المأساة الأخيرة تسلّط الضوء على محنة اللاجئين السوريين
خفر السواحل الايطالي ينقذ مهاجرين ممن نجوا من الغرق قبالة سواحل لامبيدوزا عام 2013 | الصورة من موقع حرس السواحل
في منتصف نيسان/أبريل، لقي أكثر من 900 مهاجر، كثير منهم سوريون، مصرعهم غرقاً في عُرض البحر بينما كانوا يجازفون بخوض غِمار الرحلة الخطرة عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا في حادثة رثاها المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس بوصفها “مأساة من رحم مأساة“. ويُعبّر المركز السوري للعدالة والمساءلة عن حزنه لغرق مئات اللاجئين الذين خاطروا بكل شيء ليحظوا بفرصة حياة أفضل جرّاء الصراع والحرمان الذي واجهوه في دولهم، وإهمال المسؤولين الأوروبيين، وجشع مهربي البشر الذين استغلوا يأس أولئك اللاجئين. وبالنسبة للمركز السوري، فإن المأساة الأخيرة تسلّط الضوء على محنة اللاجئين السوريين، وهو مجتمع ما فتئ يزداد يوماً بعد يوم.
وبحسب جميع التقارير المتوفرة، يدرك السوريون جيداً المخاطر التي يواجهونها عندما يدفعون لمهربين مبالغ مالية باهظة، ويضعون ثقتهم في غرباء لإيصالهم بأمان إلى أوروبا. ومع ذلك، يواصل آلاف السوريين القيام بتلك الرحلة كل شهر، مما يدلّ على حالة اليأس التي آلت إليها الأوضاع في سوريا والدول المجاورة. وحتى بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في مناطق آمنة نسبياً في سوريا، فإن انعدام الفرص وتدهور الوضع الاقتصادي يُذكي جذوة لوعة السوريين لحياة أفضل في الخارج.
وبما أن الدول المجاورة قد قلّصت من قدرة السوريين على دخول حدودها والعمل فيها بمجرّد وصولهم إليها، يبدو أن عبور البحر إلى أوروبا بات الخيار الوحيد الجيد. ولكن حتى بالنسبة لأولئك الذين ينجون في هذه الرحلة، لا يلبثون أن يجدوا بأن حياتهم الجديدة محفوفة بالمصاعب. وحتى تاريخه، لم تقم الدول الأوروبية بإيجاد سوى النذر اليسير من المسارات لإعادة توطين السوريين داخل حدودها. لا يتحدث العديد من السوريين اللغة الإنجليزية، ناهيك عن اللغة المحلية، كما أن وضعهم غير النظامي قد تركهم في حالة من النسيان القانوني.
وما لم تطور أوروبا خطة أكثر شمولاً لحماية المهاجرين الذين يقصدون أوروبا وتعيد توطينهم بمجرد وصولهم، فسوف تتكرّر مأساة 18 نيسان/أبريل. ولكن حتى الآن، كان هناك مقاومة لذلك، إذ قامت إيطاليا- في محاولة منها لثني المهاجرين عن القيام بالرحلة في المقام الأول– بوقف دوريات البحث والإنقاذ المنتظمة في البحر المتوسط في العام الماضي. وقد كان الإخفاق هو مصير هذه السياسة، إذ تقدّر المفوضية السامية لحقوق اللاجئين أن أكثر من 500 ألف لاجئ سيسافر إلى أوروبا عن طريق البحر في عام 2015.
وتقلل إستراتيجية أوروبا الحالية من شأن المدى الذي سيذهب إليه الناس هرباً من الواقع المرير الذي يعيشون فيه. وبدون وجود خطة شاملة، لن يتمكّن أولئك الذين ينجحون في الوصول إلى أوروبا من إعادة التوطين باتباع وسائل قانونية، ولن يكون لدى السوريين غير النظاميين الذين يعيشون في أوروبا ما يكفي من القدرة ليساهموا في مستقبل سوريا بمجرّد انتهاء القتال. وتطلب عمليات العدالة الانتقالية الفعالة مشاركة شريحة المهجّرين السوريين الكبيرة، ولكن سيكون من الصعب على آليات العدالة أن تقوم بالتوعية والسعي طلباً لمساهمة المهاجرين غير النظاميين في أوروبا. وعلاوة على ذلك، قد يفقد المدّعون العامون الأوروبيون الذين يحققون في جرائم الحرب وقضايا الإرهاب إمكانية الوصول إلى الشهود والأدلة من أولئك الذين يجدون حرجاً في التطوع للإدلاء بالمعلومات.
وبينما تناقش أوربا كيفية التصدي لتحديات الهجرة على نحو أفضل، فإن بعض الإصلاحات التي يمكن النظر فيها يشمل زيادة أعداد اللاجئين المقبولين لإعادة توطينهم في أوروبا؛ وتوسيع الخيارات المتاحة للطرق القانونية للهجرة؛ وتوسيع خدمات الدعم وإعادة التوطين لأولئك الموجودين على أراضي تلك الدول. وبالإضافة إلى ما تقدم، لا بد من الاعتراف بأن تدفق أفواج اللاجئين إلى أوروبا ودول أخرى لن ينحسر ما لم يتم معالجة السبب الجذري — ألا وهو العنف المستمر في سوريا. وبوجود قرابة أربعة ملايين من السوريين المهجّرين خارج البلد، لم يعد غضّ الطرف عن أزمة اللاجئين خياراً.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم الملاحظات والآراء، يرجى الاتصال مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].