى جبال سنجار التي طوّقها التنظيمُ وحاصرها في نهاية المطاف. أَسَر التنظيمُ أو قَتَل مَن لم يستطع الفرار مِن الإيزيديين، وأَعدَم الذين رفضوا اعتناق الإسلام من رجالهم وكبار فتيانهم. وأُسرَت نساؤهم وفتياتهم واقْتِدْنَ إلى مناطق في سوريا والعراق وأُخضِعْن للعبودية. فُصل الأطفال عن أمهاتهم، وفُصلت الفتيات فوق التاسعة واستخدُمن سبايا.

أوضحت القاضية فيرِنجا أنّ وثائق التنظيم الرسمية تشير إلى أنّ الاستعباد شُرّع بالإشارة إلى مقاطع من القرآن والسنة، إذ عُدّ الرق من الممارسات الإسلامية المبكرة. وكان يُنظر إلى الإيزيديين على أنهم غنيمة (غنائم حرب) وسبايا (عبيد)، ووُزّعوا على مقاتلي التنظيم. وأُنشأت أسواق السبايا في جميع أنحاء دولة الخلافة حيث بيعت الإيزيديات وأطفالهن واشتُرين، وكانت ثَمَّة تجارة عبر الإنترنت. وبالإضافة إلى تشريع الاستعباد، أنشأ التنظيم مستندات ودلائل إرشادية حول كيفية التعامل مع العبيد ومعاملتهم. وسمحت هذه المستندات بالاحتكاك الجنسي مع العبيد، وحتى مع القاصرات، واستخدام العنف الجسدي والعقاب عند محاولة الهروب. وسُمح وفقا للمستندات بالاتجار بالعبيد أو استخدامهم بين مقاتلي التنظيم. تعرضت السبايا الإيزيديات لإساءة المعاملة، واستُخدمن سبايا جنس وأُجبرن على العمل لدى مقاتلي التنظيم وعائلاتهم، وواجهت السبايا عقوبات شديدة إذا قاومن العنف (الجنسي). وغالبا ما استُخدم أطفالهن لتهديدهن بالطاعة، وإذا حاولن الهرب، كانت تُفرض عليهن عقوبات قاسية تشمل القتل أو إساءة المعاملة البالغة ومنها الاغتصاب الجماعي والعقاب الجماعي.

تابعت القاضية فيرِنجا الحديث عما مرت به P1 و P2 إذ كانتا سبيّتن إيزيديتين. وأوضحت أنّ P1 كانت فرت مع عائلتها إلى جبال سنجار بعد الهجوم في آب / أغسطس 2014، وأسرها التنظيم بعد ليلة واحدة مع بناتها الثلاث وابنها. وأُسرت P2 بعد فرارها إلى الجبال. وفي كانون الثاني / يناير 2015، بعد خمسة أشهر من الهجوم، نُقلت P1 و P2 إلى الرقة مع الكثير من الإيزيديين الآخرين. وبعد مكوثهما في مواقع مختلفة من بينها مزرعةٌ وسجنٌ تحت الأرض، نُقلت P1 و P2 إلى منزل في شارع الانتفاضة في الرقة مع امرأة إيزيدية أخرى. ومكثت النساء في المنزل مع مقاتلي التنظيم، أبي أحمد وأبي عبد الله وأبي وليد. وخصّصت كلّ امرأة لأحد المقاتلين وأُجبرن على النوم في غرف مع الرجال وتعرضن للاعتداء الجنسي. [أُوقفت الجلسة مؤقتا بسبب مشاكل تقنية في البث المباشر عبر الإنترنت.] خُصّصت P1 لأبي أحمد و P2 لأبي عبد الله. وتابعت القاضية فيرِنجا قائلة إنّ المنزل كان موصدا حتى لا تتمكن النساء من الهرب، وأُجبرت النساء على القيام بالأعمال المنزلية مثل التنظيف وغسل الملابس والطبخ 7 أيام في الأسبوع. وأُجبرن على اعتناق الإسلام والصلاة خمس مرات في اليوم. وكُنّ يُضربن إذا لم يفعلن ما كان يُطلب منهن. وبعد ثلاثة أشهر، انتقلت P1 إلى منزل آخر مع أبي أحمد، وبقيت P2 في المنزل في شارع الانتفاضة مع أبي عبد الله. وبعد انتقالها، ظلّت P1 تُجبَر على القيام بالأعمال المنزلية والنوم في غرفة مع أبي أحمد. واستمر الاعتداء عليها جنسيا وهُدّدت ببيعها إلى مقاتل آخر في التنظيم إذا لم تطعه. أوضحت القاضية فيرِنجا أنه في أيلول / سبتمبر 2015، انتقلت P1 مع أبي أحمد وابنها (الذي تمكنت P1 من التواصل معه مجدّدا). وفي المدينة التي انتقلت إليها، تواصلت P1 مع مهرّب كردي في مقهى إنترنت، وهربت مع ابنها برفقة المهرّب في 7 تشرين الثاني / نوفمبر 2015.

تابعت القاضية فيرِنجا حديثها عن وقائع استعدادات حسناء أ. ومغادرتها إلى سوريا. وأوضحت أن حسناء أ. بدأت دراسة الإسلام في أيلول / سبتمبر 2014 بقراءة القرآن والصلاة. وقبل ذلك الوقت، لم تكن تمارس شعائر الإسلام وبدأت في دراسته ليكون لديها ما تتمسك به. وفي كانون الأول / ديسمبر 2014، بدأت حسناء أ. ارتداء الزي الإسلامي بخمار وجلباب طويل. ووفقا لشهادات أقران حسناء أ. في ذلك الوقت، احتوى حسابها الشخصي على عدة صور على فيسبوك، منها علم تنظيم الدولة مع بندقية كلاشينكوف ورصاص، وصورة لمقاتلين يحملون السلاح في الصحراء، وصورة لمقاتلين يصلون على الأرض وبجانبهم أسلحة على الأرض.

كانت حسناء أ. نشطة على الإنترنت على صفحات تنظيم الدولة وكانت على اتصال مع أشخاص في سوريا. وتعلّمت حسناء أ. عن التنظيم قبل سفرها لتعرف ما ينتظرها. وفي شباط / فبراير 2015، قررت حسناء أ. السفر إلى دولة الخلافة في سوريا لأنها رأت أن من واجبها الهجرة بصفتها مسلمة. أشارت القاضية فيرِنجا إلى أنّ حسناء أ. ذكرت في أيام المحاكمة السابقة [يُرجى الاطلاع على تقرير المحاكمة #1] أنها كانت تعلم آنذاك أنّ هناك حربا في سوريا وما كان يفعله التنظيم. ووفقا لحسناء أ.، علمت بذلك عن طريق الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والأخبار. وأوضحت القاضية فيرِنجا أنّ حسناء أ. تواصلت جُزافا بشخص على إحدى صفحات التنظيم وطلبت منه مساعدتها في الوصول إلى سوريا. فطلب منها شراء تذكرة طائرة إلى تركيا والاتصال به عندما تكون هناك. بعد ذلك اشترت حسناء أ. تذكرتي طائرة لها ولابنها ذي الأعوام الأربعة والذي يعاني من مشاكل في النمو من مطار دسلدورف الدولي إلى أنطاليا في 17 شباط / فبراير 2015. وعند وصولها إلى تركيا، اتصلت حسناء أ. بالشخص الذي تواصلت معه سابقا، فأعطاها تعليمات بالسفر مع ابنها إلى مكان محدد في تركيا سيُنقلان منه إلى منزل سيساعدهما فيه أشخاص على عبور الحدود إلى سوريا.

أوضحت فيرِنجا أنه بعد وصول حسناء أ. إلى سوريا، وُضعت في مضافة مع ابنها. وعند وصول حسناء أ. إلى المضافة، استُجوبت للتحقق مما إذا كانت جاسوسة، وبقيت في المنزل أسبوعين إلى ثلاثة، ثم نُقلت وابنُها إلى مضافة أخرى في الرقة. وفي تلك المضافة تزوجت حسناء أ. في أوائل أيار / مايو 2015 من مقاتل في التنظيم يُكنّى بأبي زبير، وأصله من المغرب، ولا يزال اسمه الحقيقي مجهولا.

تابعت القاضية فيرِنجا قائلة إنّ لدى حسناء أ. ثلاثة أطفال من أبي زبير، وشاركت صورهم عبر تطبيق واتسآب. وفي 30 كانون الثاني / يناير 2016، أرسلت إلى والدها صورة لابنها وابنتها يلبسان سوارا عليه شعار تنظيم الدولة. عاشت حسناء أ. في عدة أماكن في سوريا والعراق، واضطرت للتنقل بسبب القصف والقتال وتقلص المساحة التي يسيطر عليها التنظيم. وفي إحدى المرات، تعرض منزل حسناء أ. للقصف، وكانت حاملا وقتها وفي المشفى ذلك اليوم لإجراء فحص بالموجات فوق الصوتية. أرسلت حسناء أ. رسائل إلى والدها تخبره بالوضع. أوضحت القاضية فيرِنجا أنّ الأنشطة اليومية لحسناء أ. تمثلت في القيام بالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، وكانت تشاهد مقاطع الفيديو التي نشرها تنظيم الدولة والتي تُظهر العنف. ووفقا للقاضية فيرِنجا، كانت حسناء أ. مؤيدة للشريعة. واستشهدت القاضية فيرِنجا برسالتين أرسلتهما حسناء أ. إلى والدها. ففي 10 شباط / فبراير 2017، كتبت حسناء أنها «سمعت أنّ الكلاب الآن يحظرون النساء اللاتي يلبسن النقاب/البرقع [...] ها أنت ترى يا أبتي كيف يعاملنا نحن المسلمين هؤلاء الكفارُ القذرون، متى ستأخذ هذا الطريق [...] اتق الله يا أبتي فهذه الدنيا لا قيمة لها». وطلبت حسناء أ. مرارا من والدها أن يأتي إليها، فقد أرسلت في 12 تشرين الأول / أكتوبر 2024 ”تعال إلى هذا الطريق، ستعيش حياة أفضل من هولندا».

أوضحت القاضية فيرِنجا أنّ حسناء أ. وعائلتها كانوا يعيشون على الأموال التي كان يتلقاها أبو زبير من التنظيم كل شهر. وكان أبو زبير يغادر معظم الأيام في الصباح الباكر ولا يعود إلا في وقت متأخر من المساء، وكان يغيب أحيانا مدةً أطول. وأصيب أبو زبير مرة في قصف وحمل السلاح (كان لديه مسدس وبندقية كلاشنكوف). وحملت حسناء أ. سلاحا مرتين، وكان ذلك لأن زوجها طلب منها ذلك، وفقا لشهادتها. وفي عام 2018، عندما كانت حسناء أ. حامل بطفلها الأصغر، أعلن أبو زبير الطلاق. وبعد ولادة طفلهما في يوليو / تموز 2018، أُتمّ الطلاق بينهما. ولم تعد حسناء أ. تتلقى المال من زوجها فسجلت نفسها في تنظيم الدولة حتى تتمكن من الحصول على الطعام والماء. وفقا للقاضية فيرِنجا، ظهر اسم حسناء أ. في كثير من وثائق إدارة التنظيم، فكان اسمها مسجلا في «إدارة شؤون المقاتلين» و«مركز أسرى (الحرب) والشهداء» في محافظة البركة خلال الفترة من 9 تموز / يوليو 2018 إلى 26 شباط / فبراير 2019. ويشار إلى أنّ المتهمة استلمت من التنظيم مواد غذائية وعشر وحدات من الدقيق. في عام 2019، كانت حسناء أ. وأطفالها في محافظة البركة (التي كانت آخر منطقة يسيطر عليها التنظيم). وغادرت حسناء أ. إلى مخيم الهول في شباط / فبراير 2019 وأُعيدت إلى هولندا في أوائل تشرين الثاني / نوفمبر 2022.

تحدّثت القاضية فيرِنجا بإيجاز عن الوقت الذي مكثت فيه حسناء أ. مع P1. فبعد زواجها بفترة وجيزة، مكثت حسناء أ. مع ابنها في منزل P1 وأبي أحمد شهرا تقريبا. ومُنحت حسناء أ. غرفتها الخاصة. وعندما لم تكن حسناء أ. في غرفتها، تعاملت مع P1. وبيّنت القاضية فيرِنجا أنّ حسناء أ. ذكرت أنّ P1 كانت تقوم بالأعمال المنزلية، وأنها كانت تعرف أنّ P1 كانت إيزيدية استعبدها أبو أحمد.

تقييم التهم: المشاركة في منظمة إرهابية

واصل القاضي فريند بتقديم تقييم المحكمة للتهم في ضوء الوقائع الثابتة. وبخصوص التهمة الأولى المتعلقة بالمشاركة في منظمة إرهابية، أكد القاضي فريند على أنّ السوابق القضائية تثبت أنّ تنظيم الدولة منظمةٌ إرهابية. وتابع بأنّ حسناء أ. اختارت السفر إلى سوريا رغم معرفتها بالحرب في سوريا. وتعلّمت حسناء أ. بعد تبصّر عن التنظيم قبل سفرها، لتعرف ما ينتظرها. وصرّح القاضي فريند أنّ رحلتها إلى دولة الخلافة لم تكن إذن بدافع الرغبة في عيش حياة هادئة دون إزعاج. فعند وصولها إلى دولة الخلافة، اختارت الزواج من مقاتل فاعل في تنظيم الدولة، وعاشت معه في المنزل وانتفعت منه ماليا وبالتالي من تنظيم الدولة. وترتّب على هذا الدعم المالي أن تفرّغ نفسها للأسرة وتربية الأطفال، وهو ما يُعَدّ وظيفة مهمة للنساء في التنظيم. كان لدى أبي زبير أسلحة وحملت حسناء أ. أحدها مرتين على الأقل. وأشار القاضي فريند إلى أنّ حسناء أ. اختارت البقاء داخل أراضي التنظيم حتى بعد انفصالها عن أبي زبير، ولجأت إلى التنظيم للحصول على الدعم إلى أن سقطت الخلافة. وذكر القاضي فريند أنّ حسناء أ. وضعت نفسها تحت سلطة تنظيم الدولة طيلة إقامتها والتزمت بأحكام الشريعة التي فرضها التنظيم، واختارت هذا عن قناعة. وتابع القاضي فريند أنّ حسناء أ. نشرت أيديولوجية تنظيم الدولة للأشخاص في محيطها، ومن بينهم والدُها عندما طلبت منه القدوم إلى دولة الخلافة. وذكر القاضي فريند أنّ حسناء أ. اختارت عن قناعة ووعي أن تبقى في أراضي التنظيم، وعززت بالتالي مجال نفوذه من حيث العدد. وأوضح أنّ حسناء أ. ساهمت في تحقيق الهدف الإرهابي للتنظيم وكانت على علم بالنزاع المسلح والعنف الشديد الذي استخدمه التنظيم (مستمدا ذلك من تصريحاتها في أيام المحاكمة السابقة) [يُرجى الاطلاع على تقرير المحاكمة #1]. كانت حسناء أ. على علم بما كان يحدث في سوريا وقتها، على الأقل عن طريق مقاطع فيديو تنظيم الدولة التي شاهدتها. وبالتالي، ذكر القاضي فريند أنّ حسناء أ. كانت تُعَدّ عضوا في تنظيم الدولة الإرهابي وبالتالي مشاركة فيه في الفترة من 17 شباط / فبراير 2015 إلى 26 شباط / فبراير 2019.

ثم انتقل القاضي فريند إلى التهمة الثانية المتمثلة في إعداد أفعال وتسهيلها بقصد إرهابي. وتطرّق إلى أنّ عدّة متطلبات قانونية يمكن أن تُعَدّ مستوفاة من التهمة السابقة، ولكن وُضعت اعتباراتٌ إضافية في الأفعال المحددة: (أ) (تبنّي أفكار متطرفة)؛ (ب) (الحصول على معلومات حول السفر إلى منطقة النزاع)؛ (ج) (السفر إلى سوريا)؛ (د) (الانضمام إلى مقاتلي تنظيم الدولة)؛ (ه) (المساهمة في الجهاد المسلح)؛ (و) (الترويج لتنظيم الدولة)؛ و (ز) (حمل أسلحة نارية). وذكر القاضي فريند أنّ الأفعال (أ) و(ب) و(ج) و(د) استُنبطت من الأدلة على استعدادات حسناء أ. للمغادرة أثناء وجودها في هولندا واكتسابها قناعات أيديولوجية. ولم تأخذ المحكمة بالاعتبار أنّ الفعلين (هـ) و(و) قد أُثبتا قانونيا أو بصورة مقنعة. أما الفعل (ز) فقد أُثبت قانونيا وبصورة مقنعة، إذ اعترفت حسناء أ. بحملها سلاحا ناريا. وهكذا، افترض القاضي فريند أنّ حسناء أ. كانت مذنبة بالترويج لجرائم إرهابية والإعداد لها في الفترة من 17 شباط / فبراير 2015 إلى 26 شباط / فبراير 2019.

تقييم التهم: وضعُ طفلٍ أو تركُه في حالة عجز

ثم تناول القاضي فريند التهمة الثالثة المتمثلة في وضع طفلها أو تركه في حالة عجز. وذكر أنّ حسناء أ. اصطحبت ابنها إلى منطقة النزاع في سوريا والعراق حوالي 17 شباط / فبراير 2015. وذكرت حسناء أ. أنها كانت تعلم حين مغادرتها بوجود حرب دائرة في سوريا، وباصطحابها إياه إلى هناك، تكون قد قبلت عن قصد وعلم احتمالا كبيرا بأن حياة ابنها أو صحته ستكون في خطر، وبالتالي وضعته في حالة عجز. وذكر أنّ تصريحات حسناء أ. بأنها أرادت أن تعيش في منطقة هادئة لا يشكل فرقا لأنها سافرت عن علم وعمدا إلى منطقة حرب. وواصل القاضي فريند أنّ ادعاء الدفاع بأن حسناء أ. كان ينقصها التبصّر في أفعالها وعواقبها ينبغي أن يعني أنه لا يوجد تعمد للجريمة، إلّا أنّ المحكمة لم تقبل هذا الادعاء. وتابع القاضي فريند أنّ حسناء أ. لم تضع ابنها في حالة عجز فحسب، بل تركته في مثل هذه الحالة. وأشارت رسائلُ الواتساب وإفادتُها إلى أنّ ابنها كان معرضا للخطر مثل التفجيرات والقصف. وتابع القاضي أنّ ابنها حُرم من الرعاية التي كان يحتاجها (في ضوء مشاكل نموه). أوضح القاضي فريند أنّ قدرة الوالدين والطفل على مغادرة منطقة النزاع له دور في تقييم ترك الطفل عمدا في حالة عجز. ومع ذلك، ذكر القاضي فريند أنّ ملف القضية لم يقدم أدلة كافية على أنّ حسناء أ. لم تكن قادرة على المغادرة، بل أنها اختارت البقاء بإرادتها، وهو ما يعني أنّ المحكمة ترى أنّ حسناء أ. لم تكن ترغب في مغادرة منطقة النزاع. وقد طلبت حسناء أ. عدة مرات من والدها أن يأتي إلى سوريا ويلتحق بها، حتى بعد أن ظلّت في منطقة تنظيم الدولة فترةً طويلةً وتقلّص تأثّرُها بالتنظيم. خلص القاضي فريند إلى أنّ حسناء أ. مذنبة بتهمة وضع طفلها أو تركه في حالة عجز حتى 26 شباط / فبراير 2019.

تقييم التهم: الاستعباد بصفته جريمةً ضد الإنسانية

واصل القاضي فريند بذكر التهمتين الرابعة والخامسة التي تتعلق باستعباد P1 وP2 بصفته جريمةً ضد الإنسانية. وبدأ بإثبات وقوع هجوم واسع النطاق أو منهجي أو كليهما على السكان المدنيين شنّه تنظيم الدولة. ووضّح القاضي فريند أنّ النتائج الوقائعية أشارت إلى هجوم التنظيم على المجتمع الإيزيدي في آب / أغسطس 2014. وكان استعباد الإيزيديات الأسيرات والاتجار بهن جزءا من الهجوم. وأُجبرت الإيزيديات على العمل خادمات في المنازل لدى عائلات التنظيم وتعرض كثيرٌ منهن لإساءة المعاملة والاغتصاب. وذكر القاضي فريند أنّ هذه الأفعال، نظرا لطبيعتها وحجمها، يمكن أن تُعَدّ هجوما على السكان المدنيين. وأوضح أنّ الهجوم أدى إلى نزوح الآلاف من الإيزيديين، وقتل عدة مئات منهم ولا يزال آلاف آخرون مفقودين. ونظرا للعدد الكبير من ضحايا هجوم تنظيم الدولة، عدّت المحكمة أنّ ارتكاب هجوم واسع النطاق يمكن استيفاؤه. علاوة على ذلك، تضمّن الهجوم على المجتمع الإيزيدي خطةً معدةً مسبقًا وعملية اختيار وفصل الإيزيديين على أساس الجنس والعمر. ونُقلت الإيزيديات بطريقة منظمة بالحافلات والشاحنات قبل الاتجار بهن في أسواق العبيد التي أُعدّت خصيصا لهذا الغرض. وأضفى تنظيم الدولة شرعية على استعباد الإيزيديات وأقرّه وحثّ عليه. فاعتبرت المحكمة أنّ هذا كان هجوما منهجيا كذلك.

تابع القاضي فريند قائلا إنّ المحكمة تعتقد أنّ حسناء أ. كانت على علم بالهجوم على المجتمع الإيزيدي. وأخذت المحكمة بالحسبان أنّ حسناء أ. ذكرت في جلسة الاستماع الموضوعية أنها كانت على علم بوجود المجتمع الإيزيدي وأنها كانت تعلم أنّ P1 كانت إيزيدية [يُرجى الاطلاع على تقرير المحاكمة #1]. وذكر أيضا أنّ حسناء أ. كانت تعلم أنّ P1 كانت سبيّة لأبي أحمد، ولم تكن حرة ولم تستطع الهرب. وذكر القاضي فريند أنّ إنكار حسناء أ. معرفتها بهجوم تنظيم الدولة على الإيزيديين لم تعدّه المحكمة ذا مصداقية. وتابع أنّ الهجوم على المجتمع الإيزيدي وسبي النساء والأطفال كان جزءا من الحياة في دولة الخلافة. وأُخذت كثير من الإيزيديات إلى الرقة وبُعن في أسواق النخاسة هناك. وأكد القاضي فريند أنّ حسناء أ. كانت في الرقة حينما ارتُكبت الجريمة المنسوبة إليها. وذكر أيضا أنه خلال هذه الفترة، نشر تنظيم الدولة عن العبودية ومعاملة الإيزيديين وكان هذا متاحا للعامة. وذكر القاضي فريند أنّ إنكار حسناء أ. كان لا يُصدَّق لأنها التقت شخصيا بكثير من المستعبدات ومالكيهن في عشاء ليلة الجمعة. وذكر أنّ هذا يعني أنه كان بإمكان حسناء أ. أن تعرف أنّ استعباد P1 لم يكن واقعة وحيدة. وبالتالي، وجدت المحكمة أنّ حسناء أ. كانت على علم بهجوم تنظيم الدولة على المجتمع الإيزيدي وعلى علم بممارسته الاستعباد.

تقييم التهم: استعباد P1

ثم ركّز القاضي فريند تحديدا على تهمة الاستعباد المتعلقة بـ P1، وأقرّ بأن اتهام حسناء أ. اعتمد إلى حد كبير على إفادات P1. وأخذت المحكمة حذرها نظرا للاعتماد على الإفادات والوقت الطويل الذي انقضى منذ الأحداث المزعومة إلى الإفادات. إذ أوضح القاضي فريند أنّ P1 أدلت بإفادات في أوقات مختلفة لمنظمات مختلفة حول ما تعرضت له بعد هجوم تنظيم الدولة على سنجار، ومن بين تلك المنظمات فريقُ التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش (يونيتاد). وفي إفادتها إلى يونيتاد، أدلت P1 بتصريحات حول حسناء أ. وسلوكها. ووجدت المحكمة أنّ إفادات P1 كانت متسقة بما يكفي بخصوص أوجه مهمة منها أسرُ التنظيم لها، وانفصالها عن أطفالها، وانتهاء المطاف بها في منزل في شارع الانتفاضة في الرقة، ونقلُ أبي أحمد لها إلى منزل آخر عاشت فيه حسناء أ. معهم مؤقتا. وأشار القاضي فريند إلى أنّ هناك تناقضات في الإفادات التي أدلت بها ليونيتاد ومفوض المحكمة الهولندية، تتعلق على سبيل المثال بعدد المرات التي مكثت فيها حسناء أ. في منزل P1 وتصرّف حسناء أ. مع P1. إلّا أنّ المحكمة رأت أنّ هذه التناقضات ليست مهمة بما يكفي لجعل إفادات P1 غير موثوقة. وأوضح القاضي فريند أنّ الإفادات التي أدلت بها P1 ليونيتاد ومفوض المحكمة الهولندية تمت في سياقات وطرق مختلفة. ووضّح أنّ يونيتاد لم يسأل عن تفاصيل مشاركة حسناء أ. وبالتالي يمكن استخدام الإفادات التي أدلت بها P1 إلى يونيتاد ومفوض المحكمة الهولندية دليلا، ولهذا اعتمدت عليها المحكمة نقطةً للبدء.

ثم شرح القاضي فريند بالتفصيل ممارسة أي سلطة أو كلها التي تتعلق بحق الملكية ضد P1 لاستيفاء تهمة الاستعباد. وأوضح أنه استنادا إلى الوقائع، استعبد أبو أحمد P1 واستملكها. وتعيّن على P1 أن تعيش معه وتقوم بالأعمال المنزلية له، ومنها غسيل الملابس والطبخ والتنظيف. وأجبر أبو أحمد P1 على النوم معه، واعتدى عليها جنسيا وعاملها بعنف. وأشار ملف القضية إلى أنّ P1 كان لديها مفتاح المنزل في مرحلة ما وكانت قادرة جسديا على مغادرة المنزل. وذكر القاضي فريند أنه خلافا لما حاجج به الدفاع، رأت المحكمة أنّ هذا لا ينتقص من أنّ P1 لم تكن قادرة على الفرار، نظرا لأنها كانت في عاصمة الخلافة ولم يكن الفرار خيارا حقيقيا لامرأة إيزيدية ولأنها لم تكن تريد الفرار دون أطفالها. وتابع القاضي فريند بأن أبا أحمد استخدم P1 سبيّةً وأنّ حسناء أ. كانت على علم بذلك. وخلال جلسة الاستماع الموضوعية التي استُجوبت فيها حسناء أ. بشأن وضع P1، ذكرت حسناء أ. أنها هي نفسها «كانت حرة»، وهو ما عدّته المحكمة إشارةً ضمنا إلى أنّ P1 لم تكن حرة وبقيت سبية. وأوضح القاضي فريند أنّ المحكمة وجدت أنّ حسناء أ. زادت من حجم العمل الذي كان على P1 القيام به عن طريق إجبارها أيضا على إعداد الطعام لحسناء أ. وغسل ملابسها وابنها والقيام بأعمال منزلية أخرى. وتعتقد المحكمة أيضا أنّ حسناء أ. لم تأمر P1 بالقيام بأعمال منزلية وبالعناية بابنها عندما كانت وحدها مع حسناء أ.، بل عندما كان أبو أحمد حاضرا كذلك. ولهذا ذكر القاضي فريند أنّ المحكمة تجاهلت تصريحات حسناء أ. المخالفة حول ما حدث في منزل أبي أحمد. وصرّح القاضي فريند أنّ حسناء أ. لم تستغل الوضع آنذاك عن طريق جعل P1 تؤدي أعمالا لها ولابنها فحسب، بل أعطت فعلا أوامر لـ P1، وهو ما يعني أنّ حسناء أ. لم تعمل على استمرار استعباد P1 فحسب، بل ساهمت به فعلا. ووفقا للقاضي فريند، أشارت الأدلة أيضا إلى أنّ P1 كانت مقتنعة بأنها لا تستطيع رفض أوامر حسناء أ. وأنّ الرفض سيؤدي إلى عقاب من أبي أحمد. ووجدت المحكمة أنّ اعتقاد P1 كان مبررا وارتأت أنه رغم أنّ حسناء أ. لم تستخدم العنف ضد P1 أبدا، إلا أنها كانت تعلم أنّ أبا أحمد فعل ذلك. وذكر القاضي فريند أنّ حسناء أ. كانت تعرف وضع P1 الضعيف جدا واستغلته بجعل P1 تؤدي أعمالا سخرةً وبوضع P1 في موقف خضوع تُحرم فيه من أي شكل من أشكال الاستقلالية. ورفض القاضي فريند ادعاء الدفاع بأن إفادات P1 التي تدين حسناء أ. لم تكن مدعومة بما يكفي من الأدلة الأخرى وبمعيار الإثبات المنصوص عليه في الفقرة 342(2) من قانون الإجراءات الجنائية الهولندي. وفيما يتعلق بمسؤولية حسناء أ.، وُجد أنها كانت على علاقة وثيقة بما فيه يكفي مع أبي أحمد، نظرا لأنها انتقلت إلى منزله وكانت على علم باستعباد P1. وخلص القاضي فريند إلى أنّ المحكمة وجدت أنّ حسناء أ. مذنبة بالمساعدة والمشاركة في استعباد P1 بصفتها جريمة ضد الإنسانية في الفترة من 1 أيار / مايو 2015 إلى 1 تشرين الأول / أكتوبر 2015.

تقييم التهم: استعباد P2

أوضح القاضي فريند أنّ اتهام حسناء أ. المتعلق باستعباد P2 اعتمدت أيضا إلى حد كبير على إفادات P2. وأوضح القاضي فريند أنّ P2 أدلت كذلك بعدة إفادات في أوقات مختلفة ولمنظمات مختلفة. ووجدت المحكمة أنّ إفادات P2 هذه تحتوي على تناقضات كبيرة تتعلق بسلوك حسناء أ. إذ إنّ هذه التناقضات كبيرة لدرجة أنه لا يمكن تفسيرها بالطريقة التي أُدلي بها أثناء الإفادات أو بالفاصل الزمني بين الأحداث والإفادات. وبالتالي، عدّت المحكمة إفادات P2 غير مقبولة بصفتها أدلة. وعلاوة على ذلك، ذكر القاضي فريند أنّ المحكمة لم تتطرّق إلى أدلة «الاقتران» لأن مثل هذا التأويل يتطلب أن تكون إفاداتُ P2 مدعومةً بإفادات أخرى. ومع ذلك، لأن إفادات P2 لم تُعدّ مقبولة بصفتها أدلة، فإن هذا غير ممكن، وبالتالي تمت تبرئة حسناء أ. من تهمة استعباد P2 بصفتها جريمة ضد الإنسانية.

تقييم التهم: الخلاصة

خلص القاضي فريند إلى أنّ المحكمة أعلنت ثبوت التهم التالية ضد حسناء أ.: (1) المشاركة في منظمة إرهابية، (2) الإعداد لجرائم بقصد إرهابي والترويج لها، (3) تعمّد وضع طفلها وتركه في حالة عجز، (4) المساعدة والمشاركة في استعباد P1 بصفتها جريمة ضد الإنسانية. وتمت تبرئة حسناء أ. من تهمة المساعدة والمشاركة في استعباد P2.

المطالبة بالتعويضات

تناول القاضي شْنويَه بعد ذلك مطالبة المدّعيتين بالتعويضات قبل إصدار الحكم. إذ كرر أنّ P1 طالبت بمبلغ 30,000 يورو وطالبت P2 بمبلغ 25,000 يورو عن الأضرار غير المادية. نص القاضي شْنويَه على أنّه سيُبَتّ في مسألة تعويضات P1 فحسب، إذ تمت تبرئة حسناء أ. من تهمتها المتعلقة بـ P2. وأوضح القاضي أنه لا يمكن إنكار أن كلا من P1 وP2 عانى وتعرّض لصدمة شديدة، ولكن يجب أن ترتبط مسألة التعويضات بسلوك حسناء أ. وأوضح القاضي شْنويَه أنّ مطالبات المدّعيتين تخضع للقانون المدني الموضوعي بموجب الفقرة 10(2) من القانون المدني وللقانون المدني السوري. وأوضح القاضي شْنويَه أنّ القانون السوري طُبّق لتقييم مطالبات الأطراف المتضررة نظرا لأن الأحداث التي أضرّت بالمدعيتين وقعت في سوريا. وتابع القاضي بأنّ محامتي المدّعيتين قدمتا تقرير خبير في القانون السوري والذي لم يوفر أساسا قانونيا كافيا للمحكمة لإثبات هذه المسائل، وتطلب تقييما للمسؤولية والأضرار بموجب القانون السوري. ووجدت المحكمة أنّ دعاوى التعويضات في إطار الإجراءات الجنائية كانت إجراء بسيطا لا يوفر نفس الضمانات الإجرائية التي توفرها الإجراءات المدنية العادية. وأوضح القاضي شْنويَه أنّ الالتزام بتطبيق قانون أجنبي يصل إلى حدوده القصوى متى ما وضَعَ التطبيقُ واكتسابُ المعرفة المطلوبة عبئا غير متناسب على الإجراءات الجنائية. وأوضح أنّ القانون السوري عسيرٌ فهمه وأنه لا يكاد يوجد أي مصادر قانونية متاحة للعامة (على الأقل، لا توجد نسخ مترجمة). وسلط الضوء على أنّ القضايا المطروحة لا تتطلب الإلمام بأحكام القانون المدني السوري فحسب، بل تتطلب أيضا معرفة الممارسة القانونية السورية والسوابق القضائية التي لم تكن متاحة بسهولة أيضا. وذكر القاضي شْنويَه أنّ هذا سيستلزم من المحكمة أن تطلب المزيد من المعلومات من خبير آخر غير الخبير الذي قدمته المدّعيتان. وأوضح القاضي أنه رغم وجود هذه الإمكانية التي سَبَرتها المحكمة، إلا أنها ستستغرق وقتا طويلا وقد تتطلب منح الأطراف فرصةً للرد على النتائج التي توصلت إليها المحكمة بشأن القانون السوري مرة أخرى، إذ كانت هذه نقطة لم تُطرح إلا في بيانات الدفاع الختامية في جلسة الاستماع الموضوعية. وذكر القاضي شْنويَه أن هذا سيؤدي إلى تأخير غير مقبول في الحكم في القضية وسيتجاوز طبيعة الإجراءات في المحاكمات الجنائية. وأكد على أنه يمكن لـ P1 أن ترفع دعواها أمام محكمة مدنية حتى يمكن تقييم الدعوى في المحاكمات العادية.

العقوبة المفروضة

ثم تابع القاضي شْنويَه بتناول العقوبة التي فرضتها المحكمة، وأوضح أنّ العقوبة تقررت بناءً على خطورة الأفعال المرتكبة، والظروف التي ارتُكبت فيها والظروف الشخصية للمتهمة. وأشار أولا إلى أنه في شباط / فبراير 2015، أي بعد أكثر من نصف عام من إعلان الخلافة، سافرت حسناء أ. إلى سوريا مع ابنها. وفي ذلك الوقت، كانت حسناء أ. على علم بالنزاع المسلح وأيديولوجية تنظيم الدولة، لكنها غادرت هولندا رغم ذلك. وفي سوريا، انضمت حسناء أ. إلى تنظيم الدولة الإرهابي وتزوجت أحد المقاتلين. اعتنقت حسناء أ. الفكر المتطرف لتنظيم الدولة وأمضت سنوات في المناطق التي سيطر عليها التنظيم حتى سقوط الخلافة، وبهذا عززت قوة التنظيم بوجودها. وخلال فترة زواجها، ساعدت حسناء أ. زوجها في عمله مع التنظيم عن طريق رعايته والقيام بالأعمال المنزلية. وكانت تعلم أنّ بحوزته أسلحة نارية وبالتالي سهلت ارتكاب جرائم إرهابية.

وتابع القاضي شْنويَه قائلا إنّ جماعات مثل تنظيم الدولة تهدف إلى إقامة دولة إسلامية تُنتهك فيها حقوق المعارضين منهجيا وبعنف. والحقيقة هي أنّ العنف الذي استخدمه تنظيم الدولة لتحقيق أهدافه كان قاسيا للغاية وأنّ جرائم خطيرة ارتُكبت على نطاق واسع ضد المعارضين، مثل الإعدامات بإجراءات موجزة والقتل والتعذيب والاستعباد والتمثيل بأسرى الحرب والمدنيين. وأوضح القاضي شْنويَه أنّ العديد من الهجمات لم تُرتكب في سوريا والعراق فحسب، بل في أوروبا وبقية دول العالم. وسلط القاضي شْنويَه الضوء على أنّ هذه الهجمات غذّت أحد أهم أهداف تنظيم الدولة في زرع الخوف والانقسام في الجزء غير المؤمن من سكان العالم - في نظرهم. وذكر القاضي شْنويَه أنّ حسناء أ. تجاهلت تماما كل هذا والمعاناةَ التي لا توصف التي أثّرت على الكثيرين في منطقة النزاع وخارجها عندما انضمت إلى تنظيم الدولة.

تحدث القاضي شْنويَه بالتفصيل عن الهجوم على المجتمع الإيزيدي في آب / أغسطس 2014، وذكر أنّ الآلاف من الإيزيدين قُتلوا واختُطفوا في الهجوم المدبّر عمدا. وأكّد أنّ الرجال البالغين والفتيان الذين بلغوا الحُلُم قُتلوا أو أُجبروا على اعتناق الإسلام ثم أُجبروا على العمل لصالح تنظيم الدولة، ونُقل الفتيان القاصرون إلى معسكرات تدريب تابعة للتنظيم. أما النساء والفتيات اللاتي أُسرن فجُعلوا سبايا (جنس) وبُعن أو وُزِّعن على مقاتلي التنظيم. وتابع القاضي شْنويَه أن استعباد النساء والفتيات الإيزيديات أقرّه التنظيم وأضفى عليه شرعية مستندا إلى القرآن والسنة وتفسيره لهما. وذكر أنّ العبودية أصبحت بالتالي جزءا من الحياة اليومية في دولة الخلافة، وأنّ هجوم تنظيم الدولة الواسع والمنهجي على الإيزيديين يُعتدّ جريمة ضد الإنسانية تركت ندوبا عميقة في المجتمع الإيزيدي. وأوضح القاضي شْنويَه أنّ الجرائم ضد الإنسانية هي من بين أخطر الجرائم الدولية وموضعُ اهتمام المجتمع الدولي بأَسْره. إنّ حظر الاستعباد قاعدةٌ أساسية في النظام القانوني الدولي والحَيْدُ عنها مرفوض. وأكد القاضي شْنويَه على أنّ الهجوم الذي شنه تنظيم الدولة على المجتمع الإيزيدي والذي استُعبدت فيه النساء والفتيات أثار غضبا وقلقا دوليَّين واسعَين.

ثم سلّط القاضي شْنويَه الضوء على أنه في هذه الحالة المحددة، كانت هناك معاناة غائرة. إذ أشارت إفادات P1 إلى أنها خُصّصت لمقاتل من تنظيم الدولة واحتُجزت في منزله في ظروف مروّعة وواجهت هناك العمل القسري والعنف (الجنسي). ونوّه القاضي إلى أنّ حسناء أ. كانت تعلم أنّ التنظيم استعبد P1، وأنّ P1 لم تستطع الهروب من ذلك الوضع، ولم تحاول منع معاناتها رغم ذلك. وصرّح القاضي شْنويَه أنّ حسناء أ. في الواقع أعطت أوامر لـ P1 وبالتالي كانت مذنبة بارتكاب العبودية. وشدّد على أنّ حسناء أ. فعلت ذلك وهي تعلم أنّ ما حدث في المنزل كان جزءا من شيء أكبر، أي الهجوم الواسع والمنهجي على المجتمع الإيزيدي. ولذلك حمّلت المحكمة حسناء أ. مسؤولية جسيمة للغاية [كان القاضي شْنويَه يتحدث بنبرة حازمة وينظر إلى حسناء أ. في الشاشة].

ذكر القاضي شْنويَه أنّ قرار حسناء أ. بالسفر والبقاء أعواما في منطقة الحرب التي يسيطر عليها تنظيم الدولة أدى أيضا إلى عواقب لا يمكن تداركها على ابنها. وأوضح أنّ ابنها قضى جزءا كبيرا من شبابه في منطقة حرب خاضعة لسيطرة التنظيم، ولم يتلق خلال هذه الفترة بأكملها الرعاية الخاصة أو التوجيه الذي كان بحاجتهما نظرا لمشاكله. وذكر أنّ المحكمة حمّلت حسناء أ. مسؤولية كبيرة عن ذلك.

أشار القاضي شْنويَه بإيجاز إلى السجل الجنائي السابق لحسناء أ. وذكر أنها لم تُدن سابقا بجرائم مماثلة. ثم تطرق بعد ذلك إلى ظروف حسناء أ. الشخصية وذكر أنّ المحكمة أخذت في اعتبارها محتويات التقرير الثلاثي الذي أعدته منظمة Pro Justitia، وتقرير التفسير الأيديولوجي الذي أعدته NTA، ومشورة مكتب مراقبة السلوك. وتطرق القاضي أولا إلى اضطرابات حسناء أ. وقصور نموها العقلي وذكر أنّ الخبراء (مختصا وطبيبا نفسيَّين) خلصا إلى أنّ حسناء أ. كانت تعاني من إعاقة ذهنية خفيفة واضطراب في الشخصية وقت ارتكاب الجرائم المنسوبة إليها. وأوضح أنّ اضطراب الشخصية الذي يتعلق بالبيئة الخطرة للغاية التي نشأت فيها يتألف أساسا من سمات حدّية واجتنابية. وأوضح القاضي شْنويَه أنّ اضطراب الشخصية والإعاقة الذهنية التي تعاني منهما حسناء أ. أدّيا إلى زيادة درجة الريبة والاندفاع فيها. وعُدّت ساذجة ولم تستطع التنبؤ بعواقب أفعالها وكانت تميل إلى الفرار حين التوتر والضغط. وأوضح القاضي أنّ التقرير أشار إلى أنّ هذه الاضطرابات أثرت على قرار حسناء أ. بالسفر إلى سوريا وعلى خياراتها في ارتكاب التهم. وأشار التقرير إلى أنّ هذه الاضطرابات تُحمّل حسناء أ. مسؤولية أقل. وأشار القاضي شْنويَه إلى أنّ إنكار حسناء أ. أثناء الإجراءات يعني أنّ الخبراء عجزوا عن تحديد ما إذا كان لتلك المشاكل تأثير على خياراتها السلوكية فيما يتعلق بجرائم الاستعباد. غير أنّ القاضي أوضح أنّ المحكمة وجدت أنّ الاستنتاجات والمشورة الواردة في التقرير يمكن تطبيقها على تهمة استعباد P1 وتعني أيضا تضاؤل المسؤولية الجنائية.

ثم تناول القاضي شْنويَه بالتفصيل تقارير خطر الانتكاس إلى الإجرام التي خلصت إلى أنّ حسناء أ. تبنّت بعض التوجهات المتطرفة. ومع ذلك، أوضح القاضي أنّ التقرير أشار إلى أنّ حسناء أ. نأت بنفسها عن تنظيم الدولة نظرا لتجاربها السلبية في دولة الخلافة بصفتها امرأة وزواجِها من شخص متطرف، وأعربت عن عدم وجود أي طموح لديها للهجرة. وتابع القاضي شْنويَه بأنّ التقرير ذكر أنّ آراءها المتطرفة كانت سطحية جدا وأنّ معرفتها الدينية كانت محدودة للغاية. وأوضح القاضي أن تقرير Pro Justitia ذكر أنّ الخطر العام للسلوك العنيف وخطر الانتكاس إلى ارتكاب الجرائم المتهمة بها كانا محدودَين، في حين ارتأى مكتبُ مراقبة السلوك أنّ خطر الانتكاس إلى الإجرام منخفضٌ، ولكن خطر العنف المتطرف متوسط.

ثم تناول القاضي شْنويَه طريقة العقوبة والحكم. وأوضح أنه عند تحديد نوع العقوبة ومداها، سعت المحكمة إلى تحذوَ حذْوَ الاجتهاد القضائي في القضايا المماثلة. وأشار إلى أنه لم يُدن أي متهم سابقا في هولندا بالاستعباد، وأنه لا يمكن إجراء مقارنة مع قضايا أخرى بالنسبة لهذه الجريمة الجنائية (التي لها الوزن الأكبر في إصدار الأحكام). وذكر أنّ هذا الأمر يختلف عن المشاركة في منظمة إرهابية الذي تكون بدايةُ إصدار الحكم فيها هي عقوبة سجن غير مشروط لمدة 6 أعوام بغض النظر عن المدة المثبتة. وأوضح القاضي أنه نظرًا للصلة الموضوعية بين هذه التهمة وتهمة الإعداد والترويج، فلن يكون لهذه التهمة أي أهمية إضافية فيما يتعلق بالعقوبة المفروضة. وأوضح القاضي شْنويَه أنّ جريمة وضع الأطفال القُصّر وتركهم في حالة عجز تصل عقوبتها القصوى إلى السجن لمدة عامين. وذكر أنّه بسفرها إلى منطقة حرب وإقامتها في دولة الخلافة، تكون المتهمة قد وضعت ابنها القاصر وتركته في خطر، ارتأت المحكمة أنّ نقطة بداية عقوبته ينبغي أن تكون السجن لمدة عامين (الحد الأقصى لعقوبة السجن).

تناول القاضي شْنويَه الاستعباد بوصفه جريمة ضد الإنسانية وذكر أنه جريمة بالغة الخطورة تبرر الحكم بالسجن غير المشروط لعدة أعوام. وأوضح القاضي أنه عند تحديد العقوبة، أُخذت الظروف المشدِّدة والمخفِّفة بعين الاعتبار. وأوضح القاضي أنّ حسناء أ. لا تزال تعتنق بعض التوجهات المتطرفة رغم أنها نأت بنفسها عن تنظيم الدولة، والتي أُشير إليها في جلسة الاستماع الموضوعية. وأبرز كيف أشارت حسناء أ. خلال جلسات الاستماع الموضوعية إلى أعضاء تنظيم الدولة على أنهم إخوة وأخوات وذكرت أنها تؤيد الشريعة. وأوضح القاضي أنّ هذا الموقف مثير للقلق وعدّه ظرفا مشدِّدا للعقوبة. وفيما يتعلق بتخفيف العقوبة، أوضح القاضي أنّ المحكمة أخذت في الاعتبار أنّ حسناء أ. لم تشارك بنفسها في الكفاح المسلح، وأنّ مساهمتها في الجهاد كانت غير مباشرة (رغم أنها ليست بلا أهمية). وذكر أيضا أنه بعد سقوط الخلافة، أمضت حسناء أ. وقتا طويلا في معسكرَي الاعتقال الهول والروج في ظروف سيئة وعانت فعلا من عواقب سلبية كبيرة نتيجة لأفعالها. وأخيرا، أوضح أنه عند تحديد مدة العقوبة، أخذت المحكمة كذلك في الاعتبار تضاؤل مسؤولية حسناء أ.

أدلى القاضي شْنويَه بتعليق وجيز يتعلق بالمدة المعقولة بالنظر إلى مدة الدعوى الجنائية. وأوضح أن نقطة البداية بالنسبة للقضايا التي يتخللها حبس احتياطي هي أنّ جلسة الاستماع يجب أن تنتهي بحكم نهائي خلال 16 شهرا تعقُب الاعتقال ما لم تكن هناك ظروف خاصة. وأقرّ بأن الحكم اليوم جاء بعد 25 شهرا من اعتقالها في 2 نوفمبر / تشرين الثاني 2022، وهو ما يعني أنّ المدة المعقولة تم تجاوزها بـ 9 أشهر. وأوضح أنّ التأخير في هذه القضية ناجم عن التحقيق الذي استلزم الاستماع إلى الشهود المقيمين في الخارج. ومع ذلك، افترض القاضي أنه نظرا لطبيعة القضية وخطورتها، لم تر المحكمة سببا لتخفيف الحكم وعدّت التصريح بأن المدة المعقولة قد تم تجاوزها هو أمرٌ كاف.

خلص القاضي شْنويَه إلى أنّ المحكمة ارتأت بعد تقييم جميع الجوانب [أي، خطورة الوقائع، والظروف الشخصية للمتهمة، ومبادئ الأحكام، والظروف المشدِّدة والمخفِّفة]، أنه لا يمكن إصدار حكم آخر غير عقوبة السجن غير المشروط لمدة أطول من المدة التي طلبها الادعاء العام. وصرّح القاضي شْنويَه أنّ الحكم بالسجن الكامل غير المشروط لمدة 10 سنوات مناسبٌ وضروري. وستُخصم المدة التي قضتها حسناء أ. في الحبس الاحتياطي منها.

ذكر القاضي شْنويَه أنّ للدفاع والادعاء العام أسبوعان للطعن.

[ثم طلب القاضي شْنويَه قطع المكالمة فورا مع حسناء أ. ورفع الجلسة.]

رُفِعت الجلسة في الساعة 11:05 قبل الظهر.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.