داخل محاكمة علاء م #91: وَخَرَّ الْأَسَد: وُقوفٌ عَلى الْأَطْلالِ قَبْلَه، وَمُتَنَفَّسٌ لِلْحَديثِ بَعْدَه؟
المحكمة الإقليمية العليا - فرانكفورت ألمانيا
موجز مراقبة المحاكمة الحادي والتسعون
تاريخ الجلسة: 10 و 12 كانون / ديسمبر 2024
تحذير: قد تتضمن بعض الشهادات توصيفاتٍ للتعذيب
يُرجى ملاحظة أن هذا الموجز ليس نسخة حرفية لمحضر المحاكمة؛ بل مجرّد ملخّص غير رسميٍّ لإجراءات المحاكمة.
في هذا الموجز، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقبينا في المحكمة] و"المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود أو القضاة أو المحامون". كما تمّ حجب أسماء الشهود والمعلومات التي قد تحدّد هويتهم.
[ملحوظة: يواظب المركز السوري للعدالة والمساءلة على تقديم موجز للإجراءات مع حجب بعض التفاصيل حمايةً لخصوصية الشهود وصَونًا لنزاهة المحاكمة.]
يسرد تقرير المحاكمة الحادي والتسعون الخاص بالمركز السوري للعدالة والمساءلة تفاصيل اليومَين الثاني والثالث والستين بعد المئة من محاكمة علاء م. في فرانكفورت، ألمانيا. في يوم المحاكمة الأول هذا الأسبوع، مَثَل مجدّدا أمام المحكمة شاهدا السيدُ كريستيان كنابمان، وهو محقق جنائي من مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية الألماني (BKA). وسُئل عن استجواب الشرطة للشاهد P40. واتّسقت شهادةُ السيد كنابمان بشدة مع شهادة P40.
في اليوم الثاني هذا الأسبوع، استمعت المحكمة إلى شهادة P54 الذي عمل في مشفى المزة مع المتهم. بدايةً، قال P54 إنّ بإمكانه الآن أن يتحدث «بحرية ودون خوف» عن إساءة المعاملة في المشفى بسبب اندحار نظام الأسد. ولكنه أبدى تردّدًا حينما سُئل عن المتهم. وأقرّ على مضض بأنه لا يزال يشعر بالتهديد. وكشف أنّ عناصر المخابرات السورية استجوبوه عام [حُجب الزمان] عندما كان في سوريا يرعى والدته المريضة. واتهمه المسؤولون بإحالة علاء إلى السلطات الألمانية. وكشف P54 أنّ عمّ علاء اتصل به، وأنه كان يخشى أن تثأر عائلةُ علاء من عائلته. ويبدو أنّ العم كان يعلم بأن المحكمة ستستدعي P54، رغم أنّ P54 لم يكن قد تسلّم استدعاءه بعد. ولا يمكن أن يعطي هذه المعلومات للعم إلا شخصٌ يُتاح له الوصول إلى ملفات المحكمة.
اليوم الثاني والستون بعد المئة - 10 كانون الأول / ديسمبر 2024
كانت هذه جلسةَ المحاكمة الأولى التي أعقبت اندثارَ نظام الأسد واندحارَه. وكان غياب محامي الدفاع العجي في بداية الجلسة ملفتًا للنظر، ودفع رئيس المحكمة القاضي كولر إلى الاستفسار عما إذا كان لذلك صلةٌ بالتطورات الأخيرة. وصل العجي بعد نصف ساعة دون تعليل تأخره. سأل القاضي كولر المتهمَ علاء عمّا إذا كان يرغب في التعليق على الظروف الأخيرة، ولكنه رفض.
استجوبت المحكمةُ بعد ذلك السيدَ كريستيان كنابمان، وهو محقق جنائي من مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية الألماني (BKA)، حول مقابلة الشرطة التي أجراها مع P40 في [حُجب الزمان والمكان]. وفي سياق تناوله للجوانب الإجرائية، أوضح السيد كنابمان أنه زميله عاونه وأنّ P40 استعان بمترجم شفوي في الأسئلة المستفيضة. وأشار إلى أنه رغم استغراق المقابلة إحدى عشرة ساعة، إلّا أنه تخلّلها استراحاتٌ وافية، وقُدّم إلى P40 طعامٌ وماءٌ طَوال الجلسة. وأكّد السيدُ كنابمان أنه كانت هناك ترجمةٌ عكسية، وأنّ P40 أضاف تعليقات بيده على محضر استجواب الشرطة بمساعدة المترجم الشفوي.
بخصوص محتوى المقابلة، أبلغ السيد كنابمان المحكمة أنه رغم تذكره للجلسة، إلا أنه راجع محضر المقابلة لاستعادة ذاكرته عنها. وعندما سئل السيد كنابمان عن خلفية P40 المهنية، أوضح السيد كنابمان أنّ P40 وُلد ونشأ في [حُجب المكان] ودرس الطب فيها. وأكمل P40 اختصاصه الطبي في مشافي تشرين والمزة وحرستا العسكرية. وروى السيد كنابمان أنّ P40 كان يخشى عناصر المخابرات والعسكريين الآخرين في مشفى المزة وحاول تجنّبهم. وأشار إلى أنّ P40 لم يشهد تعذيبًا بنفسه، ولكنه لاحظ مرضى مقيّدين إلى أسِرّتهم ومعصوبي الأعين وبإصابات جليّة. ولم يكن P40 متأكدا مما إذا حدثت هذه الإصابات في المشفى أو قبل وصولهم. ووفقا لإفادة P40 في الشرطة، عانى المرضى المدنيون من سوء التغذية الحاد والجفاف، ولم يتلقَّوا رعاية طبية كافية. وذكر P40 أنه سمع صراخا وربما شمّ رائحة جثث، رغم أنه لم يكن متأكدا مما إذا كان لذلك صلةٌ بالتعذيب في المشفى. وصف السيد كنابمان سلوكَ P40 في مشفى المزة بأنه «تعامٍ».
سأل القاضي رودِه السيدَ كنابمان عن علاقة P40 بالمتهم، فأشار السيد كنابمان إلى أنّ P40 قال إنه التقى بعلاء في [حُجب الزمان] 2012 عندما أُعيد نقل P40 إلى مشفى المزة. وتذكّر P40 أنّ علاء كان يعمل هناك آنذاك، ولكنه لم يستطع تحديد مدة عمله فيه. وشهد السيد كنابمان أنّ P40 أفاد أنهما كانا عملا معا في غرفة العمليات أحيانا، ولكن لم يكن بينهما أي تواصل شخصي. وذكر P40 أنه تحدث مع علاء على الهاتف مرتين أو ثلاثا عندما كانا في [حُجب المكان].
عرض القضاة على السيد كنابمان مستندات تتعلق باختصاص علاء الطبي واستفسروا عن رأي P40 في صحتها. أشار السيد كنابمان إلى أنّ P40 لم يستطع التحقق من صحة محتواها أو تحديد الأطباء الذين وقّعوا عليها، ولكنه أشار إلى أنّ الوثائق بدت رسمية.
عندما سُئل السيد كنابمان عن إصابة محتملة لعلاء، أجاب أنّ P40 ذكر أنّ علاء أصيب [حُجبت المعلومة]. استوضح القاضي رودِه ما إذا شارك P40 في علاج الجرح، إذ شهد P36 أنّ P40 كان فردًا من فريق العمليات. أشار السيد كنابمان إلى أنّ P40 أفاد في استجواب الشرطة أنه لم يكن كذلك، وهو ما يتوافق مع شهادة P40 أمام المحكمة.
استحضر السيد كنابمان أنّ P40 أفاد بأنه لم يرَ علاء يعذّب شخصا أو يسيء معاملته مطلقا، ولم يسمع زملاءه يدّعون بمثل هذا. ولم يستطع P40 أن يسرد أنّ علاء تفاخر بتعذيب المدنيين في حمص. اعتقد P40 أنّ علاء كان مؤيدا للنظام لأنه كان من حمص وعارض العنف ضد المسيحيين والأقليات. وأشار P40 إلى أنّ علاء كان ثريا ولديه سيارة، وكان يلبس بنطال جينز ومعطفا وزيّ أطباء [حُجبت المعلومة]، ولم يكن يلبس [حُجبت المعلومة].
لم يكن لدى أحد من الأطراف أسئلة، فشكر القاضي كولر السيدَ كنابمان وصرفه.
رُفِعت الجلسة في الساعة 11:25 قبل الظهر.
سيُعقد يوم المحاكمة التالي في 12 كانون الأول / ديسمبر 2024، في العاشرة صباحا.
اليوم الثالث والستون بعد المئة - 12 كانون الأول / ديسمبر 2024
في الجلسة الثانية هذا الأسبوع، استمعت المحكمة إلى شهادة [حُجب الاسم] P54، وهو [حُجبت المعلومة] يبلغ من العمر [حُجبت المعلومة] عاما ويقيم حاليا في [حُجب المكان]. وعاونه المترجمُ الشفويّ السيدُ فرّاج والمحامية الدكتورة ميرينج-تْسييَه. كان P54 متقنًا للغة الألمانية، وفهم أسئلة القضاة باللغة الألمانية، وأجاب عنها بالألمانية في بادئ الأمر.
طلب القاضي كولر من الشاهد أن يقدّم تفاصيل عن خلفيته الشخصية والمهنية. أوضح P54 أنه وُلد في مدينة [حُجب المكان] عام [حُجب الزمان] ونشأ فيها. وبعد إكمال دراسته الثانوية، درس الطب في [حُجب المكان] ثم آب إلى سوريا عام [حُجب الزمان]. قدّر P54 متى وأين أدّى اختصاصه الطبي، إذ بدأ العمل في مشفى البر في حمص من كانون الثاني / يناير 2010 إلى مثله في 2011. وكان يطمح إلى التخصص في [حُجبت المعلومة]، فقدّم طلبات للعمل في مشافٍ مختلفة. ولكنه حصل على وظيفة في مشفى تشرين الذي كان أدنى المشافي التي يفضلها، لأن اختصاصات [حُجبت المعلومة] كان عليها تنافسٌ شديدٌ ولم يكن أداؤه العلمي قويا في كلية الطب. وأمضى عاما هناك من شباط / فبراير 2011 إلى مثله في 2012. وعمل بعد ذلك ستة أشهر من شباط / فبراير أو آذار / مارس 2012 إلى آب / أغسطس 2012 في مشفى المزة، الذي يُعرف باسم مشفى 601. ثم أمضى بضعة أشهر في مشفى حرستا قبل أن يعود مرة أخرى إلى مشفى المزة في شباط / فبراير 2013. وفي نيسان / أبريل [حُجب الزمان]، فرّ من سوريا وبدأ رحلته عبر [حُجبت الأماكن] إلى [حُجب المكان]. وهو الآن مواطن [حُجبت المعلومة].
ردّا على سؤال حول أسباب مغادرته سوريا، أوضح P54 أنّ الوضع في مشفى المزة كان مروّعا وأنّ زملاءه حذروه من أنّ أجهزة المخابرات «كانت مهتمة به». أراد القاضي كولر معرفة ما إذا كان لدى P54 أي وظائف ثانوية في سوريا. فأقرّ P54 ذلك ووضّح أنه ساعد زملاءه من حين لآخر في مشفى [حُجبت المعلومة] ومشفى [حُجبت المعلومة] ومشفى [حُجبت المعلومة].
بعد ذلك، طلب القاضي كولر من P54 أن يتذكر كيف كان لمس بداية الحرب الأهلية السورية وعايشها. في الواقعة الأولى في آذار / مارس أو نيسان / أبريل 2014، تذكّر P54 أنّ 50 أو 60 جثة جُلبت إلى المشفى ونُقلت إلى غرفة التبريد. وحدثت أبرز التغييرات في مشفى تشرين منتصف عام 2011. كان P54 يعمل وقتها في قسم القلب والجراحة العامة ولاحظ فيه غرفتي مرضى أو ثلاثا كان يُحتجز فيها خمسة إلى سبعة معتقلين، وكان يحرس هذه الغرفَ عناصرُ المخابرات. وكان المرضى معصوبي الأعين ومقيّدين إلى أسِرّتهم، ويُشار إليهم [حُجبت المعلومة]. ولم يُسمح لـ P54 بدخول الغرفة إلا إذا رافقه أحد حراس الأمن.
عندما سُئل P54 عن الوضع الصحي في المزة، ذكر أنه كان مناسبا بادئ الأمر، ولكنه تدهور في أواخر عام 2011. إذ استحالت غرفةٌ في الطابق السفلي مكانا لاحتجاز المعتقلين، مع تقييد دخول أطباء معينين إليها. ورغم أنه لم يُسمح لـ P54 بدخولها، إلا أنه سمع صراخا مرارا. وأشار إلى أنه عادة ما كانت تُهمل تعليماتُه الطبية لعلاج المعتقلين.
سأل القاضي كولر عمّا إذا شارك P54 في أنشطة سياسية. فأجاب P54 أنّ مثل هذه الأعمال كانت مستحيلة لأنها كانت ستؤدي إلى اعتقاله، إلّا أنه سنيّا كان معارضا للأسد. ورغم أنه لم يشارك في المظاهرات بتاتا، إلّا أنه قدّم للمعارضة أدوية ومشورة طبية عبر الهاتف. ونفى P54 أنه أجرى عمليات جراحية لمعارضين. أشار القاضي كولر إلى جلسة استماع طلب لجوء P54 التي ادّعى فيها أنه غادر سوريا بسبب انخراطه مع المعارضة. أوضح P54 أنّ دعمه اقتصر على تقديم الأدوية وتغيير الضمادات.
ثم سأل القاضي كولر عمّا إذا شارك P54 في مظاهرة من قبل، فنفى P54 ذلك. ولمّا ردّد القاضي كولر سؤاله، أقرّ P54 بأنه شارك في مظاهرة مرة واحدة في الفترة التي عمل بها في مشفى المزة. وتذكّر أنّ أحد حرّاس أمن المشفى رآه وأخذه بعيدا عن الحشد إلى داخل المشفى، ولكنه لم يبلغ عنه. أشار القاضي كولر مرة أخرى إلى جلسة استماع طلب لجوء P54 التي أخبر فيها المستجوبَ أنه شارك في مظاهرتين. فأجاب P54 أنها كانت مرة واحدة لا غير.
انتقل الحديث إلى معاملة المرضى المدنيين في مشفى المزة. بدأ P54 يشهد باللغة العربية ويترجم له السيدُ فرّاج، ووصف إساءة معاملة المعتقلين القاسية. وذكر أنهم كانوا يُعذّبون ويُضربون ويُركلون فورَ دخولهم قسم الطوارئ، وشبّههم «بكرة القدم» في المعاملة. وشدّد P54 على أنّ الجميع تقريبا كانوا متواطئين، أطباءَ وممرضين وعمّالَ التنظيف وغيرَهم من موظفي المشفى. وأشار إلى وجود تمييز واضح في الرعاية، إذ تلقّى المرضى العسكريون علاجا عالي المستوى، أمّا المعتقلون المدنيون الذين جلبهم عناصر أمن مسلحون في شاحنات مكشوفة من المظاهرات، فعوملوا بوحشية. وصل بعضهم موتى، وآخرون مصابين، ولم يُصب بعضهم بأذى، ولكنهم جُرّوا جميعًا من الشاحنات وضرب موظفو المشفى مَن ظلّ منهم حيّا.
عند التعمّق في التفاصيل، ذكر P54 واقعةً ضُرب فيها مريضٌ حتى الموت في قسم الطوارئ، ولكنه لم يستطع أن يتذكر لِمَ صبّ الموظفون غضبهم على المريض. أراد القاضي كولر أن يعرف ما حدث للمرضى الآخرين، فأجاب P54 أنّ المرضى المصابين ظلّوا في المشفى وأخذ الآخرين عناصرُ الأمن.
بعد ذلك، سأل القاضي رودِه عن واقعة ذكر P54 في جلسة استماع طلب لجوئه أنّ حُقُنًا أُدخلت فيها في رئتي المرضى. فأوضح P54 أنّ من المفترض إدخالُ أنابيب النّزح سنتيمترا واحدا أو اثنين، ولكنه رآها تُزَجّ أعمق بكثير في أجساد المعتقلين لإيلامهم عمدا.
أخبر P54 القضاةَ عن واقعة أخرى في مشفى المزة بتفصيل كبير. إذ روى أنّ حارس أمن نقل شابا يبلغ من العمر نحو 14 عاما من السجن إلى قسم الطوارئ. وكان لدى المريض حساسية في خصيتيه. فناقش P54 الحالة مع رئيسه في العمل، وقررا سويّة أنّ حالة المريض كانت جيدة، وأنّ بإمكانهما أن يعطياه بعض الأدوية ومن ثَمّ يُعاد إلى السجن. وعندما أبلغ P54 حارسَ الأمن بالقرار، أخبره حارس الأمن P54 بأنه كان متعبا ويريد العودة إلى المنزل، وتساءل عمّا إذا كان بإمكان المريض أن يبقى في المشفى طوال الليل وتكفّل بأخذ المريض في اليوم التالي. وبعد أخذ ورد، وافق P54.
أخبر P54 المحكمة أنه نسي الواقعة، إلى أن أخبره حارسُ الأمن بعد بضعة أيام أنه عندما ذهب لأخذ المريض صباح اليوم التالي، قيل له إنّ المريض الآن في «البراد». أخبر P54 الحارسَ أنه يشتبه في أنّ المريض قد قُتل. تساءل الحارس لِمَ قد يقول P54 شيئا كهذا. حاول القاضي رودِه توضيح تباين بين أقوال P54 في المحكمة وجلسة استماع طلب لجوئه التي أخبر فيها P54 المستجوبَ بأنه سمع عن وفاة المريض في اليوم التالي. بيّن P54 أنّ الحارس أخبره أنه اكتشف وفاة المريض في صباح اليوم التالي عندما ذهب لأخذه، إلّا أنه لم يُنبئ P54 بالوفاة إلّا بعد بضعة أيام.
سأل القاضي كولر P54 لاحقًا عن شهادات الوفاة. فاستحضر P54 أنّ المرضى - الذين كان عناصر الأمن يجلبونهم إلى المشفى - كانوا إما موتى أو على شفا الموت، وأنّ المعتقلين كانت تظهر عليهم علامات تعذيب واضحة، كالجروح المفتوحة والملتهبة، وكانوا يشبهون الأشخاص في ملفات سيزر. وأخبر P54 المحكمةَ أنه لم يُسمح له أن يعالج المرضى الذين كانوا لا يزالون أحياء، بل طلب منه حراس الأمن إصدار شهادة وفاة حتى وإن كان لا يزال المعتقلون أحياء. ثم نُقل المعتقلون المتوفون إلى غرفة التبريد.
[استراحة لخمس وعشرين دقيقة]
بعد الاستراحة، أبلغ القاضي كولر الأطراف أنه التقى بـ P54 في الكافتيريا أثناء الاستراحة، وطلب من P54 أن يعيد الآن ما قاله له آنذاك. قال P54 إنّ هذه هي المرة الأولى التي يستطيع فيها التحدث بحرية ودون خوف لأن نظام الأسد قد سقط.
أخبر P54 المحكمةَ من تلقاء نفسه أنه يتذكر واقعة أخرى لإساءة المعاملة في مشفى المزة عام 2012. فبينما كان P54 يساعد في عملية جراحية لمريض يعاني من إصابات في البطن إذ طلب منه رئيسه أن يَخيط الجرح. وبعد أن لاحظ P54 وجود كسر في عظمة خاصرة المريض، أبلغ بذلك رئيسَه الذي أصرّ على خياطة الجرح رغم ذلك. وبعد الجراحة، أدرك P54 أنّ المريض شُلّ بعدها. أفاد P54 بأن رئيسه أساء معاملة المريض مفترضا أنه كان من المعارضة، ولكن اتضح لاحقًا أنّ المريض كان من حزب الله الداعم لقوات الأسد.
أعاد القاضي كولر لفت الانتباه إلى شهادات الوفاة وسأل P54 عما أُمر أن يسجله سببا للوفاة. فأجاب P54 أنه أُلزم بتسجيل السكتة القلبية سببا للوفاة، عوضا عن السبب الجليّ الذي كان التعذيب في السجن. وأوضح أنه خشي كثيرا أن يرفض هذه التعليمات، لأنه سمع عن زميل واجه عواقب وخيمة لرفضه. أشار القاضي رودِه إلى جلسة استماع طلب لجوء P54 التي أخبر فيها المستجوبَ بأنه رفض مرةً أمرًا كهذا، وأنّ العاقبة كانت أحد أسباب فراره من سوريا. لم يتذكر P54 أنه أدلى بهذه الإفادة، ولكنه رجّح أنه كان يشير إلى واقعة المريض ذي الـ 14 عاما.
بعد ذلك، طلب القاضي رودِه من P54 أن يسهب في وصف القسم المنفصل الخاص بالمرضى المعتقلين. أوضح P54 أنّ أولئك الأشخاص كانوا معتقلين في مبنى قديم في المشفى بجوار مهجع الأطباء. وروى أنه دخل المبنى مرتين أو ثلاثا، شاهد فيها نحو 40 إلى 50 معتقلا. كان المعتقلون مصابين بإصابات بالغة، ولكنهم لم يتلقوا أدوية ولا مساعدة طبية كافية. وعانى كثيرٌ منهم من سوء التغذية الحادّ، وكانوا يبللون ويلوثون أنفسهم لانعدام بدائل. وكانوا يوضعون على أسِرّة ذات فُرُشٍ جلدية رفيعة دون وسائد أو بطانيات، بل اضطروا أحيانا إلى تشارك سرير واحد. أما المتوفون فكانوا يُلفّون في بطانيات ويُنقلون إلى غرفة التبريد، رغم أنّ P54 لم يكن يعلم كيفيةَ نقلهم.
ثم عرض القضاة عدة صور على الشاشات في قاعة المحكمة وشرفة الجمهور. أظهرت الصورة الأولى عدة جثث عارية ملقاة على سطح رملي وسُحبت ملابسها الداخلية إلى الأسفل لإبراز المنطقة التناسلية. تعرّف P54 على المشهد على أنه كان في مشفى المزة. ونفى أن يكون قد ذهب إلى ذلك الموقع المحدد في المشفى عندما سُئل عن ذلك. فتساءل القاضي رودِه كيف أمكنه أن يتعرّف على الموقع إذا لم يكن قد ذهب إلى هناك سلفا. فأوضح P54 للمحكمة أنه تعرّف على منطقة مواقف السيارات الظاهرة في الخلفية، وأنّ زملاءه أخبروه أنّ هذا هو المكان الذي التُقطت فيه صور المتوفين.
أظهرت الصورة التالية رَجُلَين يلبسان زيّا عسكريّا، فأشار P54 إلى أنه تعرّف على وجهَيهما، ولكنه لم يعرف اسمَيهما. وروى أنهما كانا مجندَين مسؤولَين عن تكفين الجثث وحملها «إلى هناك». وأظهرت الصورة التالية مخطّطًا توضيحيّا يوضح المباني في مشفى المزة رسمه P54 أثناء استجوابه في الشرطة.
سأل القاضي كولر P54 عمّا إذا كان يعرف المتهم وكيف تعرّف عليه. فأخبره P54 أنه التقى بعلاء في مشفى المزة، وأنهما لم يلتقيا في [حُجب المكان] رغم أنّ عائلتَيهما من هناك. وكان والدُ P54 معلّمَ علاء، كما كان عمُّ علاء معلّمَ P54 في الصف التاسع. وروى P54 أنّ علاءً كان طبيب عظام مقيم، وكان عليه أن يتناول أدوية بسبب مشاكل في كليته.
ثم استفسر القاضي كولر عمّا إذا شهد P54 مرةً كيف أساء علاءٌ معاملة مريض. فنفى P54 ذلك، قائلا إنه لم يشاهد ذلك قطّ، ولكنه سمع ذلك فحسب. أشار القاضي كولر إلى استجواب الشرطة الذي ذكر فيه P54 أنه شهد بنفسه علاءً يسيء معاملة المرضى. فأقرّ P54 بأنه روى واقعة شرع فيها عدةُ أشخاص بضرب مرضى مدنيين. وتذكّر P54 أنّ علاءً شارك في إساءة المعاملة، ولكنه لم يستطع تذكر ما فعله علاء بالضبط. وردّا على مزيد من الأسئلة، قال P54 إنه لم يكن متأكدا مما إذا رأى بنفسه علاءً يشارك أو سمع عن ذلك فحسب.
[استراحة لستين دقيقة]
بعد استراحة الغداء، وصف P54 الموقف الذي شاهد فيه علاءً يشارك في إساءة المعاملة. وروى أنّ كثيرا من الأشخاص المقيّدين جُلبوا إلى قسم الطوارئ، وكانوا إما معتقلين أُتيَ بهم من السجن أو اعتُقلوا حديثًا من مظاهرات. واستحضر أنّ الأطباء والممرضين وعمال التنظيف وغيرهم من موظفي المشفى شاركوا في إساءة معاملة المرضى. ورغم أنّ P54 كان متأكدا من مشاركة علاء في ذلك، إلّا أنه لم يستطع تحديد ما إذا ضرب علاءٌ المعتقلين أو ركلهم. غير أنه أخبر المحكمة أنّ موقف علاء الداعم لإساءة المعاملة كان واضحا لكلّ مَن راقب الموقف. وذكر P54 أنه سمع شائعات بأن علاء أساء معاملة المرضى في قسمه بطريقة مماثلة.
تعقيبًا على ذلك، سأل القاضي كولر عمّا إذا شهد P54 إساءة المعاملة مرة فقط أم عدة مرات. فأجاب P54 أنه شاهد ذلك مرة واحدة فحسب، موضحا أنه لم يكن حاضرا دائما في قسم الطوارئ لأنه [حُجبت المعلومة]. ثم قرأ القاضي رودِه مقطعا من محضر استجواب الشرطة الذي ذكر فيه P54 أنه رأى علاء يضرب المرضى مرارا وباستمرار في قسم الطوارئ في مناوبات P54. سعى P54 إلى توضيح أنه ربما قصد أنّ علاء ضرب أحدهم عدة مرات أو أنه ضرب عدة أشخاص في واقعة واحدة. قرأ القاضي كولر مقطعا آخر من المحضر أخبر فيه P54 الشرطةَ أنه شهد حالات مختلفة أهان فيها علاءٌ أشخاصًا وضربهم. فردّد P54 أنه ربما كان يشير إلى أنّ علاء ضرب مرضى عدة ضربات خلال تلك الواقعة، وأكّد مرة أخرى أنه لم يَرَ علاء يضرب المرضى سوى مرة واحدة خلال مناوبته.
شدّد القاضي كولر ساخطًا على أنّ محضر استجواب الشرطة أشار إلى أنّ P54 شهد عدة وقائع. ثم أمر السيدَ فرّاجًا أن يباشر في ترجمة أسئلة القضاة إلى اللغة العربية، وهي خطوة لم تكن ضرورية سابقا. كرّر P54 أنه لم يَرَ علاء يضرب أشخاصًا إلّا مرة واحدة خلال مناوبته، ولكنه أقرّ بأنه شهد وقائع أخرى لم يكن يعمل حينها في قسم الطوارئ، بل كان مارًّا من هناك فحسب. أشار القاضي رودِه مرة أخرى إلى أنّ P54 أخبر الشرطة أنه رأى علاء يضرب أشخاصا مرارا وباستمرار، ولكن ليس أكثر من 100 مرة. وأكّد القاضي رودِه أنّ هذا يناقض شهادةَ P54 في المحكمة. وههنا، طلبت محامية P54، الدكتورة ميرينج-تْسييَه، استراحة للتشاور مع موكلها.
[استراحة لخمس دقائق]
بعد العودة إلى قاعة المحكمة، تحدثت الدكتورة ميرينج-تْسييَه نيابة عن موكلها وأوضحت للقضاة أنّ P54 ميّز في ذهنه بين المرة الوحيدة التي رأى فيها علاءً يضرب مرضى أثناء مناوبته وبين المرات الأُخَر التي شهد فيها وقائع كهذه عندما لم يكن يعمل. وأكّد P54 أنه رأى علاءً وهو يضرب عدة مرات. ثم سأل القاضي كولر P54 عن سبب اختلاف شهادته قبل الاستراحة، عزا P54 التناقض إلى التوتر أو مشاكل في التواصل.
واصل القاضي كولر استجواب P54 حول علاقته بالمتهم. فأوضح P54 أنهما عملا معًا في مناوبات في قسم الطوارئ وتناولا الطعام معًا في الكافتيريا من حين لآخر. وذكر أنّ علاءً كثيرا ما كان يقذع بالكلمات البذيئة. ورغم أنّ P54 ادّعى أنه لا يعرف توجّهات علاء السياسية، إلا أنه تكهّن بأن علاءً كان مؤيدا للأسد، إذ بدا راضيًا عن الوضع في المشفى.
سأل القاضي كولر عمّا إذا كان بإمكان P54 أن يتوسّع في بيان شخصية علاء. فأجاب P54 أنه لا يستطيع التفكير في شيء الآن. أراد القاضي رودِه أن يعرف ما إذا كان علاء متعاونا أم أنانيا. فأجاب P54 بأنه لا يعرف أين كان يسكن علاء. أعاد القاضي رودِه السؤال، وتُرجم إلى العربية. فتهرّب P54 من السؤال مرة أخرى، وسأل عن السياق.
قاطع القاضي كولر الاستجواب وتساءل إن كان يشعر P54 حقا بأنه يستطيع التحدث بحرية، وأراد أن يعرف ما إذا تواصل شخصٌ به وطلب منه ألّا يفصح عن معلومات كثيرة أو أن يُدليَ بأقوال إيجابية في المحكمة. أقرّ P54 على مضض بأنه ما زال يشعر بالتهديد، ولكنه لم يرغب أن يخوض في التفاصيل. وقال إنّ المشكلة ليست في الأسد وأنه لا يزال خائفا. أخذ القضاة استراحة للتشاور في غرفتهم.
[استراحة لعشر دقائق]
بعد التشاور مع محاميته، كشف P54 أنّ شعبة الأمن السياسي في المخابرات السورية استجوبته عام [حُجب الزمان] لما كان في سوريا للعناية بوالدته المريضة. واتهمه المسؤولون بإحالة علاء إلى السلطات الألمانية، فقال إنّ ذلك لَم يكن صحيحا.
استحضر القاضي كولر ما حكاه P54 في بداية جلسة اليوم حين أخبر المحكمةَ أنّ والد P54 كان معلّم علاء. فأوضح P54 أنّ عمّ علاء كان معلّمه في الصف التاسع في مدرسة شكري هلال، وأنّ العائلتَين كانت تعرف إحداهما الأخرى.
تواصل العم مع P54 عبر فيسبوك ماسنجر في 25 حزيران / يونيو، 2024، وكان P54 لا يزال يحتفظ بهذه الرسائل. فقرأها P54 جهرا وترجمها السيدُ فراج. كانت الرسائل في البداية في غاية الود، ذكّر فيها العمُّ بعلاقته الوثيقة مع والد P54 المتوفى وشدّد على منزلة P54 عنده وكم كان غاليا عليه. فاقترح P54 إجراء مكالمة هاتفية بحجّة أنّ العم كان معلّمه المفضل. ووفقا لما أفاده P54، أتى العمُّ في المكالمة الهاتفية على ذِكر الاتهامات ضد علاء، وتساءل عمّا إذا تلقّى P54 استدعاءً. ولمّا نفى P54 ذلك، أصرّ العم على أنّ ذلك لا يمكن أن يكون صحيحا.
ثم واصلا التراسل على فيسبوك، وأخبر P54 العمَّ أنه لم يرَ ضد علاء على الإنترنت سوى اتهامات تتعلق بحمص في عام 2011، وأوضح أنهما لم يعملا معا إلا في دمشق عام 2012. أراد العم أن يعرف إن كان P54 يعرف شيئا عن علاء خلال وقتهما معًا في دمشق، فأجاب P54 أنهما كانا يعملان في قسمَين مختلفَين وندُر ما التقى أحدهما بالآخر. فأجاب العمُّ بأن علاءً لم يكن كما وُصف، وأنه ينبغي أن يعرف P54 كيف هي عائلة علاء، مشيرًا إلى أنهم كانوا أخيارًا طيبين، وأخبره أنه بمثابة ابنه.
بعد يومين، راسل العمُّ P54 مرةً أخرى وطلب منه أن يحذف رسائلهما، وأعرب العم عن رغبته في رؤية P54 قريبًا في سوريا. عَدَّ P54 ذلك تهديدا، إذ اشتبه في أنّ العم كان عازمًا على تسليمه إلى المخابرات السورية. ورغم اندحار نظام الأسد، كان P54 يخشى أن تثأر عائلةُ علاء من عائلته.
أبلغ القاضي كولر P54 أنّ بإمكانه أن يحصل على حماية من الشرطة الألمانية إذا كان هناك تهديد حاليّ في ألمانيا. وسيتعيّن على P54 أن يواصل شهادته في يوم المحاكمة التالي، ووافق على إحضار وثيقة تبيّن الفترةَ التي قضاها في مشفى تشرين في الجلسة القادمة.
رُفِعت الجلسة في الساعة 3:30 عصرا.
سيُعقد يوم المحاكمة التالي في 17 كانون الأول / ديسمبر 2024، في العاشرة صباحا.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.