داخل محاكمة علاء م #42: تحليل الطب الشرعي لملفات قيصر
المحكمة الإقليمية العليا - فرانكفورت ألمانيا
موجز مراقبة المحاكمة الثاني والأربعون
تاريخ الجلسات:9 و 11 أيار / مايو 2023
تحذير: قد تتضمن بعض الشهادات توصيفاتٍ للتعذيب
يُرجى ملاحظة أن هذا الموجز ليس نسخة حرفية لمحضر المحاكمة؛ بل مجرّد ملخّص غير رسميٍّ لإجراءات المحاكمة.
في هذا الموجز، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقبينا في المحكمة] و"المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود أو القضاة أو المحامون". كما تمّ حجب أسماء الشهود والمعلومات التي قد تحدّد هويتهم.
يسرد تقرير المحاكمة الثاني والأربعون الخاص بالمركز السوري للعدالة والمساءلة تفاصيل اليومين الحادي والثاني والسبعين من محاكمة علاء م. في فرانكفورت، ألمانيا. استُدعي البروفيسور الدكتور روتشيلد، وهو مدير معهد الطب الشرعي في كولن، بصفته خبيرًا في الطب الشرعي وشاهدًا ليومي المحاكمة هذا الأسبوع. قدّم الخبير في اليوم الأول تقييمه لندبات وإصابات المتهم وشهود عدّة بناء على طلب الادعاء العام. واستنبط الدكتور روتشيلد مدى قابلية أن تكون أحداثٌ معينةٌ هي الأسباب التي أدت إلى تلك الندبات الظاهرة. وخُصّص الجزء الثاني من الجلسة لتباحث احتمالية وقوع أحداث معينة وصفها شهودٌ وتضمّنتها لائحة الاتهام. ثم طُلب من الدكتور روتشيلد أن يُقيّم أربع وقائع بالتفصيل وقدم نتائجه التي توصّل إليها.
عاد البروفيسور الدكتور روتشيلد في اليوم الثاني من هذا الأسبوع لاستكمال شهادته بصفته خبيرًا في الطب الشرعي وعرض ثلاثة تقارير مفصّلة تستند إلى ملفات قيصر مستخدمًا برنامج باور بوينت. وشرح بشكل منهجي فيها طلبَ المدعي العام، والقيودَ التي واجهها المعهد ، والنتائجَ التي استندت إلى 27000 صورة. وعُنيَ التقريرُ الأولُ بإحصاءاتٍ عامةٍ عن الجنس والعمر، وأرقام الأفرع، والصور وفقًا للأفرع، والصور وفقَا للجثث. وفصّل التقريرُ النتائجَ المتعلقة بالحالة العامة، وآثارَ سوء المعاملة والتعذيب، وسببَ الوفاة - إن وُجد. وتناول التقريرُ الثاني طلبَ المدعي العام لتقييم الأدلة على أساليب التعذيب المستخدمة في مؤسسات الدولة السورية. وبناءً على الصور المقدمة، خلص فريق الطب الشرعي إلى أنه في معظم الحالات، كان سوء المعاملة والتعذيب بالشكل الذي وصفه الشهود ممكنًا وحدث بشكل متكرر ومنهجي. وكُرِّس الجزء الأخير من يوم المحاكمة هذا لتقييم ظروف الاعتقال. ومرةً أخرى، عزّزت النتائجُ التي توصل إليها معهدُ الطب الشرعيّ شهاداتِ الشهود. واختتم الدكتور روتشيلد تقييمه العام مُصرِّحًا بما يلي:
- تيقّن موتُ 90٪ من الأشخاص في الصور
- حُدّدت عدة مؤشراتٍ تدلّ على سوء المعاملة
- حُدّدت عدة مؤشراتٍ تدلّ على الإهمال
- يمكن أن تقترن وفاة ما يقرب من 40 شخصًا بظروف القتالات العسكرية
- لم يظهر على العديد من الأشخاص مؤشراتٌ يمكن تقييمُها
- حُدّدت العديد من الاختلافات بين الأفرع، ولكن القواسم المشتركة طغت عليها بشكل كبير وأشارت إلى منهجية.
أبرز النقاط:
اليوم الحادي والسبعون - 9 أيار / مايو 2023
استُدعي في يوم المحاكمة هذا البروفيسور الدكتور روتشيلد، مدير معهد الطب الشرعي في كولن، بصفته شاهدًا وخبيرًا في الطب الشرعي. عُرض في البداية سجله المهني للبرهنة على خبرته وقدراته في مجال الطب الشرعي، لا سيما في مجال التعذيب وأشكال العنف الأخرى. وكان قد استُمع إليه سابقًا في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) بصفته خبيرًا، وعمل في بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو (UNMIK). وكان قد أدلى بشهادته في المحاكمة الجنائية ضد أنور ر. وإياد ا. في كوبلنتس - ألمانيا بصفته خبيرًا في الطب الشرعي.
قبل شهادته في المحكمة، أرسلت المحكمة طلبًا إلى معهد البروفيسور الدكتور روتشيلد وطلبت تقييمات مفصلة عن طريق الطب الشرعي لندوب وإصابات. استند التقييم إما إلى الصور التي زوّدت المحكمة الخبير بها، أو تلك التي التقطت عقب الفحص الطبي الذي أُجري في مقر المعهد. وطلبت المحكمة أن يتم تقييم مدى احتمالية أن يكون ما زُعم من المعاملة هو السببَ الذي أفضى إلى ما وُصف في المحكمة من الأعراض وردود الأفعال الجسدية والتبعات الصحية. وأوضح البروفيسور روتشيلد أن تقييماته تتبع المعايير المُجملة في بروتوكول إسطنبول، وهو دليلٌ عن التحقيق والتوثيق الفاعلَين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملات أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. [ملاحظة: يقر بروتوكول إسطنبول بأن "وجودَ أدلة مادية على التعذيب يقدمُ أدلةً تأكيدية مهمّة على أن شخصًا ما قد تعرض للتعذيب. غير أنه لا ينبغي تأويلُ غياب مثل هذه الأدلة المادية للإيحاء بأن التعذيب لم يحدث، لأن أعمال العنف هذه ضد الأشخاص لا تترك في كثير من الأحيان أي آثار أو ندوب دائمة"(الفقرة 161).] وفقًا للبروتوكول، هناك خمس فئات يوازن الطبيب تبعًا لها بين تقييمه للندوب أو العلامات الجسدية وبين ما يناظرها من أقوال المرضى. وتُمكّن هذه الفئات استنتاج مدى الاتساق فيما بينها، وتتراوح من (أ) إلى (هـ) [انظر بروتوكول إسطنبول ، الفقرة. 187]:
(أ) غير متسق: لا يمكن أن يكون الضررُ ناجمًا عن الإصابة الموصوفة
(ب) متسق: يمكن أن يكون الضررُ ناجمًا عن الإصابة الموصوفة، ولكنه ليس نوعيًّا، وهناك العديد من المسبّبات الأخرى المحتملة
(ج) شديد الاتساق: يمكن أن يكون الضررُ ناجمًا عن الإصابة الموصوفة، وهناك القليل من المسبّبات الأخرى المحتملة
(د) نمطيّ: عادة ما يصاحب هذا المظهرُ هذا النوعَ من الإصابات، ولكن هناك أسباب أخرى محتملة
(ه) تشخيصيّ: لا يمكن أن يحدث هذا المظهرُ بأي شكل من الأشكال بخلاف ما وُصف.
بعد أن شرح الأستاذ الدكتور روتشيلد المنهجية، قدّم النتائج التي توصّل إليها المعهد. خَصّ التقييمُ الأولُ تصريح علاء أنه أصيب برصاصة في أسفل ساقه. رأى البروفيسور الدكتور روتشيلد أن الندبة التي فحصها في الصور هي مغبّة ممكنة للحدث الموصوف. أصرّ علاء على إبراز الندبة مرة أخرى في المحكمة، وأكد الدكتور روتشيلد أن الوصف يتوافق مع الندبة.
خَصّت التقييماتُ الثلاثةُ التاليةُ الشهودَ الناجين. عُرضت صورٌ وشرح الدكتور روتشيلد مستخدمًا المصطلحات الطبية ما يمكن أن يكون قد سبّب الندوب. وخلص إلى أنها تتوافق مع ما وصفه الشهود في المحكمة. وكان قد فحص الدكتورُ روتشيلد أحدَ الشهود في معهده. وفحصت زميلةٌ سابقةٌ له شاهدًا آخر، وستُستدعى للشهادة في جلسة المحاكمة المقبلة. وخرج البروفيسور الدكتور روتشيلد في معظم الحالات بأن الندبات يمكن تصنيفها على أنها (ج) شديدة الاتساق: يمكن أن يكون الضررُ ناجمًا عن الإصابة الموصوفة، وهناك القليل من المسبّبات الأخرى المحتملة، أو (د) نمطيّة: عادة ما يصاحب هذا المظهرُ هذا النوعَ من الإصابات، ولكن هناك أسباب أخرى محتملة.
كُرّس الجزء الثاني من الجلسة لتباحث احتمالية وقوع أحداث معينة وصفها شهودٌ وتضمّنتها لائحة الاتهام. وطُلب من البروفيسور الدكتور روتشيلد أن يُقيّم أربع وقائع بالتفصيل. تعلّقت أولاها بحدث حُقن فيه مريضٌ ويُظنُّ أنه مات في إثر ذلك. أوضح الدكتور روتشيلد الظروفَ التي يمكن أن تسبب فيها حقنة في العضل موت أحدهم، ضمن إطارٍ زمنيٍّ يماثل ما وصفه الشهود. قد تحدث الوفاة بعد 15 إلى 30 دقيقة بسبب التسمم بالسيانيد أو الليدوكين أو كلوريد البوتاسيوم، ويتوفر هذا الأخير في معظم المشافي ولكن يجب حقنه حصرًا بجرعة عالية (20 مل) [حوالي 0.68 أونصة]. تساءلت المحكمة كيف تبدو حقنةٌ بهذا الحجم، وطلبت من الدكتور روتشيلد أن يُحضر حقنة منها لمعاينتها في الجلسة التالية.
كان الحدث الثاني الذي تقصّاه البروفيسور الدكتور روتشيلد يتعلق بوصف وفاة شقيق P4 وابن عم P12. إذ قدّم كلا الشاهدين تفاصيل عن الظروف التي يُزعم أن قريبهما توفي فيها عقب نوبة صرع وبعد أن أعطاه علاءٌ حبة دواء. وشرح الدكتور روتشيلد بشكل شامل الظروف التي يمكن أن تُسبب فيها نوبةُ الصرع الوفاة. وأوضح أن النوبة العامة قد تحدث بسبب التعرض للضوء الشديد، وكذلك بسبب الحرمان من النوم والتعرّض للإجهاد والعنف بشكلٍ مطوّل. وردًّا على استفسارات مستفيضة من القضاة والادعاء العام والدفاع، أوضح البروفيسور الدكتور روتشيلد أن لا علم لديه عن أي مادة كيميائية أو دواء يمكن أن يؤدي بنفسه إلى حدوث نوبة مميتة. ووفقًا للائحة الاتهام وشهادات الشهود، أُعطي المريض حبة دواء كبيرة، ولكن ما زالت ماهية ذلك الدواء مبهمة للدكتور روتشيلد، وبالتالي، لم يتمكن من تقييم أثره المحتمل.
كان لمهنية البروفيسور الدكتور روتشيلد وكفاءته سطوةٌ فريدةٌ في قاعة المحكمة. وترك الاستنتاجُ الذي خرج به بخصوص هذه الحالة انطباعًا معيّنًا في القاعة. وبدا أن الأطراف متفقون ضمنًا على أنه لا وجود لمادة كتلك، إذا لم يكن البروفيسور الدكتور روتشيلد نفسه، بما لديه من ثروة واسعة من المعرفة، على علمٍ بها. وفي بداية الجلسة القادمة، سيتناول الدكتور روتشيلد المسألة مرة أخرى وسيضيف تفاصيل إلى تقييمه.
أما الواقعة الثالثة فكانت حرق الأعضاء التناسلية لأحد المرضى. واستنادًا إلى ما وصفه الشهودُ وإلى مخططٍ توضيحيٍّ سبق أن رسمه P15، شرح الدكتور روتشيلد التبعات العامة للحروق والتي تماشت مع إفادات الشهود. وخلص الدكتور روتشيلد إلى أن الأوصاف كانت ممكنة بشكل عام، إلّا أنه لم يستطع إجراء تقييم قوي لأن المعلومات كانت محدودة. وبعد بضعة أسئلة فقط من فريق الدفاع، تناول البروفيسور الدكتور روتشيلد الواقعة الأخيرة التي طُلب منه تقييمها والتي كانت تتعلق بما زُعم عن إجراء علاء لعملية جراحية دون تخدير. طُلب من الدكتور روتشيلد تقصّي ما إذا كان يمكن البدء بعلاج الكسر الذي عانى منه المريض دون تخديره قبل البدء بالعمل الجراحي بالطريقة الموصوفة. أوضح الدكتور روتشيلد الطريقة المثلى لإجراء الجراحة وفقًا للقواعد المتبعة، وبيّن الظروف التي قد يُتصوّر أن تحيد فيها عن سير العملية. وخلص بشكل عام إلى أن إجراءها دون تخدير ليس ممكنًا إلّا في ظل ألم شديد وصراخ جهير، مع خطر أن يؤدي ذلك إلى أن يفقد المريض وعيه. رسم الدكتور روتشيلد صورة حية عن الألم والمعاناة التي على المريض أن يقاسيهما، وسرد كيف على المريض أن يُثبّت أو يُقيّد، في حال أراد أحدهم إجراء عملية جراحية كما ورد وصفها . طرح القضاة سؤالين توضيحيين قبل أن تُرفع الجلسة.
سيعود البروفيسور الدكتور روتشيلد في اليوم التالي لتقييم ملفات قيصر.
اليوم الثاني والسبعون - 11 أيار / مايو 2023
عاد البروفيسور الدكتور روتشيلد في يوم المحاكمة هذا بصفته خبيرًا في الطب الشرعي، وقدم ثلاثة تقارير ترتكز على ملفات قيصر. تحوي "ملفات قيصر" في طيّها آلاف الصور لجثثٍ ظهرت عليها علامات التجويع والسَّغْب، والضرب الوحشي، والخنق، وغيرها من أشكال التعذيب والقتل. ارتأى فريق تحقيق في عام 2014 أن المنشق الذي هرّب الصور إلى خارج سوريا، والملقب بـ "قيصر"، كان شاهدا صادقًا وموثوقًا. قدّم البروفيسور الدكتور روتشيلد خلال محاكمة كوبلنتسفي عام 2020 تقييمًا لتلك المستندات، واعار لفرع 251 اهتمامًا خاصًّا. وفي هذا اليوم، عرض البروفيسور الدكتور روتشيلد نفس النتائج التي توصّل لها والتي تتعلّق بممارسات التعذيب عمومًا، وأضاف تفاصيل محددة أُثيرت في طلب المدعي العام.
تألّف الحضور في بداية الجلسة من 20 شخصًا، غادر نصفهم قبل استراحة الغداء، وما لبث أن تبعهم كُثُرٌ أثناء الجزء الثاني من الجلسة. وبّخ رئيس المحكمة كولر بعض الحضور من الشباب خلال الجلسة لأن الموضوع كان يتطلب التوقير والحِشمة. غادر بعض الحضور لأن الصور كانت مُغمّة محزنة، وبقي من الحضور حتى النهاية أربعة، اثنان منهم كانا من ممثلي الصحافة.
قبل أن يبدأ البروفيسور الدكتور روتشيلد عرض ملفات قيصر، أُثيرت بعض الأسئلة التوضيحية التي تتعلق بالجلسة الأخيرة وتمت معاينة حقنة بسعة 20 مل [حوالي 0.68 أونصة]. وطرأ تأخير بسبب مسائل تقنية. وأثناء الانتظار، طلب البروفيسور الدكتور روتشيلد أن يسبغ تفاصيل على إحدى الوقائع التي تقصّاها في اليوم السابق. وذكر أنه عند استجوابه، أفاد بأنه لم يكن على علم بأي دواء يسبب نوبة صرع. وأوضح أنه تفكّر في هذا السؤال وقال إنه لا يعلم شيئًا يحفزها، ولكن مواد مثل المنشطات الأمفيتامينية (مثل الكوكائين والإكستاسي) إضافة إلى مضادات الهيستامين وعقار الـ GHB يمكن أن تقلل من عتبة تنشيط نوبة الصرع. ونظرًا إلى أنه لم يكن لدى أي من الأطراف أسئلةٌ إضافية، بدأ البروفيسور الدكتور روتشيلد عروض باور بوينت التي فصّلت النتائج مرئيًّا وكتابيًّا بناء على طلب الادعاء العام.
1. التقرير الأول: تحليل الطب الشرعي لملفات قيصر: إحصائياتٌ وأسباب الوفاة
استهلّ البروفيسور الدكتور روتشيلد حديثه موضّحًا أنه تم إرسال 27000 صورة إلى المعهد. وطلب المدعي العام من فريق الطب الشرعي ان يقيّم كل حالة وفق معايير معيّنة مثل علامات الوفاة، وأسباب الوفاة، ووضعية الجثث، والجروح والندوب، والملابس. وبناءً على هذه المعايير، طُلب من فريق الطب الشرعي أن يخرج باستنتاجات لكل جثة عن الحالة العامة ، وعلامات سوء المعاملة والتعذيب، وسبب الوفاة - إن أمكن. وسأل المدعي العامُّ المعهدَ عما إذا كان من الممكن تحديد الفرع المعنيّ، وإذا كان الرد بالإيجاب، فكان المدعي العام مهتمًا بما إذا كان هناك نمطٌ معينٌ يميّز كل فرع.
بعدما شرح الدكتور روتشيلد القيود التي واجهها الفريق، كجودة الصور أو تعذّر رؤية أجزاء معينة من الجسم، قدّم البروفيسور إحصائيات عامة عن الجنس والعمر وأرقام الأفرع والصور وفقًا للأفرع والصور وفقَا للجثث. وحُدّدت هوية 6821 شخصًا، من بينهم كان أنثى واحدة، وتراوحت أعمار 65 ٪ منهم ما بين الـ 20 والـ 45. وتوفرت في معظم الحالات أربع صور لكل جثة. وتابع الدكتور روتشيلد حديثه موضحًا أنه أمكن تحديد علامات وفاة واضحة في 90٪ من الأشخاص، ويُظن أن الـ 10٪ المتبقين قد توفوا ، إلّا أنه لا يمكن تأكيد ذلك بنسبة 100٪ استنادًا إلى الصور والمعايير. ثم صُنفت الجثث حسب الحالة التي كانت عليها من الرعاية والنظافة والتغذية. وعانى ثلثا الحالات من انخفاضٍ في وضع الرعاية التغذية أو من انخفاضٍ كبيرٍ فيهما. ثم مضى الدكتور روتشيلد في الحديث عن الإصابات والندوب والعلامات الأخرى. أظهرت 50٪ من الحالات علامات لإصابات مرئية. وخلص الخبير إلى أن 90٪ من هذه الإصابات كانت ناجمة عن استخدام العنف بأداة مصمتة ونادرًا ما كان بأدوات حادة. وبعد استراحة قصيرة، شرح البروفيسور المزيد من التفاصيل حول الإصابات. وأوضح أن انتشار العلامات الشائعة لاستخدام الأدوات المصمتة غلب على الوجه والجزء العلوي من الجسم والذراعين عند استخدامهما في الدفاع. وتفاجأ من أن الإصابات طغت بشكل أساسي على أرجل وأقدام الجثث، وهو ما عدّه أمرًا غير مألوف إلى حَدّ كبير.
عرض البروفيسور الدكتور روتشيلد بعدها النتائج التي تبيّن الأسباب المحتملة لوفاة 90٪ من الجثث التي يمكن تصنيفها على أن أصحابها متوفون على وجه اليقين. وكانت أسباب الوفاة التي تم تحديدها هي الجوع (8٪)، والخنق بالضغط على الحلق (2.5٪)، والنزيف حتى الموت (2٪)، الانصمام الدهني في الرئة (0.7٪)، وحالات قليلة من إصابات الدماغ الرضية والإصابات المتعددة. وأوضح الدكتور روتشيلد أن الأسباب الأخرى التي لا تترك علامات مرئية يمكن أن تكون قابلة للتطبيق، ومن بينها الصعق بالكهرباء، والتسمم [نتيجة للثمالة]، والنزيف الداخلي، والاختناق، والغرق، والاختناق الموضعي عن طريق أوضاعٍ قسرية. وأضاف البروفيسور أن أسباب الوفاة الطبيعية قد تنطبق، ولكنه استبعدها في معظم الحالات نظرًا لسن الأشخاص. واختتم البروفيسور الدكتور روتشيلد عرضه التقديمي بالسؤال الذي أُثير خلال إفادات الشهود. فبعض الجثث كانت "بلا أعين". ارتأى الدكتور روتشيلد أن الأعين قد أُزيلت بعد الوفاة بسبب قلة الدم. وبناء على المعلومات التي استشفّها من العديد من الصور، توصل إلى أن القمّامين كالغربان والغربان السُّحم، ونوع من الدبابير هو التفسير الأرجح، إذ لا بد أنهم اقتلعوا العينين بعد الوفاة.
لم يُثِر القضاةُ والدفاعُ سوى بضعة أسئلة حول هذا التقرير. طرحت القاضي أدلهوخ سؤالًا مهمًّا وأرادت أن تعرف ما إذا تمكن الدكتور روتشيلد من أن يحدد منهجية في طريقة التقاط الصور، وهو ما أكده الدكتور روتشيلد. وسأل القاضي رودِه عما إذا كانت هناك دلائل تشير إلى تلاعبٍ بالصور مثلما زعم الأسد، فنفى الدكتور روتشيلد ذلك وأوضح أنه لم يجد أدلة على إجراء تغييرات، مضيفًا أنه ليس فنيًّا.
2. التقرير الثاني: تحليل الطب الشرعي لملفات قيصر: أساليب التعذيب
واصل خبير الطب الشرعي تقريره الثاني. طلب المدعي العام من المعهد تقييم أدلة على أساليب التعذيب المستخدمة في مؤسسات الدولة السورية. وتم تحرّي الأساليب المزعومة بالارتكاز على شهادات عدة شهود للخروج باستنتاجات حول مدى قابلية استخدام الممارسات المزعومة استنادًا إلى الصور المقدمة. وعرض خبير الطب الشرعي أساليب التعذيب التالية ومدى قابليتها وتواترها:
- الضرب أثناء "حفلات الترحيب": قابلية استخدام الضرب العام ممكنة؛ لا يمكن للخبير الحكم على ما إذا كان قد حدث خلال بعض الحفلات
- العنف الجنسي: لا يمكن استبعاده، لكن الصور التي أمكن تقييمها لم تُظهر علامات للعنف الجنسي (الموجّه)
- الضرب بدون أدوات: قابلية استخدامه ممكنة وتواتر استخدامه بكثرة في جميع الأقسام
- الضرب بأدوات مثل الكبلات والأحزمة والعصي والأنابيب: قابلية استخدامه ممكنة وتواتر استخدامه بكثرة في جميع الأقسام
- الضرب على أخمص القدمين (الفلقة): قابلية استخدامه ممكنة وتواتر استخدامه
- التعذيب بالدولاب (طريقة توصف بأنها إجبار شخص على الانحناء في إطار وضربه): قابلية استخدامه ممكنة في عدة حالات
- التعذيب بالصدمات الكهربائية: يصعب الحكم عليه بسبب قلة العلامات، تُظهر بعض الصور علامات يمكن أن تُعزى إلى التأثير الحراري
- الوقوف القسري: قابلية استخدامه ممكنة وتواتر استخدامه، بسبب التهاب الجلد والدوالي، على جانب واحد
- التعذيب بـ "الشبح" (طريقة توصف بأنها تعليق الأشخاص من الذراعين أو الساقين والضرب): قابلية استخدامه ممكنة وتواتر استخدامه، ولكن لا يمكن تحديده إذا حدثت الإصابات بشكل متزامن أو متتابع
- "الكرسي الألماني" (طريقة توصف بأنها كسر ظهر المرء على كرسي): لا يمكن التحقق منها بناءً على الصور المتاحة
- "بساط الريح" (طريقة توصف بأنها تثبيت جذع شخص ما على الأرض بأداة معينة وضربه): قابلية استخدامه ممكنة في بعض الحالات
- إكراه شخص ما على تناول مواد كيميائية: غير موجود
- الحرق: قابلية استخدامه ممكنة في عدة حالات
- اقتلاع الأظافر: حالة واحدة مؤكدة
- التعذيب المقترن بالعلاج الطبي: قابلية استخدامه ممكنة في عدة حالات، لكن لا يمكن التحقق مما إذا كان العلاج الطبي قد سبق سوء المعاملة أو العكس، وكان هناك نقص في الرعاية اللاحقة الضرورية في بعض الحالات
- التعذيب النفسي وإكراه شخص ما على أكل وشرب مواد غير صالحة للأكل: لا يمكن تقييمها
- عمليات الإعدام وترك شخص ما ليموت: قابلية استخدامه ممكنة في بعض الحالات وبأساليب معينة (على سبيل المثال، قطع الحلق، والجروح الناجمة عن الأعيرة النارية)
بعد أن قدّم الدكتور روتشيلد الأساليب المحددة، بيّن أمرًا مهمًّا. إذ أوضح أن العديد من الجثث كانت في حالة يكون المرء متأكدًا فيها من أن الشخص سيموت. وأضاف أنه لا يستطيع أن يَسِمها بأنها حالات إعدام، ولكنه ادعى أنه لا بد أن ذلك قد تم بوعي واضح بأن ذلك الشخص لن ينجو. أخبره رئيس المحكمة كولر أن المصطلح القانوني لهذا هو نية من الدرجة الثانية (dolus directus) [تعرّف المحكمة الجنائية الدولية "dolus directus من الدرجة الثانية على أنها لا تتطلّب نية مباشرة لتحقيق العناصر الموضوعية للجريمة، ولكنها تتطلّب الوعي ’بأنها (النتيجة) سوف تحدث في السياق العادي للأحداث‘."]. أكد الدكتور روتشيلد أنه يؤمن بأن التسبب في الألم والمعاناة كان مقصودًا ولكن مع بذل جهد كبير لا بد منه. وأضاف أنه لا بد أن ذلك قد تم بوعي واضح بأن ذلك الشخص سيموت.
ثم تناول البروفيسور الدكتور روتشيلد السؤال الأخير الذي أثاره الادعاء العام عن أنواع الإصابات، والذي تمحور حول احتمالية أن يكون أشخاصٌ قد لقوا حتفهم أثناء القتال وعددهم. واستنادًا إلى الصور، خلص البروفيسور الدكتور روتشيلد إلى أن ما يقرب من 40 شخصًا قد قُتلوا أو ظهرت عليهم علامات يمكن أن تعزى إلى حالات القتال العسكري.
كانت المحكمة تستمع بسكونٍ إلى عرض البروفيسور الدكتور روتشيلد، وكان جليًّا عليها الهول والاهتمام، ولذلك لم تعقّب إلا ببضعة أسئلة. وعندما طرح المحامي إندرس سؤالًا عاما عن الشنق، قاطعه رئيس المحكمة كولر وكأنه غاضب، وأوضح أن جلسة الاستماع كانت حادة بما فيه الكفاية. وطلب من المحامي إندرس أن يمتنع عن طلب أي تفاصيل أخرى لا علاقة لها بلائحة الاتهام. ثم أعلن عن فترة استراحة قبل أن يقدّم البروفيسور الدكتور روتشيلد تقريره الأخير.
3. التقرير الثالث: تحليل الطب الشرعي لملفات قيصر: ظروف الاعتقال
خُصّص الجزء الأخير من يوم المحاكمة هذا لتقييم ظروف الاعتقال. وطلب الادعاء العام من معهد الطب الشرعي أن يقيّم مدى معقولية التفاصيل التي قدمها الشهود بالاستناد إلى الصور. فقدم البروفيسور الدكتور روتشيلد البيانات التالية وأردفها بدرجة المعقولية:
- كانت الزنازين صغيرة ومكتظة وأُجبر المرء على الوقوف على ساق واحدة: قابليتها ممكنة وهناك مؤشرات متاحة، مع إيلاء اهتمام خاص لما يسمى بأرجل الفيل التي تحدث عند الوقوف على ساق واحدة لفترة طويلة
- كانت الزنازين صغيرة ومكتظة للغاية لدرجة أن المعتقلين اختنقوا: قابليتها ممكنة وحُدّدت عدة حالات
- كانت النظافة العامة غير كافية: قابليتها ممكنة، وهناك عدة مؤشرات مثل ملابس المعتقلين
- لم يكن الوصول إلى المراحيض كافيًا: لا يمكن تقييم ذلك
- الالتهابات الطفيلية والعلاج الصحي: قابليتها ممكنة، وهناك عدة حالات متوفرة ظهرت عليها آثار العدوى الطفيلية وعدم كفاية العلاج الذاتي للمرضى
- لم تكن هناك إمكانية كافية لنظافة الجسم: قابليتها ممكنة وتواترت بشكل كبير
- مستوى التغذية استنادا إلى شهادات متنوعة عن مدى تواتر تقديم الطعام: قابليتها ممكنة على جميع الأصعدة، بدا أن بعض الأفراد يتمتعون بصحة جيدة، بينما توفي آخرون بسبب الجوع في جميع الأقسام
فيما يتعلق بنقص التغذية، أشار البروفسير الدكتور روتشيلد إلى أن جلد بعض الجثث كان سميكًا عند الحاجبين وبين الأصابع ومنطقة الأربية. وأوضح أنها تنتج عن نقص مزمن وطويل الأمد في الفيتامينات. يعُرف هذا العَرَض من الملاحة البحرية حينما لا تكون الفواكه والخضروات متوفرة ومن معسكرات الاعتقال. وأضاف الأستاذ الدكتور روتشيلد في تعليق له أنه لم ير هذه الأعراض طوال حياته المهنية - سوى في المراجع العلمية. أصبح جليًّا أنه كان تلميحًا إلى أن آخر مرة خرجت فيها أدلة على مثل هذه المعاملة إلى الملأ كانت خلال اضطهاد النظام النازي في ألمانيا لليهود . وبعد لحظة صمت قصيرة، ألقى البروفيسور الدكتور روتشيلد كلمة الشاهد الأخير:
- نقص إمدادات المياه: قابليته ممكنة بسبب علامات الجفاف
- نقص الرعاية الطبية: قابليتها ممكنة في عدة حالات، ولا سيما في ما يسمى بفرع الخطيب، علامات على وجود رعاية سابقة ولكنها نُبذت لاحقًا وعلامات على نقص في المواد الكافية
بعد عرض هذه النتائج، لخّص البروفيسور الدكتور روتشيلد النتائج الرئيسية. وذيّل حديثه بالقول:
- تيقّن موتُ 90٪ من الأشخاص في الصور
- حُدّدت عدة مؤشراتٍ تدلّ على سوء المعاملة
- حُدّدت عدة مؤشراتٍ تدلّ على الإهمال
- يمكن أن تقترن وفاة ما يقرب من 40 شخصًا بظروف القتالات العسكرية
- لم يظهر على العديد من الأشخاص مؤشراتٌ يمكن تقييمُها
- حُدّدت العديد من الاختلافات بين الأفرع، ولكن القواسم المشتركة طغت عليها بشكل كبير وأشارت إلى منهجية.
عقّبت القاضي أدلهوخ بسؤال يتيم يتعلق بحجم الزنازين، إذ كانت مهتمة بما يعنيه الإجبار على الوقوف بالنسبة لحجم الغرفة وعدد الأفراد لكل متر مربع. أوضح البروفيسور الدكتور روتشيلد أن بعض التقارير تشير إلى أن وجود 9 إلى 10 أشخاص في متر مربع سيُجبر المعتقلين على الوقوف. ونظرًا لأنه لم يُثر أحدهم أي أسئلة أخرى، شكر رئيسُ المحكمة القاضي كولر البروفيسورَ الدكتورَ روتشيلد على تقييمه البديع. وأضاف أنه مهنيتة الدكتور روتشيلد جعلت الاستماع إلى هذا أمرًا مطاقًا. ثم شكره قبل صرفه ورفع الجلسة.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.