
أعمال القتل الانتقامية التي تستهدف أتباع نظام الأسد (كانون الأول / ديسمبر 2024 - أيار / مايو 2025)
منذ تردّي حكومة الأسد في أوائل كانون الأول / ديسمبر، أخذ المركز السوري للعدالة والمساءلة يتقفّى ما شبّ من عنفٍ ويتتبّعه في جميع أرجاء سوريا لتحديد أي نمط لاستهداف الضحايا. وبعد تحليلِ تقاريرَ من وسائلِ الإعلام ومقابلاتٍ أجراها موثّقو المركز السوري للعدالة والمساءلة مع السوريين في سوريا، وثّق المركز نمطا من أعمال القتل الانتقامي التي استهدفت أتباع حكومة الأسد في جميع أنحاء البلاد. وكان استهدافُ العلويين المدنيين في مدينة حمص هو النمطَ الأول الذي حدّده المركز السوري للعدالة والمساءلة، أمّا هذا التقريرُ فيبرز كيف أنّ ذكورا سوريين من خلفيات مختلفة يُستهدفون بناء على الأساسَين التاليَين أو أحدِهما: انتمائهم إلى قوات الجيش أو الأمن التابعة للحكومة السابقة، وانتهاكاتٍ ربما ارتكبوها ضد مدنيين. ويشجُب المركز السوري للعدالة والمساءلة بشدة أيّ أعمال قتل خارجة عن القانون، ويدعو الحكومة السورية إلى التحقيق في كل واقعة ومحاسبة مرتكبيها.
في أواخر الأسبوع الماضي، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع مرسوما يقضي بتشكيل هيئة وطنية للعدالة الانتقالية. ويَعُدّ المركزُ السوري للعدالة والمساءلة هذا الإعلانَ خطوةً لازمةً لتحقيق عدالة انتقالية شاملة في سوريا. وإذا نُفّذ عملُ هيئة العدالة الانتقالية كما ينبغي، فقد يمُدّ السوريين بالعدالة والمساءلة التي يأملون أن يرَوها تأخذ مجراها في الذين ارتكبوا انتهاكات كبرى خلال النزاع، وقد يساعد هذا على إخماد النمط الحالي من أعمال القتل الانتقامية الخارجة عن القانون.
أعمال القتل الانتقامية - أتباع النظام
يوثّق المركز السوري للعدالة والمساءلة منذ كانون الأول / ديسمبر 2024 أعمال قتل انتقامية استهدفت ذكورا محدّدين يُزعم أنهم شاركوا في جيش الحكومة السابقة أو أجهزة مخابراتها. وكما أشار المركز السوري للعدالة والمساءلة سابقا، تستند هذه الهجمات إلى زعمٍ بأنّ الضحية شارك في نظام الأسد وانتهاكاتٍ سابقة ارتُكبت ضد السوريين، وليست مبنيّةً على خلفيتهم الطائفية. وتستهدف عمليات القتل هذه المرتبطينَ بحكومة الأسد على اختلاف سُبُل اقترانهم به، سواء كان ارتباطهم به رسميا بصفتهم جزءا من الجيش أو المخابرات، أو غير رسمي بصفتهم مخبرين. ومن بين الضحايا سُنّةٌ وعلويّون وشيعة. ويُصنَّف الجناة في معظم هذه الحالات بأنهم «مسلحون مجهولون» فحسب.
وتشمل هذه الهجمات عدة مناطق في البلاد، منها حلب ودرعا ودمشق ودير الزور وحمص وحماة واللاذقية ومحافظات أخرى، وتستهدف جهات مختلفة في جيش الأسد ومخابراته. فعلى سبيل المثال، قُتل ضابط ذو رتبة دنيا في الأمن العسكري التابع للنظام في شقته في دمشق في شباط / فبراير. ويزعم الخبر أنّ القتيل كان مسؤولا عن اغتيالات لعدة شخصيات معارضة في وقت سابق من النزاع، وكان يدير حاجزَين ذَوَيْ صيتٍ شائن في درعا، حيث تعرّض المدنيون باستمرار لانتهاكاتٍ كالاعتقال التعسفي والابتزاز. وتوالت وقائعُ مشابهةٌ في أوائل شهر مايو، إذ أطلق النارَ على زيدان الحواضرية في مدينة حماة مجهولون يركبون دراجةً ناريةً وأردوه قتيلا، ويُزعم أنه كان يعمل لحساب المخابرات الجوية في عهد الأسد.
وقُتل كذلك أشخاصٌ تابعون للميليشيات الموالية للنظام. إذ عُثر في شباط / فبراير في دير الزور على جثة أبي عيسى المشهداني، قائد ميليشيا «الفوج 47» التابعة لإيران. وكان معروفا عن هذه المجموعة ارتكابُها انتهاكات ضد المدنيين. وفي أوائل أيار / مايو، قتل مجهولون يحيى مجبر، وهو متهم بالعمل لحساب ميليشيا لواء القدس في مدينة حلب الموالية للنظام. وإضافة إلى ذلك، استُهدف أشخاصٌ زُعم أنهم مخبرون مثل إمامٍ يُدعى عمر حوري وآخرون ربما لم يعملوا بصفة رسمية. وفي آذار / مارس، قتل مجهولون يركبون دراجةً ناريةً في مدينة حلب أحمد نعساني الذي كان يشغل منصبا في إحدى مؤسسات الدولة في عهد الأسد، ولكنه اشتُهر بتمويل الترويج المضلّل لصالح الأسد خلال النزاع.
ويرد تاليا ملخصٌ لعدّة وقائع أخرى. هذه القائمة ليست شاملة، بل تهدف إلى تزويد القرّاء بمعلومات إضافية حول هذا النمط من أعمال القتل.
الاسم |
الانتماء المزعوم |
المكان |
الزمان |
ظروف الوفاة |
قائد مجموعة مسلحة تابعة للأمن العسكري |
مدينة حماة |
كانون الثاني / يناير 2025 |
أُطلق عليه النار |
|
مخبر |
جبلة، اللاذقية |
شباط / فبراير 2025 |
أُطلق عليه النار |
|
الأمن العسكري |
قرية الحسينية، دير الزور |
آذار / مارس 2025 |
عُثر عليه ميّتا بطلقات في رأسه |
|
ضابط في الأمن العسكري |
درعا |
شباط / فبراير 2025 |
غير معروفة - عُثر عليه ميّتا |
|
جيش النظام |
مدينة حلب |
نيسان / أبريل 2025 |
غير معروفة |
|
قوات الطراميح (التابعة للفرقة 25 - قوات خاصة
من قوات النظام) |
قمحانة، محافظة حماة |
أيار / مايو 2025 |
غير معروفة - عُثر عليه ميّتا |
|
شبيح بارز ولديه علاقة وثيقة بأسماء الأسد |
مدينة حماة |
أيار / مايو 2025 |
أُطلق عليه النار |
|
علاقة مؤكدة مع أجهزة الأمن والمخابرات |
مدينة حمص |
أيار / مايو 2025 |
أُطلق عليه النار |
وجهات نظر السوريين حول أعمال القتل الانتقامية التي تجري في سوريا
ردود أفعال السوريين على هذه الأحداث ليست واحدة. ففي التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، أدان بعضهم عمليات القتل لأنها تحدث دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. وادعى أحد المعلقين أنّ المحاكمات المناسبة ستكون أفضل من الجو العام من الاغتيالات والعنف، حتى وإن لم يُحكم على أتباع الأسد إلّا بالسجن المؤبد بدلا من الإعدام. غير أنّ معلقين آخرين أبدوا في منشورات أخرى رضاهم عن عمليات القتل. تثير هذه الهجمات وردود الأفعال القلق، لأنها تعكس عزم بعض السوريين على تجاهل الإجراءات القانونية الواجبة إيثارا للانتقام الذي يمكنهم تنفيذه بأنفسهم.
استنادا إلى التعليقات على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي ومحادثاتِ الموثقين مع أشخاص في سوريا، يعزّز رغبةَ بعض السوريين في «عدالة يُقَوْلِبُها الاقتصاصُ» شعورُهم بالإحباط من عدم إحراز الحكومة الجديدة تقدما في العدالة الانتقالية واستياؤهم من غياب الإرادة لمحاسبة الجناة. وتكشف بعض التعليقات المنتقاة أنّ بعض السوريين يرَون أنّ تصرفات الحكومة تُديم تلك الإعدامات. وتزعم صراحةً عدةُ تعليقات على المنشورات التي تُنبئ بعمليات القتل المذكورة أعلاه أنّ تقاعس إجراءات الحكومة الانتقالية هو الدافع وراء هذا السلوك. وصرّح أحدهم «لا تطبق الدولةُ العدالة، فأراد الناس أن يفعلوها بأيديهم»، وهناك تعليقات مشابهة تبرز أنّ توانيَ الحكومة في اعتقال شبيحة النظام السابق ومحاكمتهم سيؤدي - في رأيهم - إلى استمرار أعمال القتل.
يفاقم قصورُ إجراءات العدالة الانتقالية أعمالَ القتل الانتقامية
أكد معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي أن غياب إجراءات واضحة للعدالة الانتقالية قد يساهم في أعمال القتل. وأشاروا إلى عدّة إجراءات غير كافية منها العفو عن كبار مسؤولي الأسد، وتحسّر آخرون على إفراج الحكومة الانتقالية عن موالين للأسد يُشتبه بهم. ويشير هذا مجدّدا بعضَ الشيء إلى أنّ دافعَ النَّهَم في أعمال القتل الانتقامية الخارجة عن القانون هو تصوّرُ كثير من السوريين بأنّ إجراءات الحكومة الانتقالية بشأن هذه القضايا غير كافية.
ويشير المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى أنّ عدّة مسؤولين كبار موالين للأسد حصلوا على «تسويات» أو اتفاقات من نوع ما مع الحكومة الجديدة، والتي تسمح لهم بمواصلة العيش بصورة طبيعية في سوريا بلا خوف من الاعتقال. وتُعد الصفقات التي عُرضت على أعضاء بارزين في الجماعات المسلحة الموالية للأسد - مثل فادي صقر من قوات الدفاع الوطني واللواء طلال مخلوف من الحرس الجمهوري - أمثلة رئيسية على هذه الظاهرة التي أثارت ردود أفعال سلبية بين السوريين.
وما يزيد من التشكيك في قدرة الحكومة على تنفيذ إجراءات فاعلة للعدالة الانتقالية هو أنّ هناك مسؤولين حكوميين وعسكريين عقدوا اجتماعات مع شخصيات متهمة بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين أو تربطهم علاقات وثيقة بالميليشيات التابعة لإيران التي ارتكبت هذه الانتهاكات. إذ التقى في نيسان / أبريل وزيرُ الثقافة في الحكومة الانتقالية، محمد ياسين صالح وجمال الشرع (شقيق أحمد الشرع)، بأحد وجهاء العشائر، فرحان المرسومي، والذي يقال إنه شيّد علاقات وثيقة مع الميليشيات الموالية لإيران ومع حكومة الأسد في محافظة دير الزور. وأثار الاجتماع ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا تثير هذه التصرفات الحكومية غضب السوريين فحسب، بل تزعزع كثيرا ثقةَ السوريين في قدرة الحكومة على محاسبة مرتكبي الانتهاكات السابقة. ولن يفضيَ هذا الشعور إلى شيءٍ يُلجِم الإعدامات الخارجة عن القانون للمشتبه بشدة في تورطهم سابقا مع قوات الجيش أو الأمن التابعة للنظام.
الخلاصة
بالنظر إلى التقدم المحدود الذي أُحرز في مجال العدالة الانتقالية حتى الآن، يظلّ كثيرٌ من السوريين مرتابين من التزام الحكومة الجديدة بتيسير العدالة الانتقالية وإتاحتها في البلاد. ورغم شنّ الحكومة حملات أمنية في المدن الكبرى منذ كانون الثاني / يناير 2025 واعتقالها أشخاصا تولَّوا مناصب في جيش النظام ومخابراته، إلّا أن حجم هذه الاعتقالات وطبيعتَها لا يرضي السوريين. وإضافة إلى ذلك، لم يقدّم الشرع منذ بداية حكمه إرشادات توضّح من سيستفيد من قرارات العفو. وعلى هذا النحو، يزعزع استعدادُ الحكومة لمنح «مصالحات» أو تعاملُها مع كبار القادة الموالين للأسد ثقةَ السوريين في قدرة الحكومة على الخوض في عمليات المساءلة الجنائية، وهو ما يدفع السوريين أكثر لمواصلة استهداف مَن يُشتبه به من العناصر السابقين في جيش الأسد ومخابراته.
بَيْدَ أنّ بعض الدلائل مؤخرا قد تشير إلى اقتراب بزوغ خطوات نحو عدالةٍ انتقاليةٍ ومساءلةٍ جنائيةٍ تُطِلّ على سوريا. إذ أعلن الشرع الأسبوع الماضي أنّ الحكومة ستشكّل لجنةَ عدالةٍ انتقاليةٍ خلال 30 يوما. وسيراقب المركز السوري للعدالة والمساءلة التقدّم الذي ستحرزه اللجنة في عدّة مهام رئيسية في الأشهر المقبلة. وإضافة إلى التحقيق مع المتهمين بارتكاب انتهاكات ومحاكمتهم كما ينبغي، يجب أن تتعاون هيئةٌ فاعلةٌ للعدالة الانتقالية مع الشعب السوري لوضع خطة واضحة شفافة لإصدار قرارات العفو تتضمن توجيهات توضّح متى يمكن إصدار قرارات العفو وما الحالات التي تنطبق عليها. قد تكون قراراتُ العفو قصيرةُ الأمد مناسبةً للحكومة حتى تستجيب للاحتياجات الملحّة وتخمد العنف، ولكن لا ينبغي إصدارها ارتجالا على نحوٍ يضع السوريين في حيرة من أمرهم ويدفعهم إلى تولي زمام الأمور بأيديهم. ولن تضع سوريا حدّا لهذا النمط من أعمال القتل الانتقامية إلّا بهذا التقدّم الواقعيّ الواضح الشفاف نحو العدالة الانتقالية.
________________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.