
داخل محاكمة علاء م #95: الْقَتْلُ الصّامِتُ في تِشْرين
محاكمة علاء م.
المحكمة الإقليمية العليا - فرانكفورت ألمانيا
موجز مراقبة المحاكمة الخامس والتسعون
تاريخ الجلسات: 28 و 30 كانون الثاني / يناير 2025
تحذير: قد تتضمن بعض الشهادات توصيفاتٍ للتعذيب
يُرجى ملاحظة أن هذا الموجز ليس نسخة حرفية لمحضر المحاكمة؛ بل مجرّد ملخّص غير رسميٍّ لإجراءات المحاكمة.
في هذا الموجز، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقبينا في المحكمة] و"المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود أو القضاة أو المحامون". كما تمّ حجب أسماء الشهود والمعلومات التي قد تحدّد هويتهم.
[ملحوظة: يواظب المركز السوري للعدالة والمساءلة على تقديم موجز للإجراءات مع حجب بعض التفاصيل حمايةً لخصوصية الشهود وصَونًا لنزاهة المحاكمة.]
يسرد تقرير المحاكمة الخامس والتسعون الخاص بالمركز السوري للعدالة والمساءلة تفاصيل اليومين الحادي والثاني والسبعين بعد المئة من محاكمة علاء م. في فرانكفورت، ألمانيا. في يوم المحاكمة الأول هذا الأسبوع، فصّل الشاهدُ P57 زمنيا الفترةَ التي قضاها في مشفى تشرين العسكري، مؤكدا أنه التقى المتهم علاء أولَ مرة في يومه الثاني هناك. ووصف كيف حُقن المعتقلون بمواد غير معروفة مكبلين بالأغلال لا حول لهم ولا قوة، وكيف دَبّ الخوف فيهم إذ غشِيَهم الموت بُعَيْدَ ذلك. واستحضر رؤيتَه حقنا ملأى بسوائل مختلفة الألوان، وشكّ في احتوائها دواء للقلب. وفي لحظة معينة، احتدّ صوت P57 وهو يشير إلى المتهم يصيح: «هذا هو الرجل الذي رأيته!» وتذكّر قهقهة المتهم مع الحراس بعد إعطاء الحقن. تصاعد التوتر في الجلسة مع تشكيك الدفاع في شهادته، فأدى ذلك إلى احتدام الأخذ والرد مع رئيس المحكمة القاضي كولر. وعاينت المحكمة مخططاتٍ توضيحيةً رسمها الشاهد وتبيّن مخطّط المشفى. دَعَت وطأةُ المشاعر النفسية في الإجراءات إلى عدّة استراحات.
في اليوم التالي، واصل P57 شهادتَه التي كشف فيها مزيدا من التفاصيل المروعة. سُجن P57 لأنه لم يُذعن لأوامر بإطلاق النار على المدنيين، بصفته ضابطا سابقا في الجيش السوري. ووصف الظروف الوحشية في مشفى تشرين العسكري، حيث كان يُعرّى المعتقلون ويُضربون ويُجبرون على العمل سخرةً، حتى عندما كانوا لا يقوون على الوقوف لشدة ضعفهم. ووفقا للشاهد، شارك الطاقم الطبي، وفيهم المتهم، فعلا في إساءة المعاملة، إذ كانوا يعطُون [المرضى] حقنا قاتلةً بدت دواءً في بادئ الأمر، ولكنها استُخدمت في الواقع لإعدامهم. وأثناء شهادته، التفت P57 إلى المتهم وشكره متهكما لمجرد ضربه بدلا من قتله. غلبت P57 عاطفتُه في شهادته، إذ ذرفت عيناه، وحتى أنّ المترجم الشفوي اضطر إلى التوقف، إذ أخذت منه الروايات المؤلمة كلّ مأخذ.
اليوم الحادي والسبعون بعد المئة - 28 كانون الثاني / يناير 2025
بدأت الجلسة الأولى من الأسبوع بمسائل إدارية، إذ ناقش رئيسُ المحكمة القاضي كولر محامي الدفاع بخصوص بيانات منتظَرة. وقرأ كولر طلبا مقدما من الممثلة القانونية لـ [حُجب الاسم]، P57، تطلب فيه تصريحا للاطلاع على سجلات استجواب الشرطة لأن الشاهد كان محبطا ومستاء من إغفاله ذِكرَ تفاصيل محددة تتعلق بحالة أسنانه خلال الإفادة السابقة. شدّد القاضي كولر على الحاجة إلى الكفاءة الإجرائية وحثّ محامي الدفاع على تقديم أي طلباتٍ دلائليّةٍ معلقة.
بعد هذه المناقشات الأولية، استأنفت المحكمة استجواب P57. سلّم القاضي كولر بالضغط النفسي المصاحب للشهادة، ولكنه أكد على ضرورة المرور على في بعض التفاصيل مرة أخرى لتوضيحها.
تبأّر تركيزٌ مهم على تحديد تسلسلٍ واضحٍ للأحداث في الأيام الثلاثة المهمة التي أفاد P57 أنه قضاها في مشفى تشرين العسكري. وسعى القضاة إلى تأكيد التسلسل الزمني:
اليوم الأول: النقل من سجن صيدنايا إلى مشفى تشرين العسكري. اليوم الثاني: إزالة الجثث ووجود طبيب يعطي الحقن. اليوم الثالث: نقل الشاهد إلى وحدة الطوارئ «لفحصه».
وضّح الشاهدُ أقوالَه السابقة مشدّدا على أنه «لم يحدث شيء في اليوم الأول». وأنّ المعتقلين كُبّلوا في اليوم الثاني بأغلال في أقدامهم وأُحضروا إلى وحدة الطوارئ في الصباح الباكر ثم أُعيدوا إلى القسم الأمني. وحينها التقى الشاهدُ المتهمَ علاءً أول مرة والذي أخذ يحقن [المرضى]. وتكرّرت هذه العملية في اليوم التالي. غير أنّ P57 لم يتذكّر ما إذا كان قد أُعيد إلى صيدنايا في اليوم الثالث أو الرابع، وقال: «لم يحدث في اليوم الأول شيء له صلة بهذه القضية».
***
[استراحة لخمس وعشرين دقيقة]
***
ثم تحول النقاش إلى شخص ذكره الشاهدُ سابقا وأخبر الشاهدَ أنّ السجناء الذين كانوا في حالة سيئة ونُقلوا من صيدنايا لن ينجوا. سأل القاضي كولر: «هل فسّر هذا الشخص سبب اعتقاده ذلك؟»
فأجاب P57: «كما أخبرت مكتبَ الشرطة الجنائية الاتحادية الألماني (BKA) من قبل، ذكر ذلك الشخص عدة أمور، منها قولُه هذا. إذ زار تشرين مرتين أو ثلاثا».
عندما سُئل P57 عمّا إذا كان هذا الشخص قد قال شيئا ما بخصوص علاء م، وصف جو الخوف والرهبة في قسم المشفى الأمني. وقال: «حاولت أن أصوّر مستوى الخوف والذعر داخل الزنزانة. ولا أعتقد أنّ بإمكانكم أن تتخيلوا مدى الرعب الذي كنا فيه».
ثم ألْحَف القاضي كولر يريد أوصاف الطبيب الذي كان يعطي الحقن، وسأل: حينما رأيته لم تكن تعرف اسمه. هل كانت هناك أي ملامح مميزة تعرفت عليه بها؟»
أجاب P57: «عندما كنت في ذلك الموقف، كان آخر ما يشغلني هو حفظ ملامحه. ركزت على ما أخبرني به السجين الآخر، وهو أنّ الناس هنا لا ينجون ولا يظلون على قيد الحياة».
عاينت المحكمة محاضر استجواب الشرطة، والتي أشارت إلى أنّ الشاهد تعرّف على المتهم عن طريق سماته الجسدية قبل أن يعرف اسمه. أقرّ P57 أنّ الضباط سألوه عن علامات مميِّزة، ولكنه لم يستطع تذكّر إجاباته، وأضاف: «لا أتذكر ما أجبت به».
***
[استراحة لاثنتين وثلاثين دقيقة]
***
تواصلت الجلسة بمزيد من الأسئلة حول أوصاف المتهم الجسدية، وطبيعة الحقن، وسلوك الطاقم الطبي. وصف P57 تدهور زملائه المعتقلين بدنيا، مشيرا إلى أنّ الكثير منهم فقدوا وزنا كثيرا وبدت عليهم بوضوح علامات على إساءة المعاملة. واستحضر أنّ أظافر أقدام بعض السجناء كانت طويلة ومشوّهة، وبعضهم لم يكن لديهم أظافر بتاتا، وكان على بعضهم آثار حروق من السجائر.
ثم تحوّلت دفّةُ النقاش إلى الحقن المستخدمة. أفاد P57 أنه رأى حقنا مُلئت مسبقا بسوائلَ مختلفٌ ألوانها. ولاحظ أنّ المعتقلين لم يبدُ عليهم أيّ ردّ فعل عند حقنهم وماتوا خلال دقائق. وخمّن أنّ الحقن حَوَت دواءً للقلب، ولكنه لم يكن متأكدا. تساءل القاضي رودِه عمّا إن كان الطبيب قد عاين الحقن أو رجّها قبل استخدامها، فأجاب الشاهد أنّ محض ما فعله [الطبيب] هو إزالة الغطاء وباشرَ الحَقن.
وبينما كان P57 يسرد ما مرّ به، إذ جهر بصوته وأشار إلى المتهم، وصاح بالعربية: «هذا هو الرجل الذي رأيته!». واستحضر أنّ المتهم ما لبث أن أخذ يضحك مع الحراس بُعَيْدَ إعطاء الحقن.
***
[استراحة لثمانٍ وستين دقيقة]
***
ثم عاينت المحكمة مخططات توضيحية رسمها الشاهد وبيّنت مخطّط المشفى وأماكن الاعتقال. واحتدّ النقاش أكثر فأكثر مع تشكيك الدفاع في جوانب من الشهادة، فاحتدم أخذٌ وردٌّ بين رئيس المحكمة القاضي كولر ومحامي الدفاع إندريس.
رُفِعت الجلسة في الساعة 3:45 عصرا.
سيُعقد يوم المحاكمة التالي في 30 كانون الثاني / يناير 2025، في العاشرة صباحا.
اليوم الثاني والسبعون بعد المئة - 30 كانون الثاني / يناير 2025
تواصلت الجلسة الثانية هذا الأسبوع بشهادة P57، وهو ضابط عسكري سوري سابق سُجن بعد أن رفض الانصياع لأوامر بإطلاق النار على المدنيين. وقدّمت شهادته فهما أعمق للظروف داخل سجن صيدنايا ومشفى تشرين العسكري، حيث قاسى إساءةَ المعاملة المجحفة.
حال وصول P57 إلى تشرين، أُوذيَ وغيرُه من المعتقلين مباشرةً جسديا. ووصف أنه عُرّيَ وضُرب واضطر إلى النوم على لُحُفٍ متشرّبةٍ بسوائل الجسم. كان المرفق مكتظا، وكان الهواء فاسدا نتنا. ووفقا لـ P57، كان للطاقم الطبي، وفيهم المتهم، دورٌ فاعل في إساءة معاملة السجناء المنهجية.
وأوضح الشاهد أنّ المعتقلين لم يكونوا يعيّنون بـ [حُجبت المعلومات]، بل [حُجبت المعلومات]. وتذكّر بدايةً أنه أُعطي [حُجبت المعلومات]، رغم أنه ذكر في إفادة سابقة للشرطة [حُجبت المعلومات]. وعزا هذا التباينَ إلى مضيّ الوقت والضغط النفسي الذي كابده.
تذكّر P57 أول صباح له في تشرين حين شاهد معتقلين يُحقنون بمادة غير معروفة. وبعد لحظات، لُفَّت أجسادهم الهامدة بأكياس بلاستيكية وأُزيلت. اعتقد بعض السجناء في البداية أنّ هذه الحقن كانت علاجا طبيا، ولكن ما لبث P57 أن أدرك أنها كانت إعدامات. وتذكر أحدَ زملائه السجناء يهمس له: «إنهم لا يعالجوننا، إنهم يقتلوننا». وعرّف المتهمَ على أنه أحد الأطباء الذين كانوا يعطون هذه الحقن القاتلة.
***
[استراحة لخمس عشرة دقيقة]
***
بعد العودة من الاستراحة، أوضح الشاهد أنّ العمل القسري كان واقعا وحشيا آخر في تشرين. وروى أنه حتى المعتقلون الذين لا حول لهم ولا قوةَ للوقوف أُجبروا على حمل أحمال ثقيلة، وغالبا ما كانوا يتهاوون وينهارون تحت وطأة الإجهاد. وما كان ردُّ الحراس إلّا الضرب بأنابيب المياه البلاستيكية الخضراء والقضبان المعدنية وهراوات الشرطة. وكُلّف P57 بنقل الجثث، وهي مهمة جعلته يدرك تماما عددَ الوفياتِ اليوميةِ الهائلَ. وحكى P57 عن أحد زملائه المعتقلين الذي خضع لعملية جراحية دون تخدير، وهي فعلٌ ربط المعتقلون بينه وبين المتهم.
والتفت P57 إلى المتهم قائلا: «أشكرك يا علاء م لأنك لم تعطني حقنةَ الموت - بل لركلي وضربي فحسب». ومكثت أصداءُ كلماته تتردد في قاعة المحكمة.
***
[استراحة لخمس عشرة دقيقة]
***
بعد الاستراحة، انتقل التركيز إلى دور الطاقم الطبي في الإساءات المنهجية. إذ أكد P57 أنّ السجناء اعتقدوا في بادئ الأمر أنّ القصد من الحُقن كان العلاج. إلّا أنه أدرك وآخرون لاحقا أنّ الذين حُقنوا لم يعودوا أبدا. وترسّخ لديه بأنّ إدراكَه هذا لا ريب فيه بعدما أُمر المعتقلون بوضع الجثث في أكياس.
وصف P57 بالتفصيل ما كابده من الضرب، مستحضرا أنه تكرر كثيرا لدرجة أنّ الوقائع المختلفة تداخلت وغشّى بعضُها بعضا. ووصف العمليات الطبية التي أُجريت دون تخدير، ومنها عملياتُ بتر الأطراف وعملياتٌ جراحية أخرى. ورغم أنه لم يستطع تذكر تفاصيل محددة في كل الأوقات، إلا أنه أكّد سماعه عن سجين استُؤصلت زائدته الدودية دون تخدير وتوفي لاحقا بعد تلقّيه حقنة.
سأل الدفاع عن التناقضات بين إفادة P57 في الشرطة وشهادته في المحكمة. إذ ركّز على التباينات في أعداد السجناء التي تذكّرها وفي تسلسل الأحداث في تشرين. أقرّ P57 بوجود زلّات وهفوات بسيطة، ولكنه أصرّ على أنها لم تغيّر جوهرَ حقيقةِ ما مرّ به.
لما أزِفَت نهايةُ الجلسة، وصف P57 صرخات المعتقلين التي كانت تعتري المرءَ وتؤرَّقه ثم تَخمَدُ وتَسكُنُ كلَّ ليلة، وقال: «لم تتوقف الصرخات مطلقا. وكنت أستيقظ كلَّ ليلة على صوت الجثث التي تُجَرُّ للخارج». استقبل الشاهدُ جهةَ المتهم، وجدّد تأكيده مرةً أخرى بأنه على يقين من رؤية المتهم يشرف على إعطاء الحقن القاتلة ويعطيها بنفسه مراتٍ عدّة.
أقرّ رئيس المحكمة القاضي كولر بوطأة المشاعر النفسية والعاطفية لشهادة P57 وأعرب عن تقديره وامتنانه لموافقته على سرد أحداث مؤلمة كهذه. فأجهش P57 بالبكاء إذ طغت عليه مشاعرُه. وأثّرت شهادتُه كذلك في المترجم الشفوي، السيدِ فرّاج، الذي اضطر إلى التوقف برهةً قبل أن يتمكن من الاستمرار.
رُفِعت الجلسة في الساعة 1:48 بعد الظهر.
سيُعقد يوم المحاكمة التالي في 4 شباط / فبراير 2025، في العاشرة صباحا.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.