1 min read
إعلان دستوري إشكالي

إعلان دستوري إشكالي

 في 13 آذار/ مارس، وقع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إعلانًا دستوريًا سيتحدد بموجبه شروط الحكم في سوريا لمدة خمس سنوات قادمة. يحتوي هذا الإعلان على شيء يحبّه الجميع (أو يكرهونه)، أي أنه يحتوي على العديد من الأحكام التي تتناقض مع بعضها البعض. ومع ذلك، تبقى القضية الرئيسية هي تمركز السلطة في الرئاسة دون أي فصل حقيقي للسلطات أو نظام للرقابة والتوازنات. العديد من مواد الدستور تخلق إمكانيات لإساءة استخدام السلطة. 

مركزة السلطة 

يمنح الإعلان بشكل صريح السلطة الواسعة للرئيس الشرع لمدة خمس سنوات. وهذه مدة طويلة جدًا لفترة انتقالية دون أي رقابة أو توازن حقيقي. الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ومسؤول عن إدارة الشؤون الداخلية لسوريا. كما أنه رئيس مكتب الأمن القومي. يعين الرئيس نائبًا أو أكثر، وحكومته، والسفراء. لكنه أيضًا يعين لجنة ستنتخب ثلثي أعضاء مجلس الشعب (البرلمان السوري). علاوة على ذلك، يعين الرئيس مباشرة الثلث الآخر من المجلس. كما أن للرئيس صلاحية اقتراح القوانين، بينما يُعطى للمجلس الحق في التشريع وإرسال القوانين إلى الرئيس للتوقيع. 

ليس من الواضح أن مجلس الشعب سيشكل رقابة فعّالة على سلطة الرئيس إذا كان يتكون بالكامل من أعضاء تم تعيينهم إما بشكل مباشر أو غير مباشر من قبله. ومع ذلك، يتمتع الأعضاء بالحصانة البرلمانية (على الأقل طالما ظلوا في مناصبهم) ولا يمكن إزالة عضو إلا بتصويت ثلثي أعضاء المجلس. قد يسمح ذلك لبعض الأعضاء بالتصرف بشكل مستقل. 

على الرغم من إعلان استقلالية القضاء، فإن جميع أعضاء المحكمة الدستورية العليا، والبالغ عددهم سبعة، سيتم تعيينهم من قبل الرئيس. تم إلغاء المحكمة الدستورية السابقة. تطرح هذه الأحكام السؤال حول مصير أعضاء القضاء السوري السابقين. كما أن الإعلان صامت بشأن مدة ولاية القضاة، مما قد يؤثر أيضًا على استقلالية القضاء من خلال التأثير على القضاة بوظائفهم. 

حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية 

يكرس الإعلان قائمة مثيرة للإعجاب من حقوق الإنسان، بما في ذلك التنوع الثقافي والديني، وحق النساء في التعليم والعمل، وحرية التعبير بالإضافة إلى "جميع الحقوق والحريات في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان [...] التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية". ومع ذلك، تتناقض العديد من هذه الحقوق مع أحكام أخرى ضمن الإعلان الدستوري ذاته. على سبيل المثال، يتناقض الحق في عدم التمييز الديني وحق حرية المعتقد مع الأحكام التي تتطلب أن يكون الرئيس مسلمًا وتشير إلى أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. هذه الأحكام الأخيرة تفضّل دينًا واحدًا على حساب الأديان الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن حرية الدين تحترم فقط "الأديان السماوية" (التي يُحتمل أن يُقصد بها الأديان الإبراهيمية) ولا تشمل جميع الممارسات الدينية في سوريا. 

 كمثال آخر، يقر الحق في حرية الرأي والتعبير استثناءً ويجرم "تمجيد النظام السابق للأسد ورموزه". تم تمرير قوانين مشابهة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، تجرم إنكار الهولوكوست أو الإبادة الجماعية وقد تم قبولها من قبل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية. ومع ذلك، فإن الأحكام ضمن الإعلان فضفاضة للغاية، حيث تجرم "إنكار أو مدح الجرائم، أو تبريرها أو التقليل من شأنها". قد يصعب ذلك مناقشة فترة حكم الأسد، أو السماح بالدفاع العادل عن متهمين بجرائم حرب، دون تعريض الشخص للمسؤولية الجنائية. هذه مسألة كبيرة في تآكل حرية التعبير. 

أخيرًا، هناك عدة أحكام تمهد الطريق لإطار العدالة الانتقالية. يتضمن الإعلان تشكيل لجنة للعدالة الانتقالية ستحدد آليات المساءلة. كما يعترف بالجرائم الدولية، بما في ذلك جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، بالإضافة إلى الجرائم المحلية. على الرغم من أن الجرائم الدولية لم تكن جزءًا من القانون السوري خلال النزاع، فإن الإعلان يستبعد إمكانية الطعن في الملاحقات القضائية بناءً على ذلك. وهذا يعترف فعليًا بالقانون الدولي العرفي لهذه الجرائم بالإضافة إلى معاهدات حقوق الإنسان التي تم الإشارة إليها أعلاه. 

 صلاحيات الطوارئ 

يمكن للرئيس إعلان حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، دون أي إجراء من مجلس الشعب، حيث "يهدد خطر جسيم وحال" "الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية". يمكن تمديد حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر أخرى بموافقة مجلس الشعب. تسمح معاهدات حقوق الإنسان الدولية التي صادقت عليها سوريا للدول بتعليق حماية بعض الحقوق خلال حالات الطوارئ التي تهدد وجود الدولة فعلاً. ومع ذلك، يجب أن تكون حالة الطوارئ محدودة في نطاقها ومدة تأثيرها. مقارنة بالمعايير الدولية، فإن الأسباب التي تم ذكرها لتعليق الحقوق في الإعلان فضفاضة جدًا وقد تعرض حقوق السوريين للخطر، خاصة إذا تم تفسير الأحكام بشكل موسع. أي حالة الطوارئ دائمة انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان. 

 علاوة على ذلك، يبدو أن الإعلان الدستوري يسمح بممارسة صلاحيات الطوارئ، حتى في غياب إعلان رسمي للطوارئ. تنص المادة 23 على أنه "تصون الدولة الحقوق والحريات... ويجوز إخضاع ممارستها للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني، أو سلامة الأراضي، أو السلامة العامة، أو حماية النظام العام، ومنع الجريمة، أو لحماية الصحة أو الآداب العامة". يمكن استخدام هذا النص لإلغاء حقوق الإنسان المعترف بها في الإعلان مع إشراف ضئيل أو معدوم. من الناحية المثالية، يجب أن ترى المحكمة الدستورية العليا أن حالة طوارئ وطنية حقيقة قد وقعت بالفعل لممارسة هذا "التقييد". لكن هذا غير واضح من النص وحده. 

 اللامركزية 

تتكون سوريا من 14 محافظة و65 منطقة و281 ناحية. ومنذ عام 2011، كانت تحكمها عدة مجموعات متمايزة، قسمت البلاد إلى أربعة أنماط حكم تقريبا. علاوة على ذلك، يشمل تنوع سوريا، الذي يعترف به ويحميه الإعلان، العديد من الإثنيات والمجموعات الدينية. من المعروف أن الانقسامات بين الأقليات الإثنية والدينية تم استغلالها من قبل أسرة الأسد للحفاظ على قبضتها على السلطة. لذلك، يجب أن تتضمن أي مناقشة حول الحكومة المستقبلية لسوريا مناقشة هذه الانقسامات وكيفية توحيد البلاد بشكل أفضل. 

يجب أن تكون اللامركزية، وهي طريقة لتوزيع السلطة بين الحكومات الإقليمية في إطار حكومة واحدة، جزءًا من هذه المناقشة. تعتبر هذه الأشكال من الحكومات شائعة في جميع أنحاء العالم وتسمح بقدر من الاستقلالية الإقليمية مع حماية الوحدة الوطنية واحترام حقوق الأفراد. بعد كل شيء، كانت المركزية المفرطة في السلطة هي التي ساهمت في الإساءة الكبيرة للسلطة من قبل الحكومة السابقة. 

يؤكد الإعلان الدستوري على ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة سوريا، أرضًا وشعبًا. ويجرم "دعوات التقسيم والانفصال، وطلب التدخل الأجنبي أو الاستقواء بالخارج". كما ينص على أن سوريا "وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ". لسوء الحظ، يمكن استخدام هذه الأحكام لمنع مناقشة اللامركزية أو الفيدرالية أو أي شكل من أشكال تشارك السلطة. 

الخاتمة 

يُعد الإعلان الدستوري وثيقة حاكمة مؤقتة حتى تتمكن الجمعية التأسيسية من صياغة وثيقة دستورية كاملة لسوريا الجديدة. يتوافق الإعلان بالعديد من الأمور مع المعايير الدولية، لكنه يفتقر إلى توزيع السلطة. يجب ألا تكون سلطات الرئيس غير خاضعة للرقابة، ويجب أن يكون هناك طرق هادفة لتحقيق توازن بين السلطة التنفيذية ومجلس الشعب والقضاء. بدون ضوابط مؤسسية قوية، سيسمح الغموض الموجود في الإعلان بإساءة استخدام السلطة وتمركز السلطة. نظرًا لتاريخ سوريا الطويل من الاستبداد، يستحق الشعب السوري أن يكون له رأي أكبر في حكومته. 

 ________________________________

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.