1 min read
عقد من الزمان على هجوم سنجار: الإيزيديون المفقودون في سوريا
شاريا، العراق

عقد من الزمان على هجوم سنجار: الإيزيديون المفقودون في سوريا

لا تزال تبعات الهجوم الذي شنّه تنظيم داعش لإبادة الإيزيديين في سنجار شمالي غرب العراق، يتردد صداها في سوريا إلى اليوم، ولم تنتهِ معاناة الناجين والناجيات على صعيد المطالبة بتحقيق العدالة. وتحلّ الذكرى السنوية العاشرة للهجوم في سياق تراجع الاهتمام والتعاطف الدوليين، واستمرار اصطدام الإيزيديين داخل العراق وخارجه بعقبات عميقة على المستويات الإنسانية والقانونية والسياسية، تحُول دون استكمال مرحلة التعافي. وثمة إرث ثقيل خلّفته جريمة الإبادة الجماعية يتمثل في آلاف المفقودين من نساء وأطفال الإيزيديين الذين اختطفهم داعش من العراق واقتادهم إلى سوريا. ولكن لم يفُت الأوان بخصوص فعل شيء ما على هذا الصعيد، وثمّة فرص سانحة أمام المنظمات الحقوقية، وجماعات المناصرة والمدافعة، وشبكات ذوي الضحايا والناجين، كي تُحرز تقدماً ملموساً بهذا الخصوص.

وشهدت السنوات القليلة الماضية تراجع فرص تحقيق عدالة ناجزة في ملف الإيزيديين. وسرعان ما تلاشت الآمال التي رافقت إصدار الحكومة العراقية قانون الناجيات الإيزيديات في 2012، ولا سيما مع التلكؤ في سداد التعويضات للناجين وذوي الضحايا وعدم الوفاء بالوعود التي قُطعت على هذا الصعيد. وفي ظل غياب الإرادة السياسية اللازمة لتشكيل محكمة دولية خاصة أو مختلطة تكون قادرة على النظر في كامل طيف الجرائم المرتكبة بحق الإيزيديين، أدت المحاكمات بإجراءات موجزة في سياق مكافحة الإرهاب في العراق، إلى ارتكاب المزيد من الانتهاكات وأشكال الإساءة. وفي أحدث الأمثلة، أدى انتهاء ولاية "فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش" (يونيتاد) قبل أوانها، إلى إثارة القلق في صفوف التجمّعات الإيزيدية حيال احتمال إهمال ما في جعبتها من مخزون من الأدلة وتجاهله، ولا سيما مع تعثر جهود تحقيق العدالة في حقبة ما بعد داعش. وأصبح البقاء على قيد الحياة يوماً بيوم أكثر الشواغل إلحاحاً لغالبية الإيزيديين العراقيين، ويبلغ عددهم نحو 200 ألفاً عقب نزوحهم في 2014، وأصبحوا عرضة للطردمن مخيمات إيواء النازحين داخلياً في العراق، وترحيلهممن أوروبا مع عدم إمكانية العودة إلى قضاء سنجار المدمّر بالكلّية تقريباً. وجاءت تلك التطورات السلبية في سياق تجدّد هجمات تنظيم داعش في العراق وسوريا، ولا سيما أن التنظيم بدأ يلوّح بإمكانية إعادة تنظيم صفوفه وممارسة نشاطه مجدداً.

ولا بدّ في سياق تلك الصعوبات من الإشادة بالجهود التي تبذلها العائلات الإيزيدية للعثور على ذويها المفقودين في سوريا. ولم يتّضح بعد عدد المختطفين الإيزيديين الذين نُقلوا إلى سوريا (على النقيض ممن اختُطفوا داخل العراق). ووردت تقارير تفيد بأن نحو 3200 امرأة وطفل إيزيدي كانوا حتى أواسط عام 2016 في الأَسْر بعهدة داعش داخل سوريا، ويشكّل هذا العدد نصف الإيزيديين الذين اختُطفواعلى أيدي داعش إبان هجومه على قضاء سنجار في آب/ أغسطس 2014. وفي مطلع العام 2021، ساعدت منظمات مجتمع مدني محلية في سوريا من قبيل منظمة "البيت اليزيدي" بمحافظة الحسكة، في إعادةأكثر من 700 إيزيدي عراقي إلى موطنهم. وتشمل قوائم العائدين بعض من كانوا محتجزين رسمياً في منشآت حجز من قبيل مخيم الهول، إلى جانب بعض من كنّ يُقِمن في مساكن أفراد عاديين تحت أحد أشكال الإكراه أو الإجبار. ويُعد أمر التوصل إلى تحديد هويات المختطفين والمختطفات وإعادتهم من سوريا، شاهداً على العزيمة وسعة الحيلة التي تحلّى المجتمع اليزيدي بها في وجه تحديات هائلة تعترض طريقه في هذا السياق.

ومن جانب آخر، تتّصف تلك الجهود المبذولة بمبادرة من المجتمعات المحلية بكونها مخصصة واعتباطية من دون أن تحظى بالكثير من دعم الجهات الرسمية ومساندتها، فضلاً عن افتقارها للتنسيق عبر الحدود بين البلديْن. ويُقدّر أن عدد الإيزيديين المفقودين حتى اليوم يصل إلى 2763 شخصاً، ويُرجح أن معظمهم موجودون داخل سوريا. ولا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وسلطات المخيم، والمنظمات غير الحكومية الإنسانية، وعائلات المفقودات، تجهل هويات الكثير من الإيزيديات المقيمات في مخيم الهول، ولا سيما أنهن يخشَين التعرض للانتقام، وفصلهن عن أطفالهن. وعلى نفس المنوال، يتردد الكثير من الشباب الإيزيديين الذين اختطفهم التنظيم وغسل أدمغتهم أطفالاً، في التواصل مع ذويهم خوفاً من أن يرفض المجتمع استيعابهم، إلى جانب تقطُّع السبل بهم في مختلف مناطق شمال سوريا، فضلاً عن كونهم عديمي الجنسية. وختاماً، وعلى الرغم من القطع بوفاة عشرات من الإيزيديات في الحجز داخل سوريا، لم تنطلق جهود البحث عن رفاتهن بشكل جدّي بعد. ولعل رفات بعضهن اختلطت برفات سوريين قُتلوا على أيدي داعش أو جراء ضربات قوات التحالف الدولي، ولعل فريق الطب الشرعي وشؤون المفقودين السوري، أو طواقم الاستجابة الأولية المحلية استخرجت رفاتهن دون أن تعلم هوياتهن. وعليه، فمن شأن الاستثمار في تخصيص الوقت والموارد لتحديد هويات صاحبات تلك الرفات، أن يساعد ذويهن من الإيزيديين في معرفة مصيرهن ومكان وجودهن، فضلاً عن توسيع نطاق عمليات البحث عمن فُقدوا على أيدي التنظيم في سوريا، وهو ملف من الملفات القليلة التي تتيح فرصةلمنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية كي تحقق نتائج ملموسة على هذا الصعيد.

وحرص المركز السوري للعدالة والمساءلة مؤخراً، على توسيع نطاق الجهود التي يبذلها في مجال البحث عن الإيزيديين المفقودين في سوريا. كما أبدى المركز طيلة سنوات، ولا يزال، حرصاً على توثيق الجرائم المرتكبة بحق الإيزيديات في سوريا، ضمن أنشطة برنامجه المعني بالأشخاص المفقودين، وشرع في الأشهر القليلة الماضية بإجراء مقابلات مع الناجيات بغية تحديد أنماط معينة من حركة الإيزيديات وتنقلهن داخل سوريا، والمواقع التي يُحتمل العثور على رفات الضحايا مدفونة فيها. ويخلق جهد البحث عن المفقودات الإيزيديات تحديات جديدة، ويستدعي اعتماد نهج تحقيقي واستقصائي مختلف. وعلى سبيل المثال، ثمة حاجة لاعتماد أساليب جديدة لتعقب الحالات الفردية لحركة وتنقل النساء والفتيات الإيزيديات بين البيوت الخاصة، لأنهن كنّ عرضة للاتّجار بهنّ من شخص إلى آخر، وذلك عوضاً من البحث عنهن في سجون داعش الكبرى التي اعتاد المركز السوري للعدالة والمساءلة على توثيق تفاصيل الحالات ذات الصلة بها. وبرغم ما يحدو المركز من أمل بتحديد مكان وجود الإيزيديات اللاتي ما زلن على قيد الحياة داخل سوريا، فلا مفر في مثل هذه الحالات من رفع الوعي وشن حملات المناصرة لضمان إعلام عائلاتهن وشبكات ومنظمات ذوي الضحايا والناجين، وإطلاعها على تطورات الأمور، وتقييم مدى قدرتها على استقبال أو استيعاب أولئك الناجيات.

وبالنسبة لحالات أخرى، فيخطط المركز للبحث عن نساء إيزيديات قيل إنهن لقين حتفهنّ في الحجز بعهدة داعش، وهو ما يخلق تحديات فريدة من نوعها أيضاً. وزُعم أن رُفات الإيزيديات اللاتي توفّين في سوريا دُفنت في قبور فردية، الأمر الذي يستدعي اعتماد أساليب تختلف عما هو شائع عند التعامل مع المقابر الجماعية لتحديد هويات المفقودين على أيدي داعش. كما تزيد صعوبة إجراء تلك التحقيقات جراء انتشار الأدلة والإثباتات على جانبي الحدود السورية والعراقية. وامتنعت جهات من قبيل (يونيتاد) عن إطلاع المنظمات في سوريا على المعلومات المستفيضة المتوفرة بحوزتها حول الإيزيديات في سوريا. وستستدعي عمليات استخراج الرفات إذا حصلت، وإجراء فحوص الحمض النووي، وإعادة الرفات إلى ذويها، قدراً أكبر من التنسيق مما هو قائم حالياً بين السلطات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني المحلية، والمنظمات الدولية غير الحكومية العاملة داخل العراق وسوريا.

وبرغم تلك التحديات والانتكاسات التي حصلت مؤخّراً، وعقب مرور عشر سنوات على الهجوم الذي شنّه داعش بهدف ارتكاب إبادة جماعية بحق الإيزيديين في سنجار، يشير التركيز على مسألة المفقودين في سوريا إلى أنه لا يزال هناك هامش لإحراز التقدم على صعيد مساندة الناجيات الإيزيديات، في معرض سعيهن لتحقيق العدالة والانتصاف.

________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.